لا أفهم لماذا أبدت بعض وسائل الإعلام العربية دهشتها، لأن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي قبل أيام قليلة، لتجهض قرارا يدعو إسرائيل لوقف حربها على غزة، ثم طرحت قرارا بديلا بوقف تلك الحرب "مؤقتا"، وذلك قطعا، حتى يتسنى لإسرائيل تقديم مكرمة تبيض وجهها امام المجتمع الدولي بالسماح بإدخال بعض مواد الإغاثة الى غزة، وبعدها تتوصل عمليات القتل الجماعية والدمار الشامل لما تبقى من دور سكنية ومرافق حيوية في القطاع.
مِنّا قوم يعيدون اختراع العجلة بين الحين والآخر، ويكتشفون كل بضعة أشهر أن الولايات المتحدة توالي وتساند وتدعم إسرائيل في المنشط والمكره، وأصحاب الذاكرة السمكية فقط، هم من يغيب عنهم أن تلك الولايات المتحدة، لم تناصر الشعوب العربية قط سواء في مواجهة غطرسة القوة الإسرائيلية أو بطش حكامهم، بل إن الإعلام الأمريكي الذي يتمتع بهامش حرية شديد الاتساع، لا يختلف كثيرا عن البيت الأبيض فيما يتصل بالاستخفاف بكل ما هو عربي وإسلامي، وصولا إلى تزييف الحقائق والأرقام في تغطيتها للحرب على غزة.
مِنّا قوم يعيدون اختراع العجلة بين الحين والآخر، ويكتشفون كل بضعة أشهر أن الولايات المتحدة توالي وتساند وتدعم إسرائيل في المنشط والمكره، وأصحاب الذاكرة السمكية فقط، هم من يغيب عنهم أن تلك الولايات المتحدة، لم تناصر الشعوب العربية قط سواء في مواجهة غطرسة القوة الإسرائيلية أو بطش حكامهم،منذ بدء هذه الحرب ظلت صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز حريصة على رصد ما أسمته مظاهر معاداة السامية بين الكتل الجماهيرية المستنكرة للحرب، ولكن وكما كشفت صحيفة أنترسبت الإلكترونية، لم تولِ تلك الصحف أي اهتمام للعداء المكشوف للمسلمين، بل واستهدافهم بالعنف الجسماني واللفظي في الولايات المتحدة، فخلال الشهر الأول من الحرب جاءت عبارة معاداة السامية 549 مرة في تلك الصحف مقابل 79 مرة لمفردة اسلاموفوبيا؛ وعند تحليل ألف مقال في الصحف الثلاث، اكتشفت أنترسبت أن المصدر التي تستقي منه ثلاثتها أخبارها هو الجيش الإسرائيلي، ولم تكن شبكات التلفزة الأمريكية أفضل حالا من تلك الصحف، فمنذ اشتعال الحرب ظل مراسلوها في رفقة الجيش الإسرائيلي وهو يمطر غزة بالحمم، أي أنهم اختاروا أن يكونوا عند نقطة انطلاق القذائف لا عند نقطة سقوطها، وهذا ما فعلته تلك الشبكات خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وهذا ما رفضته قناة الجزيرة الفضائية، فحقّ عليها غضب الأمريكان فقصفوا مكتبها في بغداد، وحصدوا روح الشهيد طارق أيوب.
بل إن مفردات اللغة المستخدمة في تغطية هذه الحرب، تكشف مدى تحامل الصحافة الأمريكية على الضحايا والتعاطف مع الجناة، فمصرع 1139 إسرائيلي خلال عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/ أكتوبر "مذابح مروعة"، و"مجازر بشعة"، أما عشرات الآلاف الذين عصفت آلة الحرب الإسرائيلية بأرواحهم في غزة فيشار اليهم ب"موتى" وليس قتلى، وبنفس المكيال فمن تخطفهم إسرائيل من بيوتهم ومن أسِرّة المشافي "أسرى"، بينما من تحتجزهم عناصر المقاومة الفلسطينية "رهائن"، وانظر العنوان الرئيس في صحيفة نيويورك تايمز في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم عن "ضحايا" عملية طوفان الأقصى "هرعوا إلى المخابئ طلبا للسلامة، فتعرضوا للقتل"، ثم وفي نفس العدد رأت الصحيفة ان تتعاطف بعض الشيء مع الفلسطينيين، فجاء على عمودين منها "الحرب تحيل غزة الى مقبرة للأطفال"، والفاعل هنا مبني للمجهول، فلا إشارة للطرف الذي حول القطاع الى مقبرة، ورغم ان ضحايا الحرب من الأطفال الفلسطينيين ناهز ال10 آلاف، إلا أنه لم يأت ذكرهم إلا مرتين في 1100 تقرير أخباري عن الحرب في نيويورك تايمز وواشنطن بوست، مع أن أنترسبت تقول إن عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل خلال الأسبوع الأول من حربها على غزة، أعلى من عدد الأطفال الذين قتلوا خلال العام الأول من حرب روسيا على أوكرانيا، وأقامت صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست مأتما وعويلا لمصرع ستة صحفيين خلال في الأسابيع السبعة الأولى من حرب أوكرانيا، ولكنها لم تجد حبرا تذرفه لمصرع 48 صحفيا فلسطينيا في غزة بنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.
ورغم أن الإعلام الأمريكي يتعمد ممارسة التضليل بتصوير إسرائيل على أنها ضحية تارة، وأنها في حالة دفاع عن النفس، إلا أنه فشل في "تضليل" شرائح الشباب الأمريكي، خاصة من يوالون الحزب الديمقراطي، لأنهم لا يستقون معلوماتهم عن الحرب من وسائل الإعلام التقليدية من صحف وتلفزيون وإذاعة، بل من وسائط مثل يوتيوب، وتك-توك وإنستغرام وإكس (تويتر سابقا)، التي لا سيطرة على اللوبي الصهيوني وصنائعه عليها، بل وقفت حشود من المتظاهرين مرارا أمام مبنيي نيويورك تايمز وواشنطن بوست، للتنديد بانحيازهما المكشوف لإسرائيل.
الصحفية تغريد الخضري المقيمة في هولندا، وضعت النقاط فوق الحروف، عندما قالت لقناة الجزيرة الإنجليزية: إذا لم تكن تعيش في غزة، وإذا لم تستمع لدعوات الفلسطينيين لمن فقدوهم من أحباب، وإذا لم تعرف قصة أولئك الأحباب، فإن تغطيتك للأحداث في غزة ستكون ناقصة... وما هو حادث هو أن الصحفيين (الغربيين) لا يروون الحكاية من المنظور الإسرائيلي فحسب بل يعيشون في أجواء تلك الحكاية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الحرب فلسطينية امريكا فلسطين غزة اعلام رأي مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی غزة
إقرأ أيضاً:
عاجل ـ مستشار الأمن القومي الأمريكي: الولايات المتحدة ليس عليها أن تدفع رسوما لمرور سفنها في قناة تدافع عنها
أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جدلًا واسعًا بتصريحات مفاجئة طالب فيها بمرور السفن الأمريكية، العسكرية والتجارية، مجانًا عبر قناتي بنما والسويس. وفي تدوينة نشرها عبر منصة "تروث سوشيال"، اعتبر ترامب أن "هاتين القناتين ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية". وأضاف ترامب في تدوينته المقتضبة أنه طلب من وزير الخارجية ماركو روبيو أن يتولى هذا الأمر "على الفور".
تأييد مستشار الأمن القومي الأمريكيمستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز، سارع إلى تأييد موقف ترامب، حيث أعاد نشر التدوينة عبر حسابه في منصة "إكس". وأكد أنه يعتقد بأن الولايات المتحدة "لا يجب أن تدفع رسومًا مقابل عبور قناة تدافع عنها". يأتي هذا التأييد من والتز ليعزز موقف ترامب ويشير إلى دعم مسؤولين كبار في الإدارة السابقة لهذه التصريحات المثيرة.
توقيت حساس للتصريحاتتأتي هذه التصريحات في توقيت حساس، حيث تكافح قناة السويس للتعافي من تداعيات هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. هذه الهجمات تسببت في عزوف بعض السفن عن المرور عبر القناة، مما أدى إلى تراجع الحركة التجارية عبر هذا الممر المائي الحيوي. هذه الظروف تجعل التصريحات الأمريكية أكثر تأثيرًا على المنطقة في وقت يتطلب تعافيًا اقتصاديًا عاجلًا.
"استعادة" قناة بنماالتصريحات الخاصة بـترامب لم تقتصر على قناة السويس فقط، بل امتدت لتشمل رغبته في "استعادة" قناة بنما. تعد قناة بنما أحد الممرات المائية الاستراتيجية للتجارة العالمية، والتي أكملت الولايات المتحدة بناءها في أوائل القرن العشرين قبل أن تسلم السيطرة عليها لبنما عام 1999. ومن خلال تصريحاته، يبدو أن ترامب يشير إلى نية إعادة فرض سيطرة أمريكية على هذا الممر الحيوي.
تحذيرات من التأثيرات الاقتصاديةفي نفس السياق، سبق لرئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، أن حذر من التأثيرات السلبية للرسوم الجمركية الأمريكية على حركة التجارة العالمية، مما سينعكس على إيرادات قناة السويس. بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى الخسائر التي تكبدتها القناة بسبب الظروف الأمنية في البحر الأحمر، والتي أثرت على حركة المرور بشكل عام. هذا يشير إلى القلق المتزايد حول التداعيات الاقتصادية لهذه التصريحات على المنطقة.