هادي التونسي يكتب: لحظة الأدرينالين
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
تلمع في الذهن فكرة دافعة، تتوخي نشوة مرتقبة، تغري بالمغامرة، يسيطر الحدس، و يتراجع المنطق ، فيجيئ القرار متعجلا و حاسماٌ، العضلات تشتد، ضربات القلب تتسارع، قوة ما تسري مع الدم في العروق، استقل مركباّ صغيرا ، تتقاذفه مياه نهر مضطربة، و تعلوه رذاذ شلال شافهاوزن السويسري علي الضفة المقابلة، و الهدف اعتلاء صخرة وسط الشلال عبر درجات صاعدة، توقعا لشعور مختلف بإنجاز، يستجيب للتحدي، تسجله صور تذكارية، لأستعيد نشوة الحدث و حالته الهرمونية؛ حالة الادرينالين و اللحظة السحرية.
الرحلة الجماعية مع مرشدة من ڤيينا الي إقليم الألزاس شمال غرب فرنسا و العودة عبر الغابة السوداء الالمانية و شلالات و مرتفعات سويسرا و جبال الألب في منطقة التيرول السويسرية من أجمل الرحلات طبيعة و قري و مدنا، لذا فلحظة الادرينالين بها هي الأجمل للسرد، لكنها بالقطع ليست الوحيدة و لا الاخطر و لا الاكبر و لا الاكثر ألما و لا الاشد تأثيرا و لا الاطول زمنا و لا الأعمق مغزي، و مع ذلك تبقي واحدة من تلك اللحظات السحرية التي تبعث علي الأمان و البهجة و الفخر، تلك اللحظات التي ننجح في اختباراتها فتزيد المرء ثقة و ارتياحا و قوة. و قد تمثل عنوانا للرحلة في ملف الذكريات التي نعيش شعورها تكرارا كلما تذكرناها.
اللحظات السحرية اشبه بالبلورة في صفاء مدلولها، لحظات تتحدي النسيان، و تصبح زادا في رحلة الحياة و معينا علي تقبل و خوض تحدياتها، فالحياة سلسلة من المنح و المحن، و القلب الشجاع و الفكر الايجابي يتقبل المشاكل كفرص للتطور بالالم البناء نحو المزيد من النضج و القوة و الصفاء و الرقي، فيسمو علي الشعور باليأس و الشفقة علي الذات و استسهال الشعور بالظلم و الضحية، ليدرك حكمة الحياة في دنيا الله بخيرها المجزي و شرها المتحدي، و لا يفرض شروطه علي الخالق، بل يتماشي مع الدنيا، فيفرح بخيرها ، و ينضج باجتياز صعابها، و يعرف ان الله لا يكلف نفسا الا وسعها، طالما تسلح بالإيجابية و الجدية، ووثق ان وراء كل تحدي هدفاّ خيراّ ينتظره بعد نجاح اجتيازه.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
حاج ماجد سوار يكتب؛ مراجعات الإسلاميين
مراجعات الإسلاميين منذ نشأة تنظيمهم قبل حوالي سبعة عقود ، و بدء مسيرتهم السياسية الممتدة لست عقود ، و تجربتهم في الحكم خلال فترة الإنقاذ يعتبر أمراً مهماً و ضرورياً لضمان إستمراريتهم و استمرار تأثيرهم ، و لكنه في ذات الوقت أمر يخصهم وحدهم و ليس (كرتاً) يرفعه في وجههم كل من يريد إقصاءهم و إزاحتهم من أمام طموحاته و طريقه في الوصول إلى السلطة .
و المراجعات سنة راتبة عند الإسلاميين ، و فيما يتعلق بتقييم تجربتهم في الحكم حتى سقوط نظامهم فهو أمر قد بدأ بالفعل منذ صدور كتاب شيخ حسن عليه الرحمة (عبرة المسير لإثني عشر من السنين) بعد المفاصلة ، و ما تزال بعض فرق المراجعة تعمل حتى الآن في مختلف المجالات من أجل التقويم و تصحيح المسار .
لقد كانت المراجعات عند الإسلاميين تتم بصورة راتبة و تبنى على نتائجها الإستراتيجيات و تصاغ الخطط و المشروعات و البرامج .
و لكل باحث عن الحقيقة فدونكم هذا الإستعراض المختصرللإنتقالات و التحولات الكبيرة في مسيرتهم السياسية و التنظيمية بدءاً من جبهة الميثاق الإسلامي كأول تيار سياسي تحالفي جمع تنظيمهم مع قوى إسلامية أخرى من الصوفية و أنصار السنة و غيرهم في ستينيات القرن الماضي ، و مروراً بالتحالف مع حزب الأمة و الحزب الإتحادي في الجبهة الوطنية ، ثم المصالحة الوطنية مع نظام مايو في أواخر السبعينات و الإنخراط في العمل السياسي عبر بوابة تنظيمها الأوحد (الإتحاد الإشتراكي) ، ثم تكوين الجبهة الإسلامية القومية في منتصف الثمانينات بعد سقوط نظام النميري كأكبر كيان إجتمع فيه أهل القبلة من مختلف خلفياتهم و نحلهم وجهاتهم ، ثم جاءت تجربة المؤتمر الوطني الذي جمع فأوعى و كان من بين مؤسيسه و قادته بالإضافة للإسلاميين و القادمين من خلفيات سياسية أخرى من ينتمون إلى المسيحية بمختلف طوائفها ، ثم كانت المراجعات الشهيرة التي خرجت منها عدة وثائق أبرزها وثيقة إصلاح الحزب و وثيقة إصلاح مؤسسات الدولة و التي مهدت لمشروع الحوار الوطني الذي استمر لأكثر من سنة و شاركت فيه عشرات الأحزاب الموالية و المعارضة و بعض حملة السلاح و قد نتج عن هذا الحوار تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي مثلت أكبر حكومة متنوعة تقوم على أكبر قاعدة سياسية في تأريخ البلاد !!
و بعد إسقاط حكومة الوحدة الوطنية بواسطة اللجنة الأمنية و شركائها و بعد مراجعات سريعة كانت قرارات الإسلاميين كالتالي :
١/ التسليم بسقوط حكمهم .
٢/ عدم المواجهة مع السلطة الجديدة حفاظاً على أمن و استقرار البلاد .
٣/ الإنحناء للعاصفة أو (السردبة) كما أسماها عم أحمد عبد الرحمن عليه الرحمة .
٤/ الصبر و تحمل الأذى و الظلم الكبير الذي وقع عليهم و على قيادتهم من سلطات العهد الإنتقالي .
٥/ عدم المشاركة في مؤسسات الفترة الإنتقالية .
٦/ التعامل بإيجابية مع مؤسسات العهد الإنتقالي (معارضة مساندة) .
٧/ و عندما وقعت الحرب المفروضة على بلادنا تناسوا كل مراراتهم و كانوا في مقدمة المستجيبين لنداء الإستنفار قيادة و قاعدة .
و الآن فإن الإسلاميين بمختلف تياراتهم و تفرعاتهم يخططون لإنتقال جديد يجعل منهم القوة الأكثر تأثيراً في الساحة بإذن الله .
هذا ملخص مختصر لمراجعات الإسلاميين المستمرة !!
أما ممارستهم للسياسة فهو أحد أهم المبادئ و الحقوق الدستورية ، و لا تستطيع أي سلطة أو قوة أن تمنعهم أو تحول بينهم و بين هذا الحق !!
بعض قادة القوى السياسية و حملة السلاح ظلوا و بصورة مستمرة يطلبون من الإسلاميين القيام بمراجعات كشرط لعدم إقصائهم !!
من أعطاهم هذا الحق ؟؟
و هل قاموا هم بمراجعة تجاربهم السياسية و تمردهم على الدولة و حملهم للسلاح في مواجهتها ؟؟
و إذا فعلوا فلماذا لم يعلنوا نتائج مراجعاتهم على الشعب السوداني الذي وقع عليه أكبر الضرر من ممارساتهم السياسية و تمرداتهم العسكرية !!
فليعلم هؤلاء جميعاً و من هم في الداخل و الخارج بأنه و في صميم فكر الإسلاميين فإن ممارسة السياسة و الإنخراط في الحياة العامة خدمةً لشعبهم و وطنهم يعد أمراً واجباً قبل أن يكون حقاً دستورياً ، لذلك لا يستطيع أحد مهما أوتي من سلطة أو قوة أو سلاح أن يمنعهم من القيام بواجبهم
حاج ماجد سوار
إنضم لقناة النيلين على واتساب