«عمان»: عبّرت معالي الدكتورة مديحة بنت أحمد الشيبانية وزيرة التربية والتعليم عن بالغ الشكر والعرفان لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه اللهُ ورعاه- على ما حظي به قطاع التعليم المدرسي من رعاية واهتمام بالغين وتخصيص يوم الرابع والعشرين من شهر فبراير من كل عام يوم إجازة رسمية لكافة المعلمين والمعلمات وشاغلي الوظائف التدريسية والإدارية المرتبطة بها في المدارس الحكومية والخاصة تقديرًا لعطاءاتهم المخلصة في أداء الأمانة الموكلة إليهم.

وثمّنت معاليها في كلمتها بمناسبة يوم المعلم العُماني الجهود التي يقوم بها المعلمون والمعلمات، وتفانيهم في أداء رسالتهم التربوية لتنشئة الطلبة التنشئة السليمة، وإعدادهم للإسهام في بناء مسيرة التنمية الشاملة في هذا البلد العزيز.

كما ثمّنت معاليها التهنئة الكريمة التي تفضّلت بها السّيدةُ الجليلةُ حرمُ جلالةِ السُّلطان المعظم - حفظها اللهُ ورعاها - لبُناة هذا الوطن من المعلمين والمعلمات بهذه المناسبة السعيدة وتقديرها البالغ للجهود المبذولة من الهيئات الإدارية والعاملين كافة في الحقل التربوي.

ويأتي احتفال سلطنة عمان ممثلة بوزارة التربية والتعليم بيوم المعلم إجلالًا وتقديرًا وتأكيدًا على الدور الفاعل والمستمر والرسالة العظيمة التي يقوم بها المعلم في العملية التربوية والتعليمية، باعتباره المحرك الأساسي في المنظومة التربوية والتعليمية، والقادر على غرس قيم المواطنة والتسامح وخدمة المجتمع في نفوس النشء منذ التحاقها بالمدرسة وحتى الانتهاء منها، وتوجيهها نحو الطريق الصحي لإيجاد جيل متسلح بالمعرفة والثقافة والوعي نحو مجتمعه ووطنه؛ ليقوم بدوره للارتقاء بوطنه، والنهوض به في كافة مجالات الحياة حاضرًا ومستقبلًا، وبلغ عدد المعلمين بالمدارس الحكومية في سلطنة عمان (61195) معلما ومعلمة، منهم (18800) معلم، و(42395) معلمة، بينما بلغ عدد الكادر الإداري بالمدارس الحكومية (10652)، منهم (4306) إداريين، و(6346) إدارية، وبلغت نسبة نمو أعداد المعلمين خلال السنوات الأربع (2020-2023م) نحو (7.7)، بمتوسط معدل نمو سنوي يعادل (1.9).

برامج الإنماء المهني

ويحظى المعلم العماني باهتمام وافر ومتواصل من قبل الوزارة ويتمثل ذلك من خلال توفير برامج ودورات ومشاغل تأهيلية وتدريبية وتطويرية للارتقاء بقدراته المهنية والوظيفية وفق المستجدات والتحولات المستمرة التي يشهدها الحقل التربوي، ومن أبرز ما حظي به المعلم العماني في مجال التدريب والتطوير إنشاء المعهد التخصصي للتدريب المهني للمعلمين ومعهد التدريب الرئيسي ومراكز التدريب في المحافظات التي تُسهم بدعم جهود المعلم العُماني والارتقاء بمساره المهني والوظيفي، حيث يقدم المعهد التخصصي للتدريب المهني للمعلمين عدة برامج، منها: برنامج المعلمين العمانيين الجدد، وبرنامج خبراء المواد في مواد: الرياضيات، والعلوم، واللغة الإنجليزية، واللغة العربية (١-٤)، واللغة العربية ( ٥-١٢)، وخبراء المجال الثاني، برامج الوظائف الإشراقية، وهي: برنامج القيادة المدرسية، وبرنامج المعلمين الأوائل، وبرامج إشراف الوظائف المساندة ومشرفي الإدارة المدرسية، حيث بلغ عدد المتدربين في هذه البرامج التدريبية خلال العام الدراسي (2023- 2024) ما يقارب (7515) متدربًا ومتدربة.

خدمات الإشراف التربوي

يمثل المعلم اللبنة الأساسية الأولى في العملية التعليمية، لما له من دور كبير في إعداد الأجيال الصالحة للمستقبل، وقد أولت المديرية العامة للإشراف التربوي اهتماما خاصا لهذا المعلم ليكون مؤهلا في توصيل رسالته السامية، ومن بين أوجه الاهتمام تمكين المعلم الجديد في المهارات التدريسية من خلال البرامج والورش التدريبية مثل البرنامج التعريفي لتأهيل المعلمين الجدد والذي نفذ عبر عدة مراحل تدريبية مباشرة وافتراضية، ومن تقديم نخبة من التربويين في مختلف التخصصات العلمية والتربوية، وتقدير وتعزيز المعلمين المجيدين بشهادات شكر وتقدير ترسل إلى محافظاتهم التعليمية، ورعاية المعلم ضعيف الأداء ودعمه ومساندته، ومتابعة تطور الأداء لديه، ومتابعة تقديم الدعم للمعلمين الجدد من المحافظات التعليمية، وصقل المهارات الفنية العلمية والتربوية لدى المعلمين أثناء اللقاءات والزيارات الإشرافية التي تقوم بها الفرق الزائرة لمختلف المحافظات التعليمية، والمتابعات المباشرة للمعلمين في مدارسهم وتقديم الدعم والمساندة اللازمة لهم أولا بأول، وتعميم نشرات علمية تمكن المعلمين في المكونين العلمي والتربوي والمستجدات المرتبطة بهما بمختلف المواد والتخصصات العلمية.

حرص واهتمام

كما تحرص المديرية العامة للإشراف التربوي على إقامة الملتقيات المتخصصة بالمادة وتوظيف البحوث العلمية والدراسات لتطوير أداء المعلمين، وذلك لتبادل الخبرات بين المعلمين من خلال إتاحة الفرصة لهم للمشاركة بأوراق عمل في الملتقيات المباشرة الافتراضية، كما تسعى إلى تعزيز المعلمين المجيدين بتسجيل دروس على الهواء وتقديمها بالقنوات التلفزيونية، وإتاحة الفرصة للمعلمين والمعلمين الأوائل لمراجعة الكتب المحدثة والمطورة قبل اعتماها وطباعتها، وتبني الابتكارات والمبادرات التي ترد من المعلمين ومراجعتها وتعميمها لتوسيع نطاق الاستفادة منها، وترشيح المعلمين المجيدين للمشاركة في المؤتمرات والملتقيات الدولية وفق أسس وضوابط محددة.

كما تعمل الوزارة على الاهتمام والرقي بالمعلم وتطوير أدائه، فقد بلغ عدد الدارسين من المعلمين والمعلمات الحاصلين على شهادة الماجستير بنظام التفريغ الكلي قبل (2022/1/1م) نحو (2231) معلمًا ومعلمة، بينما بلغ عدد الحاصلين على شهادة الدكتوراة بالنظام نفسه (337) معلمًا ومعلمة، وبلغ عدد الدارسين من المعلمين والمعلمات الحاصلين على شهادة الماجستير بنظام التفريغ الجزئي (1483)، وعدد الدارسين منهم الحاصلين على شهادة الدكتوراة بالنظام نفسه (166) معلمًا ومعلمة.

تكريم واستحقاق

ويأتي تخصيص اليوم الرابع والعشرين من فبراير من كل عام للاحتفال بالمعلم العماني تعزيزا وتقديرا لعطاءاته المخلصة ولرسالته التربوية، وإجلالا وتقديرا وتأكيدا على دوره الفاعل والمستمر والرسالة العظيمة التي يقوم بها في العملية التربوية والتعليمية، كما أن تخصيص جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- لهذا اليوم إجازة رسمية للمعلم لهو تأكيد على استحقاق المعلم العماني الاهتمام والرعاية من لدن جلالته؛ والدور الكبير الذي يقوم به المعلم في بناء أعمدة راسخة لسلطنة عمان، وبناء مسيرة التنمية الشاملة فيها.

وعبر معلمون عن فرحتهم بهذه المناسبة رافعين أسمى آيات الشكر والعرفان لجلالة السلطان على اهتمامه البالغ بالمعلم العماني، ومثمنين الجهود التي تبذلها الوزارة للنهوض والرقي بهم، حيث قالت ميساء بنت علي الشبلية معلمة لغة إنجليزية بمدرسة دوحة الأدب للتعليم الأساسي: يوم المعلم من المناسبات العظيمة التي ترصدُ مسيرة من العطاء، والجهد المتواصل، في هذا اليوم الرابع والعشرين من فبراير تتجسدُ كل معاني الإجلال، والوفاء لهذا الضياء الذي ينيرُ طرقاتِ الحياة بعلمه، ومعرفته، لذا يحقُ لنا جميعا أن نحتفي بكل معلمٍ ومعلمة على أرضنا الطيبة سلطنة عُمان، عرفانا، وتقديرا لجهودهم الحثيثة، وصنيعهم الذي لا تنساهُ الأجيال، ولا تنساهُ السنون.

وأضافت: الاحتفال بيوم المعلم وتخصيص إجازةٍ رسمية ما هو إلا رد للجميل على عطاءٍ مثمر، وجهود مخلصة قدمها كل من يعمل في هذا الحقل التربوي الواسع، ويسهم في رقي مراتب التعليم بمختلف المراحل الدراسية حيثُ كان شعار هؤلاء النخبة من المبدعين «الأمانة والإخلاص» في أداء الأمانة العلمية.

مناسبة مميزة

وقال أسعد الهادي معلم لغة عربية بمدرسة الحارث بن خالد للتعليم الأساسي (5-7): يوم المعلم مناسبة مميزة تُخصص؛ لتقدير، وتكريم دور المعلمين في المجتمع، فهم ليسوا مجرد أفراد يقومون بنقل المعرفة، والمهارات، بل هم البناة الحقيقيون للمجتمعات، والمحرك الرئيسي للتنمية، والتطور، كما أن هذا اليوم فرصة نعبر فيها عن امتناننا العميق لتضحياتهم، وجهودهم الجبارة في سبيل تنمية الطلبة، وإعدادهم لمستقبل أفضل، فتأثير المعلمين يمتد بعيدًا عن الفصل الدراسي، فهم نماذج ملهمة للتعلم المستمر، والإرشاد الشخصي.

وقالت رهام بنت عبدالله الفارسية معلمة فيزياء بمدرسة الخنساء للتعليم الأساسي بتعليمية محافظة جنوب الشرقية، قائلة: لله درُّ المعلم، أينما تولى، أشعل الفِكر، وأطلق العنان، ورسخ المعرفة، وأكسب العلم، وشيّد المهارات، فما كان من حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم المعظم -حفظه الله ورعاه- إلا أن ثمّن الجهد، ورفع الشأن، وعظّم المهنة، فأشاد به وكرمه في يومه بتخصيصه إجازة رسمية لكافة المعلمين والمعلمات، وهذا يدل على حرِص جلالته على تقدير المهنة لما يترتب عليها من أهمية كبيرة لبناء الإنسان لمواكبة متطلبات التنمية المستدامة ومهارات المُستقبل، فهنيئا لكل معلم ومعلمة بأن يكونوا جزءا في بناء الوطن العزيز.

وأعرب سليمان بن علي الحابسي معلم لغة عربية بمدرسة الإمام سالم ين راشد الخروصي للتعليم الأساسي بتعليمية محافظة شمال الشرقية عن فرحته بهذه المناسبة، قائلًا: دور المعلم لا يقتصر على تزويد الطلبة بالمعرفة الأكاديمية فقط، بل يمتد ليشمل تنمية مهاراتهم الحياتية، والاجتماعية، وتعزيز قدراتهم الإبداعية والتفكير النقدي، وبناء شخصياتهم، وتشكيل طموحاتهم، وأحلامهم المستقبلية، فهنيئًا لكل معلم بهذا اليوم وتخصيص يوم إجازة لهم سيعكس قيمتهم، وأهميتهم في المجتمع.

وشاطرته الرأي نوال الكندية معلمة لغة إنجليزية بمعهد عمر بن الخطاب للمكفوفين بقولها: فخورةٌ بهذه المهنة الّتي تزيد من شغفي، وتترك الأثر الطيب لدى طلبتي، المُعلم هو ذلك الرسام الّذي يرسم لوحة جميلة في نفوس الطلبة، ويترك فيهم تلك البصمة التي تشكل بالنسبة لهم مصباحا خفيا ينير لهم دروب الحياة، نحن ذلك النور الذي يوجد في نفوس طلبتنا، لذا نتقدم بأسمى آيات الشكر والعرفان لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- على هذا التقدير، وتكريمنا بإجازة رسمية، وسنواصل هذه المهنة بكل شغف، وحُب، وانتماء للوطن.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المعلمین والمعلمات الحاصلین على شهادة للتعلیم الأساسی من المعلمین إجازة رسمیة سلطنة عمان یوم المعلم هذا الیوم حفظه الله ا ومعلمة بلغ عدد معلم ا

إقرأ أيضاً:

الخطاب الديني في سلطنة عمان.. تعزيز للتسامح والاعتدال والتقارب

يعزز الخطاب الديني في سلطنة عمان، العديد من المفاهيم ذا الصلة بالإنسانية والتسامح والاعتدال، وينمي في النفوس روح المحبة والتقارب والخير، ومحاسبة النفس والعودة إلى تقويم الذات وتصحيح الجوانب التي قد يشوبها انحراف عن المسار القويم للإنسانية السمحة والمعتدلة.

وعرف الخطاب الديني في عمان بالاعتدال والدعوة دائما إلى التسامح وقبول الآخر، ويتجلى ذلك في المفاهيم والمحاور التي يتبناها الخطاب الديني في كل مراحلة، خاصة في شهر رمضان الذي يلزم فيه الناس المساجد ومتابعة الخطب والمحاضرات الدينية.

وأكد عدد من المختصين على أن نهج الخطاب الديني في سلطنة عمان نهج التسامح والدعوة إلى التقارب ونبذ أوجه الشقاق أو الفتن، والدعوة بالهدوء واللطف وتقبل آراء الآخرين، مؤكدين على ضرورة تجديد الخطاب الديني ومواضيعه لتتناسب ومتطلبات المرحلة وتطور الوسائل.

رقي الخطاب الديني

وقال الباحث بدر بن سالم العبري: إن التّسامح والعمل الاجتماعيّ مفهومان مطلقان من حيث الزّمنيّة، ولا يمكن حصرهما في شهر ما كرمضان، ولكن في الوقت ذاته رمضان فرصة للتّذكير بهما وبأهميّتهما، فهناك فارق بين التّذكير وبين ما انغرس في العقل الجمعيّ من تصوّر أنّه يسامح في رمضان، فإذا انقضى قطع وآذى، فهناك من ينظر إلى رمضان لذاته، وكأنّ رمضان هو الّذي يثيب ويمنع، ويعفو ويعاقب، بيد أنّ الأصل في المنظور إلى مَن كتب علينا الصّيام، أي الله جلّ جلاله.

وأضاف: تأتي أهميّة الخطاب الدّينيّ في تصحيح المفاهيم، وفي مراجعة العديد من القضايا الاجتماعيّة في رمضان من خلال مفاهيم القرآن الكبرى، خاصّة وأنّ العديد من النّاس لصيقة المسجد في رمضان، ولديهم من الفراغ ما يملأونه بالاستماع إلى الخطاب الدّينيّ، فلا ينبغي أن يقتصر هذا الخطاب على المواعظ المكرّرة، والكلام الّذي يُكرّر كلّ عام، وخصوصا أنّ مثل هذه المواعظ حاضرة اليوم بشكل طبيعيّ في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ولا يكاد تخفى على أحد.

وأكد العبري على الحاجة إلى أن يكون هناك رقيّ في الخطاب الدّينيّ ذاته، يتناسب والمرحلة الّتي نعيشها، ليس على مستوى الأدوات المستخدمة في الخطاب، أو طريقة الخطاب ذاته، فنحن بحاجة إلى تجديد ورقيّ الخطاب بحيث يتناسب والمرحلة الزّمنيّة الّتي نعيشها، ويكون منفتحا على جميع الأجواء الثّقافيّة والفكريّة والمعرفيّة المعاصرة، ولا يكون محصورا في اتّجاه وخطاب تقليديّ متكرّر، فكلّما اتّسعت أجواء الخطاب؛ ساهم ذلك في رقيّ الخطاب الدّينيّ ذاته.

وأوضح العبري أن قضيّة التّعايش والتّسامح اليوم لم تعد منحصرة عند أدبيات وأخلاقيات سلوكيّة طبيعيّة في المجتمع، كقضايا حقوق الجوار وابن السّبيل، وإعادة تكرار لروايات وقصص حدثت في واقع ظرفيّ غير واقعنا، بل أصبحت قضيّة تطرح من زوايا متعدّدة، فهي قضيّة فلسفيّة في الابتداء، متعلّقة بقيم الذّات الإنسانيّة المطلقة، كالكرامة والمساواة والعدل، كما أصبحت قضيّة إجرائيّة متعلّقة بالمواطنة من حيث نظام الحكم الأساسيّ، ومصاديقه التّشريعيّة في القوانين، كما أصبحت حالة اجتماعيّة ونفسيّة متعلّقة بالاجتماع البشريّ، وفي الوقت ذاته لما يمرّ به العالم اليوم من حالات انغلاقيّة وتكفيريّة متطرّفة تؤثر في استقرار الدّول والاجتماع البشّريّ، فأصبحت مرتبطة بالجوانب السّياسيّة والأمنيّة، وعليه ينبغي على الخطاب الدّينيّ أن لا يكون منحصرا في زاوية ضيّقة في طرح الخطاب، بل ينبغي أن يتفاعل مع الاتّجاهات الأخرى، وهذا يرفع من قيمة الخطاب المسجديّ في رمضان، ويتفاعل إيجابا مع تطوّر المجتمعات البشريّة، والتّداخل المعرفيّ والثّقافيّ.

وأكد العبري على انه ينبغي أن لا يكون الخطاب الدّينيّ كلاسيكيّا لا يتعدّى إعادة ما ذكر في ظرفيّات لها ما يناسبها من خطاب، وإن كانت قيمته باقيّة في مطلقيّة البر والإحسان والتّعاون المجتمعيّ، ولكن ينبغي أن تكون مصاديقه وفق زمننا، لهذا حضور الجانب الاقتصاديّ والقانونيّ وتوعية النّاس بهما أصبح ضرورة اليوم، كما ينبغي أن يكون استثمار أعمال البر بما يتناسب في تدوير المال تدويرا استثماريّا، عن طريق الوقف، أو المساهمة في خلق وظائف تساهم في استمراريّة استقرار الأسر المحتاجة، وتتحول بذاتها إلى أسر منتجة، كذلك إحياء الإنسان اليوم بالمساهمة في تعليمه ورقيّه ثقافيّا وصحيّا أولى من إسراف الإنفاق في بناء المساجد وتزيينها، وهذا يحتاج إلى خلق وعي عن طريق الخطاب الدّينيّ، الّذي ينفتح على واقع العصر، ويتماشى معه.

تأثير القيم

من جانبها أكدت الدكتورة صابرة بنت سيف بن أحمد الحراصية متخصصة في علم النفس التربوي على أن شهر رمضان بروحانيته الخاصة، فتُقبل النفوس على العبادة، وتُضاعف الأعمال الصالحة، ويجد الخطاب الديني تأثيرًا أعمق في قلوب الناس. ومع دخول هذا الشهر المبارك، نلاحظ كثافة في حلق الذكر والمناشط الدينية والمسابقات القرآنية التي تُنظمها المؤسسات الدينية والجماعات المسجدية والتربويون والمجتمع بمختلف فئاته، إلى جانب الجهود التي يبذلها الدعاة والأئمة لتعزيز الوعي الديني واستثمار الأجواء الرمضانية في توجيه الناس نحو الخير. كما يبرز رمضان كفترة تزدهر فيها الأنشطة المجتمعية التي تُعزز قيم العطاء والتعاون، مثل المبادرات التطوعية لخدمة المحتاجين، وبرامج دعم الأسر المتعففة، والمشاريع الشبابية التي تهدف إلى نشر الوعي بالقيم الإسلامية بأساليب إبداعية، مما يعكس تزايد الإقبال على التفاعل المباشر مع الخطاب الديني والمجتمعي خلال هذه الفترة.

وأشارت الحراصية إلى انه في المقابل، يلاحظ أن الإقبال على حضور المحاضرات والدروس الدينية خارج رمضان يكون أقل مقارنةً بهذا الشهر الفضيل، وهو أمر طبيعي نظرًا لما يميز رمضان من أجواء إيمانية خاصة، حيث تتضاعف فيه الأجور، ويكون الناس أكثر حرصًا على استثمار وقتهم في العبادات والطاعات. ومع ذلك، فإن التغيرات التي طرأت على وسائل تلقي المعرفة، وتنوع أساليب الخطاب الديني، ساهمت أيضًا في تراجع الحضور في غير رمضان، مع بحث البعض عن بدائل تلائم إيقاع حياتهم المتسارع. فقد أتاح انتشار البرامج التلفزيونية، ومقاطع الفيديو القصيرة، والمدونات الصوتية (البودكاست)، ومنصات التواصل الاجتماعي للناس فرصة الوصول إلى المحتوى الديني في أي وقت ومن أي مكان، مما جعل البعض يفضلون هذه الوسائل المرنة على الحضور الفعلي للمحاضرات في المساجد. إلى جانب ذلك، فإن التجديد في أساليب الطرح الديني، ولجوء بعض الدعاة إلى استخدام لغة تحليلية أو فلسفية قد لا تكون قريبة من الجمهور العام، ساهم في إحداث فجوة بين بعض الأفراد والخطاب الديني التقليدي. وفي المقابل، هناك من يطرح القضايا الدينية بأسلوب بسيط جدًا لا يتناسب مع احتياجات المجتمع المتغيرة، أو يعيد تناول موضوعات قد لا تلامس الواقع الحالي ولا تعالج التحديات التي يواجهها الأفراد، مما يجعل بعض الفئات، خاصة الشباب، يشعرون بعدم ارتباط هذا الخطاب بقضاياهم اليومية. هذا التنوع في الأساليب، رغم أنه يعكس اجتهاد الدعاة في توصيل الرسالة الدينية، إلا أنه يؤكد الحاجة إلى خطاب ديني متوازن يجمع بين العمق والوضوح، وبين الأصالة ومواكبة العصر، بحيث يكون قريبًا من هموم الناس، ويعالج قضاياهم بأسلوب يجذبهم ولا ينفرهم.

وبينت الدكتورة الحراصية انه وسط هذه التحديات، يظل رمضان فرصة لإعادة التفاعل المباشر مع الخطاب الديني، حيث يكون الناس أكثر إقبالًا على التوجيه والاستماع إلى المواعظ، وأكثر انفتاحًا على القيم الإسلامية التي تتجلى بوضوح في هذا الشهر.

ولا تقتصر أجواء رمضان الروحانية على المسلمين فحسب، بل تمتد لتشمل غيرهم ممن يعيشون في المجتمعات الإسلامية، حيث يتفاعلون مع قيم الشهر الفضيل، ويشاركون في مظاهره الروحانية والاجتماعية، مثل موائد الإفطار الجماعية، وحضور الفعاليات الرمضانية، والتجمعات التي تعكس روح الشهر وقيمه. ومن خلال هذه التجربة المباشرة، يجد البعض فرصة للتعرف على الإسلام عن قرب، وهو ما يعزز فهمه الصحيح بعيدًا عن الصور النمطية، وقد يكون منطلقًا لطرح التساؤلات حوله بل واعتناقه لدى بعضهم.

وأكدت أن تأثير القيم يزداد حين يكون التسامح والتعايش جزءًا أصيلًا من الهُوية المجتمعية، كما هو الحال في سلطنة عمان، التي تُعد نموذجًا متفردًا في ترسيخ مبادئ الاحترام المتبادل والانفتاح الواعي على مختلف الثقافات والمذاهب. فعلى الرغم من أن التسامح والانفتاح نهج ثابت في السلطنة، إلا أن مظاهره تبرز بشكل أوضح خلال رمضان، حيث تتجلى روح التآخي في تعاملات الناس، ويتشارك الجميع أجواء الشهر الفضيل، مما يمنح غير المسلمين فرصة فريدة لمعايشة قيم الإسلام في صورتها الحقيقية. وتنعكس هذه القيم أيضًا في الخطاب الديني العماني، الذي يتميز بالوسطية والمرونة، بعيدًا عن الغلو أو التشدد، مما أسهم في تعزيز ثقافة الحوار ونشر روح الألفة بين أفراد المجتمع. ويظهر ذلك جليًا في المساجد والمجالس الدينية، حيث يتم تناول القضايا بأسلوب يعزز الأخلاق الفاضلة، ويحث على الرحمة والتعاون.

وأوضحت الحراصية أن الخطاب الديني له دور في تقويم السلوك إلى جانب دوره في تعزيز التكافل، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها العصر الحديث وانتشار المغريات المتنوعة. فمع التطور التكنولوجي الهائل والانفتاح الثقافي عبر الإنترنت، أصبح الشباب معرضين لمؤثرات عديدة، قد تؤثر على أنماط تفكيرهم وسلوكياتهم. هنا يظهر أثر الخطاب الديني في ترسيخ القيم وضبط السلوكيات، حيث يساعد في توعية الأفراد بخطورة الانسياق وراء المؤثرات السلبية، ويوجههم إلى كيفية التفاعل الواعي مع مستجدات العصر دون التفريط في المبادئ الإسلامية. وتشير الدراسات في علم النفس والسلوك إلى أن الخطاب الديني الذي يعتمد على أسلوب الإقناع والحوار بدلاً من الخطاب الوعظي التقليدي، يكون أكثر فاعلية في التأثير على الأفراد وتحفيزهم نحو التغيير الإيجابي. فعندما يقدم الدين كمنهج حياة شامل، وليس مجرد قائمة أوامر ونواهٍ، يصبح أكثر جاذبية، خاصة لدى الشباب الذين يحتاجون إلى فهم أعمق لكيفية الموازنة بين التقدم الحضاري والثوابت الدينية.

وقالت إن كل هذه الجهود تؤكد أن الخطاب الديني المتزن، حين يُقدَّم بروح المحبة والرحمة، يكون أكثر تأثيرًا في القلوب، وأقدر على بناء مجتمع أكثر ترابطًا وانسجامًا، حيث تتجسد القيم الإسلامية في أفعال ملموسة تعود بالنفع على الجميع.

أساليب الخطاب

من جانبه قال حمد بن هلال الخصيبي: إن شهر رمضان يعد فرصة ذهبية لتعزيز قيم التسامح والتعاون بين أفراد المجتمع، حيث يكتسب الخطاب الديني أهمية خاصة في توجيه الناس نحو معاني الرحمة والإحسان والتكافل، فالخطب والمواعظ الدينية التي تُلقى في المساجد أو تُبث عبر وسائل الإعلام تسهم بشكل مباشر في ترسيخ القيم الإسلامية السمحة، وتعزيز روح المحبة والتعاون بين الناس.

وأكد الخصيبي أن الخطب الدينية خلال الشهر الفضيل ترسيخ مفهوم التسامح، وهو أحد المبادئ الأساسية في الإسلام، من خلال الدعوة إلى العفو والتجاوز عن الأخطاء، ونبذ الخلافات، وتقوية أواصر الأخوة بين الأفراد، كما يشجع الخطاب الديني على التعاون بين أفراد المجتمع، سواء من خلال العمل الخيري، أو تقديم العون للمحتاجين، أو حتى في أبسط صور التعاون داخل الأسرة والمحيط الاجتماعي.

وأشار إلى أن التكافل الاجتماعي من أبرز القيم التي يعززها الخطاب الديني في رمضان، حيث يُحث المسلمين على إخراج الزكاة والصدقات، والمشاركة في إفطار الصائمين، ودعم الأسر المحتاجة. وتعتبر هذه الأعمال تطبيقًا عمليًا لمبادئ التعاون والمساعدة، مما يسهم في تقوية التماسك المجتمعي وتقليل الفجوة بين الفئات المختلفة.

وأوضح الخصيبي أنه ينبغي تطوير الخطاب الديني ليكون أكثر قربًا من واقع الناس، من خلال استخدام أسلوب بسيط وسهل للفهم، والاستشهاد بقصص واقعية تُلهم الأفراد وتحثهم على التحلي بالقيم الإيجابية. كما يمكن توظيف وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر الرسائل الدينية الداعية إلى التسامح والتعاون، مما يساعد في الوصول إلى شريحة أوسع من المجتمع.

تعزيز المحتوى

وقال سعيد بن عبدالله العزري متخصص في الإعلام والاتصال: إن الخطاب الديني في شهر رمضان يضفي روحانيّة تنسجم مع قدسيّة الشهر؛ حيث تتجلى فيه أسمى قيم الإيمان والتقوى، إلى جانب كونه فرصة لتعزيز أواصر التسامح والتعاون بين أفراد المجتمع، وتهذيب النفس من العادات السلبيّة، ليساهم الخطاب كأداة فاعلة في حث الهمم نحو ذلك؛ فتأثير الخطاب على الجمهور كبير وواضح على مداه الطويل بأي منصة اتصاليّة كانت (رقميّة أو تقليديّة) بما يحقق تأثيرًا في اتجاهات الجمهور إزاء قضايا محددة.

وأكد العزري أن ما تبثه وسائل الإعلام في سلطنة عُمان خلال شهر رمضان المبارك من خطاب ديني يساهم في تعزيز القيم نحو التكاتف بين أفراد المجتمع والتعاون، وهو أمرٌ محمود ويظهر من خلال ما تعرضه المنصات الإعلاميّة مسموعة أو مرئيّة أو مكتوبة للمبادرات القائمة في خدمة المجتمع وتعزيز روح التآلف بينهم، يقابله تفنيد موضوعيّ وشرعيّ لأحكام يواجهها المسلم والصائم على حد سواء، والجيد في خطابنا الديني أنه مواكب ومساير للتغيرات الفكريّة التي لا ينأى مجتمعنا العُماني عنها بنفسه في هذا العالم متعدد الثقافات.

موضحا أن ما يقدمه الإعلام العُماني من خطاب متزن ومتنوع خلال شهر رمضان له محلُّ الرضا، يقابله تطلعٌ بتكثيف المحتوى بأفكار مبدعة تقدم الرسائل والقيم الإيجابية بقالب يلامس مختلف شرائح الجمهور لتحقق تأثيرها الفاعل، لتستنبط تجارب وممارسات قدّمت على مستوى الوطن العربي في الإعلام وحقق نجاحُها تأثيرًا طويل الأمد.

مقالات مشابهة

  • سلطنة عمان تحذر من تداعيات التصعيد العسكري في اليمن على أمن المنطقة
  • سلطنة عمان تحذر من انعكاس التصعيد ضد اليمن على أمن المنطقة
  • سلطنة عُمان تحتفل باليوم العربي لحقوق الإنسان.. وندوة نقاشية تُسلط الضوء على "الحق في الغذاء"
  • مذكرة تفاهم بين "البنك الوطني العماني" و"إنجاز عمان" لتمكين الشباب
  • موارد عمان يطلق أبحاثًا مبتكرة لاكتشاف النباتات الغذائية والعلاجية
  • الخطاب الديني في سلطنة عمان.. تعزيز للتسامح والاعتدال والتقارب
  • منتخب السودان يتعادل مع نظيره العماني ودياً بمسقط
  • تأثر أجواء سلطنة عمان بأخدود من منخفض جوي
  • تأثر أجواء سلطنة عمان بأخدود من منخفض جوي .. عاجل
  • الإمارات تحتفل بيوم الطفل الإماراتي غداً