اللواء أ.ح. تاج السر المقبول: ثبات الجنان في اليوم العصيب
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
رحل عن دنيانا في 20 من فبراير الجاري في القاهرة اللواء أ.ح (معاش) تاج السر المقبول.
وندين نحن معشر الشيوعيين للمرحوم بإشراقة نبل برقت في أحلك أيامنا وليالينا وستطوق أعناق الأجيال منا إلى يوم الدين. كنا شققنا لهاتنا بمأثرة شجاعة رفاقنا من العسكريين والمدنيين الذين عرضوا على محاكم معسكر الشجرة الكأداء بعد فشل انقلابهم في 22 يوليو 1971.
ووقفة أولئك الرفاق الباسلة في وجه الموت مهما قلنا عنها فرض لمن تقدم التاريخ وقد تأبط بندقية. كانت شجاعة منتظرة من قفص الاتهام. أما أن تأتي مثل شجاعتهم من منصة محكمة الذئاب الجائعة فتلك أريحية لا يقوم بها إلا ذوو العزم. وكان تلك البطولة ما أسفر عنها المقبول الذي ترأس المحكمة العسكرية الميدانية التي انعقدت لمحاكمة المقدم بابكر النور (1935-1971) من كان أعلن قائداً لمجلس انقلاب 19 يوليو 1971. فحكم المقبول عليه بست سنوات سجناً. ورفض نميري ذلك الحكم ورد الأوراق للمقبول ليحكم عليه بالإعدام. ولتهدئة ثائرة نميري وسخائمه، اتفق المقبول مع أعضاء المحكمة على رفع الحكم إلى أربعة عشر سنة. ولكن نميري لم يقبل بغير الإعدام بديلاً. ورفض المقبول بأن يصدر حكماً بإعدام بابكر بأمر من القائد العام. وكان رأيه أن بابكر لم يكن اشترك في تنفيذ الانقلاب لأنه كان بلندن للعلاج وليس اختياره رئيساً للانقلاب حجة عليه.
والمفارقة أن مرت بنميري نفسه تجربة رئاسة انقلاب لم يعلم به حتى. فقد جعله الملازم أول خالد حسين الكد رئيساً لمجلس انقلابه الذي فشل في ساعته في 1966. وما مس نميري شيء. ومعروف أن بابكر النور كان قد عاد للسودان بعد الانقلاب بطائرة للخطوط البريطانية يوم 22 يوليو. وقرصنها من الجو النظام المصري بتعاون مع معمر القذافي وأنزلها في ليبيا ليعتقل بابكر ورفيقه فاروق عثمان حمد لله، عضو مجلس الانقلاب.
ولما رفض المقبول تغيير الحكم كطلب نميري استبعده السفاح من القضية. واختار صلاح عبد العال ليحل محله. وحكم صلاح على بابكر بالإعدام كما طلب منه نميري. ومن قرأ "حركة 19 يوليو 1971: التحضير، التنفيذ، الهزيمة" (2015) للرائد معاش عبد العظيم عوض سرور عرف لِم كان صلاح اختيار نميري. فكان ثار الشك في نميري أن صلاح ضالع في انقلاب يوليو وظل يتحرى مع عبد العظيم ليقطع الشك باليقين. وبدا أنه، لما لم يقع على دليل بتورط صلاح في انقلاب 19 يوليو، أراد أن "يورطه" في محاكمة من حدس أنه تآمر معهم ضده وقتلهم. وبالطبع كان صلاح منقلباً في تلك الأيام من يوليو، ولكن مع من سميناها "القوة الثالثة" التي أرادت القضاء على الانقلاب الشيوعي ونظام نميري في برنامج واحد. وطوت تلك القوة صفحة انقلابها بخروج نميري طليقاً واحتشاد الشارع والجيش حوله. وتلك قصة أخرى.
جسد المقبول في تلك الأيام البغيضة المضرجة بدم شيوعي السودان وديمقراطيه العزيزة الشجاعة في تعريفها الحرفي. فهي ليست خلو المرء من الخوف كما يقال. بل هي رباطة الجأش في الموقف العصيب.
محاكمات الشجرة (يوليو 1971): مهرجان الكلاب الجائعة. بقلم: عبد الله علي إبراهيم - سودانايل (sudanile.com)
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
شمال شرق كولومبيا تحت خط النار.. السر في تهريب المخدرات
تشهد كولومبيا منذ الخميس الماضي، توترات وأعمال عنف جراء هجمات ومواجهات بين عناصر من حركة جيش التحرير الوطني، مع قوات «فارك» التي تم حلها، في منطقة كاتاتومبو، شمال شرق كولومبيا، القريبة من الحدود مع فنزويلا، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 80 شخصا وإصابة 20 آخرون.
ومنطقة كاتاتومبو، الواقعة على الحدود مع فنزويلا تضم وتضم 52 ألف هكتار من نباتات الكوكا المستخدمة في إنتاج الكوكايين. مكتب أمين المظالم في كولومبيا، أشار، إلى أن من بين الضحايا،7 من الموقعين على اتفاقات السلام قبل حوالي 10 سنوات والزعيم المجتمعي كارميلو جيريرو، وفق لما ذكرته وكالة أنباء «شينخوا» الصينية.
فرار الآلاف من كاتاتومبوواضطر الآلاف، إلى الفرار، فيما أُجبرت الأسر على البقاء في منازلها، فيما ذكرت وسائل إعلام، أن العديد من الأشخاص، من بينهم موقعون على اتفاق السلام وقادة مجتمعيون وعائلاتهم وحتى الأطفال، يواجهون خطرا خاصا يتمثل في الاختطاف أو القتل واالعديد منهم لم يتم إنقاذهم بعد ويفرون بحثا عن ملاذ في الجبال. كما أدت الاشتباكات، إلى نقص في المواد الغذائية، وتعليق الدراسة وتعطيل الأنشطة اليومية. وردا على الأحداث، اتخذت حكومة الرئيس الكولومبي، جوستافو بيترو، تعليق محادثات السلام مع جيش التحرير الوطني.
كان الرئيس جوستافو بيترو أعلن تعليق مفاوضات السلام مع «جيش التحرير الوطني»، ووفق لشبكة «يورو نيوز» الإخبارية الأوروبية، فإن الرئيس الكولومبي، اتهم الحركة بارتكاب جرائم حرب. وهذه هي المرة الثانية خلال أقل من عام التي تُعلق فيها مفاوضات سلام من هذا النوع.
أستاذ علاقت دولية: الاشتباكات ليست مجرد مواجهات مسلحة فحسبمن جانبه، قال الدكتور محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالمملكة المغربية، والمتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية، إن كولومبيا من دول أمريكا اللاتينية التي تعاني من صراعات داخلية، فالاشتباكات بين «جيش التحرير الوطني» والمنشقين من حركة «فارك»، ليست مجرد مواجهات مسلحة محلية، بل تعكس التنافس بين الفصائل المسلحة على النفوذ في المناطق الحدودية الغنية بالموارد الطبيعية والتي تعتبر طرقا استراتيجية لتهريب المخدرات والأسلحة.
الدكتور عطيف، يضيف في تصريحات لـ «الوطن»، أن ينبغي الإشارة في هذا الإطار، أن مشكلة الانقسامات داخل «فارك» منذ توقيع اتفاقية السلام في 2016 مع الحكومة الكولومبية، أوجدت مجموعات منشقة رفضت التخلي عن السلاح، ما زاد من تعقيد المشهد الأمني في هذا البلد اللاتيني.
مرحلة جديدة من العنفوأعرب المتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية، عن اعتقاده بأن هذه الاشتباكات هي إشارة إلى مرحلة جديدة من العنف إذا استمرت الجماعات المسلحة في التنافس على السيطرة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تصاعد حدة التوترات إذا فشلت الحكومة الكولومبية في احتواء الوضع الأمني وتعزيز سيطرتها على المناطق الحدودية، نظرا لضعف المؤسسات الأمنية في تلك المناطق، الشيء الذي سيترك فراغا تستغله الجماعات المسلحة والمنظمات الإجرامية لتحقيق أهدافها.
وتابع الدكتور عطيف، بأنّه يمكن القول في هذه المشكلة الأمنية الداخلية، إن تعليق الرئيس الكولومبي للمفاوضات مع «جيش التحرير الوطني» يبعث برسالة واضحة مفادها أن الحكومة لن تقبل بممارسات العنف أثناء الحوار، وربما قد يكون ذلك جزءا من استراتيجية للضغط على الحركة للالتزام بوقف إطلاق النار واحترام مسار المفاوضات.