رأي في مشروع القرار الجزائري لمجلس الأمن لوقف حرب غزة
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
بداية وقبل الدخول في صلب الموضوع، أود الإشارة الى أن هذا المنشور يحمل في طياته دعوة للتأمل والنقاش، فهو موجه بالدرجة الأولى للإثراء، للتفكير العميق والتبادل البناء.
الحمقى وفاقدو البصيرة، من عبيد السلطة وذبابها وزبائنها، حيث ننتظر منهم كما من التعاليق السيئة، سيكون التجاهل أحسن رد عليهم.
إن القضية الفلسطينية بالنسبة لي، هي أولا قضية سياسية، إنسانية وقضية أخلاقية، قضية يختبر فيها كل واحد منا ضميره وانسانيته، ويختار موقفه، إما أن يكون انسانا حقيقيا ملتزما بالقيم والأخلاق، وإما يفقد ضميره وانسانيته.
القضية الفلسطينية هي قضية شعب يناضل منذ أكثر من نصف قرن، من أجل التحرر والانعتاق من أحد أبشع وأقسى أنواع الاستعمار عبر التاريخ.
القضية الفلسطينية هي قضية حق تقرير مصير شعب أعزل، لا يمكن تصور حلها إلا من خلال ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، مع عودة كل اللاجئين، في إطار الاحترام التام للقانون الدولي.
القضية الفلسطنية هي اختبار لكل المنظومة القانونية والمؤسساتية الدولية فيما يخص متابعة ومحاسبة كل مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة و التطهير العرقي التى يتعرض لها يوميا الشعب الفلسطيني.
القضية الفلسطينية هي مسألة سيادة شعب على ارضه ولا يمكن لأي طرف من الأطراف سواء الدولية أو الإقليمية، فرض على الشعب الفلسطيني ممثلين له، فالشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي يقرر من يمثله، وذلك عندما تتوفر شروط قيام الدولة الفلسطينية، ويتوفر جو الحرية الذي سيسمح للشعب الفلسطيني اختيار ممثليه بكل حرية .
لذا ومن هذا المنطلق لا يجب أن تكون هذه القضية، ولا يجب أن نسمح أن تكون محل حسابات سياسوية ضيقة، ولا علامة أو سجلا تجاريا، تحقق به أنظمة فاسدة ومستبدة مكاسب سياسية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وانطلاقا من هذا الواجب الأخلاقي، أردت أن أطرح للنقاش، ما تروج له هذه الأيام أجهزة بروباغندا النظام في الجزائر، وما يسوق ذبابه وزبائنه عبر وسائط التواصل الاجتماعي بين عموم الشعب، عن تحد جزائري هائل لأكبر قوة في العالم (الولايات المتحدة)، وعن انجاز دبلوماسي كبير، من خلال تقديم مشروع قرار فى مجلس الأمن يدعو الى وقف إطلاق نار فوري في غزة لدواعي إنسانية.
فماذا نعرف عن حقيقة هذا الإنجاز الدبلوماسي الوهمي؟
والذي يروج له نظام بائس ومنتهي في الداخل، أملا في رفع رصيده من شعبية يفتقدها تماما بين الجماهير، وتعويضا عن فقدان كامل للشرعية الدستورية، وقطيعة نهائية مع الشعب.
يجب أن نعلم أولا، أن مشروع القرار الذي قدمته الجزائر للتصويت يوم الثلاثاء 20/02/2024 هو مشروع قرار معدل، وقد عدل ثلاث مرات، وهو يختلف عن المشروع الأصلي الذي قدم للتشاور بتاريخ 01/02/2024،
طبعا الكثير منا وعموم الشعب في غالبه لا يعلم هذه التفاصيل، لكن كما يقول المثل (الشيطان يكمن في التفاصيل).
بالنظر إلى مشروع القرار الذي صاغته الجزائر في بداية فيفري و عرضته *للتشاور* على دول الأعضاء في مجلس الأمن ، و مشروع القرار المعدل و الذي عرض *للتصويت* و عارضته أمريكا بحق الفيتو ، فإننا نلاحظ *اختلافا* *جذريا* بين المشروعين من حيث المضمون و سقف المطالب .
المشروع الأصلي كان سقف مطالبه ـ عاليا ـ ولا يحتوي على أي تنازل للكيان الاجرامي الصهيوني، فقد تضمن طلب وقف فوري للنار ورفض التهجير القسري، ومطالبة كل الأطراف بالالتزام بالقانون الدولي، والسماح بالدخول السريع لكل *المساعدات* الإنسانية عبر كل المنافذ دون عوائق ، كما تضمن طلب إعطاء صيغة الزامية لقرار محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، هكذا صيغ القرار في بدايته، إدانة لإسرائيل و التزاما بحقوق الشعب الفلسطيني.
فما الذي تغير في مشروع القرار المعدل، الذي قدم *للتصويت* باسم الجزائر هذا الثلاثاء؟
بقراءة متأنية لمشروع القرار المعدل فسنلاحظ أنه تضمن الإضافات التالية:
1 ـ شجب جميع الهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية وجميع أعمال العنف.
2 ـ إطلاق سراح فوري وغير مشروط لجميع الرهائن، وضمان وصول مساعدات طبية لهم.
3 ـ توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت حكم السلطة الفلسطينية
4 ـ الالتزام بحل الدولتين.
إن القارئ الحصيف سينتبه بدون *شك* للفرق الشاسع بين القرارين، ولحجم التنازل الكبير الذي قدمه النظام الجزائري، على حساب المبادئ والحقوق الفلسطينية.
في النص المعدل نلاحظ إدانة لجميع أعمال العنف والهجمات ضد المدنيين دون تفريق بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وكأنها إدانة خفيه لهجوم 7 أكتوبر واعتباره إرهابا، كما أن المطالبة بإطلاق سراح ما سمي برهائن دون شروط هو إدانة أخرى لما قامت به المقاومة وتخلي عن الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية، أما توحيد غزة مع *الضفة* في إطار حكم السلطة الفلسطينية، فهو يعني الرضوخ لما تطالب به إسرائيل وعرابتها الولايات المتحدة الأمريكية.
إذ أن القراءة المتأنية لمشروع القرار الذي قدمه النظام الجزائري للتصويت، تبين أنه تضمن إدانة خفية للمقاومة الفلسطينية واعتبارها إرهابا وتخلي عن ألاف الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
أعتقد جازما أن مسار حل القضية الفلسطينية، لن يختلف عن مسار الثورة الجزائرية ومحطاتها الخالدة، فهي التي يمكن أن تقدم دروسا وعبرا لاستشراف المستقبل، وهي التي يمكن أن تكون نموذجا ملهما للكفاح وطريق تحرير فلسطين، من خلال تبني المبادئ والقيم التي قامت عليها، والتي تجسدها مقولة الشهيد عبان رمضان (الجزائر لن تكون تابعة لا لباريس ولا لموسكو ولا لواشنطن ولا للقاهرة، نحن أمة متميزة لا شرقية ولا غربية، الجزائر جزائرية).والسؤال الذي يجب أن يطرح هنا، لماذا النظام الجزائري قدم هذا المشروع القرار المعدل وفيه هذا التنازل الذليل عن الحد الأدنى من مبادئ العدالة وعن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال؟
ولماذا لم يثبت على نص مشروع القرار الأصلي وهو يعلم، كما تعلم كل البعثات الدبلوماسية أن أي قرار يتضمن وقف إطلاق *النار* في غزة سيتعرض للفيتو الأمريكي؟
إن أهداف السلطة في هذه المعركة الدون كيشوتية داخل مجلس الأمن، هي أولا من أجل تسويق أوهام سياسية للرأي العام الوطني الداخلي، و الترويج لأكذوبة الجزائر الجديدة والقوة الضاربة، بين المخدوعين من أنصارها و الجشعين من زبائنها، خاصة و نحن مقبلون على انتخابات رئاسية، لعلها تجني بعضا من الشعبية تعوضها عن فقدان الشرعية، و ثانيا يبعث النظام من خلال مشروع هذا القرار و هو يعلم جيدا أنه لن يمر ، رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تنفي عنه شبهة مساندة المقاومة الفلسطينية و تبين استعداده للخضوع للإملاءات الغربية.
وسؤال آخر يطرح في هذا السياق، كيف نفسر أنه من بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تملك حق الفيتو، ثلاث دول هي حليفة لإسرائيل ومساندة عسكريا وسياسيا لحربها الإجرامية في غزة، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، فإذا كانت ـ الولايات المتحدة عارضت مشروع القرار بحق الفيتو ـ وامتنعت بريطانيا عن التصويت فلماذا يا ترى ساندت فرنسا النظام الجزائري وصوتت لصالحه؟
حلل وناقش
في الختام، أعتقد جازما أن مسار حل القضية الفلسطينية، لن يختلف عن مسار الثورة الجزائرية ومحطاتها الخالدة، فهي التي يمكن أن تقدم دروسا وعبرا لاستشراف المستقبل، وهي التي يمكن أن تكون نموذجا ملهما للكفاح وطريق تحرير فلسطين، من خلال تبني المبادئ والقيم التي قامت عليها، والتي تجسدها مقولة الشهيد عبان رمضان (الجزائر لن تكون تابعة لا لباريس ولا لموسكو ولا لواشنطن ولا للقاهرة، نحن أمة متميزة لا شرقية ولا غربية، الجزائر جزائرية).
كما لا أنسى في هذا المقام، التذكير بالمواقف الشجاعة والصريحة للدول الحرة اتجاه العدوان الإسرائيلي، لا سيما بوليفيا وكولومبيا والبرازيل وجنوب إفريقيا.
يقول الشاعر الفلسطينى سميح القاسم :
"تقدموا تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
و كل أرض تحتكم جهنم
تقدموا يموت منا الطفل و الشيخ و لا يستسلم
وتسقط الأم على أبنائها القتلى ولا تستسلم "
اما الشاعر توفيق زياد يقول: "هنا باقون
كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
هنا.. على صدوركم باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزجاج، كالصبار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا.. على صدوركم ، باقون كالجدار ."
رحمة الله على كل شهداء فلسطين
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية موقفه الجزائر فلسطين الجزائر علاقات رأي موقف مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی النظام الجزائری التی یمکن أن مجلس الأمن من خلال أن تکون یجب أن
إقرأ أيضاً:
التصويت لصالح المغرب في “انتخابات الفيفا”.. النظام الجزائري يمر إلى الخطة (ب)
زنقة 20 | الرباط
أكد عبد المالك أبرون، عضو المكتب المديري للجامعة الملكية المغربية، بأن الجزائر ومعها تونس صوتتا لفائدة رئيس الجامعة فوزي لقجع لشغل عضوية مجلس الإتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”.
وقال أبرون لموقع Rue20 ، أن تونس والجزائر وجنوب أفريقيا صوتوا لصالح فوزي لقجع ، في الانتخابات التي أجراها الاتحاد الافريقي لكرة القدم “كاف” خلال اجتماعه الأخير في القاهرة.
وكانت جميع التقارير ترجح قبل صدور نتائج الانتخابات ، أن تصوت الجزائر و معها دول معادية للوحدة الترابية للمملكة مثل تونس و جنوب أفريقيا ضد فوزي لقجع إلا أن العكس هو الذي حصل وهو ما فاجأ كثيرين.
وكان لافتا أيضا أنه قبل صدور نتائج الإنتخابات ، ظهور رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم وليد صادي مع مسؤولين اثنين بالجامعة الملكية لكرة القدم ، وهما حسن الفيلالي، عضو المكتب التنفيذي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، و حمزة الحجوي النائب الأول للرئيس.
و بحسب متتبعين، فإن الجزائر وبعدما جربت كافة الخطط و المؤامرات مع رؤساء سابقين للإطاحة بنفوذ المغرب داخل أجهزة الكاف، اختارت مع رئيس الاتحادية الجديد وليد صادي أسلوب المهادنة خاصة و أنها عادت لتوها إلى اللجنة التنفيذية للكاف بعد غياب طويل.
ووفق ذات المتتبعين، فإن الجزائر و بعدما “اشترت” مقعد اللجنة التنفيذية من تونس في ظروف غامضة، تعمل حاليا على حشد تحالفات داخل الكاف و التغلغل شيئاً فشيئاً والهدف في الأخير هو إضعاف المغرب.
و بحسب مراقبين، فإن الجزائر وبعدما اقتنعت بقوة المغرب داخل الكاف و حصول فوزي لقجع على إجماع المصوتين ، اختارت نهج أسلوب ماكر وهو دعم رئيس الجامعة الملكية المغربية للظهور أمام الأفارقة و رئيس الفيفا بأنها لا تخلط الرياضة بالسياسة.
رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم “فاف” وليد صادي ، كان قد صرح مباشرة بعد خلافة نفسه في انتخابات “الفاف” الأخيرة ، أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لديه استراتيجية خاصة لأجل دعم ما أسماه بـ”الدبلوماسية الرياضية”.
وقال صادي : “اليوم تكلمت كثيرا عن القوة الناعمة (Soft power)، أنتم تلاحظون اليوم أنه بكرة القدم أصبحنا نتدخل في سياسات دولة، ولذا أظن أن رئيس الجمهورية لديه رؤية استراتيجية قوية يُريد من خلالها أن ترجع الدبلوماسية الرياضية بقوة”.
كلام صادي اعتبره متتبعون إشارة واضحة من عزم الجزائر خوض حرب ضد المغرب على الصعيد الكروي في القارة الافريقية ، خاصة مع النفوذ الواسع الذي تتمتع به المملكة داخل دواليب الكاف و أيضا الفيفا.
وتحاول الجزائر استنساخ نسخة لقجع، عبر تعيين رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم وليد صادي وزيراً للرياضة، و “شراء” مقعد داخل اللجنة التنفيذية للإتحاد الأفريقي لكرة القدم “كاف” ، بعد تراجع التونسي حسين جنيح في آخر لحظة عن طرح ملفه لدى لجنة الترشيحات في الهيئة القارية.