عبد الله علي إبراهيم

رحل عن دنيانا في 20 من فبراير الجاري في القاهرة اللواء أ.ح (معاش) تاج السر المقبول.
وندين نحن معشر الشيوعيين للمرحوم بإشراقة نبل برقت في أحلك أيامنا وليالينا وستطوق أعناق الأجيال منا إلى يوم الدين. كنا شققنا لهاتنا بمأثرة شجاعة رفاقنا من العسكريين والمدنيين الذين عرضوا على محاكم معسكر الشجرة الكأداء بعد فشل انقلابهم في 22 يوليو 1971.

وما نزال. وهي المحاكم التي بلغت من التوحش والشر المنذر أن سميتها "مهرجان الكلاب الجائعة"، بل والسكرانة.
ووقفة أولئك الرفاق الباسلة في وجه الموت مهما قلنا عنها فرض لمن تقدم التاريخ وقد تأبط بندقية. كانت شجاعة منتظرة من قفص الاتهام. أما أن تأتي مثل شجاعتهم من منصة محكمة الذئاب الجائعة فتلك أريحية لا يقوم بها إلا ذوو العزم. وكان تلك البطولة ما أسفر عنها المقبول الذي ترأس المحكمة العسكرية الميدانية التي انعقدت لمحاكمة المقدم بابكر النور (1935-1971) من كان أعلن قائداً لمجلس انقلاب 19 يوليو 1971. فحكم المقبول عليه بست سنوات سجناً. ورفض نميري ذلك الحكم ورد الأوراق للمقبول ليحكم عليه بالإعدام. ولتهدئة ثائرة نميري وسخائمه، اتفق المقبول مع أعضاء المحكمة على رفع الحكم إلى أربعة عشر سنة. ولكن نميري لم يقبل بغير الإعدام بديلاً. ورفض المقبول بأن يصدر حكماً بإعدام بابكر بأمر من القائد العام. وكان رأيه أن بابكر لم يكن اشترك في تنفيذ الانقلاب لأنه كان بلندن للعلاج وليس اختياره رئيساً للانقلاب حجة عليه.
والمفارقة أن مرت بنميري نفسه تجربة رئاسة انقلاب لم يعلم به حتى. فقد جعله الملازم أول خالد حسين الكد رئيساً لمجلس انقلابه الذي فشل في ساعته في 1966. وما مس نميري شيء. ومعروف أن بابكر النور كان قد عاد للسودان بعد الانقلاب بطائرة للخطوط البريطانية يوم 22 يوليو. وقرصنها من الجو النظام المصري بتعاون مع معمر القذافي وأنزلها في ليبيا ليعتقل بابكر ورفيقه فاروق عثمان حمد لله، عضو مجلس الانقلاب.
ولما رفض المقبول تغيير الحكم كطلب نميري استبعده السفاح من القضية. واختار صلاح عبد العال ليحل محله. وحكم صلاح على بابكر بالإعدام كما طلب منه نميري. ومن قرأ "حركة 19 يوليو 1971: التحضير، التنفيذ، الهزيمة" (2015) للرائد معاش عبد العظيم عوض سرور عرف لِم كان صلاح اختيار نميري. فكان ثار الشك في نميري أن صلاح ضالع في انقلاب يوليو وظل يتحرى مع عبد العظيم ليقطع الشك باليقين. وبدا أنه، لما لم يقع على دليل بتورط صلاح في انقلاب 19 يوليو، أراد أن "يورطه" في محاكمة من حدس أنه تآمر معهم ضده وقتلهم. وبالطبع كان صلاح منقلباً في تلك الأيام من يوليو، ولكن مع من سميناها "القوة الثالثة" التي أرادت القضاء على الانقلاب الشيوعي ونظام نميري في برنامج واحد. وطوت تلك القوة صفحة انقلابها بخروج نميري طليقاً واحتشاد الشارع والجيش حوله. وتلك قصة أخرى.
جسد المقبول في تلك الأيام البغيضة المضرجة بدم شيوعي السودان وديمقراطيه العزيزة الشجاعة في تعريفها الحرفي. فهي ليست خلو المرء من الخوف كما يقال. بل هي رباطة الجأش في الموقف العصيب.

محاكمات الشجرة (يوليو 1971): مهرجان الكلاب الجائعة. بقلم: عبد الله علي إبراهيم - سودانايل (sudanile.com)

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

زعيم المعارضة في الكيان الإسرائيلي يهاجم نتنياهو: يحاول الانقلاب على القضاء

اعتبر زعيم المعارضة في الكيان الإسرائيلي يائير لابيد أن تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمستشارة القانونية للحكومة أمر غير مقبول، وفق ما ذكرت وسائل إعلام عبرية.

ذكر لابيد أن ذلك دليل على أن الحكومة تعود بكل قوتها إلى الانقلاب على القضاء وفي محاولة لفرض سيطرتها عليه.

وقال لابيد: سنعمل على منع إقالة المستشارة قانونيا وبكل وسيلة ممكنة.

ومن المقرر أن يجتمع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس المعارضة يائير لابيد، يوم الاثنين، لعقد إحاطة أمنية، بحسب ما ذكر موقع "واللا" .  
 

مقالات مشابهة

  • محمد صلاح ينضم رسميا لـ الهلال في يوليو المقبل
  • بن دغر يكشف أهداف التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية
  • نص بيان إشهار ”التكتل الوطني للأحزاب السياسة” في عدن.. و11 هدفا بينها عودة مؤسسات الدولة وإنهاء الانقلاب
  • سقوط عصابة الشرطة المزيفة في الحي الراقي.. والعملات الأجنبية كلمة السر
  • ثبات أسعار الذهب قبيل ماراثون الانتخابات الأمريكية
  • 173.4 مليون ريال حجم طلبات الاكتتاب في سندات التنمية الحكومية
  • زعيم المعارضة في الكيان الإسرائيلي يهاجم نتنياهو: يحاول الانقلاب على القضاء
  • "البنك المركزي" يحقق طلبات اكتتاب قياسية في سندات التنمية الحكومية
  • النائب علاء عابد: مصر الدولة الوحيدة التي يتوافر فيها الأمن والأمان لجميع المواطنين بدون مقابل
  • برلماني: مصر الدولة الوحيدة التي يتوافر فيها الأمن والأمان لجميع المواطنين دون مقابل