قنا تحتفل بمولد سيدى عبد الرحيم القنائي
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
تحتفل محافظة قنا بداية شهر شعبان من كل عام بمولد سيدي عبد الرحيم القنائي رضي الله عنه وأرضاه فترة تمتد 15يوما حتى منتصف شهر شعبان في مسجده الجامع وبجوار مقامه الكريم، وتخليد لذكراه باعتباره رمزا من رموز المحافظة وشخصية دينية تاريخية مهمة وعنوانها الأصيل، والواجهة المشرفة لكل أهل قنا والمصريين، ولما يحمله من رصيد كبير في قلوب المحبين، حيث يأتي الاحتفال بمولده ممتدا جيلا بعد جيل
وعندما يهل شهر شعبان من كل عام يتقاطر الناس من كل فج عميق، للاحتفال بأحد رجال الدين العظماء وهو سيدي عبد الرحيم القنائي رضي الله عنه، في كرنفالات ومظاهر غاية في الروعة والبهاء، إذ يتصدر المشهد الكبير أكثر من 100 طريقة صوفية ومحبيهم، ويشاركها أكثر من 2 مليون زائر، حيث تبدأ الاحتفالات بقراءة القرآن الكريم، وحفلات الذكر، والإنشاد وإقامة السرادقات والخدمات الرائعة: من تقديم الأطعمة واستقبال الضيوف من شتي محافظات الجمهورية، فيما يتبارى المنشدون والمداحون في تقديم أروع ما عندهم من قصائد في مدح إمام المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فتهتز مشاعر الزائرين فتطربهم، فيشاركونها وجدا وشوقا وهيماما وغراما، يلفهم غطاء الحب والفرح والنور وليتعارفوا ويشهدوا منافع لهم، ومن جانب آخر يظهر بقوة على الساحات والشوارع أصالة التراث الشعبي المصري الرائع من: فنون التحطيب وآدابه، والمرماح في ساحات طويلة وممتدة يتبارى فيها الفرسان المشاركون من كل البلاد، فهم أصحاب الفراسة على خيلهم المدربة في مناظر متلاحمة ساحرة، يحوطها عشاق الخيل والفروسية من كل مكان، فيما ينقلك المولد والاحتفالات إلى الحشود الحاشدة في مسجد سيدي عبد الرحيم رضي الله عنه وقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة، وأيضا وحول المسجد في ساحاته العطرة، وفيما حولها من أسواق بها انواع الحلوى والفول السوداني
وأشكال الحلوي علي شكل عروسة وفارس التي هي عروسة المولد وحصان أبوزيد الهلالي، وكذا والمقاهي الساهرة
وتهتم الدولة المصرية الكريمة بالاحتفال بمواالد كبار آل البيت منهم: سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه، وأيضا تحتفل بمولد السيدة زينب أخت الحسن والحسين والملقبة باسم "الطاهرة"، "أم هاشم أم العواجز والتي دعت لأهل مصر بدعاء مبارك "يا أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا، كما يشارك أكثر من 40 مليون زائر في موالد الجمهورية التي تصل إلى 2700 مولد تقريبا.
سيرة سيدي عبد الرحيم القنائي رضي الله عنه "
وفي ذكرى مولده المبارك هذه بعض من سيرته العطرة، حيث ولد سيدي عبد الرحيم في ترغاي من مقاطعة سبتة في بلاد المغرب في الاول من شعبان سنة 521 ه / 1127م، حيث أمضى طفولته في تحصيل العلم في جامع ترغاي الكبير على يد والده كما تتلمذ على كبار العلماء فلم يكد يصل الثامنة من عمره حتى كان قد حفظ القرآن الكريم وجوده تلاوة وفهما، وتوفى والده وهو في سن الثانية عشر لذلك مرض مرضا شديداً حتى حار الأطباء في علاجه فأشار بعض منهم إلى أنه يجب أن يسافر لبلد آخر من أجل تجديد النشاط وإعادة ترتيب الأمور
وانتقل رضى الله عنه إلى أخواله بدمشق فمكث ثمانى سنوات نهل فيها من علماء دمشق وقد بدا لهم ذكاء السيد عبد الرحيم وسرعة بديهته وحفظه وميله إلى التصوف فطلبوا منه وهو في سن العشرين أن يلقي الدروس فأبى وذلك أدبا لأنه يعرف قد علماء دمشق وقرر العودة إلى بلدة ترغاي
وفي ترغاي وجد مكان أبيه شاغرا لم يقدم أحد على شغله وذلك لمكانة والده فاجتمع علماء ترغاى وأصروا علىةجعل السيد عبد الرحيم مكان أبيه، فكان لهم ما طلبوا. وفي أول درس يلقيه الشيخ تكدس الناس لما بدا لهم من غزارة علم السيد عبد الرحيم الشيخ الصغير ذي العشرين عاما وذاع صيته وتوافدت عليه الناس من البلاد المجاورة للقائه.
قضى السيد عبد الرحيم خمس سنوات على هذا النهج وما يقوم به من مهمة الوعظ والإرشاد عن واجبات المسلم نحو ربه ومجتمعه بأسلوب ساحر أخّإذ أبكى المستمعين تأثرا وإعجابا. على أن أحداث المشرق في ذلك الوقت من تكتل قوى الاستعمار الأوروبى المقنع تحت اسم الصليب، للهجوم على بلاد المشرق واستعمارها كانت تشد تفكيره بقوة إلى المشرق حيث كان يرى وجوب تكتل كل قوى المفكرين من المسلمين لحماية الدول الإسلامية وتعبئ كل القوى المادية والمعنوية لحمايتها من التفكك والضعف والانحلال الذي أوشك أن يصيبها. وفي تلك الأثناء توفيت والدته ولم يكن تزوج بعد وليس هناك صغار يسعى في تربيتهم، الأمر الذي جعله بالإضافة إلى الأسباب السابقة، أن يفكر في الرحيل إلى المشرق،
وقرر السيد عبد الرحيم الاتجاه إلى الحجاز حيث يؤدى فريضة الحج لأنه لم يتسنى له أداؤها عندما كان بدمشق وحتى يلتقى هناك في موسم الحج بعلماء المسلمين لمناقشة جوانب مشاكل العالم الإسلامى وبعدها يرى إلى أين يوجه المولى عز وجل. فرحل من ترغاي ميمنا وجهه شطر الحجاز لتأدية فريضة الحج، وفي طريقه مر بمدينة الإسكندرية والقاهرة فتركا في نفسه أثرا لم تمحه رحلته المقدسة إلى البلاد الحجازية. وبقى في البلاد الحجازية تسع سنوات قضاها متنقلا بين مكة والمدينة ينهل من علم وفضل فقهائها وعلمائها تارة وعابدا معتكفا بالبيت الحرام أو بمسجد المدينة تارة أخرى أو متنقلا يسعى في مناكبها للاتجار في بعض المحاصيل سعيا وراء كسب الرزق حتى يستطيع التفرغ للعبادة والعلم دون أن يمد يده للاستجداء أو أن يكون عالة على أحد.
وفي موسم الحج العاشر، التقى بمكة بأحد الشيوخ الأتقياء الورعين القادمين من مدينة قوص عاصمة صعيد مصر في ذلك الوقت وهو الشيخ مجد الدين القشيري، ودار بينهما حديث فتعارف فألفه وأصر بعدها القشيرى على أن يصحبه عبد الرحيم إلى مصر وإلى قوص وقنا بالذات حيث أن مجتمعها متعطش إلى علم وفضل أمثاله وعلى أن عبد الرحيم ليس له ما يربطه بمكة والمدينة أحد أو شئ، وأن واجبه الإسلامي يدعوه إلى الإقامة في قوص أو قنا ليرفع راية الإسلام وليعلم المسلمين أصول دينهم وليجعل منهم دعاة للحق وجنودا لدين الله. وأخيرا وافق عبد الرحيم على الرحيل إلى مصر فجاء بصحبة الشيخ مجد الدين القشيرى الذي كان يعمل حينئذ إماما بالمسجد العمرى بقوص وكانت له مكانته المرموقة بين تلاميذه ومريديه وكان ذلك في عهد الخليفة العاضد بالله آخر خلفاء الدولة الفاطمية، ولكن عبد الرحيم لم يرغب البقاء في قوص وفضل الانتقال لمدينة قنا تنفيذا لرؤى عديدة أخذت تلح عليه في الذهاب إلى قنا والإقامة بها ولأن قوص ليست في حاجة شديدة إليه فقد كانت وقتها غاصة بالعلماء والفقهاء وكبار المفكرين من أهل الدنيا والدين. وبعد أن أمضى عبد الرحيم ثلاثة أيام بقوص رحل إلى قنا حيث التقى بالشيخ عبد الله القرشي أحد أوليائها الصالحين فانعقدت أواصر الألفة بينهما وتحابا وتزاملا في الله وقد ساعد جو قنا الهادئ الشيخ عبد الرحيم على حياة التأمل فأمضى عامين كاملين يتعبد ويدرس ويختلي بنفسه ليتعرف على خباياها ولا يقطع عليه هذا الاختلاء وذاك التعبد إلا خروجه للتجارة التى يعتمد عليها في معاشه، فقد كان رحمه الله قد اتخذ لنفسه منهاجا لا يحيد عنه طوال حياته، وهو العمل بيده حتى يكسب قوته.
وفي خلال تلك الفترة صدر قرار من والي مصر بتعيين الشيخ عبد الرحيم شيخا لقنا وأصبح من ذلك اليوم يسمى بالقنائى (ولما تولى الأيوبيون مقاليد الأمور في مصر، عملوا جاهدين على القضاء على المذهب الشيعي السائد في عهد الدولة الفاطمية ونشر المذهب السني وكانت وسيلتهم في ذلك تولية شؤون البلاد وحكمها لأصحاب المذهب السني وخاصة المذهب الشافعي، مذهب الأيوبيين الخاص. فأصدر الملك العزيز بالله بن صلاح الدين الأيوبي قرارا بتعيين الشيخ عبد الرحيم شيخا لمدينة قنا.
ودرت عليه التجارة في قنا ربحا وفيرا ساعدته على الإنفاق على فقراء الطلاب والراغبين في العلم وغير القادرين من أبناء المسلمين. وقد كانت لسيدى عبد الرحيم مدرسته الصوفية الخاصة التى تسمح للطرق الصوفية الأخرى بالأخذ منها من غير الخروج على طرقها.
ومن مقولاته الدين الإسلامي دين علم دين عمل وأخلاق فمن ترك واحدة فقد ضل الطريق.
العلم: مصدره أحاسيس مرتبطة بين العقل والإرادة ينتج منها الانتاج الفكرى سواء كان من بيانه وابوابه او مرتلا (خزينة اسرار مجلس الانتاج الفكرى) الذاكرة والعلم علم الواقع وعلم الطبيعى فالاول حسن حسن ظاهرى والثاني تحوطة المعرفة وهو مايبصره الإنسان وينظر بها ظاهر الاشياء واسبابها الخفية.
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله". أدلى ان الرجل الصوفى يحل بتلك الاية قلبا وقالبا فأصبح في مقام الخوف وإنها الطريق الموصل إلى رضا الرحمن علية وما يرضى به الرسول.
تكلم عن التفرقة بين الروح والنفس حيث الروح اعلى في الجوهر من النفس لاتصالها بخالقها فهو وحده يعلم ماهيتها وجعلها سرا عنده لاتصالها بالذات المقدسية "نفخنا فية من روحنا " وقد قسم مراتب النفس إلى الاتى:
النفس الراضية هى التى في درجة الاتصال بالروح مستديمة
النفس المرضية هى في مقام الاستناره
النفس اللوامة هى التى في مقام الاصلاح
النفس الإمارة بالسوء هى في مقام الظلم والظلمات
التصوف ليس ركن من اركان الإسلام ولكنة ركن من أركان الأخلاق
راس الايمان الصدق ومن لم يحفظ جوارحه وحواسه عما نهى عنه فليس بصادق
اللهم ارزقنا رزقا لا تعذبنا عليه
من زهد في شهواته شاهد في خلوته
الصدق مركب السلامة والكذب مركب العطب والخلاص في الإخلاص
ومن مؤلفاته تفسير للقران الكريم - رساله في الزواج - أحزاب وأوردة - كتاب الأصفياء.
توفي الشيخ عبد الرحيم القناوي يوم الثلاثاء 19 صفر سنة 592هـ الموافق 23 يناير 1196 بعد صلاة الفجر وعمره 71 عاما قضى منها 41 عاما في الصعيد.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: أكثر من مليوني زائر محافظة قنا مولد سيدي عبد الرحيم سیدی عبد الرحیم القنائی الشیخ عبد الرحیم رضی الله عنه فی مقام
إقرأ أيضاً:
داليا عبد الرحيم: سوريا لن تصل إلى حلول دون توافق سياسي شامل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عرضت الإعلامية داليا عبد الرحيم، رئيس تحرير جريدة البوابة نيوز، ومساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، تقريرًا بعنوان “الفصائل المسلحة”، والذي يرصد الضوء على واقع هذه الفصائل، ومواقفها، وتأثيرها على مستقبل سوريا.
وقالت “عبدالرحيم”، خلال برنامج "الضفة الأخرى"، المذاع عبر فضائية "القاهرة الإخبارية"، إنه على مدار إثنا عشر عامًا من الثورة على النظام السياسي في سوريا، فما زال المشهد ملبدًا بعدد غير محدود من الفصائل والميليشيات المسلحة، والتي باتت هي المتصدر الأساسي للمشهد رغم سقوط النظام السوري قبل أسبوعين، وفي مقدمة هذه الفصائل هيئة تحرير الشام والتي ينضوي تحتها عددًا هائلًا من الفصائل المسلحة، فضلًا عن الجيش السوري الحر، وداعش والقاعدة والإخوان المسلمين والحزب الإسلامي التركستاني وقوات سوريا الديمقراطية، وتمتلك الفصائل المسلحة قدرًا هائلًا من السلاح خارج نطاق الدولة، وكل منها يُريد أن يكون مشكلًا في الحكومة السورية القادمة، ولن يضع سلاحه أو يقوم بحل نفسه إلا إذا شملته الحكومة القادمة أو كان الدستور السوري القادم مُعبرًا عنه.
وتابعت: وتُظهر القراءة الأولى للفصائل المسلحة أنها لن تستغني عن سلاحها أو تقوم بتفكيك نفسها إلا إذا كانت ضمن التشكيلات الأساسية للحكومة، فضلًا على أن داعش والقاعدة لا يؤمنان بما حدث في سوريا ويسعيان لإعادة تموضعهما مع تنظيمات أخرى محلية قد تنضم إلى حركة العنف المتوقعة، وانتقلت سوريا من الحرب الأهلية التي ضربت بنيتها على مدار أكثر من عقد إلى مستقبل يبدو غامضًا، يحمل في بذورة العمل المسلح مع وجود عدد من المكونات السورية التي تسلحت من أجل مواجهة تنظيم داعش في شمال شرق سوريا أو حتى مقاومة الخروقات التركية للأراضي السورية؛ فما زالت المجموعات المسلحة تترقب المستقبل، وكل منها يُعلن استعداده لتفكيك نفسه مقابل أنّ يكون ممثلًا في الحكومة السورية القادمة أو ضمن تشكيلات الجيش السوري، ولكن لا توجد أي خطوات حقيقية على أرض الواقع تترجم الأقوال إلى أفعال.
وأوضحت أن سوريا تبدو اليوم في مواجهة معقدة، حيث تتحكم الفصائل المسلحة بمساحات واسعة من القرار السياسي والأمني، وتطرح نفسها كلاعب لا يمكن تجاهله في أي صياغة للمستقبل، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لهذه الفصائل أن تُشارك في بناء دولة مدنية ديمقراطية؟، أم أن مستقبل سوريا سيظل مرهونًا بالسلاح والانقسامات؟، وتبقى هذه التساؤلات مفتوحة مع غياب خطوات عملية لحل هذه المعضلة على الأرض.
وأكدت أن سوريا تبقى في قلب صراع طويل ومُعقد بين الفصائل المسلحة المتنوعة، التي تسعى كل منها لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، ورغم الانتصار العسكري الذي تحقق بإسقاط نظام الأسد، فإن البلاد ما زالت تواجه تحديات كبيرة في ظل وجود العديد من القوى الداخلية والخارجية المتنافسة؛ إذ أن كل فصيل يحمل رؤيته الخاصة للمستقبل، بينما تظل القوى الدولية والإقليمية تلعب دورًا محوريًا في تحديد مسارات الأحداث، ومع هذه التحولات العميقة على الأرض لا يمكننا تجاهل التهديدات التي لا تزال قائمة، سواء كان ذلك من خلال خلايا داعش النائمة أو استمرار الاحتكاك بين الفصائل، إضافة إلى ذلك يبقى التساؤل حول دور القوى المدنية والسياسية في سوريا مفتوحًا، وهل ستكون قادرة على فرض نفسها في المستقبل السياسي للبلاد، أم أن الفصائل المسلحة ستظل الحاكم الفعلي للمشهد؟.
واختتمت: يبقى المستقبل السوري رهناً بالصراعات الداخلية والتحولات السياسية، وإن كان هناك أملًا في بناء سوريا جديدة مستقرة، فإن ذلك يتطلب تكاتف جميع الأطراف من فصائل مسلحة، وقوى مدنية، وداعمين دوليين، وفي النهاية نحن أمام مرحلة مليئة بالتحديات والفرص على حد سواء، ولن نتمكن من الوصول إلى الحلول دون توافق سياسي شامل يضع مصلحة الشعب السوري في المقدمة.