مرفأ قراءة .. الأدب العماني المعاصر في «بؤرة الضوء»
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
(1)
أظن أن كل من يتابع مظاهر وتجليات النشاط الإبداعي والأدبي (بخاصة الرواية) في عالمنا العربي في العقود الثلاثة الأخيرة، سيلحظ بالتأكيد هذا التنامي والازدهار الكتابي والثقافي النشط في سلطنة عمان.
ليس هذا مجرد قول بلا دليل، فالإنتاج العماني في السنوات الأخيرة أبرزُ (كمًّا ونوعًا) من أن يتم تجاهله، وعدد كتاب الرواية والقصة الذين تجاوزوا بإبداعهم حدود الدولة العمانية بل حدود محيط دول الخليج العربي إلى باقي الدول العربية، ومن خلال الترجمة إلى اللغات الأجنبية، صار كبيرًا فعلًا وبارزًا فعلًا، وحاضرًا بقوة في المشهد العربي والعالمي على السواء.
وأظن أن معرض عمان الدولي للكتاب المقام حاليا بالعاصمة مسقط أصبح واحدًا من أهم المعارض العربية وأكثرها «رصانة» وحضورًا وثقلًا معرفيًا وثقافيًا، ليس على مستوى حركة تداول الكتاب بيعًا وشراء فقط، بل على مستويات الفعاليات الثقافية أيضًا التي صارت تستقطب أهم الأسماء وأبرزها في الكتابة الأدبية والنقدية والإنتاج الفكري والثقافي عمومًا.
لا أحد ينكر هذا الحضور العماني بكل ما يشعه من إبداع وثقافة ونشاط محموم قراءة وكتابة، وحتى على مستوى التجليات الإعلامية الموازية لهذا النشاط (تلفزيونا وإذاعة وصحافة) فلا أحد يماري في حضور وإشعاع هذا النشاط العماني وامتداداته على مدى العقد الأخير بالذات، صار هناك كتّاب يحظون بالجوائز والترجمة والمتابعة والمقروئية و«الشهرة» و«النجومية».
وأبرز ما في هذا الحضور اللافت والمشع أنه جاء نتاجًا للعمل والدأب والإخلاص للقراءة والكتابة فقط، وليس أبدًا لأي سبب آخر! الحضور العماني في المخيال العربي عمومًا (والمصري بصفة خاصة) حضور مهذب وراقٍ، يتسم بالهدوء والخصوصية والسلم، ويتسق تمامًا مع الصورة الذهنية التي تكرست عبر سنوات وسنوات عن هذا البلد الطيب وناسه الطيبين الأكارم أصحاب المبادرات الطيبة والروح المسالمة النائية بذاتها عن العصبية والانغلاق والجمود، ولديها انفتاح هادئ وواثق ومطمئن على غيرها من الثقافات، دون وجل ولا توجس ودون أي إحساس قلِق أو متعصب من حضور الآخر.
(2)
كانت هذه مقدمة ضرورية قبل الشروع في الحديث عن هذا «الكتاب/ النافذة» الذي مثّل مساحة رائعة للتعرف على جوانب وألوان من النشاط العماني الممتاز في الكتابة الإبداعية (رواية وقصة.. إلخ) للقارئ المصري والعربي على السواء.
الكتاب بعنوان «الآداب العمانية بين الماضي والألفية»، صدر عن منشورات إبييدي لندن قبل أشهر قليلة،
تقدم مؤلفة الكتاب نورة أشرف عبدالظاهر (وهي مؤلفة مصرية من صعيد مصر) إطلالة بانورامية على النتاج العماني المميز في السنوات الأخيرة، والظهور والحضور المشرف في المحافل العربية والدولية بتتبع أبطال هذا الحضور وهذا النشاط من الكاتبات والكتاب العمانيين المعاصرين، فمن الآن في مصر وفي غيرها من العالم العربي من المتصلين بالحركة الثقافية والأدبية والنقدية لا يعرف جوخة الحارثي أو هدى حمد أو منى بنت حبراس السليمية أو ليلى العبد الله، ومن لم يقرأ نصًا أو رواية للقاسمي (تغريبة القافر) أو سليمان المعمري أو الحكاء أحمد الناصر وغيرهم..
هذه مجرد أمثلة ونماذج معبرة عما يدور في أرجاء عمان من حركة تعود بجذورها إلى عقود لكنها بدأت تؤتي ثمارها وتقطف خيراتها مع انفجار الوسائط المعلوماتية والسوشيال ميديا التي لعبت دورًا لا ينكر في تقريب العالم وتذويب المسافات والتغلب على صعوبات النشر، وصار القارئ في مصر أو موريتانيا أو المغرب أو العراق يقرأ نصا منشورا على السوشيال ميديا لتلك الكاتبة المجيدة أو ذاك الكاتب المتميز فضلًا عن متابعة ما ينشر عنهم من كتابات ومقالات نقدية «تعريفية» أو «تحليلية» أو «نقدية».. إلخ.
(3)
في مقدمتها تشير المؤلفة إلى أن سلطنة عمان «من الدول العربية العريقة التي تنعم بالسلام والمحبة، كما أنها بمثابة عملاق يعمل في صمت، وبها الكثير من الأدباء الحائزين على أكبر الجوائز العربية والعالمية، ورغم ذلك لم يسلط عليها الضوء، لذا كان من المنصف أن يكون هذا الكتاب بين يديك».
أعجبني جدًا إشارتها أو توصيفها لعمان بأنها بمثابة «عملاق يعمل في صمت»؛ هذه حقيقة، فالبلد الهادئ القابع في أقصى نقطة من عالمنا العربي في جنوبه الشرقي، ويحتل مساحة جغرافية شاسعة، وتحده كيلومترات هائلة تطل على ساحل المحيط الهندي، والخليج العربي، وفيها أبرز نقطة في مضيق هرمز، بلدٌ عريق يعود بجذوره التاريخية والتراثية لآلاف السنين، بلد تميز بخصوصيته الجغرافية والتاريخية والثقافية، وكان قاسما مشتركا في إرث إنساني خالد خاصة فيما عرف بطرق التجارة وممرات القوافل ومرور الجوابة والرحالة وأصحاب الأسفار والتجوال، إنها بلد السندباد والإرث البحري الزاخر في التراث العربي والإنساني.
وبرغم هذا الهدوء والنأي الجغرافي العماني عن بقية العالم العربي، فإن هذا البلد المحبوب يعج بنشاط ثقافي وأدبي كبير جدا، وقد صار من المعلوم أو المقبول أن يقال الآن إن أكثر جمهور قارئ على مستوى دول الخليج العربي هو الجمهور العماني، الذي يعطي زخما غير مسبوق وحضورًا وتوهجًا لكل المعارض العربية المتاخمة لعمان (معرض الشارقة الدولي للكتاب على سبيل المثال).
عمومًا يأتي هذا الكتاب «التعريفي» المهم ليلقي بأضواء كاشفة على بعض جوانب هذه الحركة النشطة في عمان، ويقارب جهود وأعمال بعض الأسماء في مجال الكتابة الأدبية (الروائية والقصصية) العمانية التي صارت الآن ضمن الأبرز ليس خليجيا فقط بل عربيا أيضًا، وأصبح النتاج الأدبي العماني مقروءا على نتاج واسعا وبعض نصوصه تحظى بانتشار ورواج كبيرين (أضرب مثلا فقط بروايتين؛ الأولى رواية جوخة الحارثي «سيدات القمر»، والثانية رواية زهران القاسمي «تغريبة القافر»، والروايتان حظيا بطبعات متعددة في العالم العربي، وخاصة في مصر).
(4)
يعالج الكتاب الآداب العمانية في الماضي قبل تأسيس السلطنة، ويتحدث كذلك عن الآداب في عام النهضة، وعن الآداب في الألفية، أي ما بعد عام 1970م، ينقسم الكتاب إلى ثلاث مراحل، هي:
1- الآداب العمانية قبل عام 1970م.
2- الآداب العمانية أثناء عام 1970م (عام النهضة العمانية).
3- الآداب العمانية بعد عام 1970، وحتى الألفية لعام 2023م (عصر النهضة العمانية).
كما يتناول الكتاب الآداب العمانية في الفروع التالية:
1- الرواية العمانية.
2- الشعر العماني.
3- القصة القصيرة العمانية.
4- النقد الأدبي العماني.
5- كتابة المسرح العماني.
6- المقال الأدبي العماني.
7- حصاد الأدب العماني في الألفية للجوائز العربية والعالمية.
تقول مؤلفة الكتاب: «سوف نتناول الحديث عن الكتّاب العمانيين، كلٌّ في مجاله، والروائيين، والشعراء، وكتاب القصة القصيرة، والنقاد، وكاتبي المسرح، وكاتبي المقالة، وعن مراحل تطور التعليم في سلطنة عمان، ولن ننسى الخطة الخمسية».
(5)
هذه مجرد إطلالة على بنية الكتاب وهيكله، وتبويبه وفصوله، وهو في العموم محاولة مشكورة من مؤلفة شابة طموح اجتهدت، بمبادرة فردية، في إلقاء الضوء على هذه النخبة المختارة من كتاب وكاتبات عمان والتعريف بأعمالهم، وهي كاتبة ومؤلفة مصرية من صعيد مصر (سوهاج) اقتربت من النتاج العماني قراءة ومعايشة (حضرت فعاليات في الشارقة ربما تكون التقت خلالها ببعض كتّاب وكاتبات عمان، ما وفر لها مادة سيرية وبيوجرافية مهمة استعانت بها في كتابها).
إن هذا الكتاب بمثابة «مدخل تعريفي» مهم بكتاب وكاتبات من عمان يقدمون الآن نتاجًا روائيًا وقصصيًا وإبداعيًا معتبرًا ويحتل موقعه ضمن مدونة إبداعات العربية المعاصرة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر: لابد أن يسود الأدب والاحترام بين أتباع المذاهب الإسلامية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شدد فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، على ضرورة أن يسود الأدب والاحترام بين المذاهب وأصحاب الرأي والرأي الآخر، قائلا «حين ضاع منا أدب الاختلاف ضاع الطريق من تحت أيدينا»، مؤكدا أن هذا المحور هو ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار الإسلامي- الإسلامي.
وأوضح شيخ الأزهر، خلال حديثه اليوم بالحلقة الثالثة من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب»، أن أول شيء هو وقف التنابز، مؤكدا أن هذا التنابز جعل من الشعب الواحد أعداء، وأن إحياء الفتنة بين الشيعة والسنة فتيل سريع الانفجار وقوي التأثير، وهذا ما يريده العدو ويحرص عليه حرصا شديدا، حيث أنه يعتمد على مبدأ «فرق تسد»، موضحا أن الاختلاف المذهبي إذا خرج عن إطاره الشرعي وهو الاختلاف في الفكر فقد يكون له مآلات خطيرة.
وأضاف شيخ الأزهر أن الأمة الإسلامية تمتلك الكثير من مقومات الوحدة، أولها المقومات الجغرافية، فالأمة العربية تقع تجمعها لغة واحدة، كما أننا كمسلمين بتعدادنا الذي يتخطى المليار ونصف مسلم، عقيدتنا واحدة، ونعبد إلها واحدا ونتجه إلى قبلة واحدة، ولدينا قرآن واحد ما اختلفنا فيه.
وتابع شيخ الأزهر، أن أكبر مقوم لوحدة المسلمين هو التوجيهات الدينية والإلهية، والتي منها حديث قوله صلى الله عليه وسلم «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذاك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله، فلا تخفروا الله في ذمته»، مؤكدا أن أعداء المسلمين ليس من مصلحتهم أن يتوحد المسلمون، لأنهم أنهم يؤمنون بأن المسلمين لو توحدوا سيمثلون مصدر قوة، فهم يحاولون قدر إمكانهم وقدر مكرهم أن يبقى المسلم كالغريق، عندما يغطس يرفعونه قليلا كي يتنفس ثم يعودونه مرة أخرى، وهكذا، موضحا أنه لا يخرجنا من ذلك إلا الوحدة، بمعنى أن يكون لنا في مشاكلنا الكبرى رأي واحد.
وعن دور الأزهر الشريف في الحوار الإسلامي الإسلامي، أوضح فضيلة الإمام الأكبر، أن الأزهر كان له دور كبير في هذا الحوار منذ فترة مبكرة مع علماء الشيعة، وأن فكرة «دار التقريب» نبتت في الأزهر مع الشيخ شلتوت ومع المرجع الديني الكبير محمد تقي القمي منذ عام ١٩٤٩م، واستمرت هذه الدار حتى ١٩٥٧، وأصدرت تسعة مجلدات تضم أكثر من ٤٠٠٠ صفحة، مبينا أنه ستتم محاولة إعادة الوضع من جديد، لكن على مصارحة وأخوة.