سيزائي قاراقوج مفكر النهضة الحضارية في تركيا
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
سيزائي قاراقوج يُعتبر شخصية رئيسية تمثل الجيل الثاني من التفكير الإسلامي في تركيا. وعلى عكس نجيب فاضل، الذي نشأ في اسطنبول وتلقى تعليمه في الغرب، وُلد قاراقوج في شرق تركيا وحصل على تعليمه داخل البلاد. هذا سمح له بتفسير ما حوله من منظور داخلي، حيث دافع بقوة عن الحفاظ وإحياء التراث العثماني والإسلامي.
سعى سيزائي قاراقوج لإحياء الحضارة الإسلامية على غرار الفلاسفة الصوفيين التقليديين مثل الغزالي، الرومي، ويونس إمره، وأيضا سعى إلى توسيع وتعزيز الرؤية التي وضعها نجيب فاضل. استقصى قاراقوج أسئلة عميقة طرحها أسلافه، بهدف إعادة الحياة إلى الأمة الإسلامية. وساهمت أعماله في الحوار المستمر حول إحياء القيم الإسلامية، مستندة إلى فهمه العميق للسياق الثقافي والتاريخي لتركيا.
ولد سيزائي قاراقوج في عام 1933 في ديار بكر، لعائلة من الطبقة المتوسطة. رغم أوضاع عائلته المحدودة، استمر في مسيرته الأكاديمية بعزيمة. حصل على تعليمه الثانوي من خلال منحة حكومية وتابع دراسته في كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة. خدم سيزائي قاراقوج كموظف ضرائب في وزارة المالية في الفترة بين عامي 1956 و1965، حيث تنقل بين العديد من المدن التركية كجزء من واجباته الوظيفية. ومع ذلك، قرر أن يتخلى عن هذا المنصب الحكومي ليكرس نفسه بشكل كامل للكتابة وتحقيق الاستقلال الفكري. في هذا السياق، سار على خطى سلفه نجيب فاضل، متبنيًا مسار النشاط الفكري والأدبي.
في عصر الكساد الكبير، شهدت طفولة سيزائي قاراقوج تحديات عميقة واجهت الشعب التركي، حيث ارتسمت بوضوح الصعوبات الاقتصادية وتنفيذ سياسات التغريب والعلمنة الراديكالية خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات. بصفته مراقبًا حادًا لمحيطه، وثّق قاراقوج بعناية فائقة تطورات عصره.
قام بتدوين ذكرياته بعناية فائقة، مستعرضًا تفاصيل المرحلة الأولى من حياته، لكنه، للأسف، تركها غير مكتملة. تناولت مقالاته مجموعة متنوعة من القضايا ذات الأهمية السياسية والاجتماعية عبر فترات مختلفة، حيث قام بتوثيق مرحلة انتقال تركيا من حكم حزب واحد إلى دولة ديمقراطية. ضمت تحاليله تطورات سياسية داخلية وشؤون دولية. يُلاحظ أنه وصف غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 بأنه «اندلاع صامت للحرب العالمية الثالثة“.
سيزائي قاراقوج معروف بشعره ذي الأسلوب الحر، حيث كتب عشرة مجلدات من القصائد التي تتناول الفضائل والحب والمدن. نُشرت قصيدته الأولى في مجلة «حصار» في عام 1951. وقد تنوعت مشاركاته في العديد من المجلات المختلفة، وتولى تحرير مجلة «شعر سناتي (فن الشعر)» في عام 1955 وأصبح واحدًا من أبرز الشعراء في جيله بفضل تخيّلاته الفريدة والمحتوى الصوفي والإسلامي الذي يتضمنه شعره. انتشرت قصيدته بعنوان «مونا روزا» (الوردة الوحيدة) على نطاق واسع وبشكل كبير، ورغم ذلك، لم يدّعِي الشاعر الفخر الذاتي والاعتزاز بهذه القصيدة. ومن بين أعماله المؤثرة، أصبحت قصيدته حول فلسطين بعنوان «يا يهودي» مشهورة، إذ كتبها كرد على حرق يهودي متعصب للمسجد الأقصى في عام 1969، مُكرّرًا فيها التعبير 24 مرة. «أخيرًا، حرقتَ مسجد الأقصى، يا يهودي، تمامًا كما حرقتَ روح الإنسانية لقرون…“.
مشابهًا لنجيب فاضل، كتب قاراقوج في مجموعة متنوعة من الأدب، بما في ذلك كتابان للقصص، وثلاثة كتب مقالية، ومسرحيتان، ووثائقي واحد، وثلاثة كتب بحثية. والأهم من ذلك كان سعيه في إحياء الحضارة الإسلامية (أو النهضة) من خلال الإصلاح، حيث كتب 13 كتابًا فكريًا: «إحياء الروح»، «لقاح اليوم الأخير»، «الزمن والإلهام 1-4»، «إحياء الإنسانية»، «عقيدة جيل النهضة»، «الجنة المفقودة»، «إحياء الإسلام»، «تغيير الموسم»، «آمال النهضة»، «الإسلام»، «الهيكل الاقتصادي للمجتمع الإسلامي»، «أفكار 1-2».
أسهم قاراقوج بشكل كبير في توجيه المجتمع التركي وفقًا للحضارة الإسلامية. بالنسبة له، يجب أن تبدأ النهضة من الداخل من خلال الإصلاح وبناء مجتمع أخلاقي وسياسي. كانت نظريته وأعماله مجسدة حول فكرة النهضة في إطار المجلة الفكرية «الدعوة». بدأت تُنشر بشكل دوري (غالبًا شهريًا وأحيانًا أسبوعيًا ومرتين في الأسبوع) مع بعض الانقطاعات بسبب الصعوبات الاقتصادية. كانت رؤيته مركزة على النهضة الحضارية وحول إرث الدولة العثمانية. شملت المجلة العديد من القضايا من الأخلاق الإسلامية إلى القضايا الاجتماعية والسياسية والعالم الإسلامي. كما شملت أيضًا أشكالًا متنوعة من الفنون مثل السينما وترجمات لأفكار فكرية غربية وإسلامية.
أصبحت المجلة منبرًا حيويًا لظهور كتّاب إسلاميين بارزين مثل راسم أزدنورين، وجاهد ظريف اوغلو، ونوري باكديل، وأردم بايازيت، وإسميت أوزيل في تركيا الحديثة. كمحطة هامة في التفكير الإسلامي في تركيا، بل قام سيزائي كاراكوج بتأسيس حزب سياسي حتى في أوائل التسعينيات تحت اسم «الدعوة». ومع ذلك، على الرغم من أهميتها الفكرية، لم يتحول رأس المال الفكري إلى قوة سياسية وانحل بشكل تلقائي.
مع تولي حزب العدالة والتنمية الحكم، حصل سيزائي قاراقوج على العديد من الجوائز القيمة تقديرًا لإسهاماته الفنية والفكرية. ومن الجدير بالذكر أنه، وفقًا لنمط حياته المتواضع، اختار عدم استلام هذه الجوائز شخصيًا. يحظى قاراقوج باحترام كبير نظرًا لرفضه الثابت للسعي إلى مناصب رسمية أو طلب الدعم من الدولة. حيث تتجلى تلك المواقف في تأثيره العميق على الساحتين الأدبية والسياسية في تركيا.
البروفيسور احمد أويصال – الشرق القطرية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: العدید من فی ترکیا فی عام
إقرأ أيضاً:
وزير التعليم العالي يشهد افتتاح المنتدى الاقتصادي لجامعة النهضة
شهد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، افتتاح النسخة الثالثة من المنتدى الاقتصادي الذي تنظمه جامعة النهضة بالتعاون مع جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، تحت عنوان: "رؤية اقتصادية نحو تحفيز النمو التجاري والاستثماري في القارة الإفريقية .. من مصر إلى إفريقيا".
وحضر المنتدى الدكتور محمد هاني غنيم، محافظ بني سويف، والدكتور حسام الملاحي، رئيس جامعة النهضة، والأستاذ ياسر صبحي، نائب وزير المالية للسياسات المالية، والدكتور يسري الشرقاوي، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، بالإضافة إلى عدد من السفراء وممثلي الدول الإفريقية، والأكاديميين والخبراء الاقتصاديين، وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، ورجال الصناعة ورواد الأعمال.
في كلمته، رحّب الدكتور أيمن عاشور بضيوف المنتدى من ممثلي الدول الإفريقية، مؤكدًا التزام مصر بدعم التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول القارة، بما يسهم في تحقيق تنمية مستدامة تعود بالنفع على شعوبها. وأوضح أن المنتدى يعكس أهمية العمل المشترك لمواجهة التحديات واستثمار الفرص الواعدة، لافتًا إلى أن القارة الإفريقية على أعتاب نهضة اقتصادية كبرى تتطلب شراكات إستراتيجية لتحقيق النمو المستدام.
التعليم العالي والبحث العلمي يمثلان أساس التنمية المستدامةوأشار الوزير إلى أن التعليم العالي والبحث العلمي يمثلان أساس التنمية المستدامة، حيث تُعد الجامعات محورًا لإعداد الشباب لسوق العمل وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال. وأضاف أن القارة الإفريقية تُعد الأكثر شبابًا عالميًا، حيث يمثل الشباب دون 25 عامًا حوالي 60% من سكانها، مما يجعل الاستثمار فيهم فرصة للتقدم والتنمية.
وأكد الوزير أن الجامعات المصرية تشهد تطورًا كبيرًا في مختلف المسارات التعليمية، بما يشمل الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية والتكنولوجية، إضافة إلى أفرع الجامعات الدولية والمعاهد. وأوضح أن منظومة التعليم العالي المصرية ترحب بجميع الطلاب الوافدين، حيث تستضيف 43,824 طالبًا إفريقيًا من 39 دولة، بما يمثل 44% من إجمالي الطلاب الوافدين في مصر.
في مجال البحث العلمي، أشار الوزير إلى تصدر مصر الدول الإفريقية في الإنتاج العلمي وفق تصنيف "سيماجو" لعام 2023، ومشاركتها في مؤسسات بارزة مثل "NAASAC" وشبكة العلوم الإفريقية، إضافة إلى تصدرها القارة في عدد مراكز الإبداع والابتكار بـ11 مركزًا، وفقًا لمؤشر الابتكار لعام 2024. كما أطلقت مصر مبادرات لدعم تصنيفات الجامعات، مثل الكشاف العربي لإدراج المحتوى العربي، وتسعى لتوسيع التجربة لتشمل الأدبيات الفرنسية للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية.
وأكد الدكتور عاشور أن الشراكة مع دول القارة الإفريقية تمثل محورًا أساسيًا في إستراتيجية تدويل التعليم العالي التي أطلقتها مصر في مارس 2023، مشددًا على أهمية التعاون بين الجامعات ومجتمع الصناعة لدعم التنمية المستدامة. كما أعرب عن تقديره لجهود جامعة النهضة في تنظيم المنتدى الذي يعزز التعاون الأكاديمي والاقتصادي بين الدول الإفريقية، متمنيًا أن تسفر جلساته عن توصيات عملية تسرّع التكامل الاقتصادي للقارة.
من جانبه، أكد الدكتور محمد هاني غنيم، محافظ بني سويف، أهمية المنتدى في رسم خارطة طريق للتعاون الاقتصادي مع دول القارة الإفريقية، مشيرًا إلى جهود التنمية بالمحافظة التي تمتلك موقعًا جغرافيًا مميزًا وعددًا كبيرًا من الكيانات الصناعية.
وأشار الأستاذ ياسر صبحي، نائب وزير المالية للسياسات المالية، إلى أهمية تعزيز الشراكات الاقتصادية لمواجهة التغيرات العالمية، مع التركيز على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وزيادة معدلات النمو ودعم القطاع الخاص.
بدوره، أكد الدكتور حسام الملاحي، رئيس جامعة النهضة، أن المنتدى يمثل منصة إستراتيجية تجمع الأكاديميين والخبراء وممثلي الحكومات ورجال الصناعة، بما يسهم في تعزيز التعاون بين مختلف الأطراف لتحقيق التكامل والتنمية المستدامة.
وأشاد الدكتور يسري الشرقاوي، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، في كلمته بالتنسيق المتزايد مع دول القارة الإفريقية خلال الفترة الأخيرة، تحت شعار "إفريقيا للأفارقة"، داعيًا إلى استثمار الموارد الإفريقية لتحقيق رفاهية شعوب القارة.
وأوضح الدكتور أحمد الخضراوي أن القارة الإفريقية تمتلك موارد كبيرة، وهي من أكثر المناطق نموًا في العالم ولكن تواجه تحديات كبيرة خاصة في البنية التحتية وضعف النمو التجاري مما يؤكد أهمية المنتدى هذه كمنصة للحوار وتعزيز مكانة إفريقيا في الاقتصاد العالمي، مقدمًا الشكر لشركاء المنتدى والحضور.