صفقة بيع رأس الحكمة الكبرى إلى الإمارات.. معجزة اقتصادية أم عجز مصري؟
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
كشفت الحكومة المصرية بعد إعلانات تشويقية استمرت نحو أكثر من شهر عن ما أسمتها بأكبر صفقة في تاريخ مصر مع دولة الإمارات لتنفيذ مشروع تطوير وتنمية مدينة "رأس الحكمة" على الساحل الشمالي الغربي، باستثمارات مباشرة تصل إلى 35 مليار دولار.
وصفت الحكومة الصفقة التي وقعت في العاصمة الإدارية الجديدة بين وزارة الإسكان المصرية و"شركة أبو ظبي التنموية القابضة" الإماراتية، بأنها سوف توفر سيولة دولارية قادرة على حل أزمة شح الدولار وبالتالي سداد الالتزامات الخارجية وتقليل حجم الديون.
المشروع جاء في سياق المشاريع السابقة التي دأبت السلطات المصرية على تنفيذها دون أي جدوى اقتصادية وهي التركيز على قطاع المقاولات والتشييد والبناء مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة بتكلفة تتجاوز الأرقام المعلنة في الصفقة.
يعد المشروع، بحسب الحكومة، هو الأضخم على الإطلاق، يمثل مدينة كاملة، وهي "رأس الحكمة الجديدة" التي تصل مساحتها إلى 170.8 مليون متر مربع أي أكثر من 40 ألفًا و600 فدان ويمتد حتى عام 2052 وتستقطب ما لا يقل عن 8 ملايين سائح إضافي يفدون إلى مصر مع اكتمال هذه المدينة العملاقة.
ستجمع الحكومة من عملية البيع 35 مليار دولار استثمار أجنبي مباشر تدخل للدولة المصرية في غضون شهرين.. و35% من أرباح المشروع ، المبلغ عبارة 24 مليار دولار سيولة مباشرة بالإضافة إلى 11 مليار دولار كودائع سيتم تحويلها بالجنيه المصري لاستخدامها في تنمية المشروع.
وبشأن حصيلة الـ35 مليار دولار، أوضح رئيس الحكومة المصري أنه سوف يتم استخدامها في حل أزمة السيولة الدولارية الموجودة، وبالإضافة إلى ذلك توفير "ملايين" من فرص العمل التي ستتاح أثناء إنشاء المدينة وبعد إنشائها وتشغيلها للشباب المصري والشركات العاملة في قطاع المقاولات.
وأشار رئيس الوزراء إلى أنه من خلال وجود مثل هذه النوعية من المشروعات سنكون قادرين على تحقيق حلم أن يأتي إلى مصر 40 أو 50 مليون سائح.
بيان الحكومة
ما هي "رأس الحكمة"
"رأس الحكمة" هي قرية تتبع مدينة مرسى مطروح، وتقع على الساحل الشمالي لمصر، شرق مدينة "مطروح" وتمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 بمدينة مطروح التي تبعد عنها 85 كم، وتتميز بمناظر طبيعية خلابة وشواطئ رملية بيضاء ومياه زرقاء صافية.
القرية أنشأها الملك فاروق، آخر ملوك مصر، عام 1948، لتكون منتجعا للأسرة المالكة والوزراء، وبنى بها استراحة تحولت فيما بعد، إلى مقر رئاسي، استخدمه الرئيس الراحل أنور السادات، ومن بعده "حسني مبارك" وأبنائه.
فكرة المشروع ليست وليدة اللحظة، وكانت ضمن خطط رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي منذ عام 2015 أي بعد شهور من توليه سدة الحكم ، حيث شنت السلطة حملة تهجير قسري وإخلاء سكان قرية رأس الحكمة وما حولها "القواسم والداخلة وكشوك عميرة وأطنوح" وحتى قرية سيدى حنيش غربا، في الشريط الساحلى بطول 50 كيلومترا، بحجة طرحها للاستثمار.
كانت تضم القرى 80 مسجدا و20 مدرسة و3 مراكز شباب و4 جمعيات، وقد شهدت عمليات تهجير سكانها احتجاجات واسعة، وقد قدم بعضهم عقودا لملكية الأرض، تعود لعام 1954، بينما أكد الأهالي أنهم يسكنون تلك المنطقة منذ عام 1806.
بالعودة إلى تصريحات محافظ مطروح العسكري اللواء، علاء أبو زيد، صرح للأهالي أثناء احتجاجهم على مخطط التهجير في تموز/ يوليو 2015، "أن هذا الكلام غير صحيح ولا يمت للحقيقة بصلة، وشدد على أنه لن يتم هذا وأنا أجلس على هذا الكرسى وأقسم بالله أنه لن يضار مواطنا بمطروح كلها وأنا أجلس على هذا الكرسي"، وهو ما حنث فيه لاحقا.
صفقة كبرى ومصارف غامضة وتجارب سابقة
يقول الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، إن "الحكومة تعمل في سرية تامة بناء على تعليمات رئيس النظام ومعلوماتها هي مجهلة ومبهمة وغير كاملة وغير دقيقة، وغالبية التصريحات الاقتصادية يحدث عكسها سواء من رئيس الحكومة أو رئيس النظام، وطوال السنوات الماضية حصلت مصر على عشرات المليارات من الدولارات، دون جدوى من بينها 50 مليار دولار من دولة الإمارات بحسب التصريحات الرسمية للمسؤولين الإماراتيين".
مضيفا لـ"عربي21": "وإذا أضفنا المساعدات الخليجية الأخرى من السعودية والكويت يصل حجم التدفقات الدولارية أكثر من 100 مليار دولار فضلا عن التسهيلات البترولية السعودية لمدة 5 سنوات انتهت عام 2021 بقيمة 20 مليار دولار، للأسف دخلت في حسابات المؤسسة العسكرية ومشروعاتها ولم تنعكس على المواطن، ومثل هذه الاستثمارات لا تشكل إضافة إنتاجية للبلاد، وتستهدف السائحين و الطبقات المترفة وليس من أجل المواطنين، وسوف تذهب لسداد الديون".
إذن من سابق التجارب السابقة، يوضح يوسف أن المنح والاستثمارات التي لا يوجد عليها رقيب أو حسيب ذهبت هباء بل زاد عليها النظام العسكري الاستدانة بأكثر 100 مليار دولار حتى باتت تقف على حافة الإفلاس، وبسبب سوء الإدارة فإن المخطط الإماراتي – الإسرائيلي هو بيع الأصول المصرية من شركات وأراض ومصانع ورهن البلاد وامتلاكها حتى تظل مصر تابعة لهذا المحور.
واختتم الباحث الاقتصادي والسياسي حديثه بالقول: "من الملاحظ أن المشروع لم يتم الإعلان عنه بشكل مباشر وبشفافية إنما تم تسريبه للإعلام شيئا فشيئا للتمهيد إلى صفقة البيع والتي تحولت في لغة الحكومة والإعلام إلى شراكة وليس بيع بزعم أن الأرض والمصانع في مصر ولن يذهب المستثمر بها في تجاهل واضح لكل القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تضمن للدائنين حقوقهم الهدف باختصار هو عودة الأموال الساخنة والحصول على الضوء من صندوق النقد الدولي".
صفقة إنقاذ وليست إصلاح
توقع أستاذ الاقتصاد المصري، أحمد ذكر الله، أن تكون الصفقة جاءت تحت ضغوط بسبب "المعلومات الشحيحة المتاحة حولها، لكن من المؤكد أنها صفقة ضخمة تضم العديد من المشاريع الداخلية، ومبدئيا سوف توفر الصفقة أموال بالعملة الصعبة، وهذه الأموال 35 مليار دولار كافية لسداد ما على مصر من أقساط خلال العام الحالي".
وأعرب عن اعتقاده في تصريحات لـ"عربي21": أنها "لن تكون كافية لحل الأزمة وخاطئ ومضلل من يروج لهذا، ورغم ذلك فإن مصر ستمضي قدما في برنامج صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ومن ثم الأسواق الدولية لسداد ما تبقى من الفجوة التمويلية بعد سداد الأقساط والفوائد، إضافة إلى تحسن سعر الجنيه أمام الدولار بسبب هذه التدفقات".
وأكد ذكر الله أن "الصفقة لا علاقة لها بالإصلاح الاقتصادي ولكنها تتعلق بإنقاذ مصر من شبح الإفلاس والتخلف عن سداد الديون، الرهان هو كيف سوف تتصرف مصر في هذه الأموال، فإذا استمرت على سياستها القديمة فستظل الأزمة وتتفاقم ونعود لنفس الدائرة خلال عام او اثنين، وهي تعطي دفعة لتحقيق نوع من أنواع الاستقرار الاقتصادي خاصة في سعر الصرف، وتبقى المشكلة الأكبر هي الغموض وعدم الوضوح وعدم الشفافية في بنود الصفقة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصرية الإمارات السيسي مصر السيسي الإمارات راس الحكمة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملیار دولار رأس الحکمة
إقرأ أيضاً:
مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى تستقبل وزير زراعة مدغشقر لبحث فرص التعاون المشترك
استقبلت شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، التابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج – إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام – اليوم،فرانسوا سيرجيو، وزير الزراعة والثروة الحيوانية بمدغشقر، والوفد المرافق له.
ويأتي ذلك في إطار زيارته الرسمية إلى مصر لبحث تعزيز أوجه التعاون المشترك بين البلدين في عدد من المجالات من بينها القطن وصناعة الغزل والنسيج وتبادل الخبرات الصناعية والتقنية.
وأجرى وزير الزراعة بمدغشقر جولة داخل الشركة، رافقه خلالها اللواء أشرف الجندي محافظ الغربية، والدكتور أحمد شاكر العضو المنتدب التنفيذي للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس، والمهندس أحمد بدر العضو المنتدب التنفيذي لشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وعدد من مسؤولي الشركة.
بدأت الزيارة بعرض فيلم تسجيلي حول تاريخ صناعة القطن والغزل في مصر، ويسلط الضوء على الدور المحوري لشركة غزل المحلة، ومراحل تنفيذ المشروع القومي العملاق لتطوير صناعة الغزل والنسيج، والذي يُعد من أضخم مشروعات التطوير الصناعي في تاريخ مصر الحديثة.
استعرض الدكتور أحمد شاكر، ملامح المشروع القومي لتطوير صناعة الغزل والنسيج، موضحًا أن المشروع يشمل أكثر من 60 مصنعًا ومبنى خدميًا في 7 شركات تابعة للشركة القابضة في عدد من المحافظات، مشيرا إلى أن شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، تستحوذ على نحو 45% من حجم استثمارات المشروع.
وأشار العضو المنتدب للشركة القابضة للغزل والنسيج إلى أن المشروع القومي يستهدف مضاعفة الطاقات الإنتاجية للغزول 5 أضعاف لتصل إلى نحو 130 ألف طن سنويًا، وزيادة إنتاج النسيج 8 أضعاف ليصل إلى 198 مليون متر، والوبريات إلى 115 ألف طن، والملابس الجاهزة إلى 40 مليون قطعة سنويًا، موضحا أن الماكينات الجديدة تم توريدها من كبرى الشركات العالمية، مع تأهيل وتدريب العاملين لضمان تحقيق أفضل كفاءة تشغيلية.
شملت الجولة عددا من المصانع الجديدة منها مصنع “غزل 4" الذي تم تجهيزه بأحدث الماكينات والتقنيات العالمية، ويضم نحو 72 ألف مردن وتبلغ طاقته الإنتاجية نحو 13 طن يوميا من الغزول الرفيعة، ويتم تصدير غالبية إنتاجه، بالإضافة إلى مركز تدريب العاملين المطور، الذي يُعد نموذجًا متكاملًا لتأهيل الكوادر الفنية في مختلف المراحل التصنيعية والتي تشمل الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز والتفصيل، حيث يتم التدريب على نماذج من الماكينات الحديثة الموردة للمصانع، بالإضافة إلى زيارة معرض المنتجات الذي يعكس جودة وتنوع إنتاج الشركة ويشمل منتجات من الملابس والمفروشات والوبريات، حيث أشاد الوزير بجودة المنتجات المصرية وتنوعها، مؤكدًا أنها مؤهلة للمنافسة بقوة في الأسواق الإفريقية والعالمية.
وعبّر اللواء أشرف الجندي عن فخره واعتزازه الشديد بوجود صرح صناعي وطني بحجم شركة غزل المحلة على أرض الغربية، مشيرًا إلى أن ما تشهده هذه القلعة الصناعية من أعمال تطوير هو ترجمة حقيقية لتوجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، الذي أولى هذا القطاع اهتمامًا بالغًا، في إطار خطة الدولة الطموحة لإعادة مصر إلى مكانتها الطبيعية كدولة رائدة في الصناعات النسيجية عالميًا. وأضاف: "نحن اليوم على أرض المحلة الكبرى، المدينة التي لم تكن يومًا مجرد مدينة صناعية، بل كانت ولا تزال رمزًا للريادة الإنتاجية والإبداع الصناعي. وغزل المحلة ليست فقط جزءًا من ذاكرة مصر الصناعية، بل هي مستقبلها كذلك، بما تضمه من مشروعات توسعية ومراكز تدريب ومصانع هي الأضخم من نوعها في الشرق الأوسط وإفريقيا".
وأشاد وزير الزراعة بمدغشقر بما شاهده من حجم التطوير والتكنولوجيا المطبقة داخل مصانع غزل المحلة، مشيدًا بالإرادة السياسية المصرية التي وضعت الصناعة في مقدمة أولوياتها، ومؤكدًا رغبة بلاده في الاستفادة من الخبرات المصرية في هذا المجال، خاصةً في ربط الإنتاج الزراعي بالصناعة التحويلية، وأن مصر تقود نهضة صناعية وزراعية تُلهم القارة بأكملها. وأكد أن مدغشقر تتطلع إلى تعزيز الشراكة مع مصر، مثمنا ما تملكه مصر من خبرات بشرية وفنية وتقنية نادرة في هذا القطاع الحيوي، قائلًا إن زيارته لمدينة المحلة الكبرى وشركة مصر للغزل والنسيج كانت فرصة تاريخية لفهم عمق التجربة المصرية، وأنه سيعود إلى بلاده محملاً برؤية جديدة قائمة على نقل هذا النجاح، معربا عن تطلعه إلى العودة مرة أخرى لاستكمال الحوار وتوسيع آفاق التعاون بين البلدين.