كشفت الحكومة المصرية بعد إعلانات تشويقية استمرت نحو أكثر من شهر عن ما أسمتها بأكبر صفقة في تاريخ مصر مع دولة الإمارات لتنفيذ مشروع تطوير وتنمية مدينة "رأس الحكمة" على الساحل الشمالي الغربي، باستثمارات مباشرة تصل إلى 35 مليار دولار.

وصفت الحكومة الصفقة التي وقعت في العاصمة الإدارية الجديدة بين وزارة الإسكان المصرية و"شركة أبو ظبي التنموية القابضة" الإماراتية، بأنها سوف توفر سيولة دولارية قادرة على حل أزمة شح الدولار وبالتالي سداد الالتزامات الخارجية وتقليل حجم الديون.



المشروع جاء في سياق المشاريع السابقة التي دأبت السلطات المصرية على تنفيذها دون أي جدوى اقتصادية وهي التركيز على قطاع المقاولات والتشييد والبناء مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة بتكلفة تتجاوز الأرقام المعلنة في الصفقة.

يعد المشروع، بحسب الحكومة، هو الأضخم على الإطلاق، يمثل مدينة كاملة، وهي "رأس الحكمة الجديدة" التي تصل مساحتها إلى 170.8 مليون متر مربع أي أكثر من 40 ألفًا و600 فدان ويمتد حتى عام 2052 وتستقطب ما لا يقل عن 8 ملايين سائح إضافي يفدون إلى مصر مع اكتمال هذه المدينة العملاقة.

ستجمع الحكومة من عملية البيع 35 مليار دولار استثمار أجنبي مباشر تدخل للدولة المصرية في غضون شهرين.. و35% من أرباح المشروع ، المبلغ عبارة 24 مليار دولار سيولة مباشرة بالإضافة إلى 11 مليار دولار كودائع سيتم تحويلها بالجنيه المصري لاستخدامها في تنمية المشروع.

وبشأن حصيلة الـ35 مليار دولار، أوضح رئيس الحكومة المصري أنه سوف يتم استخدامها في حل أزمة السيولة الدولارية الموجودة، وبالإضافة إلى ذلك توفير "ملايين" من فرص العمل التي ستتاح أثناء إنشاء المدينة وبعد إنشائها وتشغيلها للشباب المصري والشركات العاملة في قطاع المقاولات.

وأشار رئيس الوزراء إلى أنه من خلال وجود مثل هذه النوعية من المشروعات سنكون قادرين على تحقيق حلم أن يأتي إلى مصر 40 أو 50 مليون سائح.
بيان الحكومة

ما هي "رأس الحكمة"
"رأس الحكمة" هي قرية تتبع مدينة مرسى مطروح، وتقع على الساحل الشمالي لمصر، شرق مدينة "مطروح" وتمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 بمدينة مطروح التي تبعد عنها 85 كم، وتتميز بمناظر طبيعية خلابة وشواطئ رملية بيضاء ومياه زرقاء صافية.

القرية أنشأها الملك فاروق، آخر ملوك مصر، عام 1948، لتكون منتجعا للأسرة المالكة والوزراء، وبنى بها استراحة تحولت فيما بعد، إلى مقر رئاسي، استخدمه الرئيس الراحل أنور السادات، ومن بعده "حسني مبارك" وأبنائه.

فكرة المشروع ليست وليدة اللحظة، وكانت ضمن خطط رئيس النظام المصري  عبد الفتاح السيسي منذ عام 2015 أي بعد شهور من توليه سدة الحكم ، حيث شنت السلطة حملة تهجير قسري وإخلاء سكان قرية رأس الحكمة وما حولها "القواسم والداخلة وكشوك عميرة وأطنوح" وحتى قرية سيدى حنيش غربا، في الشريط الساحلى بطول 50 كيلومترا، بحجة طرحها للاستثمار.

كانت تضم القرى 80 مسجدا و20 مدرسة و3 مراكز شباب و4 جمعيات، وقد شهدت عمليات تهجير سكانها احتجاجات واسعة، وقد قدم بعضهم عقودا لملكية الأرض، تعود لعام 1954، بينما أكد الأهالي أنهم يسكنون تلك المنطقة منذ عام 1806.

بالعودة إلى تصريحات محافظ مطروح العسكري اللواء، علاء أبو زيد، صرح للأهالي أثناء احتجاجهم على مخطط التهجير في تموز/ يوليو 2015، "أن هذا الكلام غير صحيح ولا يمت للحقيقة بصلة، وشدد على أنه لن يتم هذا وأنا أجلس على هذا الكرسى وأقسم بالله أنه لن يضار مواطنا بمطروح كلها وأنا أجلس على هذا الكرسي"، وهو ما حنث فيه لاحقا.


صفقة كبرى ومصارف غامضة وتجارب سابقة
يقول الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، إن "الحكومة تعمل في سرية تامة بناء على تعليمات رئيس النظام ومعلوماتها هي مجهلة ومبهمة وغير كاملة وغير دقيقة، وغالبية التصريحات الاقتصادية يحدث عكسها سواء من رئيس الحكومة أو رئيس النظام، وطوال السنوات الماضية حصلت مصر على عشرات المليارات من الدولارات، دون جدوى من بينها 50 مليار دولار من دولة الإمارات بحسب التصريحات الرسمية للمسؤولين الإماراتيين".

مضيفا لـ"عربي21": "وإذا أضفنا المساعدات الخليجية الأخرى من السعودية والكويت يصل حجم التدفقات الدولارية أكثر من 100 مليار دولار فضلا عن التسهيلات البترولية  السعودية لمدة 5 سنوات انتهت عام 2021 بقيمة 20 مليار دولار،  للأسف دخلت في حسابات المؤسسة العسكرية ومشروعاتها ولم تنعكس على المواطن، ومثل هذه الاستثمارات لا تشكل إضافة إنتاجية للبلاد، وتستهدف السائحين و الطبقات المترفة وليس من أجل المواطنين، وسوف تذهب لسداد الديون".

إذن من سابق التجارب السابقة، يوضح يوسف أن المنح والاستثمارات التي لا يوجد عليها رقيب أو حسيب ذهبت هباء بل زاد عليها النظام العسكري الاستدانة بأكثر 100 مليار دولار حتى باتت تقف على حافة الإفلاس، وبسبب سوء الإدارة فإن المخطط الإماراتي – الإسرائيلي هو بيع الأصول المصرية من شركات وأراض ومصانع ورهن البلاد وامتلاكها حتى تظل مصر تابعة لهذا المحور.

واختتم الباحث الاقتصادي والسياسي حديثه بالقول: "من الملاحظ أن المشروع لم يتم الإعلان عنه بشكل مباشر وبشفافية إنما تم تسريبه للإعلام شيئا فشيئا للتمهيد إلى صفقة البيع والتي تحولت في لغة الحكومة والإعلام إلى شراكة وليس بيع بزعم أن الأرض والمصانع في مصر ولن يذهب المستثمر بها في تجاهل واضح لكل القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تضمن للدائنين حقوقهم الهدف باختصار هو عودة الأموال الساخنة والحصول على الضوء من صندوق النقد الدولي".


صفقة إنقاذ وليست إصلاح

توقع أستاذ الاقتصاد المصري، أحمد ذكر الله، أن تكون الصفقة جاءت تحت ضغوط بسبب "المعلومات الشحيحة المتاحة حولها، لكن من المؤكد أنها صفقة ضخمة تضم العديد من المشاريع الداخلية، ومبدئيا سوف توفر الصفقة أموال بالعملة الصعبة، وهذه الأموال 35 مليار دولار كافية لسداد ما على مصر من أقساط خلال العام الحالي".

وأعرب عن اعتقاده في تصريحات لـ"عربي21": أنها "لن تكون كافية لحل الأزمة وخاطئ ومضلل من يروج لهذا، ورغم ذلك فإن مصر ستمضي قدما في برنامج صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ومن ثم الأسواق الدولية لسداد ما تبقى من الفجوة التمويلية بعد سداد الأقساط والفوائد، إضافة إلى تحسن سعر الجنيه أمام الدولار بسبب هذه التدفقات".

وأكد ذكر الله أن "الصفقة لا علاقة لها بالإصلاح الاقتصادي ولكنها تتعلق بإنقاذ مصر من شبح الإفلاس والتخلف عن سداد الديون، الرهان هو كيف سوف تتصرف مصر في هذه الأموال، فإذا استمرت على سياستها القديمة فستظل الأزمة وتتفاقم ونعود لنفس الدائرة خلال عام او اثنين، وهي تعطي دفعة لتحقيق نوع من أنواع الاستقرار الاقتصادي خاصة في سعر الصرف، وتبقى المشكلة الأكبر هي الغموض وعدم الوضوح وعدم الشفافية في بنود الصفقة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصرية الإمارات السيسي مصر السيسي الإمارات راس الحكمة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملیار دولار رأس الحکمة

إقرأ أيضاً:

الإمارات..المشاريع الكبرى والاستدامة دعائم تعزز إصدارات السندات والصكوك

تشهد دولة الإمارات تطوراً متسارعاً في مشاريعها الكبرى، التي تمتد عبر قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والتطوير العقاري، في إطار رؤية استراتيجية تضع الاستدامة في صميم سياساتها الاقتصادية.

وتبرز تلك المشاريع الكبرى وعملية التركيز على المشاريع المستدامة التي تدعم الخطط المناخية في الدولة بوصفها دعائم أساسية لإصدارات الصكوك والسندات خلال السنوات المقبلة.

الاعتماد على الإصدارات 

وتوقعت وكالتا التصنيف الائتمانيتان العالميتان "ستاندرد أند بورز" و"فيتش" تزايد الاعتماد على الإصدارات خلال السنوات المقبلة، مدفوعًا بالتوجه نحو تنويع مصادر التمويل وتعزيز الاستثمارات المستدامة.
وقال بشار الناطور المدير التنفيذي والرئيس العالمي للتمويل الإسلامي في وكالة "فيتش" العالمية للتصنيفات الائتمانية إنه على الرغم من أن الجزء الأكبر من تمويلات المشاريع الكبرى لا يزال يعتمد على طرق التمويل التقليدية، إلا أن تلك المشاريع أسهمت في تعزيز سوق الإصدارات من خلال خلق طلب على مصادر تمويل مبتكرة ومستدامة خلال السنوات الماضية مؤكدا أن الصكوك والسندات أسهمت في تمويل جزئي لبعض المشاريع السابقة.

السندات والصكوك 

وتوقع الناطور نمو الاعتماد على السندات والصكوك في تمويل المشاريع خلال السنوات المقبلة في ظل السعي من قبل المؤسسات العامة والخاصة في الإمارات وغيرها من أسواق المنطقة إلى تطوير أدوات أخرى بعيداً عن الأدوات التقليدية.
وقال إنه تم الإعلان عن مشاريع عدة سواء على الصعيدين الخاص أو الحكومي سيتم إنشاؤها خلال السنوات المقبلة منها عدد من المشاريع العقارية ومشاريع البنى التحتية ومشاريع الطاقة المتجددة والمستدامة.
وأضاف أنه في دبي - على سبيل المثال - استحوذ قطاع البنية التحتية ومشاريعها الإنشائية على 46% من النفقات الإجمالية للحكومة في موازنة 2025-2027 وهي المشاريع التي تعنى بالطرق والأنفاق والجسور ووسائل المواصلات ومحطات الصرف الصحي والحدائق والمتنزهات ومحطات الطاقة المتجددة وخطة تطوير شبكة تصريف مياه الأمطار إضافة إلى مشروع تطوير مطار آل مكتوم الذي أُعلن في وقت سابق من العام الماضي، وغيرها من مشاريع تهدف لدعم جودة الحياة والنقل الذكي والمستدام في دبي.

رؤية استراتيجية 

وأوضح الناطور أن الإمارات ومن خلال رؤيتها الاستراتيجية للحياد المناخي بحلول عام 2050، تعمل على إطلاق سلسلة من المشاريع الخضراء التي تهدف إلى تحقيق استدامة اقتصادية وبيئية، وهو ما يشكل عاملًا محوريًا في دعم سوق الصكوك والسندات في هذا القطاع.
وأكد أن هذه الاستراتيجية ستؤدي إلى زيادة في الإصدارات في كل من الصكوك والسندات من مختلف المؤسسات والقطاعات، لتمويل مشاريع مستدامة تتماشى مع الأهداف البيئية للدولة، وهو ما رأيناه من قبل خلال الفترة السابقة.
واعتبر الناطور أن المشاريع الخضراء التي تخطط لها الإمارات تمثل توجهًا استراتيجيًا يجذب المستثمرين العالميين المهتمين بالاستثمار في الأدوات المالية المرتبطة بالاستدامة.

مقالات مشابهة

  • الإمارات..المشاريع الكبرى والاستدامة دعائم تعزز إصدارات السندات والصكوك
  • أهالي حماة يحيون الذكرى السنوية الـ 43 لمجزرة حماة الكبرى التي ارتكبها النظام البائد عام 1982.
  • الحكومة تعلن وصول طلبات الاستثمار في أذون الخزانة لـ7.6 مليار دولار.. تفاصيل
  • هذه هي الرسائل التي بعثت بها الولايات المتحدة لنتنياهو بشأن مراحل اتفاق غزة
  • اقتصادية قناة السويس تعتمد 1,84 مليار دولار بالمنطقة الاقتصادية
  • مخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين.. رفض مصري وأردني يجهض المشروع
  • «اقتصادية قناة السويس» تعتمد 4 مشروعات جديدة باستثمارات 1.84 مليار دولار
  • «اقتصادية قناة السويس» تحقق 5.7 مليار دولار إيرادات في منتصف العام الحالي
  • الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات "رافال" الفرنسية في صفقة بلغت 16.6 مليار يورو
  • مصر.. رئيس الحكومة يوضح سبب توقف الصفقات الكبرى بعد رأس الحكمة