دينا المقدم تكتب: اللاجئون والرمق الأخير
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
أرض الكنانة هى الملاذ الآمن منذ فجر التاريخ لكل من يبحث عن السلام، وعلى مدار أكثر من عشرة أعوام تحتضن مصر أعداداً كبيرة من اللاجئين على أراضيها، الفارين من أوطانهم بسبب النزاعات والحروب والإرهاب، يتلقون كل الخدمات العامة ولا تستطيع أن تفرقهم عن المواطن المصرى. ولم تدخر الدولة المصرية جهداً فى توفير خدمات الصحة والتعليم، وبرامج الاستجابة والمساعدة القانونية، وأنشطة حماية الطفل، والتمويل الواضح والمرن فى الوقت المناسب للاجئين وطالبى اللجوء على قدم المساواة مع المصريين.
نصت اللائحة التنفيذية للقانون رقم 2 لسنة 2018، الخاص بالتأمين الصحى الشامل، على شمول اللاجئين والأجانب المقيمين فى مصر، ضمن منظومة التأمين الصحى الشامل ناهيك عن استفادتهم بجميع المبادرات الرئاسية الخاصة بالصحة، ويستفيد اللاجئون من الدعم الذى تقدمه الحكومة للمصريين فى السلع والخدمات الأساسية أيضاً. كما يتمتع الأطفال العرب بحق الالتحاق بالمدارس الحكومية بغير تفرقة بينهم وبين المصريين. وتيسر السلطات المصرية حصول اللاجئين على تصاريح الإقامة والعمل. وينعم اللاجئون وملتمسو اللجوء بحرية التنقل فى البلاد، دونما احتجاز داخل معسكرات، أو تكدس فى مراكز احتجاز.
إن ما يقرب من 9 ملايين من مختلف الجنسيات يقيمون على الأراضى المصرية وفقاً لإحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين عام 2022. وفى تصريحات الحكومة المصرية أنها تستضيف نحو 9،000،000 لاجئ فى أغسطس 2023. وفى نظرى أن هذه الإحصائيات غير صحيحة وتفتقر لدقة الواقع الذى يعيشه المواطن المصرى. لذلك أعلنت الحكومة المصرية عن مبادرة ومواعيد محددة لتقنين أوضاع الأجانب فى البلاد.
نظراً لغياب الحصر الدقيق لأعداد المهاجرين واللاجئين فى مصر حيث يوجد منهم من يقيم بطرق رسمية وآخر بطرق غير شرعية، ناهيك عمن هم ليسوا فى حاجة إلى التسجيل فى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. وهذا ما يشكل خطراً على الأمن القومى المصرى.
كيف لدولة بحجم مصر أن تواجه هذا الكم من المخاطر ويوجد على أرضها لاجئون مجهولو الهوية؟ يبدو أن الخطاب السياسى الجيد وتصريحات السيد الرئيس كانت عامل جذب لكل شخص فر من بلاده بسبب النزاعات والصراعات فى المنطقة العربية وأفريقيا. وواقعياً هكذا تنظر القيادة السياسية المصرية لكل من تطأ قدمه الأراضى المصرية فتعتبرهم القيادة السياسية ضيوفاً «حلوا أهلاً ووطئوا سهلاً». وهى نظرة تطبقها فى جميع الجوانب، عندما يذكر الإخوة العرب أو الأفارقة المقيمون فى مصر فلا تستخدم كلمة لاجئ أو مهاجر بل ضيف مرحب به فى كل الأوقات.
حقيقة لا يوجد تعريف صريح لكلمة مهاجر أو لاجئ فى القانون المصرى ولا حتى خيام ولا أى شكل من أشكال الإقامة المؤقتة، بل إن كل القادمين إلى مصر يختلطون وينسجمون بين المواطنين المصريين لدرجة يصعب تمييزها عندما تسير على الأقدام فى شوارع المحروسة.
إن اللاجئين فى مصر بعضهم مسجل وبعضهم لا يعلم للمفوضية الأممية سبيلاً. ولا نعلم إذا ما كانت تلك الأرقام صحيحة أم هى مجرد مسكن لمريض يعانى فى صمت. فكل من غادر بلاده بحثاً عن الأمن والأمان وفاراً من ويلات الحروب والكوارث الطبيعية مُرحب به دونما النظر إلى حالته الإنسانية سوى أنه طالب للمساعدة. ومع ذلك لم يتم تصنيف مصر من الدول الخمس الأولى لاستضافة اللاجئين على مستوى قارة أفريقيا. مثلما حدث مع العديد من الدول التى تحصل على المساعدات الدولية بسبب استضافتها لعدد لا يتجاوز الـ30% من أعداد الموجودين على الأراضى المصرية. صراع يعقبه صراع وتقف مصر بجوار كل من يدق بابها طالباً المساعدة، بالرغم من الحالة الاقتصادية التى تمر بها، التى تكاد تعصف بالأوضاع إلى اتجاهات ربما لن تجود على وضع هؤلاء الضيوف أو اللاجئين سمهم ما شئت بالمزيد من الأمان.
لكن يجب الأخذ بالاعتبار بأن ما تؤول إليه الأوضاع هو مزيد من الشتات لهم، حيث إن الضغط الممارس على الدولة من حيث المرافق العامة والمواد الغذائية والمواصلات، وارتفاع معدلات الجريمة والتنافس على الوظائف، قد يجبر مصر على تفضيل توفير حياة آمنة لمواطنيها.
تقنين أوضاعهم، خاصة غير المسجلين منهم، أصبح فرضاً أمنياً لأنه يشكل خطراً على الأمن القومى المصرى يجب الوقوف عنده مثلما تقف مصر فى مواجهة العديد من المخاطر التى تحاصرها من الخارج. ولكن يبقى السؤال الأهم هو إلى أى مدى تستطيع مصر الصمود فى ظل ما يحيط بها من مخاطر. وهل سيظل الضيف مرحباً به إلى الرمق الأخير أم أن «ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع»؟
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: أرض الكنانة أرض السلام فى مصر
إقرأ أيضاً:
معظمهم من السودانيين .. أزمة التمويل تحرم آلاف اللاجئين بمصر من العلاج
لم يكن قرار الفرار سهلا، ففي الخرطوم عاشت الأرملة مها عوض الكريم 50 عاما لم تغادر فيها الوطن يوما واحدا، لكنها ومع اشتداد القتال على أعتاب العاصمة السودانية اتخذت قرار الرحيل.
التغيير ــ وكالات
كانت الوجهة هي القاهرة، والرحلة كانت شاقة على السيدة الخمسينية ووالدتها التي تخطت الـ70 عاما، في حين ابنتها ذات الـ13 سنة لم تدرك أسباب كل ذلك العناء، استقرت مها في حي فيصل بالقاهرة قبل نحو عام ونصف، لتبدأ رحلة معاناة من نوع آخر، فلا مصدر دخل لهن وتباعا داهمهن المرض.
تقليص الدعمكانت السيدة السودانية تعمل في بلدها معلمة رياض أطفال، وحين وجدت فرصة عمل بالتخصص نفسه في مصر تعرضت لحادث أدى إلى كسر بالذراع وتمزق بأربطة الساق وضياع الوظيفة قبل أيام قليلة من الالتحاق بها.
وبعد ذلك اكتشفت إصابة عينيها بالمياه البيضاء، كما قال الطبيب إن والدتها تحتاج لجراحة عاجلة بالعمود الفقري.
وفي سبتمبر الماضي حصلت مها وابنتها ووالدتها على البطاقة الصفراء من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لكنهن لم يحصلن على أي خدمات طبية أو مساعدة مادية رغم سعيهن لذلك.
وقد أعلنت المفوضية مؤخرا تقليص دعمها للاجئين وطالبي اللجوء في مصر جراء أزمة تمويل ضخمة تواجهها المنظمة الدولية.
وتقول مها للجزيرة نت “حاولت كثيرا التواصل مع المفوضية لكنني فشلت في الحصول على دعم طبي لي ولأمي أو دعم تعليمي لابنتي، نحتاج المساعدة لأننا في أشد الحاجة لها”.
وأجبرت أزمة التمويل الإنساني المفوضية على تقليص دعمها للاجئين وطالبي اللجوء في مصر، خاصة الدعم الطبي، إذ اضطرت إلى تعليق كافة أشكال العلاج باستثناء التدخلات الطارئة المنقذة للحياة.
وذكر تقرير حديث لها أن عشرات الآلاف أصبحوا غير قادرين على الوصول إلى الرعاية الصحية الحيوية وخدمات حماية الطفل وأشكال المساعدة الأخرى، مما أثر على نحو 20 ألف مريض، بمن في ذلك من يحتاجون إلى جراحات السرطان والقلب والعلاج الكيميائي.
وركزت المنظمة في تقريرها على معاناة اللاجئين السودانيين، وهم الأكثر عددا بين الجنسيات اللاجئة في مصر.
وقال مسؤول الصحة العامة في المفوضية بالقاهرة جاكوب أرهم إن الحصول على الرعاية الصحية كان عاملا رئيسيا دفع العديد منهم إلى الفرار إلى مصر.
وأضاف “النظام الصحي في السودان من أوائل القطاعات التي انهارت بعد اندلاع القتال، والعديد من العائلات التي فرت تضم أفرادا مرضى غير قادرين على تحمّل تكاليف العلاج، ومع أزمة التمويل التي تواجهها المفوضية فإن من المحتمل أن يفقد الكثيرون حياتهم”.
ضغوطوفي السياق، قالت نائبة ممثلة المفوضية في مصر مارتي روميرو إن القاهرة تواجه ضغوطا هائلة، والخدمات الأساسية تُدفع إلى أقصى حدودها، مشددة على الحاجة إلى دعم فوري ومستدام لمنع تفاقم الأزمة.
ووفق سجلات منظمة شؤون اللاجئين، هناك نحو 941 ألف لاجئ في مصر، منهم 631 ألفا من السودان وحده، في حين يؤكد مسؤولون بالحكومة المصرية أن العدد يصل إلى 9 ملايين لاجئ، مما يعني -وفق الرقم الرسمي- أن أغلبية الفارين من بلادهم لا يخضعون لمظلة اللجوء القانونية داخل مصر.
وأكدت المفوضية أنها لم تتلق في العام الماضي سوى أقل من نصف المبلغ المطلوب لدعم اللاجئين وطالبي اللجوء، وقدَّر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي -في تصريح له- تكلفة الإنفاق على اللاجئين بما يزيد على 10 مليارات دولار سنويا.
أما رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب فخري الفقي فقال إن التكلفة السنوية لاستضافة اللاجئين تبلغ نحو 6 مليارات دولار خلال كلمة له في إحدى الجلسات البرلمانية.
وأضاف الفقي في مداخلة هاتفية لبرنامج تلفزيوني أن مفوضية اللاجئين تقدم دعما لعدد يقارب المليون شخص، في حين تتحمل الحكومة المصرية تكلفة الخدمات الأساسية المقدمة لنحو 8 ملايين آخرين يشكلون نحو 8% من إجمالي سكان البلاد.
وأوضح الفقي آلية احتساب التكلفة قائلا “تبلغ مصروفات الموازنة 4 تريليونات جنيه (جنيه واحد يساوي 0.020 دولار) مخصصة للخدمات الحكومية التي تقدمها الدولة لكل المقيمين في مصر، ونسبة الـ8% من هذه المصروفات تعادل 320 مليار جنيه، أي 6 مليارات دولار”.
ورغم تلك التقديرات الرسمية فإن المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري أعلن في مارس الماضي عن تعاون حكومة بلاده مع منظمات الأمم المتحدة بهدف حصر التكلفة الاقتصادية لأعداد اللاجئين والوافدين المقيمين التي تتحملها الدولة المصرية.
أزمة التمويل
وفي أوائل أبريل الجاري أعلنت مفوضية اللاجئين أن الحكومة المصرية رفعت السعة اليومية لإصدار تصاريح الإقامة للاجئين من 600 إلى ألف شخص، كما تم تمديد مدة الإقامة من 6 أشهر إلى سنة كاملة.
وفي ظل تفاقم أزمة التمويل يجد رئيس مبادرة تنمية اللاجئين في مصر عبد الجليل نورين نفسه متأثرا بشكل شخصي بالأزمة، وفي الوقت نفسه يحاول أن يجد ملاذا لأولئك الآملين في أن يجدوا في مبادرته فرصة لنجاتهم.
ويعاني نورين من تمدد بالرئة، مما يتطلب إجراء عملية جراحية، وقد استوفى كل الأوراق التي تطلبها مفوضية اللاجئين في مثل حالته، لكنه ينتظر دوره منذ شهور دون أي بادرة أمل لاستجابة من جانب المنظمة التي تعاني أزمة في تغطية نفقات علاج آلاف اللاجئين.
ويقول للجزيرة نت “داخل مقر مبادرة تنمية اللاجئين نعايش بشكل يومي تبعات هذه الفجوة التمويلية، خاصة على الفئات الأكثر ضعفا مثل الأطفال المحرومين من الحماية والمرضى الذين تُركت ملفاتهم الطبية بلا علاج”.
ويعتبر الناشط الحقوقي تعليق الدعم الطبي -إلا للحالات الطارئة- بمثابة تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته تجاه أناس دفعهم اليأس إلى اللجوء “في حين تُختزل حياتهم في أرقام داخل تقارير ميزانيات”.
ورغم التحديات فإن نورين يحاول -مع باقي أعضاء مبادرة تنمية اللاجئين- تعويض جانب من العجز التمويلي عبر شبكات التكافل المحلية والبرامج التنموية، ويختم “لكننا لا نملك حلولا بديلة عن نظام حماية دولي عادل”.
المصدر : الجزيرة