بعيدا عن التخبط في مطبخ كيان الاحتلال السياسي نجد تخبطا أكبر في صفوف الجيش المتزعزع عديم الثبات أثبت اليمين المتطرف أنه لا يمكن أن يكون متناسقا في الحكم نظرا لفجوات التطرف بين أبناء الأحزاب اليهودية

يتخبط الإعلام العبري ويضيع في بحر المعلومات المتراشقة حول مصير عدوان جيشه على قطاع غزة بعد مرور 141 يوما من بدء القتل والتهجير للمدنيين الأبرياء من أبناء غزة.

وبعد ارتقاء 29,606 شهيدا وتسجيل أكثر من 69 ألف مصاب، يعجز الإعلام العبري عن معرفة اليوم القادم للعدوان، فتارة تجده يتحدث عن صفقة تبادل أسرى، وتارة يتحدث عن وقف العدوان، وتارة ينفي وجود تقدم في المباحثات.

ومن اللافت للنظر أن وسيلة الإعلام الواحدة تراها تنشر في غضون ساعات عددا من التقارير الصحفية المتناقضة في متنها وصلبها عن بعضها بعضا، ما جعل المستوطن "الإسرائيلي" في حالة شك وعدم ثقة بوسائل الإعلام التابعة لكيانه المحتل.

وسائل الإعلام العبرية في تخبطها أزاحت اللثام عن حالة تخبط واضحة في حكومة الاحتلال اليمينية، أو حتى في حكومة الحرب المصغرة؛ فهناك يتطرف بن غفير وسموتريتش أكثر من البقية وينفون فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة من الأساس، وعلى النقيض يطالب آخرون بصفقة تبادل ووقف للنار، فيما يصر نتنياهو على اكمال العدوان تحت شماعة الرغبة في تدمير "حماس"، وبعيدا عن كل هذا التخبط في مطبخ كيان الاحتلال السياسي، نجد تخبطا أكبر في صفوف الجيش المتزعزع عديم الثبات.

"الإسرائيليون" تائهون على مناطق تخوم الحرب رغم أنهم ىالورقة والقلم دمروا جل مباني غزة، وهدموا معاقل التعبد فيها من مساجد وكنائس، وحطموا تعليمها ويتموا أبناء القطاع ورملوا نساءه، إلا أن ذلك لم يشفع لهم ليدركوا تفاصيل حقل الألغام الذي ساروا به، ولعل قادتهم استذكروا خطيئة اجتياحهم بيروت ذات زمن أو خطأ ما أسموه بحرب "الغفران" وكيف انعكس عليهم الأمر سلبا وزاد من الاحتقان نحوهم وقلل من تماسك منظومة الردع التابعة لهم في ظل تزايد العمليات الاستشهادية والمقاومة المسلحة والسخط الشعبي العربي بحق مستوطنيهم داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبالعودة للإعلام العبري فهو بات يدور في دوامة مفرغة من التساؤلات، التحليلات، والعجز عن التخمين الدقيق لشكل المرحلة أو تفاصيل مبادرة الهدنة إن وجدت ذات لحظة؛ ولعل السبب في هذا التخبط مصدر المعلومة المستقل؛ فحكومة حرب العدو كل يغرد بها على ليلاه وأثبت اليمين المتطرف أنه لا يمكن أن يكون متناسقا في الحكم؛ نظرا لفجوات التطرف بين أبناء الأحزاب اليهودية.

اقرأ أيضاً : مثلث الموت.. مجازر لا تتوقف في غزة لليوم الـ141 - فيديو

كما أن الإعلام العبري يظل حبيسا للرواية الأمريكية الحالمة، أو ربما الكاذبة؛ فالأمريكيون اليوم يطرحون خطة سلام جديدة، تشبه خططهم التي فطمت على دماء الفلسطينيين طوال 23 عاما، إلا أنها خطة بلا أطراف، أو أعضاء عضوية، تشبه الجسد المحنط، بلا قلب ينبض أو دماغ يفكر ويتخذ القرار وأطراف تنفذ الغاية والرغبة.

خطة أمريكا بلا حديث عن القدس التي تمثل قلب القضية، وخالية من الزمان والأسطر الضيقة التي تتحدث عن التطبيق أي أنها بلا دماغ، وتنقصها الأطراف القادرة على إجبار الاحتلال على التنفيذ والخضوع، والإعلام العبري كما كل مرة يتراشق التسريبات من أبناء الإدارة الأمريكية دون أن يحبكها بعناية لتواجه التصريح الواضع والمكشوف ليمينهم المتطرف والذي يقول بالفم الملآن:"لا دولة فلسطينية، لا حماس، واحتلال جديد لغزة".

وعلى صعيد آخر تخرج المقاومة الفلسطينية بعد كل هذا الكد ومئات المعارك لتقول ببساطة ووضوح أن المفاوضات لن تحدث ولن ترى الهدنة النور إلا بعد تنفيذ شروطها هي، ورغباتها، وما يحقق جزءا من العدالة للشعب الفلسطيني في غزة، والذي ذاق مالم  تذقه الأمم وما عجز البشر عن تحمله طوال 141 يوما.

المصدر: رؤيا الأخباري

كلمات دلالية: جيش الاحتلال الإسرائيلي الحرب في غزة حركة المقاومة الاسلامية حماس وسائل الاعلام الإعلام العبری

إقرأ أيضاً:

أرض التــطــرف

ما الذي يمكن استخلاصه من ظواهر المواجهات الدائرة، السياسية منها والعسكرية، في عالمنا اليوم؟ كل مواجهة تعني تناقضًا وتضادًا، وهذا التضاد لماذا يأخذ شكل المواجهة والمجابهة بدل الحلول الأخرى الطبيعية؟ لماذا التطرف في المواجهة لإخضاع الآخر والسيطرة عليه بالقوة والعنف؟ هل التطرف هو لغة العصر؟ كيف تحول العالم إلى مسرح مناسب لأنواع ودرجات من التطرف تغذي وتستثير بمجرد ظهورها كل تطرف مضاد؟ كيف نجد في عالمنا اليوم أشكالًا متعددة من خطاب التطرف نجحت، بل وأصبحت وصفة انتخابية معممة، تقود أصحابها إلى تولي زمام السلطة، كما حدث في مناطق مؤثرة من العالم؟ وكل هذا التطرف المعولم ألا يغذي بشكل رئيسي اتجاه العالم بأسره نحو العنف والحرب كنتيجة متوقعة؟

بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية والفاشية في أوروبا لم يكن أحد يتخيل أن اليمين المتطرف سيعود إلى السلطة، بما في ذلك من تبقى من أعضائه، أو أن أحزاب اليمين المتطرفة يمكنها التفكير بالمنافسة في الانتخابات، أو أنها ستحظى بأي شعبية مستقبلية، لكن واقع الحال اليوم أن عددًا لا بأس به من الأحزاب الفائزة في الانتخابات تتبنى بشكل معلن خطاب التطرف، فكيف حدث ذلك؟

هل يمكننا القول إن الحروب الأمريكية العالمية المعلنة التي اتخذت ذريعة الحرب على الإرهاب في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قد دمغت بداية هذا القرن بآثار لا تمحى، لكنها أدت لنتائج عكسية، ليس أقلها صعود اليمين، وبتعبير آخر فإن الحرب الأمريكية على التطرف والإرهاب بدل أن تقضي على الإرهاب والتطرف قامت بتعميمه.

يبدو اليوم أن تلك الحرب المعلنة على الإرهاب والتطرف، القاعدة آنذاك، أدت إلى تفريخ وتعدد أشكال وجماعات التطرف والإرهاب، وأن أغلب ذلك التفريخ جرى في مناطق احتلتها أمريكا كالعراق مثلًا، حيث جرى تصدير التطرف لكل دول الجوار، وكان النتاج هو استقواء التطرف وتعاظمه، بل وجرى استخدام جماعاته لتدمير النظم السياسية المعارضة للهيمنة الأمريكية والتغوّل الإسرائيلي، كما حدث في سوريا، وفي الوقت نفسه صعد الخطاب المتطرف، وكراهية الأجانب، وصعدت الأحزاب والخطابات المعادية للآخر، خاصة وعلى التحديد الإسلام، وكان هذا الخطاب متوجهًا بالتحديد للتأثير على المراكز ويبدو أنه نجح بطريقة ما في إذكاء التطرف العام.

ما حدث في حرب الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب هو تهويل حوادث ١١ سبتمبر واتخاذها ذريعة للحرب والتدخل، وما فعلته تلك الحروب الأمريكية أنها دشنت عصر الإرهاب والتطرف، وهذا رأي نعوم تشومسكي في كتابه عن الحدث الصادر في ذلك العام نفسه ٢٠٠١، وهو يقول حرفيًا إن العالم مقبل على عصر الإرهاب، في استشراف دقيق كما هو واضح، لأن ذلك ما حدث في كل مكان، لقد جرت تغذية العصر بمتوالية من التفجيرات التي شملت غالبية المدن الغربية، وحتى العربية بطبيعة الحال، والتي عجّلت في إظهار نتائج الإرهاب وخطره الكامن في توليد التطرف، وإعطاء مشروعية للتطرف المضاد، ولكنه أصبح إرهاب دولة، وأدى لكوارث بشرية واستباحة حدود الدول وإسقاط الأنظمة وتسليمها من بعد للفوضى أو للنظام السابق نفسه كما في أفغانستان، وكأن الغاية لم تكن غير تغذية الإرهاب وزيادة التطرف.

العالم بالنسبة للتطرف هو ساحة معركة، وكل البشر في نظر التطرف هم إما «مع» يجب عليه النصرة، أو «ضد» يجب القضاء والسيطرة عليه، ولا ثالث لهما، عالم من الأبيض والأسود، يجب الانتصار فيه، وكالعادة تستخدم أوهى المبررات والمنطق المختلق لتكوين تلك العقيدة المتطرفة والتي ليست غير منطق الكراهية، لكنها في نظر المتطرف تبيح له القتل وسفك الدماء والنهب والتنكيل بكل من يجابهه، وبالمحصلة يجد التطرف إطارًا يعطيه كل الشرعية والحق لممارسة العنف الكامن داخله، وهو لا يخدم غير بعث التطرف والعنف المضاد، بل هو يقوم عبر استغلال أشباهه في الطرف الآخر، إما عبر استغلال أفعال مشابهة قاموا بها وتهويلها، أو عبر دفعهم للقيام بردات فعل تستدعى المواجهة والمجابهة، و(السحق والمحو)، بهذا الشكل يمنح التطرف نفسه الحق في تعميم الموت، بكافة أشكاله، وفي قهر الخصوم واستفزازهم ودفعهم دفعًا للانتقام، ذلك أن خطاب التطرف عدمي، مغرق في عدميته، وهو بشكله ذاك مهيأ للاستخدام والتلاعب به وجعله دمية في خدمة حتى ألد أعدائه المعلنين، ولا يخدم غاية أكبر غير الدمار.

لكن التطرف ليس دافع البشر والناس العاديين، بل دوافعه خاصة، هي دوافع الحكم والسيطرة والاستحواذ والهيمنة والنفوذ، وهي دوافع تفرضها الطبقات والأنظمة والجماعات المسيطرة فرضًا على الناس، أو تورطهم فيها، بحيث يجد الناس أنفسهم بين خيارين، إما قابيل أو هابيل، إما قاتلًا أو قتيلا.

في أثناء ذلك تخرب البلاد وينهار العمران وتتعطل كافة الأشكال الحضرية للحياة، وينهار السلم الطبيعي بين الناس، فالإنسان بطبيعته أميل للسلم منه للحرب، لكن التطرف يريد تغيير تلك الطبيعة بالقوة وتوجيهها للحرب، بحجة المغانم التي يكسبها، وهي ليست مغانم بقدر ما هي سرقة بالقوة والعنف لممتلكات وثروات الناس وبلدانهم وميراثهم الطبيعي، وهي بالمقاييس العادية حقارة، لكن التطرف بكل صفاقة يجعلها مشروعه وحقًا من حقوقه الطبيعية، بالحرب والعنف.

لا يوجد شيء يستثير التطرف مثل الحرب المشتعلة، لأن اندلاع الحرب يوقد نار العنف داخل الجميع، حتى لو كانوا معتدلين وغير متطرفين، إنها وسيلة التطرف القديمة والتقليدية في جر الجميع للحرب، شاءوا أم أبو، بحيث لا يجد الجميع أمامهم غير مسار القتال والقتل، أو الهزيمة والرضا بالذل، وقبول الاستفزاز والإهانة.

لا يدرك التطرف أنه تعصّب أعمى، لأن لا وقت لديه، ولأن تلك العلة المتأصلة فيه هي التي تجعله ألعوبة في يد من لديه الدهاء والقدرة على استغلاله، فالتطرف مشغول بذاته، وبمعركته، وبتصنيف الناس إلى مع وضد، وهو في اشتعال دائم لا يملك القدرة على أكثر من الاشتعال وإشعال الحرائق ومواصلة التفجيرات، وفي عالمنا اليوم يبدو أن هناك من أصبح بمقدوره الاستفادة والتحكم بهذا الثور الهائج، بل وأن يضع المحراث على ظهره ويقوده للمناطق التي يريد زراعتها بمزيد من التطرف، حتى أصبح التطرف في عصر التقنية وملاكها مصدر دخل ووسيلة تحكم متوفرة فعالة ومضمونة النتائج، يجري تعميمها فكريًا على الافراد عبر أجهزتهم الأثيرة.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • غداً في واشنطن.. لماذا سيلتقي مجرم الحرب “نتنياهو” براعيه “المجرم ترامب”..!
  • سامي الشيشيني: تجديد الزمالك لـ زيزو سيصنع فجوة بين اللاعبين
  • الاعلام العبري يتخوف من توسع “الحوثيين” اقليمياً
  • أرض التــطــرف
  • شيخ قبلي بارز في المهرة يتهم الإمارات بمحاولة إعادة سيناريو الاحتلال البريطاني في اليمن
  • مرصد الأزهر يدين المخطط الإرهابي لاستهداف مساجد المسلمين في سنغافورة
  • غزة تحت القصف | نزوح كبير ومخاوف من نفاد الغذاء .. لماذا يوسع جيش الاحتلال عملياته؟
  • محافظ الجيزة يضع إكليلًا من الزهور على النُّصُب التذكاري لشهداء نزلة الشوبك
  • محافظ الجيزة يضع إكليلًا من الزهور على النصب التذكارية لشهداء نزلة الشوبك
  • لماذا يوسع الاحتلال عملياته البرية تدريجيا بغزة؟ الدويري يُجيب