جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-22@20:21:40 GMT

قصة إبداع.. بتوقيع "صُنَّاع الأفكار"

تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT

قصة إبداع.. بتوقيع 'صُنَّاع الأفكار'

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

الأفكار الإبداعية التي تحمل في طياتها مشاريع ثقافية وصناعية واقتصادية لنقل عُمان إلى مصاف الدول المتقدمة بما تحمله هذه الكلمة من معنى، هي باختصار عبارة عن مبادرة واعدة استُحدثت هذه السنة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحت عنوان "صُنَّاع الأفكار"، لتكون ضمن منظومة ملتقى "معًا نتقدَّم" في نسخته الثانية وتحت سقفه الذي يتقدم نحو المجد؛ معتمدًا في ذلك على مشاركة مجتمعية في صناعة قرارات المستقبل التي لم تعد حكرًا على الحكومة والذي تحدثنا عنها في مقالنا الأسبوع الماضي بعنوان "برلمان عُمان المفتوح.

. معًا نتقدم".

لقد كانت دعوة صريحة وصادقة لأبناء هذا الوطن للمُشاركة بمساهماتهم لإثراء الساحة الوطنية بالجديد من المبتكرات والأفكار من خارج الصندوق التقليدي، تلك الساحة التي هي بحاجة للجميع لبناء عُمان الغد. ولا شك أنَّ هذا المشروع يحاكي ويلامس قصة نجاح وإبداع أخرى تكتب بأحرف من نور في بلدنا العزيز، ذلك من خلال سوق مفتوحة للأفكار الإبداعية التي تتحول من أفكار عند كتابتها للمرة الأولى على الورق إلى حقيقة على أرض الواقع، من خلال تبني هذه الأفكار الرائدة وتطبيقها في المؤسسات الحكومية والخاصة.

لقد تشرفت أن أكون ضمن كوكبة من الأكاديميين والمُبدعين الذين كلفوا من الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتحكيم مسابقة "صناع الأفكار" في نسختها الأولى؛ حيث نظرت اللجنة في 267 فكرة مقسمة على النحو الآتي:

المحور (أدوات التواصل بين الحكومة والمجتمع)، والذي اشتمل على 129 فكرة؛ إذ قامت اللجنة بفرز أولي لأفضل 30 فكرة من بين إجمالي الأفكار، ثم أتى الفرز الأخير للوصول إلى 5 أفكار فقط والتي وصلت إلى اللجنة العليا للمسابقة. كما إن التحكيم في محور (الهوية الوطنية والانتماء) اتّبع نفس المنهجية السابقة؛ إذ تم التعامل مع 138 فكرة أو مشروع في مجال الهوية العُمانية. واجتمع الجميع تحت سقف واحد في مركز عُمان للمؤتمرات قبيل الملتقى (لجنة التحكيم والفرق العشرة الفائزة في المجالين المذكورين سابقًا والمشرفون على المسابقة من الأمانة العامة)، حيث شهد ما يعرف بـ"الهاكاثون" عصفًا ذهنيًا للمشاريع التي وصلت التصفية النهائية؛ إذ حضر أصحاب الأفكار لمناقشة تطوير المشاريع قبل العرض النهائي الذي تحدد يوم 12 فبراير.

وعلى الرغم من عقد "الهاكاثون" يوم إجازة السبت وأمطار المنخفض الجوي، فقد شرف الجميع بحضور معالي الشيخ الفضل الحارثي الأمين العام لمجلس الوزراء، الذي كان مسؤولًا مباشرًا عن هذه التظاهرة الإبداعية الرائعة، إذ كان حريًا بنجاح هذا المشروع الواعد، وتأكيده على حيادية المُحكِّمين، والمحافظة على الملكية الفكرية لأصاحب الأفكار المُقدمة.   

وتكمن أهمية هذه المسابقة الإبداعية في الشروط الموضوعة والتي حددت للمتسابقين العديد من المعايير التي تساعد على الفوز والوصول إلى المركز الأول الذي خصص له جائزة تشجيعية بـ5 آلاف ريال عُماني في مجالي المسابقة المتمثل في الهوية الوطنية والانتماء والتواصل بين الحكومة والمجتمع، وذلك في إطار استثمار الأفكار والاستفادة منها في رؤية "عُمان 2040".

ولعل أهم هذه الشروط تتمثل في النقاط الآتية؛ ينطلق نجاح هذه المشاريع من أن تكون الفكرة إبداعية من خلال مضمونها الذي يفترض أن تقدم حلولًا مبتكرة وغير تقليدية بين المشاريع المقدمة، كذلك يجب أن تحقق الفكرة المطروحة تأثيرًا إيجابيًا على المجتمع العُماني، وقبل ذلك كله أن تكون آلية التطبيق سهلة وواضحة وقابلة للتنفيذ من قبل الفئة المستهدفة. والأهم من ذلك هو أن تتمتع تلك الأفكار بالاستدامة والتوسع والقدرة على الاستمرار. كما يُفترض أن يمتلك الفريق المبدع معرفة واسعة بالفكرة التي قدمها يجعل منه صاحب ميزة تنافسية عن المتسابقين الآخرين في المشاريع الفكرية للمسابقة الإبداعية.

هكذا تمحورت معايير هذه المسابقة الإبداعية حول أهداف المسابقة المتمثلة في التصدي ومعالجة الثنائي (أدوات التواصل بين الحكومة والمجتمع والهوية العُمانية).

لا شك أن المجتمع العُماني يزخر بالمواهب الإبداعية التي هي بحاجة ماسّة إلى من يكتشفها أولًا؛ ثم العمل على احتضان المبدعين والأخذ بأيديهم نحو تحويل إبداعاتهم إلى إضافات فكرية واقتصادية لتكون عُمان في مقدمة دول المنطقة في استثمار عقول شبابها في التنمية الوطنية. صحيح ما تزال هناك فجوة بين التنظير والتطبيق، ولعل هذه المبادرة تكون بداية مشوارنا نحو تحقيق طموحات الوطن بعد تهميش الكثير من الأفكار الإبداعية التي يمكن تحويلها إلى مصانع إنتاجية في ما يعرف باقتصاد المعرفة الذي أصبح حديث الساعة في أروقة الحكومات الناجحة في العالم. 

وهنا أتذكر عندما كنت عميدًا لشؤون الطلبة عام 2010، حقَّقت جامعة السلطان قابوس المركز الثاني بين 28 جامعة حكومية في الأسبوع العلمي لجامعات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي كانت تُعقد كل عامين، وكانت المسابقة عبارة عن اختراعات علمية وإبداعات في الفكر والخطابة، وقد انبهر فريق التحكيم الذي تشكل من الجامعات الخليجية الحكومية بقدرات العُمانيين وإمكانياتهم في تلك التظاهرة العلمية التي احتنضنتها جامعة الملك عبدالعزيز في جدة والتي أحرزت المركز الأول.

وفي الختام.. مثلت رعاية صاحب السُّمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد، لهذه المبادرة المُباركة، مسكَ الختام ويومًا استثنائيًا بكل المقاييس بالنسبة للجميع، وقد فاز بالمركز الأول فريق "التقدم" عن مشروع "إنشاء دائرة قياس واستطلاع الرأي العام" تتبع وحدة دعم اتخاذ القرار بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتختص بإجراء مسوحات موسعة للرأي العام بهدف دعم القرار الحكومي، وكذلك تحقيق تطلعات المجتمع في المشاركة في صنع القرار الوطني، من خلال الرجوع للرأي العام العُماني والاستنارة بوجهة نظر الشعب، خاصة استشراف المستقبل والتنبؤ بالأحداث والأزمات المتوقعة. بينما فاز بالمركز الأول في محور تعزيز الهوية الوطنية والانتماء فريق "تراك"، وذلك من خلال فكرة "ابتكار علامة وهوية وطنية وربطها بتسويق المدن"، ويتمثل هذا المشروع في صياغة هوية وطنية تنبثق منها هويات فرعية للمحافظات العُمانية الإحدى عشرة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

صراع قيمي

الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير منها في الإنترنت، لكن لا تواجه هذه المستجدات أفكارٌ جديدة تخاطب الواقع عندنا بل يهاجَم من يحاول الاجتهاد والتجديد؛ وأساليب المقاومة للسلوكيات السلبية من الوعاظ في كل الأديان أصلا ليست مجهولة للمنصوح، بل هو يستهجنها خفاء أو علنا لأنها لا تتماشى مع ما وصل إليه البشر من علوم وابتكارات.

هذه الأفكار نفسها تتصارع في الإنسان، فبعضها يبيح الفعل وبعضها يحرمه فتجد صراعا مستمرا ما بين القيم الأساسية والمنتحلة واضطراب نفسي سلوكي لمعالجة الحاجة. في العصر العباسي كان تبني للأفكار وتطويرها من جنس منهجها ومقاربات هزيلة شوهت الفكر الإسلامي رغم محاربتها لكنها دخلت في الشروح والفقه وجعلت الخزعبلات والخوارق مقبولة وهي من اصل الفلسفة الشرقية والغربية، وروج سوء الفهم للإسلام ومهامه بشكل مجحف.. "تُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشّاةِ القَرْناءِ"، هذا حديث يقال على المنابر بينما المكلف هو الإنسان، والحيوان مسخر غريزي لا منظومة عقلية له لتحاسب، وهذا للمثل إن أُخذ بنصه لغير العبرة فهو تشويه لفكرة الخليقة في القرآن، ونرى فرقا اليوم تخرج الإسلام عن مهمته بأسماء متعددة.

صراع نفسي:

مجموعة القيم والأفكار في صراعها سيواجه الإنسان مشكلة الاستقرار، واضطرابات نفسية في الحكم على غيره بممارسة ممكن أن يفعلها هو، وكلما زادت الأفكار التي تدخل المنظومة العقلية وتجيب عن أسئلة فيها فتكون من المدرك بالضرورة، تزداد المعاناة النفسية، وتأتي مقاربات كمقاربة معجبي الرأسمالية والشيوعية ومتبنيهما مع الإسلام، مثل مقاربة التكافل بالاشتراكية، والملكية الفردية بالرأسمالية، لكن يمكن تبني الأمور المدنية كالانتخابات لحين أن يفرز المجتمع أسلوبا يناسبه.

تفاعل الفكر والشروحات تجعل الميل إلى الخرافات من المضافات كمعجزات أو خوارق، وهذا في كل المعتقدات كمثل من حدد أن نهاية العالم 2000 أو 2012، ونبوءة المايا وضرب "ليون مستنغر" أمثال متعددة على فشل النبوءات كعودة المسيح، وأن مناحيم مندل قد يكون هو المسيح لكنه مات بسكتة دماغية 1994 فقالوا إنه سيعود "فالمسيح يستيقظ من بين الأموات"، ذات الشيء عن التنبؤ الحسابي بنهاية الكيان الصهيوني سنة 2023 وانتقل الآن إلى 2027.. والأمثلة كثيرة.

عندما يريد الإنسان أن تكون له مكانة وتفوق ويجد من هو أفضل منه فإنه يحاول تسفيهه بافتراض أنه مزايد أو دجال، على قاعدة العنب الذي لا يُطال حامض، بدل السعي للتكامل معه. غالبا الشخص الجيد ليس هو الذي يوقظ الناس وإنما هو من يطرح ما يفكرون هم به ليقودهم إلى حيث يريد وهو ليس ما يريدون، كذلك نرى الشعوب تلفظ المصلحين وتخضع للطغاة الذين يقمعونهم بحجة التحديات من الإمبريالية والاحتلال للجوار أو البلد أو فكرة مضادة.

معادلة مهمة: هي معادلة قبول الفكرة لنرى صيغة رياضية لها وبتحقيقها يحصل التناقض:

توافق الفكرة بمقاربة مع الفكرة الأساسية (افتراضية) + مقاربة مع النفسية والمزاج (مماهاة) + فقدان وسائل المعالجة (المجتمع وازدواج الأفكار عنده) + قيمة الفكرة (بها إطلاق) + الفعل الغريزي (وهو الأهم في التأثير) = التصالح بين مجموعة الأفكار المتناقضة على مجمل الإخفاقات.

في بيئتنا التي حصل بها ازدواج الأفكار وتعاظم في الحاجات مع تطور المدنية فنجد رفضا لمسالة تعدد الزوجات ونجد هنالك زنا ممن يحرّمه، وهذا يعبر عن خلل، بينما تصالح الغرب على أن هنالك عشيقا أو عشيقة دون أن يكون أمرا شاذا، وكل أمر يتطور يُرفض بداية ثم يُتوافق على وجوده كواقع حال بقانون تستجيب لشذوذه حتى الكنائس! يحتاجها للمصالحة مع غريزة التدين وليس فكرة الدين المناهض أصلا لهذا، وليكون مقبولا اجتماعيا، وكثير من الأمثلة صدرت بها تشريعات تنظيمية للمحافظة على مرتكبيها ضمن سلطة الدولة التي حلت محل الإله عمليا.

عند المجتمعات الشرقية يمر القبول في دورات أطول فتوافق مجتمعنا مع الرأسمالية ليس بسببها وإنما بسبب آليات فيها، والتي تحتاج إلى وقت وأنظمة وقوانين لضبط السلوكيات السلبية التي تنتج عنها. ويبدو شاذا ومشوها من يقر الشذوذ مثلا علنا، في حين أنه يكثر في مجموعات بشرية تهرب من المسؤولية أو يعتاد الإنسان وضعه من الشذوذ نتيجة استغلاله من أناس شاذين متنفذين بصيغة أو أخرى، ولا وسائل للمعالجة ويكتفي المجتمع بالإنكار.. لكن معظم حدود المعادلة متحققة.

معالجة هذا:

إن مجتمعنا لا يحتاج أمرا كثيرا لكنه كبير والمقاومة له من منظومة التخلف، في مجتمعنا استدعاء الماضي وافتراض أن الاجتهادات القديمة تناسب العصر أو أنها صحيحة والعالم الذي نحن فيه خطأ ولا يعالج، نعم الواقع خطأ ولكن استدعاء الماضي خطأ أيضا، فنحن في خطأ مركب وهذا تمام معنى الكارثة، ولا يمكن إقامة فكر بلا آلياته وتنقيته، فالغرائز ستسيطر ويصبح التبرير والشعور بالذنب مرضا نفسيا.

بدل أن نتصالح مع أن المسلمين شيعة وسنة ونقر روابط هابطة؛ الأفضل أن نستحضر أصل القرآن ونرفع كل ما أضيف للإسلام من معوقات الإصلاح عبر أشخاص، وتُختصر المذاهب بتعاليم للعبادة مناسبة بكراريس صغيرة دون الدخول في تفاصيل أوجدها الهروب من واقع مر للسياسة، وبدل تبرير نوع الولاية نذهب إلى الشورى ونستمر في تحسين الأداء والآليات. الإسلام ينزل قرآنا كل يوم لكن نحن لا نفهم هذا ونحسبه آتيا من التاريخ، وهذا ليس مفهوم الإسلام لنفسه.

كل الأديان الأخرى لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم، وحتما ستكون تفاهمات اجتماعية لترشيد الرعوية عند القسس والواعظين والتي هي أساس خلخلة الانتماء وتزرع الكراهية بدل الاتفاق على بناء البيئة المشتركة، وهي مهمة الإنسان المحمية من أي حكم إسلامي الذي غايته الأساس حماية الأهلية والاختيار وفاعلية المنظومة العقلية، لحين ذاك فمنظومة تنمية التخلف تزيد من عمق جرف التخلف الهاري.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية يختتم زيارته للكونغو الديمقراطية بتوقيع اتفاقية إطارية للتعاون بين البلدين
  • جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)
  • كيف نتعامل مع الأفكار المتناقضة؟
  • إبداع|«كان بودى أعيش بخفة من غير قلق».. شعر لـ محمد الكاشف
  • إبداع|«كالعشاقِ تمامًا».. شعر لـ النوبي الجنابي
  • إبداع|«متى يرحل الماضي».. قصة قصيرة للكاتبة السعودية دارين المساعد
  • إبداع|«للحب وردة ذابلة».. شعر لـ حمدى عمارة
  • صحفي الوفد بالمنيا يلقى محاضرة بعنوان القيادة الإبداعية ببني مزار
  • محافظ المنوفية يكرم طالب من ذوي الهمم ويهديه مكافأة تشجيعا لقدراته الإبداعية
  • شاهد | تل أبيب مقابل بيروت معادلة نارية بتوقيع المقاومة الإسلامية في لبنان