يحضر الفهم هنا، إلى مجموعة من التقاطعات التي تحصل، سواء بين الفرد والفرد، أو بين الفرد وذاته، أو بين الفرد والمجموعة التي ينتمي إليها، قد يصنفها البعض على أنها نقاط تصادم، وقد يكون هذا التصادم ماديا، أو فكريا، وقد يكون ذا ديمومة معينة، أو لحظويا لظرف استثنائي، وفي كل أحواله هو صدام بين طرفين، بمعنى آخر أنه قواعد اشتباك ملتهبة، وبما أنها بهذا المعنى، فبلا شك، سيكون هناك فائز، وهناك خاسر، ولا يستبعد أن يكون هناك ظالم، وهناك مظلوم، فالعدالة المطلقة في الفهم البشري، هي نوع من الخرافة، إلا وفق تشريع أمين وصادق، ليس فيه محاباة طرف على حساب طرف آخر.
ولماذا الاشتباك من الأساس؟ فالاشتباك -كقاعدة- هو خارج عن السياق الأخلاقي الذاهب إلى لا اشتباك، وإن صنف على أنه من الفطرة، أليس كذلك؟ هناك من يذهب إلى تجذر العاطفة والمشاعر في زج أنفيهما فيما يسمى بـ«العلاقات» والعلاقات، كما هو معروف أيضا، من أعقد المفاهيم القائمة بين البشر أنفسهم، والسبب: إن هذه العلاقات واقعة تحت فخ التجيير، كل يجيرها لما تملأ له رغبته، بغض النظر إن كان هذا التجيير يضر بمصالح الآخرين من حوله، إذن، ووفق هذه الصورة المترهلة للعلاقات، فما الحل الأمثل للخروج من قاعدة الاشتباك هذه؟ والسؤال الآخر: هل قدر على الإنسان أن يعيش حالة اشتباك دائمة، ما أن يخرج من حالة اشتباك واحدة إلا والأخرى قادمة، وعلى من؟ ومع من؟ هذا ما تنبئ عنه قواعد الاشتباك في كل مناسبة.
في بيئات العمل المختلفة تتوسع دائرة العلاقات، كزملاء عمل، ولعل بيئات العمل تعد أكبر محضن، ليس فقط لتشابك الزمالات، وليس فقط لنمو المهن، وليس فقط لتضارب المصالح الخاصة، وليس فقط لوجود فرص كثيرة للمقارنات -حيث البيئات الاجتماعية المتنوعة- وإنما أيضا لظهور النتوءات، ولظهور التشوهات، ولظهور «غض الطرف إنك من نمير…» ولظهور الصراخ في بعض المواقف، ولظهور الألم الصامت في مواقف أخرى، ولذلك فاشتداد قواعد الاشتباك قائم وبقوة كل هذه التقاطعات، والتمايزات، حيث تشتد صرخات العواطف مجتمعة، ومع ذلك ينظر إلى هذا الواقع على أنه ظاهرة صحية، وبخلاف ذلك، فالأمر يحتاج إلى شيء من التأمل، ينظر إلى الأسرة على أنها الحامية الحانية، الآمنة الوادعة، الباسمة المبتسمة، ينزوي فيها العقل «خجلا» بعيدا بعيدا «في العائلة يختفي العقل خلف الشعور والعاطفة» -كما يقول جون إهر نبرغ في كتابه المجتمع المدني حيث تتموضع العواطف والمشاعر، وألوان الحب، وتزداد مجسات النبض، فالقلب في أوج احتضاناته، ولكن، ومع تجمع كل هذه «البانوراما» العاطفية، تقحم الذات تجاذباتها الذاهبة إلى إشباع رغباتها، وفي لحظة زمنية، قد تكون فارقة، فتؤجج قواعد الاشتباك بين الأطراف التي كانت متصالحة، ويطرح السؤال المباشر الصادم: أيعقل أن يحدث هذا، وهؤلاء يشكلون ملحمة اجتماعية لا يمكن اختراق تماسكاتها؟
ما يمكن التأكيد عليه هو أن قواعد الاشتباك هي سنن كون بشرية لا تحتاج إلى كثير من الجهد لإثارتها وإقحامها في خطوط عرض وطول، ومع الإيمان بالتسليم لهذا الموضوع، ألا يمكن للعقلاء عدم إثارتها؟ ألا يمكن أن يكون هناك نوع من المهادنة بين طرفي النزاع؟ مع أن هناك من يرى ثمرة أي اختلاف هو اتفاق، وأن من فوائد قواعد الاشتباك هو تراكم مجموعة من الاتفاقات المفضية إلى نوع من الرضا والاطمئنان، هل يمكن الاتفاق على هذه النتيجة؟
أحمد سالم الفلاحي – جريدة عمان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قواعد الاشتباک
إقرأ أيضاً:
هل تغير قوات كوريا الشمالية قواعد اللعبة في أوكرانيا؟
تناول أستاذ العلوم السياسية بروس بيكتول الآثار المترتبة على قرار كوريا الشمالية بإرسال قوات من النخبة لدعم روسيا في أوكرانيا، مؤكداً أن هذا الانتشار دليل على التحالف الزائد بين بيونغ يانغ، ولكن ما يزال من غير المؤكد ما إذا كان هذا التطور سيغير بشكل أساسي ديناميكيات الصراع.
استخدام القوات الكورية الشمالية قد يخفف بعض الضغوط عن روسيا
وقال بيكتول، وهو ضابط استخبارات سابق في وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، في مقاله بموقع "ناشونال إنترست" إن كوريا الشمالية لعبت بالفعل دوراً حاسماً في دعم المجهود الحربي الروسي من خلال شحنات الأسلحة المكثفة، بما في ذلك قذائف المدفعية والصواريخ الباليستية والأسلحة الصغيرة، مشيراً إلى أن سلسلة التوريد هذه كانت ضرورية لاستمرار عمليات القتال الروسية.وعرضت كوريا الشمالية في البداية إرسال عدد كبير من القوات يصل إلى 100 آلف جندي في عام 2022، لكن التقارير الأخيرة تشير إلى عدد أكثر تحفظاً يتعلق بـ 12000 من قوات المشاة الخفيفة النخبة، وهذا الدعم بمنزلة تحول من مجرد الدعم اللوجستي إلى المشاركة العسكرية النشطة. قوات النخبة في ساحة المعركة
وأشار الكاتب إلى أن الموجة الأولى من القوات الكورية الشمالية تشمل 4 ألوية من الفيلق الحادي عشر الشهير في كوريا الشمالية، والمعروف أيضاً باسم "مكتب توجيه تدريب المشاة الخفيفة".
وتعد هذه القوات من بين أكثر القوات تدريباً وتحفيزاً في كوريا الشمالية، وهي مستعدة لمهام متخصصة تتراوح من تعطيل خطوط إمداد العدو إلى إجراء الاستطلاع إلى استهداف البنية الأساسية الحيوية مثل محطات الطاقة والسدود.
North Korean Special Forces in Russia’s War on Ukraine: A Game-Changer? https://t.co/Kt1XuD5qCv via @TheNatlInterest
— Nino Brodin (@Orgetorix) November 4, 2024وتشير التقارير الأولية إلى أن حوالي 1500 جندي قد غادروا بالفعل الموانئ الكورية الشمالية ومن المتوقع أن ينخرطوا في معركة في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا قريباً.
هل ستغير مسار الحرب؟وأثار بيكتول سؤالاً أساسياً مفاده: "هل سيؤثر نشر القوات الكورية الشمالية على قواعد اللعبة؟" ورغم القوة الرمزية لانتشار هذه القوات، يظل الخبراء حذرين بشأن التنبؤ بتأثير حاسم.
وأبلغ مسؤولان أمريكيان سابقان راديو آسيا الحرة، أنه نظراً للعدد الصغير نسبياً من القوات والأسلحة المحدودة، فإن النشر الحالي قد لا يغير ساحة المعركة بشكل كبير، لكن يشير بيكتول إلى أن الوضع قد يتغير إذا أرسلت كوريا الشمالية قوات أكثر بكثير.
North Korean Special Forces in Russia’s War on Ukraine: A Game-Changer? “I believe it is likely the North Koreans will send more troops, thus the real answer appears to be more nuanced. It could be a game changer if significantly more troops are sent… https://t.co/sPtpt5hnom
— Christodoulos (@AgenteChristo) November 4, 2024وتعتمد فعالية القوات الكورية الشمالية إلى حد كبير على الكيفية التي تختار بها روسيا نشرها.
ويشير بيكتول إلى أن الوحدة الأولية التي يبلغ قوامها 12 ألف جندي تضم 500 ضابط، بما في ذلك ثلاثة جنرالات، مما يشير إلى أن هذه القوات يمكن أن تعمل بشكل شبه مستقل ضمن القيادات الروسية.
وإذا سُمح لها بالاحتفاظ ببنيتها التنظيمية، فقد تعمل كوحدات متماسكة، مما يضيف عمقاً تكتيكياً للعمليات الروسية.
ومع ذلك، يحذر بيكتول من أن النجاح النهائي للانتشار يتوقف على كل من نطاق واستراتيجية المشاركة الكورية الشمالية.
تحديات ومخاطروقال الكاتب إن وحدات المشاة الخفيفة الكورية الشمالية مدربة تدريباً عالياً، وغالباً ما تشارك في تدريبات الأسلحة المشتركة داخل كوريا الشمالية.
ومع ذلك، يلاحظ بيكتول عدم اليقين بشأن مدى فعالية اندماجها في الديناميكيات المعقدة لساحة المعركة الأوكرانية.
وواجهت القوات الخاصة الروسية تحديات كبيرة في أوكرانيا، وقد يساعد إضافة وحدات كورية شمالية في سد الثغرات في القدرات النخبوية. لكن نشر هذه القوات دون تنسيق كاف قد يؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة، مما يقلل من القيمة الرمزية لهذا التحالف، حسب الكاتب.
المكاسب الاستراتيجية لكوريا الشماليةوأوضح الكاتب أن دعم المجهود الحربي الروسي يوفر فوائد ملموسة لكوريا الشمالية تتجاوز التوافق الاستراتيجي إلى الحصول على مزايا اقتصادية وعسكرية.
واعتمدت كوريا الشمالية طويلاً على مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية للدول في الشرق الأوسط وإفريقيا، وقد امتد عملها الآن إلى أوروبا، مما يمثل تحولاً ملحوظاً.
ودعم المجهود الحربي الروسي لا يجلب المال والموارد فحسب، بل يؤمن أيضاً تحديثات محتملة للتكنولوجيا العسكرية القديمة لكوريا الشمالية.
ولفت الكاتب النظر إلى أن كوريا الشمالية تتلقى 2000 دولار أمريكي لكل جندي شهرياً، رغم أن هذا المبلغ يذهب مباشرة إلى النظام وليس الجنود الأفراد.
ويمنح هذا الترتيب كوريا الشمالية حافزاً مالياً لالتزام المزيد من القوات، خاصة وأن النظام يعامل قوات العمليات الخاصة كأصل عسكري قابل للتصدير على غرار المدفعية أو الصواريخ الباليستية.
التداعيات الاستراتيجية والأخلاقيةوسلط الكاتب الضوء على المخاطر الأخلاقية والاستراتيجية المرتبطة بالدور الموسع لكوريا الشمالية في حرب أوكرانيا، قائلاً إن التدخل المباشر لكوريا الشمالية قد يشكل سابقة لأنظمة استبدادية أخرى لتقديم الدعم القتالي في الصراعات خارج مناطقها المباشرة.
كما أن هذا التصعيد يعقد الاستجابة الدولية، حيث أن المشاركة المباشرة لدولة مسلحة نووياً وسرية للغاية مثل كوريا الشمالية تقدم أبعاداً جديدة للمشهد الجيوسياسي.
بالنسبة لروسيا، يقول الكاتب إن استخدام القوات الكورية الشمالية قد يخفف بعض الضغوط على قواتها المنهكة، مما يسمح باتخاذ إجراءات أكثر عدوانية في مناطق محددة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الشراكة غير مضمون؛ فإذا ما أساءت روسيا استخدام هذه القوات النخبوية أو نشرتها بشكل غير مناسب، فإنها تخاطر ليس فقط بوقوع خسائر بشرية عالية ولكن أيضاً بالتدهور المحتمل لما يمكن أن يكون تحالفاً قيماً.