أين الحرية والعدل؟ رئيس جامعة الأزهر يستنكر إبادة الأطفال والنساء في غزة
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
استنكر الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، الإبادة التي يتعرض لها الأطفال والنساء في غزة منذ ما يربو على خمسة أشهر من العدوان الصهيوني الغاشم؛ جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الدولي السادس عشر الذي تنظمه كلية الهندسة بنين جامعة الأزهر بالقاهرة برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبحضور فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، والدكتور محمد المحرصاوي رئيس الجامعة السابق،نائب رئيس مجلس ادارة المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، والدكتور محمد مهنى، عميد كلية الهندسة بنين بالقاهرة رئيس المؤتمر، والذي يقام تحت عنوان: (التطبيقات الهندسية الحديثة والذكاء الاصطناعي لتحقيق الاستدامة).
قدم رئيس الجامعة التهنئة للحضور جميعًا والعالم الإسلامي بليلة النصف من شعبان التي ينزل فيها ربنا إلى السماء الدنيا فيغفر لكل مستغفر إلا المشرك والمشاحن، فأروا الله تعالى من أنفسكم خيرًا.
كما قدم التهنئة بقرب حلول شهر رمضان المبارك، داعيًا المولى -عز وجل- أن يبارك لنا في رجب وشعبان وأن يبلغنا رمضان.
ونقل رئيس الجامعة للحضور تحيات فضيلة الإمام الأكبر، ودعواته الصادقة للمؤتمر بالتوفيق والسداد.
وقال فضيلة الدكتور سلامة داود: إن التطور العلمي الذي يشهده العالم ينبغي أن يكون معينًا للإنسان على عمارة الكون والانتفاع بما أودع الله فيه من نعم ظاهرة وباطنة، وهي أوسع من أن تُحصى، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ وقوله تعالى: ﴿وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ لافتًا إلى أن من أجل نعم المولى -عز وجل- على الإنسان نعمة العقل؛ مؤكدًا أنه لولا العقل ما قامت الحضارات ولا تقدمت البشرية؛ لأن العقل هو منتج المعرفة وقائدها ورائدها، وتفاوت العقول آية من آيات الله تدل على عظيم نعمته، فلولا العقل لبقيت العلوم كامنة في مستودعات المجهول.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن خلق الإنسان معجزة إلهية تحدى الله تعالى بها البشرية؛ ولذا كثر في آي الذكر الحكيم التذكيرُ بهذه النعمة؛ لأنها من عطاء الأعلى، والأعلى هو الله الذي جعل سورة من القرآن الكريم بهذا الاسم، فقال جل وعلا: ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ وأول ما ذكر من صفات الأعلى ونعمه قوله: ﴿الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى﴾، وقال جل وعلا: ﴿هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه﴾.
وبين رئيس جامعة الأزهر أن كل ما اخترعه الإنسان على مر التاريخ من نتاج العقل ومن ثماره وحصاده، والعقل من صنع ربي، لم يدَّع أحدٌ أنه خلق العقل الذي بهر العالم بمنجزاته، كما لم يدَّع أحدٌ أنه خلق الإنسان، قائلًا: إنه عِز الربوبية وسلطان الألوهية الذي يقول للشيء كن فيكون، خلق السماوات والأرض بكلمة واحدة وهي ﴿كن﴾ وخلق الإنسان بكلمة واحدة وهي ﴿كن﴾ وخلق كل شىء بكلمة واحدة وهي ﴿كن﴾؛ إنه الله الذي تحار العقول في صنعه، وتسجد القلوب والأفكار خاشعة في محراب ملكه وملكوته، هو الذي قال للسماء والأرض: ﴿ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها﴾.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن الذكاء الاصطناعي ذكاءٌ صنعه العقل البشري، ذكاءٌ صنعه الذكاءُ البشري، والذكاء البشري صنعةُ الله وآيتُه ومعجزتُه وحكمتُه، قائلًا: أعذروني أني كررت التنبيه على ذلك؛ حتى لا ننخدع بمنجزات العقل البشري وننسى أن هذه المنجزات ما كانت لتكون لولا هذا العقل البشري الذي هو نعمة الله وصنعته وآية قدرته وعنوان ربوبيته ودليل ألوهيته، مشيرًا بأن عقول الخير تنتج للإنسانية الخير والسعادة، وعقول الشر تنتج للإنسانية الشر والدمار.
وتعجب رئيس جامعة الأزهر مما تناقلته وسائل التواصل صباح اليوم من أن وزيرة المساواة الاجتماعية ماي غولان تقول: إنها فخورة بالدمار الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي في غزة، هذه هي العقول الشيطانية التي اتخذها إبليس جنودًا؛ عقول انطفأت فيها أنوار الحق والعدل والرحمة، وأوقدت فيها نيران الحقد والكراهية، فكان ما كان من التدمير والقتل والدماء، وإذا كان هذا تفكير وزيرة المساوة الاجتماعية فأقم على المساواة مأتمًا وعويلًا.
كما أوضح رئيس جامعة الأزهر أن نحو خمسة أشهر مضت على أهل غزة وهم في طواحين الإبادة الجماعية التي حكمت عليهم بها إسرائيل وصدقت على هذا الحكم أمريكا، لافتًا أن أصوات دعاة السلام في العالم بُحت دون فائدة، وإنا نجأر إلى الله الذي ﴿أهلك عادًا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى﴾ نجأر إليه -جل جلاله- أن يهلك عادًا الثانية وأعوانها وأبناءها وحفدتها وأن يصب عليهم سوط عذاب؛ لأنهم طغوا في البلاد.
وأضاف رئيس جامعة الأزهر أن عجز منظمة الأمم المتحدة عن اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار جعل أحرار العالم ينادون بتغيير هذا النظام العالمي الذي لا يستطيع نصر الضعيف وكبح عدوان الظالم؛ فهو نظام ينبغي تغييره إلى نظام آخر يستطيع أن يرد الظالم ويوقف عدوانه على الأبرياء.
وتساءل رئيس جامعة الأزهر:
ما ذنب الآلاف من أطفال غزة أن يقتلوا؟ ما ذنب آلاف النساء أن يقتلوا؟ ما هذا العدوان الهمجي الذي لم يشهد له العالم مثيلًا؟ أين الحرية التي صدعنا العالم الحر بها على مدار العقود الماضية؟ أين العدل الذي أقيمت له محكمة قاصرة عاجزة عن تطبيقه؟
وقال رئيس جامعة الأزهر:
لنعد إلى ما نحن فيه، وإن كان ما يحدث في غزة يلغي كل حديث ويجعل طعمه مرًّا كريهًا؛ لأننا نتكلم والرصاص الحي يخترق القلوب، والمتفجرات تفجر الأشلاء والضحايا وتمزقهم تمزيقًا.
لنعد إلى الذكاء الاصطناعي، إن الذكاء الاصطناعي طفرة في الذكاء البشري في مجال علوم الكمبيوتر، يقوم على تغذية هذا العقل الصناعي بكميات كبيرة من المعلومات والبيانات والإحصاءات؛ للإفادة منها في حل المشكلات واتخاذ القرارات، وقد بدأ الحديث عنه في العالم منذ عام 1950م، ولا يزال البحث مستمرًّا في هذا النوع من الذكاء إلى يومنا هذا، حتى توصل الإنسان في ضوئه إلى صناعة طائرات بدون طيار، وصناعة إنسان آلي يتدخل في تفجير الألغام وإزالتها، وكان له دور بارز في جائحة كورونا حين كان الاقتراب من المصاب بها أو الميت خطرًا عظيمًا، ولا تزال العقول تكتشف جديدًا كل يوم.
وخاطب رئيس جامعة الأزهر الحضور قائلًا: ينبغي أن توضع لهذا الذكاء الاصطناعي ضوابطه الأخلاقية؛ حتى لا ينفلت؛ فكل ما عاد على الإنسان والحياة بالخير فهو خير ومرغوب فيه، وكل ما عاد على الإنسان والحياة بالشر فهو شر، وينبغي أن لا يستغل الذكاء الاصطناعي في التجسس على الآخرين وانتهاك حرياتهم.
وأكد رئيس الجامعة أن جامعة الأزهر التي تسند ظهرها لأكثر من ألف وثلاثة وثمانين عامًا مضت من عمر الزمن تفتح ذراعيها لكل علم يعود بالخير على البشرية؛ تحقيقًا لإرادة المولى -عز وجل- نحو عمارة الأرض.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی رئیس الجامعة الأزهر ا فی غزة
إقرأ أيضاً:
الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
#سواليف
أنا السجّان الذي عذّبك
#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️إنه #الحبيب_محمد ﷺ صاحب الخلق العظيم {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} آية 4 سورة القلم، وهو الذي بعثه ربه سبحانه ليتمم مكارم الأخلاق “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. ولأنه كذلك ﷺ فإنه أحب أن يكون المسلمون على نهجه وعلى خلقه ﷺ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} آية 21 سورة الأحزاب. لقد أحب الخير ودعا الناس إليه، وكره الشرّ ونهى الناس عنه، حتى أنه صنّف الناس إلى صنفين اثنين لمّا قال: “إن من #الناس #مفاتيح_للخير #مغاليق_للشر، وإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشرّ على يديه”.
✍️نعم، إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ، فتجد أحدهم مثل الطيب والمسك لا تسمع منه ولا ترى منه إلا كل خير، ولا يكون منه إلا ما يسرّك، هيّن ليّن سهل متسامح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. إذا حدّثك اطمئن قلبك إليه، يشعر بشعور الآخرين، يتحدث عن الأمل والتفاؤل، يتنازل عن مصلحته الشخصية من أجل الصالح العام، إذا دُعي إلى فضيلة لبّى واستجاب، وإذا دُعي إلى رذيلة كأن في أذنيه صممًا.
✍️وبالمقابل، فإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير، فتجد أحدهم مثل نافخ الكير تتأذى منه كلما اقتربت منه، فظّ غليظ، فاحش في القول، يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، إذا حدّثك عرفته في لحن القول {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} آية 30 سورة محمد. فلا تطمئن لكلامه، وعندما تشعر بالريبة في كل ما يقول لا يهمّه إلا نفسه، شعاره في الحياة “أنا وليذهب غيري إلى الجحيم”، تجده دائمًا محبطًا سوداويًا متشائمًا، إذا دُعي إلى فضيلة تجاهل وتغافل، وإذا دُعي إلى رذيلة كان سبّاقًا إليها.
✍️إن الذين هم مفاتيح الخير مغاليق الشرّ يكون أحدهم كالعافية والبلسم لجراح الناس وآلامهم، إذا تكلّم نفع ورشد، وإذا طُلب منه النصيحة أخلص فيها وصدق. سبّاق لعمل الخير بما يرضي الله تعالى، هو مفتاح خير وسفير هداية، مغلاق شرّ، صمام أمان لأهله ومجتمعه، جنّد نفسه في حزب الرحمن لنشر الخير والفضيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
✍️وأما الذين هم مفاتيح الشرّ مغاليق الخير، يكون أحدهم كالداء والعلة، هو محضر سوء حيثما كان، إذا اجتمع بجلسائه شغلهم بما يضرهم ولا ينفعهم، يشقيهم بالقيل والقال، سيء المعاملة، إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، إذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالإثم، جعل نفسه جنديًا في حزب الشيطان لنشر الفتن والفساد والرذيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للشرّ مغلاقًا للخير.
????المسامح بطل
✍️وإن من أعظم الأخلاق التي إن وُجدت في شخص، فإنها تضعه في خانة مفاتيح الخير ومغاليق الشرّ، إنه خُلق العفو عن الناس والتسامح معهم. فالعفو هو أن تصفح عمن أخطأ بحقك وأساء إليك مع قدرتك أن ترد بالمثل، ولكن ولأنك مفتاح للخير، فإنك تعفو وتصفح وهذا يرفع قدرك بين الناس ويعوضك الأجر في الآخرة ربّ الناس سبحانه. يقول النبي ﷺ: “ينادي منادٍ يوم القيامة، ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، قال: ومن الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس”.
إنه مفتاح الخير محمد ﷺ يعلمنا خلق العفو بقوله: “صل من قطعك، واعف عمّن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك”.
✍️فإذا كنت تريد أن تكون من هؤلاء الذين أجرهم على الله، فاعف واصفح عمن أساء إليك أو أخطأ بحقك أو قصّر معك، ألم يقل الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى.
سامح صديقك إن زلّت به قدم فليس يسلم إنسان من الزلل
✍️فأن تصبر على من أخطأ بحقك، وأن تعفو عمّن ظلمك، وأن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك، هذه أخلاق الرجال الأبطال مفاتيح الخير، وهي التي توصل أصحابها إلى أعلى الدرجات يوم القيامة.
✍️ إن الناس الطيبين هم مفاتيح الخير والعملة الذهبية الأصيلة وليست المزيفة، هم الذين إذا أسيء إليهم فيتوعّدون بالانتقام، ولكنهم سرعان ما تخبو ثورة غضبهم فيعودون إلى أصالتهم، فعندما تأتيهم فرصة الانتقام ممن أساء وتطاول عليهم، تصرخ في ضمائرهم وفي قلوبهم نزعة الخير تنادي {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. وأي تسامح أعظم من تسامح الخالق عز وجل عندما يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} آية 22 سورة النور.
✍️ إن مفاتيح الشرّ مغاليق الخير من الناس، هم الذين في أقوالهم وأفعالهم وحديّتهم بين الناس يشيعون أن العفو والتسامح هو سلوك الضعفاء والجبناء، ويزرعون هذا في سلوك أبنائهم ومن حولهم، ويتجاهل هؤلاء سلوك وهدي أشجع الرجال سيّدهم محمد ﷺ يوم فتح مكة وقد أصبح رجالات قريش الذين ظلموه وأساءوا إليه وشتموه وطعنوا في عرضه وسلبوا ماله وهجّروه من بيته، وكان بإمكانه أن يُعمل السيف في رؤوسهم، لكن ولأنه كان مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ فما كان منه إلا أن قال: “يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء”.
✍️ يروى أن أعرابيًا جيء به إلى السلطان يحاكمه على تهمة اتهم بها، فدخل على مجلس القضاء وهو يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} آية 19 سورة الحاقة. فقيل له: إن هذا سيقال يوم القيامة وليس في الدنيا، فقال: والله إن هذا اليوم شرّ من يوم القيامة، ففي يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي وأنتم اليوم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي.
✍️ نعم، ما أجمل وأعدل أن لا ترى في الآخرة أنه كومة من الشرّ والسلبيات، وأنه رغم ما فيه من سلبيات وسيئات، لكن لعلّ فيه حسنات وفضائل تُذكر بها. وما أجمل أن يكون هذا منطق وروح التعامل مع ابنك ومع زوجتك ومع جارك ومع الناس أجمعين، فإن كان منهم ما يسيء، فتذكر أن فيهم كثيرًا مما يفرحك. وما أجمل ما قاله في ذلك الإمام الشافعي:
سامح أخاك إذا خلط منه الإصابة والغلط
وتجاف عن تعنيفه إن زاغ يومًا أو قسط
واعلم بأنك إن طلبت مهذبًا رمت الشطط
من الذي ما ساء قطّ ومن له الحسنى فقط
✍️وما أجمل ما ورد في قصة المسيح عليه السلام مع تلاميذه يوم مرّ على كلب أسود مّيت على جانب الطريق، فقال أحدهم: ما أنتن ريحه. وقال آخر: ما أطول مخالبه. وقال ثالث: ما أشد سواد شعره. فقال لهم عيسى عليه السلام: وما أشدّ بياض أسنانه”. أي أنه بجانب ما تأذيتم به منه فإن فيه ما يُمدح.
✍️قال ابن القيم رحمه الله: “يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوبًا لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها الله لك، فإذا أردت أن يغفرها الله لك، فاغفر أنت لعباده، وإذا أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده”.
???? النبيل ليس ذليلًا
✍️ما أعظمه خلق العفو والتسامح الذي أحب الله سبحانه من يتخلّق به لأنه صفة من صفاته، فهو “العفو” جلّ جلاله، وهو “الغفور” سبحانه، وهو الذي يتخلّق به عباده. إنه أفضل دعاء في أفضل ليلة هي ليلة القدر، وقد قالت أمنا عائشة رضي الله عنها لرسول الله ﷺ: “يا رسول الله أرأيت إن أدركتني ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”. وقد ورد في صحف إبراهيم أن الله سبحانه يقول: “يا ابن آدم وعزّتي وجلالي لا بد لك من الورود إليّ والوقوف بين يدي، أعدد لك أعمالك وأحسن لك أقوالك، حتى إذا أيقنت بالبوار وظننت أنك من أصحاب النار قلت لك: لا تحزن يا عبدي فلأجلك أسميت نفسي العزيز الغفار”.
✍️ نعم، إن التسامح وإن العفو هو من سلوك وشيم أصحاب النفوس الكبيرة والعالية، بينما الحقد والانتقام هو من شيم أصحاب النفوس الدنيئة التي تتمتع بعيش الوحل والطين والأحقاد، حيث الانشغال بالأمور التافهة وتضييع الأوقات وهدر الطاقات على سفاسف الأشياء، بينما التسامح يفتح أبواب الراحة والطمأنينة وسكينة النفس، كما قال الإمام الشافعي:
لما عفوت لم أحقد على أحد أرحت نفسي من همّ العداوات
وقال أحدهم: “لا ينبل الرجل، أي لا يكون نبيلًا حتى يكون فيه خصلتان: الغنى عمّا في أيدي الناس، والتجاوز عمّا يكون منهم”.
✍️ إن أصحاب النفوس الكبيرة المشغولة بقضايا شعبها وأمتها ودينها، والمشغولة بهمّ الآخرة ودخول الجنة والنجاة من النار، لا يسمحون لأنفسهم أن يجرّهم إلى مستنقع الوحل والطين والأحقاد والعداوات أحد من الخلق، ولا يقع في فخ الأعداء ومخططاتهم باسم العائلية وغيرها من العصبيات. ولذلك فإن ديدنهم هو التسامح وعدم الوقوف عند انشغالات الصغار الذين لا يرون من الدنيا إلا أنفسهم، ولا ينظرون إلا إلى موطن أقدامهم، فهناك يبدأ التاريخ وهناك يتوقف.
✍️كان مما اشتُهر عن شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كان له خصوم حسّاد، فكان يقول: “من ضاق صدره عن مودتي وقصّرت يده في معونتي كان الله في عونه وتولى جميع شأنه، وإن كل من عاداني وبالغ في إيذائي، فلا كدّر الله له صفو أوقاته ولا أراه مكروهًا في حياته”.
✍️ وقبل شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه العظيم أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي الله عنه، فيروى أنه كان في مرض الموت فسمع رجلًا مسنًا على باب بيته يبكي كما تبكي النساء، فلمّا دخل على الإمام أحمد زاد من بكائه وقال: كنت أنا السجّان الذي عذّبك لمّا كنت في السجن في فتنة خلق القرآن، وإني أتيتك الآن راجيًا أن تسامحني وتعفو عني. فما كان من الإمام أحمد إلا أن بكى لبكائه ودعى الله أن يغفر له وإن كان مرّ على ذلك سنون طوال. فسأله ابنه كيف تستغفر له يا أبتي وهو الذي عذّبك وأهانك وآذاك؟ فقال الإمام أحمد: ماذا ينفعك يا بني أن يُعذَّب أخوك بسببك؟ ألا تعلم قول الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. ألا تعلم يا بني أنه إذا كان يوم القيامة وجثت الأمم بين يديّ رب العالمين نودوا ليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا وإني لأرجو الله أن أكون واحدًا منهم.
✍️ هل هناك عطاء أعظم من عطاء الله لأصحاب خلق العفو والتسامح لما جعل جزاءهم ليس إلا جنّة عرضها السماوات والأرض، كما قال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آية 133- 134 سورة آل عمران.
✍️فكن ممن أجره على الله، وكن من العافين عن الناس، وكن من رهط محمد ﷺ {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} آية 29 سورة الفتح. وكن مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
كن مسلمًا وكفاك بين الناس فخرًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.