لقاء هنية-دحلان.. الضرورات الملحة
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
من نافلة العمل السياسي الطبيعي أن تحدث انزياحات سياسية (براغماتية) وأيديولوجية للحركات السياسية (المقاومة خصوصا) عندما تنتقل من هامش العمل السياسي إلى مركزه، ذلك أنه في فعل العمل المقاوم يرتفع منسوب الأيديولوجيا وينخفض منسوب السياسية باعتبارها فن الممكن أو باعتبارها فعلا فيه كثير من البراغماتية والواقعية.
ينطبق الأمر نفسه ـ وإن لأسباب مختلفة ـ على الدول والحركات السياسية عندما تتعرض لضغوط سياسية أو اقتصادية أو عسكرية قاهرة، فتضطر إلى تقديم تنازلات أو القيام بتحالفات تبدو مستحيلة في ظل ظروف طبيعية.
على سبيل المثال، لم تعد مصر مع السيسي كما كانت أثناء حكم مبارك، فالأول عمد على استرضاء إسرائيل، وكان ثمن ذلك موقف متخاذل مستمر مع إسرائيل ضد غزة.
تدرك الحركة ذلك، لكنها مع كل فرصة تقدم خطابا إعلاميا مادحا لمصر، وقد ظهر هذا الخطاب واضحا أثناء الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة على الرغم من تعاون مصر مع إسرائيل في عرقلة دخول المساعدات إلى القطاع، والتخاذل المضمر مع إسرائيل في القضاء على "حماس" عسكريا وسياسيا، والسبب في ذلك أن مصر هي المنفذ الوحيد للقطاع على العالم الخارجي، ومن هنا تبقى العلاقة مع القاهرة على الرغم من سلبياتها محورا رئيسا في المعادلة الاستراتيجية لحركة "حماس".
ضمن معادلة علاقات الضرورة، جاء لقاء محمد دحلان (القيادي السابق في حركة "فتح" ورئيس "التيار الإصلاحي" المدعوم مصريا وإماراتيا وإسرائيليا) مع إسماعيل هنية في الدوحة قبل نحو أسبوع.
صحيح أن حركة "حماس" تصالحت مع دحلان قبل سنوات قليلة لاعتبارات مصرية ولاعتبارات متعلقة بتوسيع دائرة التحالفات في بيئة فلسطينية منقسمة بقوة وطنيا، لكن هذا التصالح لم يترجم إلى عمل سياسي مشترك، إذ بين الجانبين هوة "وطنية" وسياسية وأيديولوجية كبرى لا تسمح لهما أن يكونا في سلة واحدة، فضلا عن محاولة دحلان (قائد جهاز الأمن الوقائي آنذاك) عام 2006 إجراء انقلاب على الحركة لمنعها من السيطرة على القطاع بعد فوزها في الانتخابات التشريعية.
لدحلان مصلحة في الانفتاح على حماس لسببين رئيسيين:
الأول، أنه ابن غزة، حيث العلاقات الجهوية ما تزال تلعب دورا في العمل السياسي الفلسطيني، وفي هذا تتلاقى المصالح: دحلان يرغب بإعادة حضوره في القطاع خصوصا أن لديه مؤيدين كثرا لا يزال يقدم لهم إلى الآن الكثير من المساعدات، وحماس لديها مصلحة في كسب شخص بمستوى قوة دحلان بحيث يكون جزءا من معادلة غزة لا من معادلة السلطة (العامل الجهوي).
حركة "حماس" تصالحت مع دحلان قبل سنوات قليلة لاعتبارات مصرية ولاعتبارات متعلقة بتوسيع دائرة التحالفات في بيئة فلسطينية منقسمة بقوة وطنيا، لكن هذا التصالح لم يترجم إلى عمل سياسي مشترك، إذ بين الجانبين هوة "وطنية" وسياسية وأيديولوجية كبرى لا تسمح لهما أن يكونا في سلة واحدة، فضلا عن محاولة دحلان (قائد جهاز الأمن الوقائي آنذاك) عام 2006 إجراء انقلاب على الحركة لمنعها من السيطرة على القطاع بعد فوزها في الانتخابات التشريعية.الثاني، الرغبة في انشاء مركز سياسي داخل الجغرافية الفلسطينية بعيد خروجه من الضفة، ومن شأن هذه القاعدة أن تكون منطلقا لإعادة توسيع حضوره في الضفة الغربية.
لهذه الأسباب، يبدو لقاء هنية-دحلان مجرد لقاءٍ عابر يدخل ضمن مقتضيات السياسة الطبيعية، إلا أن تصريحات دحلان عن ضرورة وجود قيادة تحكم غزة بعيدا عن "حماس" والسلطة الفلسطينية مؤشر على أن اليوم التالي للحرب سيكون مختلفا عما قبله من الناحية السياسية في غزة.
قد يبدو التصريح مبالغا فيه من الناحية السياسية، فلا يمكن تصور غزة دون حماس، ليس فقط بسبب قوتها وجذرها الاجتماعي فحسب، بل أيضا لأنها نجحت في البقاء أمام آلة الحرب الإسرائيلية الضخمة المستمرة منذ أشهر، بل أيضا نجحت في تكبيد العدو خسائر بشرية كبيرة.
وإذا كانت الحرب امتدادا للسياسة وإن بوسائل أخرى، فإن صلابة حماس في الحرب سيجعلها بالضرورة جزءا من المعادلة السياسية مهما كان شكلها المقبل.
المعطيات المتناثرة تشير إلى أن محمود عباس وافق على تشكيل حكومة خبراء، شرط قبول "حماس" بمنظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وتبني القرارات الدولية في القضية الفلسطينية، بما في ذلك اتفاقات أوسلو، والتنازل عن الكفاح المسلح.
كما تشير هذه المعطيات إلى موافقة "حماس" على الانضمام للمنظمة والاعتراف بدولة فلسطينية في حدود 1967، والتنازل عن مكانها في حكومة الخبراء إذا تم تشكيلها، طالما سيكون لها حضور في المنظمة كمؤسسة حاكمة عليا تعلو فوق التنظيمات السياسية المتنوعة.
توسيع دائرة المنظمة وتشكيل قيادة وطنية تحكم غزة خطوة مهمة في إطار مسار الوحدة الوطنية الفلسطينية، غير أن المشكلة لا تكمن هنا، وإنما في الخلفية الموجبة لهذه التطورات.
بعبارة أخرى، إذا كان الهدف من توسيع المنظمة وتشكيل حكومة خبراء محايدة فصائليا في غزة يكمن في الرضوخ للمطلب الأميركي ـ الإسرائيلي ـ المصري، فإن هذه العملية ستنتهي بالضرورة ولو بعد حين إلى عودة الصراع بين "حماس" والسلطة في ظل غياب مشروع استراتيجي وطني موحد يتفق عليه الجميع.
ثمة مشكلتان رئيسيتان تعترضان أي خطوة باتجاه الوحدة الوطنية:
الأول، أن السلطة الفلسطينية أصبحت هي السلطة الحاكمة الفعلية في الضفة وليس منظمة التحرير، وبالتالي إن أي خطوة نحو إعادة تفعيل المنظمة وجعلها المؤسسة الحاكمة العليا سيلقى رفضا من رام الله، وهو ما لن تقبل به "حماس" ومعها "الجهاد الإسلامي".
الثاني، يتعلق بموضوع مقاومة الاحتلال، فالسلطة تصر على المقاومة الشعبية كسبيل وحيد لنيل حق تقرير المصير، في حين أن "حماس" تصر على العمل المسلح (على الأقل في هذه المرحلة قبل انتهاء الحرب)، وإذا ما قبلت الحركة بمطلب السلطة فسيكون لديها شروط مقابل ذلك، منها ما يتعلق بإعادة تنظيم الصفوف الشعبية في الضفة، ومنها ما يتعلق بالمفاوضات السياسية مع الاحتلال، وفي كلتا الحالتين ستصبح "حماس" شريكا في الحكم، وهذا خط أحمر بالنسبة لعباس.
في ضوء هذه المعطيات، ربما جاء لقاء هنية-دحلان ضمن فاصل تاريخي محوري، بحيث يستفيد كل طرف من الطرف الآخر لتعزيز حضوره.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه علاقات فلسطينية السياسة فلسطين علاقات سياسة رأي فصائل مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
العودة إلى نقطة الصفر!
◄ "حماس" ترفض تمديد المرحلة الأولى من "اتفاق غزة".. والاحتلال يُهدد باستئناف العدوان
◄ أمريكا توافق على صفقة قنابل ومعدات هدم وأسلحة لإسرائيل بـ3 مليارات دولار
◄ "حماس": الاحتلال يتحمل مسؤولية عدم بدء مفاوضات المرحلة الثانية
◄ إسرائيل تتحدث عن "تفاهمات" مع واشنطن لدعم العودة للقتال
◄ إعلام إسرائيلي: العودة للحرب ليست مناورة تفاوضية
◄ مصادر: "مباحثات القاهرة" لم تكن جيدة.. وإسرائيل ترفض الانسحاب
الرؤية- غرفة الأخبار
قال حازم قاسم المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) أمس السبت إن الحركة ترفض تمديد المرحلة الأولى "بالصيغة" التي تطرحها إسرائيل، تزامنًا مع آخر أيام المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وأضاف في تصريحات أنه لا توجد حاليا أي مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية. وتابع قائلا "الاحتلال يتحمل مسؤولية عدم بدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق غزة".
وقبل ساعات من انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، هدد مسؤول إسرائيلي باستئناف الحرب على غزة. ومن جانبها طالبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الوسطاء والضامنين والمجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للدخول في المرحلة الثانية. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن أحد المسؤولين أن العودة إلى الحرب ليست مناورة تفاوضية، وأن هناك تفاهمات مع واشنطن لدعم تحركات إسرائيل إذا اختارت العودة للقتال.
يأتي ذلك بعد أن عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشاورات بشأن انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، بمشاركة قادة الأجهزة الأمنية ووزراء الدفاع والخارجية والشؤون الإستراتيجية والمالية. وعاد الوفد الإسرائيلي المفاوض من القاهرة بعد أن رفضت حركة حماس طلبا إسرائيليا لتمديد المرحلة الأولى 42 يوما إضافيا، وعدم الدخول في المرحلة الثانية المتفق عليها.
وقد وصفت مصادر الجانبين جولة المباحثات غير المباشرة بينهما في العاصمة المصرية بأنها كانت غير جيدة. كما نقلت القناة 13 الإسرائيلية عن مسؤولين قولهم إن نتنياهو يبحث مع وزرائه إمكانية استئناف الحرب. وأشار هؤلاء المسؤولون إلى أن إسرائيل رفضت الانسحاب من قطاع غزة وإنهاء الحرب.
لكنَّ موقعي "أكسيوس" الأمريكي و"وَالا" الإسرائيلي أشارا الى أن الوفد الإسرائيلي سيعود للقاهرة في وقت لاحق. وكان من المفترض أن تبدأ إسرائيل الانسحاب من محور فيلادلفيا وفق ما هو متفق عليه، لكنها تهربت من ذلك.
في المقابل، وصفت حماس شروط إسرائيل بأنها غير معقولة وحملتها المسؤولية عن تعثر المفاوضات، وجددت التأكيد على التزامها الكامل بتنفيذ كل بنود الاتفاق بجميع مراحله وتفاصيله.
وطالبت حماس الوسطاء والضامنين والمجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي، للالتزام بدوره في الاتفاق بشكل كامل، والدخول الفوري في المرحلة الثانية، دون أي تلكؤ أو مراوغة.
وأكد حازم قاسم المتحدث باسم حركة حماس أنه لا توجد الآن أي مفاوضات مع حماس بشأن المرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، مشيرًا إلى أن الاحتلال يحاول إعادة الأمور إلى نقطة الصفر. وقال في تصريحات صحفية إن "الاحتلال يتهرب من الالتزام بإنهاء الحرب والانسحاب الكامل من غزة، ويريد استعادة أسراه مع إمكانية استئناف العدوان على القطاع" الفلسطيني المدمر.
في الأثناء، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" في بيان أن وزارة الخارجية وافقت على بيع محتمل لقنابل ومعدات هدم وأسلحة أخرى لإسرائيل بقيمة تبلغ نحو 3 مليارات دولار. وتم إخطار الكونجرس بشأن مبيعات الأسلحة المحتملة على أساس طارئ.
وتشمل مبيعات الأسلحة 35529 قنبلة للأغراض العامة وزنها نحو 1000 كيلوجرام و4 آلاف قنبلة خارقة للتحصينات بنفس الوزن من إنتاج شركة جنرال ديناميكس. وبينما قال البنتاجون إن عمليات التسليم ستبدأ في عام 2026، فإنه أضاف "هناك احتمال أن يأتي جزء من هذه المشتريات من المخزون الأمريكي"، وهو ما قد يعني التسليم الفوري لبعض الأسلحة.
وتبلغ قيمة الحزمة الثانية 675 مليون دولار وتتألف من خمسة آلاف قنبلة تزن كل منها نحو 500 كيلو جرام مع المعدات المطلوبة مناسبة للمساعدة في توجيه القنابل "الغبية" أي غير الموجهة. وكان من المتوقع أن يتم تسليم هذه الحزمة في عام 2028. ويحتوي إخطار ثالث على جرافات من إنتاج شركة كاتربيلر قيمتها 295 مليون دولار.
وهذه هي ثاني مرة خلال شهر واحد تعلن فيها إدارة ترامب حالة الطوارئ للموافقة السريعة على بيع أسلحة لإسرائيل. وسبق أن استخدمت إدارة الرئيس السابق جو بايدن سلطات الطوارئ للموافقة على بيع أسلحة لإسرائيل دون مراجعة الكونجرس.