{ولا تهنوا في ابتغاء الْقوم إن تكونوا تأْلمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله علیمًا حكیمًا} [سورة النساء:104]
نزلت هذه الآية الكريمة في ظروف مرّ بها المجاهدون المقاتلون، وهم في حالة الهجوم في ابتغاء القوم. وقد ألموا ألمًا شديدًا من محنة القتال.
ولكي لا يقودهم ألمُهم إلى ضعفٍ ويأس، سارعت الآية لتبيّن لهم عبر تقديرٍ صحيحٍ للموقف، أن عدوّهم يألم كما يألمون، أي بما يؤدي به إلى الضعف والوهن واليأس.
وبهذا أصبحت الحربُ بين "الفريقين"، صبر ساعة، من يصرخ أولًا من الألم واليأس. وهو ما ينتظر عدوّهم، فيما تصبر المقاومة أعظم من صبرهم، وتزيد من رجائها الذي لا يرجون مثله.
قتل وتدميرالحرب العدوانية التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة مؤلمة أشدّ الألم، بالنسبة إلى أهل غزة ومقاوميها وقادتهم. وعلى التحديد، بسبب القتل الجماعي للمدنيين، والتدمير شبه الكامل للأحياء السكنية. مع تصميم قوي على مواصلة هذا التقتيل، وذاك الدمار من قِبَل نتنياهو وشركائه، كما ببقاء الدعم له من قِبَل أميركا، والتي تضغط عليه، في الوقت نفسه، باتفاق الهدنة المصوغ في باريس.
ولكن أُعيدَ للتداول، بعد التعديلات القويّة من جانب قيادة عزالدين القسّام وسرايا القدس، والمقاومة في غزة وخارجها.
وجاء قرار نتنياهو متوعدًا باستمرار العدوان والتركيز على قتل المدنيين ومواصلة التدمير، بل وتمديدها بفتح جبهة رفح. الأمر الذي يعني مواصلة ما يؤلم أشدّ الألم. وذلك بسبب القتل الجماعي للمدنيين، وتدمير المنازل السكنية والمؤسسات والمستشفيات.
الأمر الذي يوجب على المقاومة وقادتها، والشعب داخل غزة وخارجها، على المستوى الفلسطيني، أن يهتدوا بالآية الكريمة أعلاه، بألا يسمحوا للتهويل بألمهم، من دون أن يتأكدوا أن العدو يتألم كما يألمون، بل وأشدّ.
والآن كيف نقرأ الواقع المعطى، بأن العدّو يألم بأكثر مما نألم؟، ولسوف يصرخ أولًا ويُهزم، ويقرّ بهزيمته في لحظة قادمة لا محالة، إن شاء الله.
صمود المقاومةأولًا: إن البُعد الأهم الذي سيقرر مصير هذه الحرب العدوانية يتجسّد في الحرب البريّة الدائرة في ميدان المواجهة العسكرية. وقد أكدت الأشهر الأربعة الماضية حتى اليوم، أن يد المقاومة هي العليا في هذه الحرب، طوال 139 يومًا (ساعة بساعة على التتالي).
ثانيًا: الحرب الوحشية الإبادية الموجّهة ضد المدنيين والعمران لم تستطع أن تحقق هدفها بتركيع المقاومة والشعب أمام هوْل مجزرة مستمرة على مدار الساعة، وطوال ما يقارب الخمسة أشهر، بلا توقف. بل مع تصميم معلن بالاستمرار فيها من قِبَل نتنياهو، وبتغطية مفضوحة، من قِبَل بايدن، من خلال المطالبة "برعاية المدنيين"، وليس وقفها.
على أن نتائج هذه الحرب الإبادية، عادت بأسوأ سمعة على الكيان الصهيوني باعتباره مجرم حرب، ومجرم إبادة، ومجرم تدمير شامل، مما أدى إلى أن تسوء وجوه قادة الكيان ومستوطنيه. وهذا تدمير لسمعته ولمستقبله في فلسطين والمِنطقة والعالم.
وهذا كله مربك ومخسر للعدو، وأخطر إستراتيجيًا عليه، مما يسبّبه من ألمٍ لنا. لأنه ألمٌ مفروضٌ علينا من جهة، وقتلانا فيه شهداء وجرحانا مأجورون، ويرجون الشفاء.
ثالثًا: علاقات الكيان بدول العالم حتى الدول الحليفة والصديقة تقف ضدّه في المطالبة بوقف المجزرة، ووقف إطلاق النار. فالعزلة السياسية أشدّ إيلامًا وإضعافًا للعدوّ، مما يصيب المقاومة والشعب الفلسطيني من ألم، حين لا تصل الضغوط على العدوّ، إلى حدّ إجباره على وقف جريمته. وذلك لأن عزلته ستسهم في النهاية، في إجباره على هدنة لا يرضاها، أو وقف إطلاق نار، يعلن هزيمته أمام غزة، مقاومةً وشعبًا.
آلام وهزيمةرابعًا: إن التظاهرات والاحتجاجات التي عبّر عنها الرأي العام العالمي، وخصوصًا في أميركا وأوروبا، أصبحت قوّة ضاغطة عليه، وعلى إدارة بايدن. وهو ما عمّق تناقضًا في الموقف الذي يزيد الكيان الصهيوني ألمًا سياسيًا، وتناقضات داخلية حتى في داخل الكيان نفسه. وذلك سواء على مستوى الضغط لإنجاز صفقة تبادل أسرى، أم الإطاحة بحكومة نتنياهو، السائرة بالكيان نحو دمار من خلال مواصلة حرب، ذات خسائر فادحة بالنسبة إليه، أو عبثية من ناحية عسكرية، حيث لن يستطيع إحراز نصر عسكري على المقاومة، كما أثبتت التجربة طوال أربعة أشهر.
خامسًا: انتقاله لفتح جبهة رفح سيزيد من تناقضاته الداخلية والخارجية، ويؤزّم علاقته بمصر، ولن يفيد منها شيئًا، عدا استمراره بالقتال، وبقتل المدنيين، وهدم البيوت، وتخريب ما تبقى من مستشفيات. فضلًا عن خسائر الجيش في ميدان القتال في قطاع غزة.
وهنا أيضًا يجب اعتبار "ألمه" (أسباب هزيمته) أشدّ وطأة عليه من الألم الذي سوف يسببّه لأهل رفح. ناهيك عن المقاومة.
سادسًا: أخذت تتصاعد الضغوط والمواجهات التي يمارسها محور المقاومة، عسكريًا وسياسيًا ومعنويًا، لا سيما في الجبهة المفتوحة من جنوبي لبنان، كما الاشتباك العسكري الأميركيّ- البريطاني مع القوات اليمنية التي راحت تكثف القصف على أم الرشراش، كما قصفت السفن الذاهبة أو المغادرة إلى الكيان الصهيوني. طبعًا إلى جانب المقاومة في العراق، والمعركة المفتوحة مع سوريا، والموقف الإيراني الداعم بقوّة للمقاومة في قطاع غزة، والضفة الغربية، ومحور المقاومة عمومًا.
قراءة صحيحةإن "الألم" العسكري والسياسي والمعنوي الذي يسبّبه محور المقاومة في جبهة العدو صهيونيًا وأميركيًا، يفترض أن يوضع في موقع هام عند تقدير الموقف، واحتساب ميزان القوى الذي توجب الآية الكريمة أن يركز على الألم في صفوف العدّو، مقابل تحمُّل الألم في صفوف المقاومة.
خلاصة: تؤكد هذه الأبعاد الستة أهمية الآية التي تنصّ على:
"وَلا تهنوا في ابْتغاء الْقوْم إِنْ تكونوا تَألَمون فإنهمْ يَألَمون كَمَا تأْلمون وَترجون من الله ما لا يرْجون". وذلك من خلال القراءة الصحيحة لميزان القوى بين العدّو وحلفائه من جهة، وبين المقاومة والشعب من جهة ثانية، أثناء استعار الحرب، حيث التفاؤل بالنصر ونبذ التشاؤم، حاسمان في نتائج المعركة، كما بالنسبة لأنصار كل فريق.
إن التركيز على ألم القوّة المسيطرة، والتدقيق فيما تعانيه من ضعف وأزمات، يشكلان الخط المنهجي الصحيح في تقدير الموقف.
أما التركيز على ما في جبهتنا من سلبيات وأزمات، والتعامل مع القوّة المسيطرة، بما تتمتّع به من قوّة وسيطرة وسطوة، فطريقٌ إلى التشاؤم وهبوط المعنويات، خصوصًا، في مرحلة شبه التوازن الإستراتيجي، عندما يحتاج كل فريق إلى الإعداد للهجوم العام، ولا سيما في مرحلة الاشتباك الحاسمة، وابتغاء القوم.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
منير شفيقمنير شفيقالمزيد من آراء الكاتبمقالاتمقالات, تيار جديد لإستراتيجيّة التسويةمقالاتمقالات, المقاومة بين السلبيات والإيجابياتمقالاتمقالات, "دروس في الأخلاق للمقاومة الفلسطينية"مقالاتمقالات, هل في غزة مقاومة؟الأكثر قراءةالحرب على غزة.. مجازر إسرائيلية جديدة وتحذيرات من المجاعة بالقطاعجنوب أفريقيا تدعو دول العالم للشهادة ضد إسرائيلليلة النصف من شعبان.. أحكام وفضائلإذاعة إسرائيل: دول عربية طرحت مبادرة لدمج حماس بمنظمة التحريرمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی من ق ب ل
إقرأ أيضاً:
إزالة تعديات على أملاك الدولة وأراضي زراعية ومخالفات بناء فى كفر الشيخ
تابع اللواء دكتور علاء عبد المعطي محافظ كفر الشيخ، اليوم السبت، أعمال الموجة الـ 24 لإزالة التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية ومخالفات البناء، «المرحلة الثانية»، بمركز الحامول، وذلك بالتنسيق مع مديرية أمن كفرالشيخ والجهات والأجهزة المعنية.
وقال محافظ كفر الشيخ، أنه تم تنفيذ 12 قرارًا لإزالة التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية بمساحة 724م2 بنطاق مركز الحامول، تحت إشراف عصام القصيف، رئيس مركز ومدينة الحامول، ضمّن أعمال الموجة الـ 24 لإزالة التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية ومخالفات البناء، مؤكدًا أن حملات الإزالات مكثفة ومتتالية لإزالة التعديات على أراضي أملاك الدولة، والأراضي الزراعية، بنطاق المحافظة في وقت واحد، وتنفيذ الإزالة على هذه التعديات حتى سطح الأرض، تطبيقًا للقانون، لافتًا إلى تغليظ العقوبات تجاه المخالفين، تطبيقًا للقانون والحفاظ على هيبة الدولة، وحماية أراضي أملاك الدولة والرقعة الزراعية، التي هي حق للأجيال القادمة.
وأكد محافظ كفر الشبخ، علي التصدي للتعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية بكل شدة وحسم دون تقاعس أو تهاون، وعدم السماح بحدوث أيّة تعديات، وإزالتها في المهد والتعامل الفوري معها، واتخاذ الإجراءات القانونية وتسليم المحاضر، وتنفيذ الأحكام الصادرة حيال المخالفين.
أوضح المحافظ، الأهمية القصوى التي توليها أجهزة الدولة لملف التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية والتعامل الفوري مع أي مخالفة يتم رصدها في المهد ومن خلال ما ترصده منظومة المتغيرات المكانية، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وتفعيل مواد القوانين حيال المخالفين، بالتنسيق مع مديرية الزراعة وحماية الأراضي والجهات الآخرى المعنية، وإيقاف تلك الظاهرة والتي تهدد مستقبل الأجيال القادمة.
وشدد على اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات للتصدي بكل حزم للتعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية "ري- صرف"، ونهر النيل، وما يتم رصده من مخالفات البناء والتعامل مع تلك المخالفات وتنفيذ الإزالة الفورية لأي تعدٍ، ومصادرة معدات التشغيل و مواد البناء المستخدمة وتحرير المحاضر اللازمة وفقاً للنموذج المعد لذلك واتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفين والمقاولين القائمين بالأعمال المخالفة، ومتابعة المحاضر وتسليمها الى مراكز الشرطة لعرضها على النيابة العامة مباشرة، ومتابعة تصرفات تلك المحاضر، وإعداد تقرير بهذه المحاضر بصفة أسبوعية، ومتابعة تقارير وحدة رصد المتغيرات المكانية، وتفعيل اللجان المعنية المشكلة بالتعاون مع مديرية الزراعة وحماية الأراضي لمواجهة التعديات ومخالفات البناء على الأراضي الزراعية، والتعامل بحسم مع أي تقاعس أو إهمال من أي مسئول في تلك اللجان أو مسئول معنى بملف التعديات، ومتابعة الإجراءات القانونية الواجبة بما يحافظ على هيبة الدولة وحقوق الأجيال القادمة، وتفعيل قرار رئيس الوزراء، ومجلس المحافظين بشأن سير المركبات، وضرورة وجود تصريح نقل مواد بناء طبقاً للقانون من الوحدة المحلية للمركز والمدينة، أو صورة معتمدة من رخصة البناء، بالإضافة الى اتخاذ الإجراءات القانونية في حال التعدي على أي موظف خلال تأدية عمله بتنفيذ قرارات الإزالة، وإحالة الواقعة للنيابة العامة.
وكلف محافظ كفرالشيخ، رؤساء المراكز والمدن، بالإسراع في تنفيذ قرارات الازالة، على أملاك الدولة والأراضي الزراعية، والبناء المخالف، وضرورة الإزالة في المهد لأي حالة تعد، والمتابعة المستمرة، بعد تنفيذ قرارات الإزالة، حتى لا يعاود المخالفون البناء والتعدي مرة أخرى، وإعداد تقرير يومي مفصل بكل حالة من حالات مخالفات البناء والتعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية مدعم بالصور، لاتخاذ الإجراء القانوني المناسب، والتعامل الفوري مع هذه المخالفات على مدار 24 ساعة، مع حظر توصيل المرافق للمباني المخالفة، وتطبيق قانون المرور على الجرارات الزراعية وعدم الخروج عن سياق عمله بالأراضي الزراعية، مع اتخاذ إجراءات صارمة وتوفير أماكن آمنه للتحفظ على المضبوطات، وحصر المحاجر المقامة على الأراضي الزراعية والإجراءات التي اتخذت، وغلق المحاجر المخالفة، والربط مع غرفة العمليات وإدارة الأزمات الرئيسية بديوان عام المحافظة، لمتابعة جهود إزالة التعديات على أراضي أملاك الدولة والأراضي الزراعية، والتعديات على ضفاف نهر النيل، مع اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال المخالفين.