الجزيرة:
2025-01-31@04:35:50 GMT

النصر الحاسم.. واشنطن تشرعن والمقاومة صامدة

تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT

النصر الحاسم.. واشنطن تشرعن والمقاومة صامدة

تشكّل رفح، المدينة الأخيرة المستهدفة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والأكثر كثافة سكانيًا في قطاع غزة بعد نزوح نحو 1.4 مليون فلسطيني إليها من شمال ووسط قطاع غزة.

ولكنها في نفس الوقت تمثل الاختبار الأخير لمدى نجاح أو فشل العدوان في ظل إصرار نتنياهو على تواصله، وسط خلافات تعصف بالائتلاف الحاكم، وفي غمرة انقلاب في التأييد الغربي للحرب على غزة التي تسببت باستشهاد نحو 29 ألف فلسطيني، وجرح نحو 69 ألفًا معظمهم من الأطفال والنساء!

وحاول نتنياهو استمالة الإسرائيليين لسياسته بالإعلان عن شعار ومطلب جديد، وهو أن إسرائيل "سوف تحارب حتى تحقيق "الانتصار الحاسم"، وسط تأكيده أن القوة العسكرية هي التي تمهد الطريق لإطلاق الأسرى وليس غيرها، متماهيًا بذلك مع رغبة الشارع المتعطش للانتقام منذ أحداث طوفان الأقصى.

الهروب للأمام

يأتي الموقف الإسرائيلي مع استمرار فشل جيش الاحتلال في القضاء على حماس، وفشله كذلك في تحرير الأسرى بالقوة، إلا من أسيرَين قال؛ إنه نجح بتحريرهما في رفح، وسط مؤشرات أنهما لم يكونا بحوزة المقاومة، وإنما بحوزة إحدى العائلات!

ولذلك، فإن هذا الإصرار لا يأتي من خلفية نجاح باهر في الميدان، كما أن حرص نتنياهو وأركان حربه على التأكيد أنهم نجحوا في القضاء على جزء مهم من الكتائب المقاتلة لحماس، يكذبه الفيديوهات التي تبثها المقاومة عن الكمائن والقنص والتفجير بقوات الاحتلال فيهما، فضلًا عن المعارك الشرسة التي لا تزال تقع في خان يونس جنوبًا.

كما اعترف الاحتلال بأنه يذهب لرفح للقضاء على 4 كتائب لحماس لم تشارك في المعركة، ولم تمس قدراتها حتى الآن.

وقد أكد رئيسا وزراء سابقان وهما إيهود باراك وإيهود أولمرت في تصريحات سابقة استحالةَ تحقيق النصر في المرحلة الحالية، ودعَوَا إلى إنجاز صفقة تبادل تتيح للكيان مستقبلًا استئناف الحرب على حماس، كما أكد عدد من قادة أجهزة الأمن والمفكرين والكتّاب على فشل الاحتلال في تحقيق مهمة القضاء على حماس، وضرورة الانتقال لصفقة تبادل الأسرى، دون أن يلقى ذلك استجابة من نتنياهو، الذي أصرّ على الاستمرار في الحرب حتى لو أدّى ذلك للتضحية بالأسرى.

وفي شهادات حديثة على فشل الاحتلال بمهمته، أكد اللواء احتياط يتسحاق بريك للقناة 12 بالتلفزيون العبري أنه "لا يمكن الانتصار في الحرب، يتحتّم علينا أنْ نواجه الحقيقة، وأن نقولها، ونكفّ عن قصص نحن ونحن ونحن (..) برأيي، من الصعب جدًا اليوم تقويض حماس، والأسهل هو استعادة المخطوفين".

أما رئيس جهاز الموساد سابقًا تامير باردو، فقد نقلت عنه قناة كان 11 الإسرائيليّة الرسميّة "أنّه لم يعد هناك خيار أمام إسرائيل إلّا القبول بعقد صفقةٍ لتبادل الأسرى يُحدِد السنوار شروطها وموعد الإفراج عن الأسرى، مضيفًا "إذا أنهينا الحرب بـ 136 رون آراد (في إشارةٍ إلى اسم مساعد طيار مفقود منذ 36 عامًا في لبنان) أو بـ 136 تابوتًا، فإنّ إسرائيل، للمرّة الأولى منذ إقامتها، ستخسر الحرب".

كما نقلت CNN عن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي أن إسرائيل حققت نجاحًا ضئيلًا في تطهير وتأمين أنفاق غزة التي يبلغ طولها أكثر من 500 كم.

ورغم أن الحكومة بمن فيها معارضو نتنياهو من حزب المعسكر (غانتس وإيزنكوت) تتفق على ضرورة استمرار الحرب، فإن ألاعيب نتنياهو، ومحاولته تغييب هذين الأخيرين عن التعامل مع ردود حماس على اتفاقية الإطار التي تم التوصل إليها في باريس جعلتهما يهددان بالانسحاب من الحكومة لشعورهما بأن نتنياهو يريد الاستفراد بالتعامل مع القضية باتجاه إفشال الاتفاق، لكي يستمر في الحرب مع إلقاء اللوم على حماس والقول إن شروطها تعجيزية ولا يمكن التعامل معها.

وأن الاستجابة لهذه الشروط يعني هزيمة إسرائيل! الأمر الذي يؤكد أنه يريد استمرار الحرب حتى يستمر على رأس الحكومة ليجنب نفسه المحاكمة التي تنتظره بمجرد الخروج منها بتهم الفساد التي سيضاف لها تهم التقصير في توقع ومواجهة أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.

وأدى هذا السلوك إلى تصاعد مظاهرات أهالي الأسرى في تل أبيب أمام وزارة الحرب وفي قيسارية أمام منزل نتنياهو، وانضمام رئيس اتحاد نقابات العمال (الهستدروت) للمطالبة بإبرام صفقة تبادل مع المقاومة، والتأكيد على أن إطالة أمد الحرب ستؤدي إلى مقتل من تبقى في الأسر لدى المقاومة.

خلافات، والعدوان مستمر

وبنفس هذا المنطق، يواصل نتنياهو التحشيد والإعداد لمهاجمة رفح، مؤكدًا أن عدم تنفيذ هذه العملية في رفح يعني "خسارة الحرب" ضد حماس، وأن العملية ستتم حتى لو تم التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى.
وقد طلب نتنياهو من رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، إعادة تعبئة قوات الاحتياط التي تم تسريحها استعدادًا للعملية في رفح، فيما نقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن مسؤول إسرائيلي رفيع أن نتنياهو أبلغ المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) ومجلس الحرب بأنه يجب إنهاء العملية العسكرية البرية في رفح مع حلول شهر رمضان، في العاشر من مارس/ آذار المقبل".

ووَفقًا للهيئة، فإن العملية البرية في رفح لن تبدأ إلا بعد استيفاء شرطين: الأول إخلاء واسع النطاق للفلسطينيين من رفح ومحيطها، والثاني؛ اتفاق بين إسرائيل ومصر بشأن نشاط الجيش الإسرائيلي ضد الأنفاق في محور فيلادلفيا.

وقد أعطت واشنطن الضوء الأخضر لهذه العملية، حيث أبلغ بايدن نتنياهو في الاتصال الهاتفي بينهما قبل أيام "بأن العملية العسكرية في رفح لا ينبغي أن تتم دون خُطة موثوقة وقابلة للتنفيذ! فيما أكدت قناة كان العبرية أن "البيت الأبيض أبلغ إسرائيل عن عدم ممانعة تنفيذ العملية البرية في رفح قبل رمضان وبسرعة، والامتناع عن تنفيذها خلال شهر رمضان تفاديًا لتصعيد إقليمي"!!

يأتي ذلك رغم سيل التسريبات عن غضب بايدن من نتنياهو إلى درجة وصفه بـ "الأحمق" و"الرجل السيئ"، الأمر الذي يؤكد أن واشنطن التي تدعم استمرار الحرب حتى تحقيق هدف القضاء على حماس، لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على الكيان لوقف مجازره، وأنها تحاول ضبط عملياته بحيث لا تؤدي إلى ردود أفعال عالمية فقط، وأن الهدف من هذه التصريحات هو الاستهلاك الداخلي نتيجة لحسابات الرئيس الأميركي جو بايدن الداخلية.

ورغم أنّ هناك خلافات حقيقية بين الرجلين والإدارتين، تتعلق بحجم استهداف المدنيين، والتوصل لوقف النار مع حماس، وتصور ما بعد الحرب المتعلق بدور السلطة والدولة المستقلة، فإن بايدن يبدو عاجزًا أو غير راغب في الضغط على نتنياهو من خلال المساعدات أو الضغط الدبلوماسي، بل يواصل الضغط على الكونغرس للموافقة على مساعدات تزيد على 14 مليار دولار لإسرائيل.

وصدرت الأسبوع الماضي مذكّرة للأمن القومي تتطلب استخدام أي مساعدات عسكرية أميركيّة بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي، ولكنها لم تطبق على المساعدات العسكرية لإسرائيل حتى الآن.

ويواجه بايدن معارضة داخل حزبه، وفي الكونغرس، ويخسر من مؤيديه في صفوف العرب والمسلمين الذين يشكل دعمهم له عنصرًا أساسيًا في الولايات المتأرجحة، ومن المحتمل أن يخسر الانتخابات كثمن لدعمه اللامحدود للاحتلال!

وفي المقابل، يتجاهل نتنياهو مطالب بايدن، وربما يعتقد أنه قادر على التأثير على الرئيس الأميركي من خلال الأيباك، ويفضل الاستمرار في إحراجه وضرب فرص فوزه في الانتخابات الأميركية! وربما يعتقد أيضًا أن إسقاط بايدن وفوز ترامب، سيشكلان طوق نجاة له للاستمرار في الحكم وتجنب المحاكمة بالفساد والفشل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول!

وهو يحلم كذلك بالظهور في التاريخ الصهيوني كبطل ورافض للضغوط الأميركية على عكس غيره من الرؤساء، وأنه أعاد للكيان هيبته وأمنه.

ويلحظ هنا ردود الفعل العالمية التي شكلت بمجملها تحولًا في مواقف الدول الغربية أساسًا، والتي دعمت العدوان الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، فإضافة إلى دعم حكومات بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا لوقف الحرب على النقيض من الموقف الأميركي، فقد أصدر قادة أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا بيانًا مشتركًا حذّروا فيه من أن العملية في رفح ستكون "كارثية".

فيما أكد المستشار الألماني شولتز أن المساعدات الإنسانية يجب أن تدخل قطاع غزة، ويجب على الكيان الامتثال للقانون الدولي، كما أكدت وزيرة الدفاع الهولندية أن بلادها قلقة للغاية إزاء الوضع في غزة، معتبرة أن الناس هناك يحتاجون وقفًا فوريًا لإطلاق النار.

ورغم كل هذا الإصرار من نتنياهو، فإن العمليات في رفح تأتي لمحاولة تحسين موقفه التفاوضي، في ضوء مفاوضات تبادل الأسرى، ووقف النار بعد رد حماس على هذه الوثيقة ومطالباتها التي تتعلق بالإغاثة والمساعدات وإطلاق المعتقلين الفلسطينيين.

وعلى الأغلب سيضطر نتنياهو في النهاية للتفاوض على شروط الصفقة بعد أن يفشل في مهمته برفح مترافقًا باستمرار صمود المقاومة في الشمال والوسط، لا سيما أن طول أمد المعركة سيضاعف الضغوط الدولية عليه، بما فيها ضغوط محكمة العدل الدولية التي ستعقد جلسة أخرى للنظر في مدى تجاوب الاحتلال مع منع الإبادة الجماعية.

وفي محاولة لتجاوز الاعتراضات الدولية والأميركية على اجتياح رفح، ورفض جميع الأطراف بما في ذلك مصر لتهجير الفلسطينيين إلى العريش، فقد طُرحت عدة اقتراحات إسرائيلية، من بينها إجلاء سكان رفح إلى شاطئ المواصي، بحيث يتم إنشاء 15 مخيمًا على شاطئ البحر كل منها يضم 25 ألف خيمة!!

ولكن ذلك بالطبع لن يمنع أن يؤدي العدوان إلى تشريد الفلسطينيين وتهجيرهم لمصر، خصوصًا أن الاحتلال أكد أنه لن يسمح بعودتهم إلى شمال غزة، وهذا يضع العدوان أمام مرحلة جديدة لن تكون أقل سوءًا من سابقاتها، كما سيضع الحكومة المصرية أمام موقف محرج، وهي التي سبق أن قالت إنها لن تسمح بتهجير الفلسطينيين، وإن كانت صدرت مؤشرات على إمكانية تعاملها مع احتلال إسرائيل معبر صلاح الدين (فيلادلفيا)، رغم مخالفته اتفاقيات السلام بين البلدين. وتم رصد قيام السلطات المصرية بتمهيد منطقة عازلة على الحدود مع رفح، حيث نفت مصر أن يكون ذلك لاستيعاب المهجّرين الفلسطينيين.

استمرار العدوان

ويبدو أن نتنياهو وحكومته لا يكتفون فقط بالسعي لاستسلام حماس أو هزيمتها، وإنما أيضًا لتهجير أهل غزة لو سنحت لهم الفرصة لذلك، فضلًا عن السعي لانسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني، والسيطرة على الأغوار واستكمال الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس.

وهذا السلوك قد يجر المنطقة كلها لصراع إقليمي تتجنبه واشنطن، ولكنها لا تمارس نفوذها للجم هذه الحكومة، ما قد يؤدي إلى إضعاف دورها في المنطقة، ويؤثر سلبًا على حلفائها.

أما فيما يتعلق بالموقف السياسي، ومستقبل الصراع، فمن الواضح أن معظم الإسرائيليين- باستثناء مؤيدي السلام ذوي الميول اليسارية والذين يكادون يختفون من المشهد السياسي الإسرائيلي- يتفقون على الموقف من الدولة الفلسطينية، واعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.

وليس أدل على ذلك من مصادقة الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على إعلان نوايا، اتفق عليه نتنياهو وغانتس، جاء فيه أن "إسرائيل ترفض بشكل قاطع إملاءات دولية بشأن تسوية دائمة مع الفلسطينيين".

وشدد الإعلان على أنه يرفض الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بشكل أحادي الجانب، واعتبر أن "تسوية من هذا النوع تحصّل فقط بمفاوضات مباشرة بين الأطراف، من دون شروط مسبقة، وأن اعترافًا دوليًا أحادي الجانب بدولة فلسطينية هو جائزة كبرى للإرهاب بعد مذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتمنع كل تسوية مستقبلية للسلام".

ولذلك، فمن المتوقع استمرار العدوان بوتائر مختلفة قد يتخللها صفقة أسرى محدودة أو هدنة كما تتحدث عنها واشنطن، وبصرف النظر عن موعد العدوان على رفح، فإنه لن يوفر للاحتلال حسمًا للمعركة، ومن المتوقع استمرار صمود المقاومة بما يفشل أهداف الاحتلال، بما سيؤدّي إلى زيادة الخلافات داخل الائتلاف الحكومي، وتصاعد الخلاف مع واشنطن، وزيادة التفاعلات السلبية ضد الكيان عالميًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: تشرین الأول القضاء على على حماس قطاع غزة فی رفح

إقرأ أيضاً:

هل انتصرت “إسرائيل” في حربها على غزة؟ 

#سواليف

النصر كمفهوم يعد إشكاليًا في #الحروب الحديثة والمعارك المسلحة، حيث تبرز تحديات في تعريفه من زوايا مختلفة مثل المستويات التكتيكية والاستراتيجية. يصعب تحديد الأهداف بدقة، وكذلك قياسها بعد تحديدها، مما يجعل الحرب ظاهرة اجتماعية معقدة.

دروس التاريخ تظهر أن مظاهر #السيطرة_العسكرية في #ساحة_المعركة لا تعني بالضرورة النصر في الحرب، وقد تُفضي بعض الحروب إلى نتائج غير مرضية رغم التفوق العسكري.

الحروب الحديثة مثل تلك في العراق وأفغانستان وفلسطين أكدت أن النجاح الاستراتيجي لا يُحقق بالقوة العسكرية وحدها، بل يتطلب معالجة أسباب الصراع العميقة.

مقالات ذات صلة التربية تعلن نتائج تكميلية التوجيهي لعام 2024 – رابط 2025/01/30

تغيرت طبيعة الحروب بعد الحرب الباردة بسبب التقدم التكنولوجي وظهور الجماعات الأيدلوجية التي تدافع عن هويتها. التصورات حول النصر و #الهزيمة قد تختلف عن الواقع. في 1969، خلص ريموند أوكونور في كتابه “النصر في الحروب الحديثة” إلى أن النصر التقليدي أصبح استثناء في الحروب الحديثة. ويقصد بمصطلح “الحرب الحديثة” الحروب التي نشبت بعد نهاية الحرب الباردة، والتي تغيرت فيها مفاهيم النصر والهزيمة.

يرى العديد من الباحثين في الشأنين السياسي والعسكري أن النصر هو تحقيق الأهداف المحددة مسبقًا، حيث يرتبط النصر بالأهداف التي تم تحديدها في بداية الحرب. في الحروب الحديثة، تتشابك المصالح السياسية والدبلوماسية والعسكرية، ما يجعل تحديد النصر أمرًا صعبًا. اليوم، يعتبر من الصعب خوض حرب دون النظر إلى ما بعد الحرب، حيث ترتبط أهداف الحرب بحلول دائمة ومرحلة ما بعد الحرب، وهي عملية قد تختلف وجهات النظر حولها بين الأطراف المتحاربة. في الوقت الحاضر، يكاد يكون من غير الممكن الخوض في تعريف الانتصار في الحرب دون النظر إلى فترة ما بعد الحرب. من الناحية النظرية، تتحقق أهداف الحرب في المرحلة الزمنية التي تلي وقف العمليات العسكرية، ويرتبط النصر ارتباطًا وثيقًا بمفاهيم إنهاء المعركة التي تهدف إلى إيجاد حلول دائمة.

يشير وليام مارتل في كتابه “النصر في الحرب، أسس الاستراتيجية الحديثة” الذي صدر عام 2012، إلى أن هزيمة الخصم عسكريًا ليست متطابقة مع تحقيق الهدف من الحرب، أي السبب الذي من أجله كانت الحرب. ولذلك، لفهم النصر، من الضروري وجود تمييز واضح بين الهدف السياسي (نهاية الحرب) والهدف العسكري (أحد الوسائل لتحقيق الهدف). يمكن النظر إلى النصر كنتيجة، أو كتعبير وصفي للوضع بعد الحرب، أو كطموح يعدّ هو المحرك لتحقيق أهداف محددة من خلال استخدام القوة.

النصر في الحروب يمكن تحليله على مستويات متعددة: التكتيكية، الاستراتيجية، والاستراتيجيات الكبرى. يشير التكتيك إلى كيفية توجيه القوات في المعركة، بينما الاستراتيجية تتعلق بكيفية استثمار العمل العسكري لتحقيق أهداف الحرب. أما الاستراتيجية الكبرى، فترتبط بالاستثمار في نهاية الحرب عندما تحقق أهدافها لتحقيق أهداف سياسية تشمل ما بعد الحرب، أو ما يُطلق عليه اليوم التالي. يميز وليام مارتل بين “النصر العسكري” الذي يشير إلى سيطرة عسكرية في ساحة المعركة، و”النصر الاستراتيجي” الذي يتعلق بإخضاع أحد الأطراف سياسيا وفكريا وثقافيا وتغيير قناعته بالمواجهة.

في ذات السياق، يعتبر بون بارثولومييس في دراسته “نظرية النصر” أن الحرب هي معركة إرادات بين خصوم، ولا تعني السيطرة العسكرية أن الطرف الآخر قد خسر. على هذا الأساس يرى بعض الخبراء العسكريين أن النصر والهزيمة ليسا ثنائيين، بل يمكن تقييمها ضمن معايير متغيرة. يتوافق مع هذه الرؤية نسبيا ريموند أوكونور، والذي يعتقد أن تعريف الهدف وغاية الحرب أو النزاع المسلح هو مسألة سياسية. لذلك يجب أن يُنظر إلى النصر في سياق الهدف السياسي، فالنصر لا لا يعني “فقط من هزيمة قوات العدو؛ بل يجب أن يشمل تحقيق الهدف الذي من أجله تم خوض الحرب”.

في الحروب والمعارك مع حركات المقاومة، من الصعب جدا تحديد مفهوم النصر. لكن أغلب الخبراء في الشأن العسكري يرون أن المعايير الهامة وذات الصلة في هذا السياق قائمة على فكرة “الشعور بالأمان” والسؤال عن أي المجتمعين المتصارعين الذين يمكنهم العيش حياتهم في أمان بعيدًا عن الخوف من المستقبل. حتى في هذه الحالة، تكون ملاءمة المعايير محل تساؤل عندما لا تكون أهداف الحرب واضحة أو مفهومة. بينما في الحالة الفلسطينية، وتحديدا في الحرب الأخيرة، فإن معايير “الشعور بالأمان” و”تحقيق أهداف الحرب” يمكنها الاجتماع في ذات الإطار من التقييم على نتائج الحرب.

بالإضافة لما سبق، تتأثر التصورات عن النصر أيضًا بالعوامل النفسية والثقافية والسياسية. يعتقد جونسون وتيرني إلى أن المعتقدات المسبقة والثقافة الوطنية تلعب دورًا في كيفية تفسير الحروب باعتبارها انتصارات أو هزائم. علاوة على ذلك، التغطية الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي تزيد من تعقيد التصورات المتعلقة بالنصر.إضافة إلى ذلك، تغيرت أهداف الحروب التي غالبًا ما تهدف إلى تغييرات اجتماعية وسياسية عميقة.

هذه التغييرات تجعل من الصعب تحديد النصر، لأنه يتطلب تحقيق توازن بين الأبعاد العسكرية والسياسية والاجتماعية.

في حربها على #غزة.. هل انتصرت ” #إسرائيل “؟

كان الهدف من التقديم النظري السابق لمفهوم النصر هو الحكم على نتائج الحرب الحالية من خلال الأطر النظرية العسكرية وليس من خلال الآراء والمواقف الأيديولوجية أو السياسية. في 16 أكتوبر 2023، حددت حكومة الاحتلال أهداف الحرب: الإطاحة بحكم حماس وتدمير قدراتها العسكرية والإدارية، إزالة تهديد المقاومة من قطاع غزة، تحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة العسكرية، وإزالة التهديد الأمني من غزة. وفيما يتعلق بإعادة المستوطنين للمستوطنات الشمالية، تم تحديد هذا الهدف وإضافته رسمياً لأهداف الحرب فقط في سبتمبر 2024. في هذا السياق، يعتقد جابي سيبوني، وهو مستشار عسكري لجيش الاحتلال الاسرائيلي، وكوبي ميخائيل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، وأستاذ في المركز الدولي للشرطة والأمن في جامعة جنوب ويلز في المملكة المتحدة، أن عدم تحقيق هذه الأهداف يعني هزيمة على المستوى الاستراتيجي.

يشير دان داييكر، رئيس مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية ومدير مشروع الحرب السياسية، والذي شغل في السابق منصب الأمين العام للمؤتمر اليهودي العالمي، والباحث في المعهد الدولي للأمن ومكافحة “الإرهاب” في جامعة رايخمان، إلى أنه على عكس التفكير في جولات القتال السابقة والاعتماد على “شراء الهدوء” أو منطق “الهدوء يقابل الهدوء”، قررت “إسرائيل” تغيير قواعد اللعبة من الأساس والتحول إلى استراتيجية حاسمة. في هذا الإطار، فإن “النصر الكامل” هو تبني نهج هجومي وحازم هدفه تفكيك النظام القائم، أو بلغة استراتيجية؛ التغيير من الدرجة الثانية، الذي يعني تغيير النظام القائم، بخلاف التغيير من الدرجة الأولى الذي يعني تغييراً ضمن النظام القائم. لكنه يؤكد بأنه “بالرغم من 15 شهراً من القتال، لم تُحقق أهداف إسرائيل، إزالة التهديد، هزيمة حماس، وإعادة جميع الأسرى من أيدي العدو بالقوة العسكرية”.

بالنسبة للعقيدة العسكرية الإسرائيلية، هناك نوعان من الانتصار تم تعريفهما في ورشة لقادة هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال الإسرائيلي نظمها رئيس هيئة الأركان السابق أفيف كوخافي في أبريل 2019: الانتصار الذاتي أو الانتصار الموضوعي. الانتصار الذاتي هو انتصار إدراكي، في حين أن الانتصار الموضوعي هو انتصار واقعي. الانتصار الذاتي يعتمد دائمًا على الحكم الشخصي، بينما الانتصار الموضوعي يعتمد على الواقع، وليس على الحكم الإدراكي. يمكن الإشارة إلى أن “إسرائيل” لم تحقق الانتصار الموضوعي بعد أن فشلت في تحقيق أهداف الحرب الحاسمة التي ذكرت في سياق هذه المقالة، ولم تحقق الانتصار الإدراكي خاصة في ظل كم الانتقادات لطبيعة نهاية الحرب والتقارير التي تكشف عن عدم وجود حافز للمستوطنين للعودة إلى غلاف غزة أو مستوطنات الشمال.

مقالات مشابهة

  • هل انتصرت “إسرائيل” في حربها على غزة؟ 
  • “هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق‎
  • “هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق‎
  • حماس: مماطلة إسرائيل بإدخال المساعدات قد تؤثر على إتفاق وقف الحرب وإطلاق سراح الرهائن
  • مكتب نتنياهو: إسرائيل تلقت قائمة بأسماء محتجزين سيطلق سراحهم الخميس
  • حماس: صمود الشعب الفلسطيني في غزة جعله أيقونة عالمية للتحدي والمقاومة
  • هآرتس: صفقة التبادل فضحت أكاذيب نتنياهو فلا النصر تحقق ولا حماس تفككت
  • مبعوث ترامب يصل غدا إلى إسرائيل للقاء نتنياهو
  • هآرتس: تدفق الفلسطينيين لشمال غزة يحطم وهم نتنياهو بالنصر
  • إسرائيل تتحدث عن التسوية التي أدت إلى الإفراج المبكر عن ثلاثة أسرى