للنقاش.. الحرب فى السودان ومقاربات عودة الإسلاميين (1-2)
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
(1) تنشط هذه الأيام دعاية كثيفة عن حسن نوايا أو عن تخطيط مريب بأجندة مريبة وعمل ممنهج مرتب عن زوبعة (عودة الإسلاميين) فى السودان ، فمن أحسن النوايا مخطىء ، ومن مكر وكاد فهو مخطىء ، ولكل اسبابه ومنطلقاته.
والنقطة الأولى التى ينطلق منها اصحاب النوايا الحسنة ، ان الفعل السياسي للاسلاميين كان مجمدا وعاد لإن المعادل الثاني وهو قوى الحرية والتغيير قحت قد غاب أو ابتعد عن دفة الحكم ، وهذا تخمين وإفتراض غير صائب ، لإن العمل السياسي فعل لا يرتبط بظرف زماني ، وإنما يتواصل فى كل الظروف والاوقات وهو فى اوقات المحن أكثر أهمية وضرورة من غيره ، ولم تتوقف أنشطة الإسلاميين يوما واحدا ، فمنذ اليوم الأول ، أى 19 ابريل 2019م ، انعقد اجتماع وتلته اجتماعات ، وقرارات لم تتوقف حتى الإتصالات مع السياسيين ومن بينهم الإمام الصادق المهدي ومن بينهم قوى سياسية أخري ، وتحت مسمى المؤتمر الوطني وحتى حميدتى أشار للقائه مع قيادات من الإسلاميين وللعلم فإن الجهة الوحيدة التى أغلقت بابها دون الإسلاميين هى المجلس العسكرى.
وثانيا: فإن التصور بان الفعل السياسي رهين بالحكم ، نظر قاصر ، فالاسلاميين أصحاب مشروع سياسي يستند إلى فكرة ، والفكرة لا تحدها المؤسسات والهياكل ، وربما كانت فترة مغادرة الحكم سانحة لإعادة النظر فى التجربة بالتقييم والتطوير والتجديد ، وكل ذلك تم وجرى عليه نقاش وحوار..
وثالثا: فإن حصر الإسلاميين فى تيار حزبي معين ، هو دعاية مقصودة ، إن السلفيين جزء من الإسلاميين ، والصوفية جزء من الإسلاميين والمؤتمر الشعبي هم برمزية الإسلاميين ذات انفسهم والانصار من الإسلاميين ، هذه التصنيفات (المعلبة) ذات هدف خبيث ، للتفتيت والعزل والتشتيت ، وينبغي عدم الركون اليها..
(2)
هدف الحديث من الماكرين والكائدين عن عودة الإسلاميين تهدف لعدة نقاط منها :
– ربط الحرب منشأ ونتيجة بذلك ، والحرب عندهم قامت لقطع الطريق أمام الثورة ، وانتصار الجيش يعنى عودتهم ، وبالتالى نهاية التغيير أو الثورة ، ولذلك هم الاكثر ترويجا لهذا الافتراض ، ومع إدراكهم ومعرفتهم إن الإسلاميين لم يكونوا سببا فى الحرب بل سعوا لاطفاء حريقها أكثر من مرة ، ثم أن معركة الكرامة شارك فيها (الشعب السوداني بكلياته) وليس حزبا أو جماعة سياسية أو إجتماعية ، وهذه واحدة من أكبر أخطاء وتقديرات قوى الحرية والتغيير قحت وتقدم من بعدهم ، حيث افترضوا أن المقاومة الشعبية ومناهضة التمرد عمل سياسي ، ولم يكن الأمر كذلك ، بل ردة فعل شعبية و هبة وطنية فى وجه قوة متوحشة ومرتزقة غزاة ارتكبوا اكبر الجرائم فى التاريخ..
والنقطة الثانية فى هذه الدعاية الماكرة ، تسويق ارتباط أجندة (الجيش) مع (الإسلاميين) ، وهى خدمة تقدمها قحت وتقدم وغرفها إلى المليشيا ، وتصوير ان المليشيا جزء من طلائع الثورة وان ما يقومون به هو استرداد الديمقراطية والمسار السياسي ، وعزز ذلك مواقف كثيرة لاحقة شكلت قحت فيها حاضنة سياسية للمليشيا وأكثر إخلاصا لها ، وربطت (مستقبلها) ببقاء ووجود المليشيا ، وهذا سوء تقدير..
والنقطة الثالثة إثارة حفيظة أو تبرير مواقف اطراف كثيرة لديهم فوبيا من (الإسلام السياسي) ، وهذا أكثر البنود دافعية لهذه الإدعاءات..
وخلاصة القول ، أن الاستثمار فى الحروب فعل خاسر وقاصر ، وهو عمل جهات غير معنية بالبلاد والعباد ، لإن نتائج الحروب كارثية بكل الأحوال وعواقبها وخيمة ، ضياع ونزوح ولجؤ وسلب ونهب ، وتدمير ممنهج ، وذلك ما حدث حين انتصرت قحت لاجندة أجنبية واستغلت قوة طائشة ومطامع شخصية وحدث ما حدث..
ومنذ وقت مبكر رهن الإسلاميين مشاركتهم فى العملية من خلال انتخابات وطنية نزيهة ، ونقول (مشاركتهم) ، وليس عودتهم فهم لم يغيبوا ، وكانوا على ثقة بقوة تأثيرهم وفوزهم فى أى انتخابات ، ومن الواضح أن الحرب قامت لقطع الطريق أمام ذلك الانتقال وليس العكس.. وهذا ما نفصله فيه لاحقا إن شاءالله
د.ابراهيم الصديق على
21 فبراير 2024م
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: من الإسلامیین
إقرأ أيضاً:
السودان والمواجهة مع الأمبريالية
أن فشل المشروع الأمريكي البريطاني الفرنسي في مجلس الأمن أمس الأول لدخول قوات أممية تحت دعوة حفظ أمن المواطنين، لم تكن هي المحاولة الأولى، و لن تكون الأخيرة، في ظل صراع المصالح في المنطقة، و كل مرة تفشل و تعاد الكرة مرة أخرى، و كلما قدمت هذه الدول مشروعا وسقط، تساعد على رفع المؤشر الوطني في السودان، الذي كان محفزا لنجاح دعوة الاستنفار و انخراط الشباب في المقاومة الشعبية، و في ذات الوقت تكشف هذه المحاولات المتعددة الأطماع الدولية في ثروات السودان و محاولة السيطرة على موقعه الإستراتيجي.. و هذه الدول لم تبدأ مشروعها بعد نجاح ثورة ديسمبر 2018م، من خلال ما تسمى بالرباعية... و لكنها بدأت التخطيط لمشروعها منذ الإعداد الذي تم لثورة سبتمبر 2013م، عندما شعرت أن نظام الإنقاذ فقد القدرة على الصمود، و تصدع من داخله بسبب صراع مراكز القوى داخله..
عملت هذه الدول من خلال العديد من قبل المنظمات الأمريكية و الأوروبية المختلفة على قيام ورش لرفع الكفاءة و إدارة الأزمات في كل من نيروبي و كمبالا، و أختارت لها العناصر التي لها الرغبة في خدمة مشروعها، و التي لا تراع إلا مصالحها الذاتية.. و معلوم دائما الدول يتم أختراقها من المناطق الرخوة في المجتمع.. و موقف كينيا و يوغندا في منظمة الإيغاد الداعم للميليشيا و العناصر التي تقف إلي جانبها، يؤكد أن قيام تلك الورش في تلك الدول كان أيضا مخطط له بعناية.. و في ذات الوقت كان يقع على كل من السعودية و الأمارت الإشراف الكامل على دعم المخطط ماديا، و أختيار العناصر التي تخدمه من داخل فئة المثقفين و الأكاديميين و رجال الأعمال، انسحبت السعودية مبكرا عندما شعرت أن المشروع سوف يشكل لها حرجا كبيرا في الدائرتين العربية و الإسلامية، و بقيت الأمارات هي الداعم الوحيد للميليشا عسكريا عبر كل من تشاد و ليبيا " حفتر" للسلاح و دولة جنوب السودان لتجنيد مرتزقة و الدفع بهم إلي مناطق الحرب للقتال بجانب الميليشيا، و أيضا أثيوبيا التي شعرت أن هذا الفعل سوف ينعكس عليها لذلك حاولت الابتعاد عنه.. فشلت الإيغاد و الاتحاد الأفريقي في تعبيد الطريق لنجاح المشروع..
كشفت أعترافات العديد من العناصر الذين تم القبض عليهممن قبل الاستخبارات، و كانوا يعملون كمرشدين و مخبرين للميليشيا في الأحياء، أن تعاونهم مع الميليشيا لم يبدأ مع الحرب، أنما التجنيد قد تم لهم قبل الحرب بشهور، و كان تكليفهم منذ تلك الفترة معرفة منازل القيادات العسكرية في القوات المسلحة و الشرطة و جهاز الأمن، و أيضا معرفة سكن القيادات السياسية و خاصة الإسلاميين، و كانوا يتعاطون مخصصات نظير عملهم الذي وصفوه بالسري الذي يعمل من أجل سودان جديد.. و قد وردت اسماء عديدة لعناصر هي التي كانت تعمل على تجنيدهم.. هذا المخطط قد أنكشف الآن، و يحاول البعض أن يهرب منه في أنه حرب بين طرفين، أو أنهم يريدون إبعاد الإسلاميين من العودة للسلطة، و كلها محاولات لتغبيش الوعي، و تزييف للحقائق..
أيضا هناك اجتهاد دوبلوماسي سوداني للوصول إلي بنود صرف البعث الأممية بقيادة فوكلر التي حاولت بريطانيا أن تمنع الاطلاع عليها، و هي كانت أيضا بنود صرف لمؤسسات بعينها و عناصر كانت تخدم هذا المخطط الإمبريالي للسيطرة على السودان و موارده، أن كشف الحقائق مسألة في غاية الأهمية لأنها تبين ابعاد المخطط و الذين حاول نجاحه من السودانيين..
أن رفع تحالف " تقدم" عريضة إلي مجلس الأمن لدخول قوات أممية لحفظ امن المواطنين، و الذي تبنته كل من أمريكا و بريطانيا و فرنسا و قدمته لمجلس الأمن يبين أن الدول الأمبريالية لن تقف عند حدود الحرب أنما هي ساعية لإكمال مخططها بكل الطرق.. و لكن صمود الجيش و وقوف الشارع معه كتف بكتف هو الصخرة التي تتكسر عليها كل نصال التأمر على السودان.. مهما حاول البعض أن يغير الحقائق، بأنهم فقط ضد الكيزان، و يحاولون أن يمنعوا الكيزان من الوصول للسلطة، كلها محاولات للتغطية على انحيازهم للمبريالية و قبولهم بمشروعها الهادف لخدمة الأجندة الأمبريالية مقابل مصالح ذاتية يتطلعون لها.. أن الحرب قد خلقت وعيا جديدا في السودان، و البندقية التي حملها شباب المقاومة الشعبية و المستنفرين هي مصدر الوعي الجديد لسودان أمن مستقرا أن شاء الله.. نسأل الله حسن البصيرة
zainsalih@hotmail.com