ما حكم صلاة الضحى في المسجد؟ وهل هناك مانعٌ شرعي؟.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم أداء صلاة الضحى في المسجد؟ وهل هناك مانعٌ شرعيٌّ في ذلك؟
وقالت دار الإفتاء، إنه مِن المقرَّر شرعًا أنَّ صلاة الضحى سنةٌ مطلوبةٌ على جهةِ الاستحبابِ؛ فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِن الضُّحَى» رواه مسلم في "صحيحه".
وأوضحت دار الإفتاء، أن وقت صلاة الضحى يبدأ مِن ارتفاع الشمس قَدْر رُمْحٍ إلى رُمْحَيْن في عين الناظر إليها، ويُقدر بخمسٍ وعشرين دقيقة تقريبًا بعد شروق الشمس، وينتهي وقتها قبل زوال الشمس، ويُقدر بأربع دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر، مع مراعاة فروق التوقيت بحسب إحداثِيَّات المكان.
وذكرت أن أفضله على المختار عند جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية: بعد مُضِيِّ رُبُع النهار، وهو منتصف الوقت بين شروق الشمس وصلاة الظهر؛ لما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" أَنَّ زيد بن أرقم رضي الله عنه رأى قومًا يُصَلُّون مِن الضُّحَى، فقال: أَمَا لقد عَلِمُوا أنَّ الصلاةَ في غير هذه الساعة أفضلُ، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ»، والحكمة مِن كون أفضل وقتها بعد مضي ربع النهار -ألَّا يخلو رُبُعٌ مِن النهار عن عبادةٍ يؤديها المكلَّف، كما في "كفاية الأخيار" للإمام تقي الدين الحِصْنِي (ص: 89، ط. دار الخير).
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 30، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه فضيلةُ الصلاة هذا الوقْت. قال أصحابنا: هو أفضلُ وقتِ صلاة الضحى وإن كانتْ تجوز مِن طلوع الشمس إلى الزَّوال] اهـ.
وأوضحت، أن الأصل أنَّ صلاة النوافل في البيوت أفضلُ منها في المساجد مطلقًا؛ لما ورد من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا أَيُّهَا الناسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وتتابعت نصوصُ فقهاءِ المذاهب الأربعة المتبوعة على أفضليَّة أداء السنن النوافل في البيوت.
وقال علاء الدين الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (2/ 22، ط. دار الفكر، ومعه حاشية ابن عابدين): [والأفضلُ في النَّفل غيرِ التراويح المنزلُ إلا لخوف شَغْلٍ عنْها] اهـ.
وأمَّا أداء صلاة الضحى في المسجد فقد جعله فقهاءُ الشافعية هو السُّنة؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الحَاجِّ المُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ المُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ» أخرجه أبو داود في "السنن".
ويكون الحديث دالًّا على فضيلة صلاة الضحى في المسجد، فتكون مِن جُملة المستثنياتِ من خبر: «أَفْضَلُ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةُ». يُنظر: ["مرقاة المفاتيح" للعلامة المُلا عليٍّ القاري (2/ 612، ط. دار الفكر)].
وقال العلَّامة ابنُ حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (2/ 107، ط. المكتبة التجارية الكبرى، ومعه حاشية الشرواني): [(وأفضله) أي: الانتقال للنفل يعني الذي لا تسن فيه الجماعة ولو لمن بالكعبة والمسجد حولها (إلى بيته)؛ للخبر المتفق عليه «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةُ»، ولأن فيه البعد عن الرياء وعود بركة الصلاة على البيت وأهله، كما في الحديث، ومحله: إن لم يكن معتكفًا، ولم يخف بتأخيره للبيت فوت وقت أو تهاونًا، وفي غير الضحى، وركعتي الطواف، والإحرام بميقات به مسجد، ونافلة المبكر للجمعة] اهـ.
فضيلة المسجد لا تُنافي أفضلية النافلة في البيْت؛ لعدم الرِّياء، كما في "لمعات التنقيح" للعلَّامة الدهلوي (2/ 482، ط. دار النوادر)]، كما أن صلاة الضحى لا تختص بالمسجد كركعتي التحية، ولا يُشْرع لها الجماعة.
وبناءً على ذلك: فإن السُّنن والنوافل -ومنها صلاة الضحى- الأصلُ فيها أن تؤدَّى في البيوتِ، ولا مانعَ شرعًا مِن صلاة الضحى في المسجد مع مراعاة الإجراءاتِ التنظيميَّة التي تُحدِّدها الجهات المختصة بالمساجد.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم قال رضی الله عنه م ک ت وب ة
إقرأ أيضاً:
حكم إزالة الأضرحة من المساجد والصلاة فيها
أوضحت دار الإفتاء المصرية حكم إزالة الأضرحة من المساجد، مؤكدو أنها لا تجوز شرعًا ولو تحت دعوى توسعة المسجد وتجديده؛ لما فيها من الاعتداء السافر على حرمة الأموات، وسوء الأدب مع أولياء الله الصالحين.
وقالت الإفتاء أن تعدي الأشخاص على أضرحة أولياء الله الصالحين، يعتبر من سوء الأخلاق والأدب، وتوعد اللهُ سبحانه وتعالى لمَن آذاهم بأنه قد آذنهم بالحرب؛ فجاء في الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» رواه البخاري.
وأضافت الإفتاء أنه يجوز التوصل إلى فعل الخير بالباطل، ومن أراد توسعة مسجد أو تجديده يجب عليه شرعًا أن يُبْقِيَ الضريح الذي فيه في مكانه ولو أصبح وسط المسجد، أو يُتْرَك المسجد كما هو.
وأكدت الإفتاء أن الصلاة في المسجد مع وجود الضريح فيه صحيحةٌ ومشروعةٌ؛ حيث تواترت على ذلك الأدلة من الكتاب، والسُّنَّة، وفعل الصحابة، وإجماع الأمة الفعلي، والقولُ بتحريمها أو بطلانها قولٌ باطل لا يُلتَفَتُ إليه ولا يُعَوَّلُ عليه.
حكم الصلاة في المساجد التي يوجد بها أضرحة الأولياء والصالحين
أما عن حكم الصلاة في المساجد التي يوجد بها أضرحة الأولياء والصالحين، قالت الإفتاء إنها صحيحةٌ ومشروعةٌ، بل إنها تصل إلى درجة الاستحباب، وذلك بالكتاب، والسُّنَّة، وفعل الصحابة، وإجماع الأمة الفعلي.
-فمن القرآن الكريم: قوله تعالى: ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: 21].
قال الإمام الرازي في "تفسيره": [﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾: نعبد الله فيه، ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد] اهـ.
وقال الشهاب الخفاجي في "حاشيته على تفسير البيضاوي": [في هذه دليل على اتخاذ المساجد على قبور الصالحين] اهـ.
ومن السُّنَّة: حديث أبي بصير رضي الله عنه الذي رواه عبد الرزاق عن مَعمَر رضي الله عنه، وابن إسحاق في "السيرة"، وموسى بن عُقبة في "مغازيه" -وهي أصح المغازي كما يقول الإمام مالك- ثلاثتهم عن الزُّهرِي عن عُروة بن الزُّبَير رضي الله عنه عن المِسوَر بن مَخرَمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهم: أن أبا جَندَلِ بن سُهَيل بن عمرو رضي الله عنه دفن أبا بَصِير رضي الله عنه لَمَّا مات وبنى على قبره مسجدًا بسِيف البحر، وذلك بمحضر ثلاثمائة من الصحابة. وهذا إسناد صحيح؛ كله أئمة ثقات، ومثل هذا الفعل لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فلم يَرِد أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه.
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «في مسجد الخَيفِ قَبرُ سبعين نبيًّا» أخرجه البزار والطبراني في "المعجم الكبير"، وقال الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد البزار": [هو إسناد صحيح] اهـ.
وقد ثبت في الآثار أن سيدنا إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر رضي الله عنها قد دُفِنا في الحِجر من البيت الحرام، وهذا هو الذي ذكره ثقات المؤرخين واعتمده علماء السِّيَر؛ كابن إسحاق في "السيرة"، وابن جرير الطبري في "تاريخه"، والسهيلي في "الروض الأنف"، وابن الجوزي في "المنتظم"، وابن الأثير في "الكامل"، والذهبي في "تاريخ الإسلام"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، وغيرهم من مؤرخي الإسلام.
وأقرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ولم يأمر بنبش هذه القبور وإخراجها من مسجد الخيف أو من المسجد الحرام.