قصر الباشا.. بقي قائما من العصر المملوكي حتى هدمته إسرائيل
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
أحد أهم المباني الأثرية في مدينة غزة، بني في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس، وتأثر أيضا بالعمارة العثمانية، وسمي بقصر الباشا وقصر "آل رضوان" حيث كان مقر حكم سلالتهم التي حكمت سنجق غزة (أحد سناجق ولاية دمشق في الدولة العثمانية) والشام. تغيرت وظيفة القصر مع بداية القرن العشرين من مركز إدارة لحكم المدينة إلى مبنى للشرطة وسجن، ثم إلى مؤسسة تعليمية.
وبعدها تحول إلى متحف عام 2010 وخضع لأعمال ترميم مهمة عام 2015 أعادته إلى حالته الأصلية، وعرضت فيه قطع أثرية من حقب تاريخية مختلفة منها اليونانية والرومانية والبيزنطية والإسلامية.
استهدفته الطائرات الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول 2023 خلال عدوانها على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى جانب استهدافها عددا من المواقع التاريخية والأثرية، مما اعتبرته السلطات الفلسطينية جزءا من مخطط الاحتلال لطمس وتدمير التراث الوطني الفلسطيني.
الموقعيقع قصر الباشا في حي الدرج بالبلدة القديمة شرقي مدينة غزة.
المساحةشيّد القصر على مساحة تمتد لنحو 60 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع)، تقلصت مساحته إلى 600 متر مربع خلال الانتداب البريطاني بسبب أعمال هدم شملت أجزاء منه ومن حديقته الواسعة، وتقدر المساحة الإجمالية لساحات ومداخل القصر بـ6 دونمات.
يتكون القصر من مبنيين منفصلين بينهما حديقة، المبنى الأول مخصص للإدارة، والثاني عبارة عن متحف يضم مقتنيات أثرية من عصور مختلفة.
أحد التماثيل المعروضة في إحدى غرف قصر الباشا (الأناضول) التاريخيعود تاريخ بناء القصر إلى الفترة المملوكية، وحسب المصادر التاريخية، فقد بناه والي غزة الأمير جمال الدين آقوش الشقيقي عام 1260م بأمر من السلطان المملوكي الظاهر ركن الدين بيبرس، ويستدل الباحثون على ذلك بوجود شعاره الخاص المكون من أسدين متقابلين على مدخل القصر الرئيسي، وخلال تلك الفترة سمي بقصر النائب.
أطلق عليه خلال العهد العثماني اسم قصر "آل رضوان" نسبة إلى أسرة رضوان التي حكمت غزة ومعظم فلسطين قرنا ونصف القرن ما بين 1530 و1681.
وأقام نابليون بونابارت فيه خلال حملته على فلسطين عام 1799 ثلاث ليال للاستراحة قبل أن يكمل طريقه إلى عكا التي انهزم أمام أسوارها.
بقي القصر مقرا لولاة غزة في العصر العثماني إلى حين استيلاء البريطانيين عليها (1917-1948)، وجعلوا منه مركزا للشرطة، وحولوا غرفتين صغيرتين كانتا في قبوه إلى سجن؛ خصصوا الأولى للنساء، والأخرى للرجال.
وبعد تقسيم فلسطين، أصبح قطاع غزة خاضعا للإدارة المصرية (1948-1967)، وخلالها حوّل القصر إلى مدرسة أطلق عليها اسم "الأميرة فريال" تيمنًا باسم ابنة الملك فاروق.
وبعد ثورة 23 يوليو/تموز 1952 وخلال حكم جمال عبد الناصر، تغيّر اسم المدرسة إلى "فاطمة الزهراء" الثانوية للبنات، وبقي كذلك حتى عام 2000، حينما أدرجته السلطة الفلسطينية ضمن المباني الأثرية.
حجرة من حجرات قصر الباشا المقام عليها المعرض (الجزيرة) هندسته المعماريةتمتزج في القصر فنون العمارة خلال العهدين المملوكي (1260م-1516م) والعثماني (1516-1917). وتظهر البصمات المعمارية لكل عهد من خلال نوعية الحجارة المستخدمة في كل طابق، حيث اعتمد المماليك على الحجارة الرملية (الكركار) في تشييد الطابق الأرضي، في حين استخدم العثمانيون الحجارة الصخرية والجيرية في بناء الطابق الأول.
يتكوّن القصر من مبنيين، الأول كان يسمى في العهد العثماني "سلاملك" (وهو لفظ يطلق على الجزء المخصص للرجال) وهو الذي تحوّل إلى متحف، و"الحرملك" (ويطلق على الجزء المخصص للنساء) وقد أصبح مبنى للإدارة.
تتزين واجهتا المبنيين وأعتاب مداخلهما بأشكال مختلفة من الأطباق والنجميات والمقرنصات والزخارف الإسلامية النباتية من قبيل "نبتة السنبلة"، والزخارف الهندسية وأبرزها "السداسية والثمانية".
يوجد على جانبي الباب الخاص بمبنى السلاملك نقش أسدين، وهو الشعار الذي اتخذه السلطان بيبرس لدولته، ويحمل كل واحد منهما نقوشا عربية منها "لا إله إلا الله محمد رسول".
وتحتفظ الغرفة الكبيرة في الطابق الأول -وكانت مقرا للسلطان في العصر العثماني- بحجارتها الأرضية الأصلية المصنوعة من الرخام، فضلا عن احتفاظ عتبات الأبواب برخامها الطبيعي.
أما أبواب القصر، فاتخذت من الأعلى شكل القوس، وصممت أسقف الطوابق الأرضية على شكل القباب التي كانت تشتهر بها العمارة المملوكية. كما أضاف العثمانيون بصمتهم في القصر فدعموا القباب بجرار فخارية من المنتصف.
اهتم المماليك والعثمانيون بإنشاء خزائن داخل غرف القصر تشبه في تصميمها شكل الشبابيك، كانت تُخصص لتخزين الملابس أو الأغراض الأخرى.
أحد سلالم قصر الباشا المؤدي إلى حجرات الطابق الثاني (الجزيرة) الترميمبعد اتفاق أوسلو تسلمت السلطة الفلسطينية قصر الباشا، وأدرجته وزارة السياحة والآثار ضمن المباني الأثرية، ورممته عام 2005، ثم حولته إلى متحف للآثار عام 2010.
شهد القصر أشغال ترميم أخرى مهمة ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتمويل من البنك الألماني للتنمية. واستمرت عملية الترميم على مرحلتين، شملت المرحلة الأولى عام 2012 تركيب أبواب ونوافذ وبوابات جديدة، وترميم الواجهة وإجراء إصلاحات وتعديلات خفيفة على المبنى داخليا.
أما المرحلة الثانية عام 2015، فتضمنت معالجة جدران القصر الداخلية والخارجية، ومن ثم قصارتها ودهانها، بصورة تحفظ لها طابعها الأثري القديم.
وأزال العمال في هذه المرحلة طبقات سميكة من الجبس كانت تغطي الجدران الأصلية وتخفي تفاصيل معمارية بما في ذلك الكوات المقوسة والنوافذ بين الغرف، وغطى فريق العمل الأقبية المتقاطعة للقصر بمزيج خاص من الطين المسحوق والرمل والجير، وهو مصمم لسحب الرطوبة من الحجر الرملي الناعم الذي يتكون منه المبنى.
أعيدت الأرضية إلى حالتها السابقة، إذ كان المشرفون على القصر خلال فترة استخدامه مدرسة قد استبدلوا البلاط القديم للمبنى ووضعوا آخر أكثر حداثة مكانه. واستعان فريق الترميم بحرفيّ متخصص في صناعة بلاط الأرضيات الفلسطيني التقليدي.
متحف القصربعد أن تحوّل القصر إلى متحف عام 2010، خصصت 5 غرف لعرض المقتنيات الأثرية من عملات نقدية وأدوات فخارية وأباريق نحاسية وقطع برونزية وحديدية وغيرها.
وقسمت هذه الغرف وفق العصور، الأولى للعصر الروماني، والثانية للعصر البيزنطي، والثالثة لعرض زينة النساء خلال كل العصور، أما الرابعة فخصصت لعرض الأحجار والأعمدة والتيجان الضخمة، وأما الخامسة فتحتوي على القطع الأثرية التي تعود إلى العصر الإسلامي.
ومن القطع المهمة التي يعرضها المتحف قطعة فخارية رسم عليها طائر "البجعة" تعود للعصر "الفلستي"، ومخطوط "مزامير داود" وعمره نحو ألفي عام وكتب باللغة الأرمينية القديمة، وهو من المخطوطات الوحيدة في العالم ويضم تسابيح وتهاليل وترانيم سيدنا داود.
ويضم المتحف أيضا مخطوطا للمصحف الكريم مصنوعا من ورق البردي ويعود للفترة العثمانية.
التدميرتعرض القصر لأضرار جراء القصف البريطاني له إبان الحرب العالمية الأولى، حيث كانت غزة ميدانا لمعركة عنيفة بين الجيشين البريطاني والعثماني عام 1917.
كما تعرض للتخريب والإهمال خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي، وفي الثمانينيات تعرض لحريق متعمد أضرمه بعض المستوطنين.
قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي القصر الأثري في ديسمبر/كانون الأول 2023 خلال عدوانه على غزة الذي بدأه في أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أدى إلى هدم أجزاء كبيرة منه وتحوله إلى خراب لم يشهده مند تشييده قبل سبعة قرون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قصر الباشا إلى متحف الأول 2023
إقرأ أيضاً:
تفاصيل مهرجان الموسيقى الكلاسيكية الخامس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت جمعية اصدقاء متحف قصر المنيل تفاصيل الدورة الخامسة لمهرجان متحف قصر المنيل للموسيقى الكلاسيكية خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بالمتحف الخاص داخل القصر التاريخى ويأتي المهرجان تحت رعاية وزارتى الثقافة والسياحة والآثار.
وقال الأمير عباس حلمى رئيس مجلس إدارة الجمعية ورئيس المهرجان أن اقامة الدورة الخامسة هذا العام جاءت بعد أن تم الغاءها العام الماضى نتيجة احداث غزة ، وتعقد هذة الدورة بعد موافقه اللجنة العليا للمهرجانات ، وتابع انه بسبب ما تتعرض له لبنان من حرب قرر مجلس إدارة الجمعية تقليص ايام المهرجان من اربعة ايام الى يوم واحد فقط تعاطفا مع الشعب اللبنانى الشقيق ، مضيفا انه كان من الصعب إلغاءه تقديرا لموافقة لجنة المهرجانات برئاسة وزير الثقافة واحتراما لوزارة الآثار التي ترعى المهرجان منذ انطلاقه .
وأشار الأمير عباس أن المهرجان يهدف الى نشر الموسيقى الكلاسيكية التى تعد احد الوان الابداع الجاد كما يساهم فى مساعى الارتقاء بالذوق العام وخلق جسور للتواصل الفنى مع مختلف دول العالم باعتباره الحدث النوعى الوحيد فى مصر والشرق الأوسط المتخصص فى الموسيقى الكلاسيكية ، واوضح ان المهرجان يقام مساء السبت 9 نوفمبر بالقاعة الذهبية بقصر المنيل ويضم فاصلين للمؤلفات العالمية حيث يقدم الاول مجموعة الهارب المصرى اما الثانى لمغنى الاوبرا التينور رجاء الدين احمد والسوبرانو رشا طلعت بمصاحبة عازفة البيانو الايطالية ماكرى سيمون ، كما يتم تقديم جائزة التينور العالمى الراحل حسن كامى المدير الفنى السابق للمهرجان لاحسن فنان بهدف تشجيع النماذج الشابة فى الغناء والعزف الكلاسيكى .
واكد ان الجمعية تعمل منذ تاسيسها على رفع كفاءة بعض المنشات بالقصر من خلال بروتوكول تعاون مع وزارة السياحة من اهم اهدافه احلال وتجديد بعض قاعات المتحف الخاص من خلال تبرعات الاعضاء وعدد من الجهات الخاصة ومؤسسات المجتمع المدنى منها مؤسسة مؤمنة كامل للتنمية الثقافية .
يذكر ان مهرجان متحف قصر المنيل للموسيقى الكلاسيكية تنظمه جمعية اصدقاء متحف قصر المنيل برئاسة الامير عباس حلمى وشهد خلال دوراته السابقة مشاركة رموز الغناء والعزف الكلاسيكى منهم الموسيقار العالمى رمزى يسى المدير الفنى للمهرجان ، السوبرانو العالمية فرح الديبانى ، فاطمة سعيد ، جالا الحديدى وغيرهم من المغنيين والعازفين والفرق الموسيقية العالمية ، وياتى فى إطار جهود الجمعية للحفاظ على التراث المصري متمثلا في قصر الأمير محمد علي، من خلال ترميم وتجديد قاعات المتحف الخاص وكذلك محتويات القصر من سجاد أثرى وغيره ويهدف إلى تنشيط السياحة لذلك الصرح الأثري الكبير .