حسام مصطفى يكتب: رحلة 404.. سينما الشخصيات الرمادية العالقة بين البينين
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
ثلاث تجارب سينمائية صنعت اسم المخرج هانى خليفة، «سهر الليالى» إنتاج عام 2003، و«سكر مر» إنتاج عام 2015، و«رحلة 404» إنتاج عام 2024، ورغم أن الأفلام الثلاثة حملت أسماء مؤلفين مختلفين، فالأول للسيناريست تامر حبيب والثانى للسيناريست محمد عبدالمعطى، والأخير للسيناريست محمد رجاء، فإنها كانت بمثابة دوال كاشفة عن عقيدة سينمائية أو اتجاه سينمائى قرر المخرج هانى خليفة اعتناقه، تمظهر هذا الاتجاه فى سينما الشخصيات وحضور الزمن بطغيانه وفرض سيطرته بظلاله على تلك الشخصيات ووجهتها فى الحياة، ففى التجارب الثلاث تستوقفنا الشخصية.
ليس فقط صراع الشخصية الداخلى هو المنطلق الوحيد لسينما هانى خليفة، ولكن أيضاً نظرته الخاصة للزمن الدائم الحضور فى أشرطته السينمائية، والذى يمثل عتبة للشخصيات مجرد عبورها تصل إلى محطة سلامها النفسى، وتتهيأ لقراراتها الأخلاقية، ففى سردية «سهر الليالى» يعقب تجمع أصدقاء قدامى خلافات مع زوجاتهم تكشف طبيعة العلاقات بينهم على أثرها يتجهون إلى مكان من الماضى فى رحلة لاستعادة الذكريات، تلك الرحلة الزمنية القصيرة يكشفون خلالها عما بداخلهم ويراجعون أنفسهم، ثم يقررون العودة من حيث أتوا وتولد الشخصيات من جديد، وفى «سكر مر» ليلة العام الجديد تمثل الحدود الزمنية فى تحولات الشخصيات، هذا الإطار الزمنى يمثل حالة من حالات التحايل السردى فى منطق وثب الشخصيات وتحولها دون الالتفات إلى تبريرها أو الحاجة إلى محاولة منطقتها، وهو ما يجعل شخصيات هانى خليفة صادقة مع نفسها، فالفرق بين الكذب والتبرير أن الكذب فعل نمارسه على الآخرين أما التبرير فهو ممارسة الكذب أيضاً لكن على النفس.
وفى أحدث أفلامه «رحلة 404» تعامل المخرج هانى خليفة مع الزمن بشكل مغاير عما سبق، تمثل فى حضور الماضى وهيمنته على شخصية البطلة التى تحاول تطهير صورتها القديمة، حيث تنوى «غادة» السفر لأداء مناسك الحج لكن تتعرض والدتها إلى حادث سير، على أثره تجد نفسها مطالبة بتدبير مبلغ مالى كبير لتسديد مصروفات علاج والدتها، فتبدأ رحلتها إلى الماضى بحثاً عن حل أزمتها، تلك هى الرحلة الحقيقية فى الفيلم رحلة «غادة» نحو ماض عالق فى نفسها لا نعرف إذا كانت اختارته أم اختارها، وبين حاضر تحاول أن تفرضه وتنجو به إلى مستقبل مجهول.
تلك الشخصية الرمادية العالقة بين هيئتها الجديدة وأفكارها وبين ماض مسيطر على أعماقها تعتقد أنها تخلصت من صورتها القديمة، ولكن فى الواقع ما زالت تحتفظ بشخوص الماضى.. لغتها القديمة، حتى مهنتها لم تختلف عما كانت تمتهنه فى الماضى، فمهنة الماضى والحاضر «بائعة» لكن ما اختلف هو السلعة التى تبيعها، ففى الماضى باعت نفسها وفى حاضرها باعت سلعة أخرى هى العقارات، إنما الثابت هو فعل البيع، حتى فى أزمتها لم تلجأ إلا للماضى.
حالة المراوحة التى تتقاذف شخصية البطلة بين ماضيها وحاضرها.. بين الحقيقة والواقع الفعلى وبين ما تظنه وتعتقده.. هذه المنطقة الوسطى التى تقف عندها البطلة فى رحلتها انتقلت إلى المتلقى بفعل التوحد الذى خلقه النمط السردى للفيلم، فبالرغم من أن الفيلم يندرج تحت أسلوب السرد الخطى فإن إثارة التساؤلات فى مرحلة Exposition (العرض) وهى مرحلة الاستهلال المعنية بعرض معلومات عن الشخصيات وعلاقاتها وعالم الفيلم وطبيعة المشكلة وشكل الصراع، خلقت نوعاً من ارتباط المتلقى بشخصية البطلة للوصول إلى الإجابات الخاصة بعلامات الاستفهام المطروحة حول أسباب تهرب غادة من والدتها.. وأسباب طبيعة علاقتها الصدامية مع والدها.. والسؤال الأهم من هى غادة؟ هذه المرحلة هى ما جعلت عدوى المنطقة الوسطى تنتقل إلى المتلقى ليجد نفسه على أعتاب الحد الفاصل بين عذر الشخصية وإدانتها.
يقدم هانى خليفة طرحاً إنسانياً يتوارى خلف حكاية بطلة الفيلم وشخصيات رحلتها، وعى الشخصية بجذور مشكلتها المنطلقة من علاقتها الخاصة بوالدها ووالدتها، حيث الأم المتطلبة والأب الذى لا يبالى بمن حوله يضاف إليهما السقوط بدوافع الحب وخذلان الحبيب وتخليه تسبب فى نشوء مخاوفها من ناحية والحماية من ناحية أخرى، فقد فرضت حمايتها على شقيقتها الصغرى حتى لا تتكرر مأساتها، نفس المنطق يتكرر عندما قررت أن تضحى بأمومتها وتجهض حملها حتى لا تأتى بطفل لأب مدمن، منظومة الأسرة تلقى بظلالها على الفيلم وتحديداً حضور صورة «الأم»، فالأم فى حياة البطلة أحد أهم أسباب مشكلتها، وبسبب حادثتها طرقت غادة أبواب الماضى من جديد، كما أن الأم صاحبة الأثر فى شخصية الزوج السابق للبطلة «shadow» كونها من وجهة نظره النموذج الأسوأ والتى بسببها تزوج من «غادة» ليثبت لها أنه تزوج مِن مَن هى أسوأ منها، كما أن الأم هى المسئولة عن تأسيس فكر شخصية حبيب غادة الأول الذى تركها لأنه لن يتزوج من شخصية استسلمت له حتى ولو بدافع الحب.
الفعل الإنسانى محفوف بالخطيئة، فعل هجين صعب استخلاصه من ما يشوبه، ففى نفس الوقت الذى تقدم البطلة المساعدة لإحدى الشخصيات العابرة تقوم بسرقتها، وفى موضع آخر ترضخ البطلة من أجل إنقاذ والدتها ولا تجد حلاً غير العودة إلى صورتها القديمة، ورغم أن طليقها يعترف بحبه لوالدته إلا أنه تركها تموت أمامه دون أن ينقذها.
الاعتذار وسيلة ظالمة فى التكفير عن الذنب فهو لا يرد الحق ولا يعيد ما كان، ويظل وسيلة خاملة غير مكتملة الأركان إذا لم يسامح صاحب الحق، فالحبيب الأول للبطلة اكتفى بالاعتذار وتسديد مصروفات علاج والدتها مقابل أن تسامح غادة أول من أسقطها وضلت الطريق من بعده.
يطرح الفيلم بشكل ضمنى الأحكام المطلقة، خاصة المعتمدة على المعايير الشكلية دون النظر إلى جوهر أو مضمون البشر، فإذا حكمنا بهذه المعايير على شخصية البطلة وشخصيات الرحلة كيف نراهم، هل هم صالحون أم مذنبون، وما هو مفهوم الصالح من البشر والمذنب منهم؟
تمثل رحلة الفيلم تورية بين معنى ظاهر وجلى يتمثل فى امرأة قررت التوبة لكنها تواجه عقبة تهدد استمرارها فى حياتها الجديدة، ومعنى بعيد مستتر يتمثل فى القرار والتأرجح بين التشكك والتيقن منه، بين إرادة الرغبة وإرادة التحقق والوصول إليها وكيف تتصارع الإرادات بين الاستسلام والتحرر أو حتى المحاولة.
فيلم رحلة 404 برهان على أن المخرج هانى خليفة قادر على تحقيق الاتصال بين عناصر الفيلم فى أطر مختلفة فنية وجمالية وفكرية خلقت رؤيته الخاصة، ورسخت أسلوبيته فى معالجة قضايا تؤرقه، كما أنه يجيد اختيار أبطاله والبحث داخلهم عن مناطق الاختلاف، بطلة الفيلم منى زكى أصبحت حالة فنية تحترف الخروج عن دوائر التوقع فى كل شخصية تقوم بتجسيدها، محمد فراج، خالد الصاوى، محمد ممدوح، شيرين رضا، جيهان الشماشرجى، أضافوا ثقلاً وأبعاداً أخرى للشخصيات المتخيلة المكتوبة على الورق، السيناريست محمد رجاء كاتب موهوب ومكسب من مكاسب رحلة 404.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: رحلة 404 رحلة 404
إقرأ أيضاً:
لماذا هانى أبوريدة؟
لم يكن مفاجأة اختيار المهندس هانى أبوريدة قائمته التى خاض بها قيادة اتحاد الكرة لأربع سنوات مقبلة، وهى قائمة يغلب على أعضائها أنها مغمورة ولم يمارسوا لعبة كرة القدم.
وعندما وقعت عيناى على القائمة قبل الانتخابات تفاءلت وتوقعت نجاحها، وتأكد لى أن أبوريدة سيحقق إنجازاً عندما نجح بالتزكية.
ليس لأن نجوم الكرة سبب فشل الكرة المصرية، أو أنهم قليلو الخبرة، أو أن الرجل عنده «عقدة» من النجوم كما يحاول البعض أن يحلل سبب إعطاء أبو ريدة ظهره لكل ما هو تحت مظلة الكرويين.
فالرجل بحكم خبرته الدولية والمحلية يرى أن أولى خطوات النجاح العمل فى بيئة هادئة بعيدة عن الصراعات والتغنى بالنجومية، والتعالى على الآخرين، وكأن من «لعب» كرة قدم دون دراسة أو عمل إدارى والتدرج بسلمه يحق له فعل أى شىء وقيادة أى منظومة كروية، لا سيما أن هناك قرارات مصيرية تحدد ملامح مستقبل وسمعة الكرة المصرية على المستويين الإفريقى والدولي، وهى فى حاجة لأشخاص قادرين إدارياً على العمل فى أجواء صحية، والسرية هى عنوان النجاح وعدم خروجها من الغرف المغلقة.
ونجح أبو ريدة فى رهانين وليس رهاناً واحداً، الأول.. اختياره أدرجية بامتياز، والثانى تهيئة الأجواء القادرة على القذف بالكرة المصرية خطوات كبيرة للأمام.
وأيّا كانت الأسباب وراء انسحاب الجميع من أمام أبو ريدة وتفسير البعض لها بمسميات غريبة، إلا أنها فى النهاية إمكانيات تضع عضو المكتب التنفيذى بالاتحادين الإفريقى والدولى فى المكانة المناسبة لقيادة الكرة المصرية، خاصة أن عمله بالفيفا أكسبه خبرات ومعرفة كبيرة بـدهاليز الساحرة المستديرة.
وعندما يتعرض رجل مرشح ومنافس لضغوط للانسحاب مهما كان اسمه فهو غير جدير بقيادة الكرة المصرية، والبعض فضل الانسحاب لرغبته فى أن يعيش بقية حياته فى هدوء رغم أنه يعشق النجاحات فى العمل الإدارى احترامًا لشخصه وللمكانة التى حققها من قبل فى صمت دون تجريح أو استثارة غضب الآخرين.
أبوريدة عايش عمالقة الإدارة الكروية فى مصر وكان أحد أعضاء مجلس إدارة المرحوم- بإذن الله- سمير زاهر، ومن المقربين له وصديق عمره ويعلم ما عاناه الراحل صباح مساء، يصحو على مشكلة صباحًا وينام على أخرى وتتخذ قرارات سرية وتذاع فى الفضائيات بعد دقائق، ولا يجد الرجل أمامه سوى «لطم الخدود»!
وأحد الأسباب الرئيسية التى تدعو للتفاؤل أن أبو ريدة بين يديه سلبيات السنوات العجاف الماضية التى تسببت فى أوجاع كثيرة للكرة المصرية بسبب أخطاء إدارية ساذجة أصابت العاملين فى المنظومة، وهو قادر على تلافيها ومن معه من أعضاء المجلس.
وعليه اختيار لجنة فنية تضم 5 أو 6 أفراد، كل عضو مميز فى تخصصه «التحكيم والمسابقات وشئون اللاعبين.. إلخ» يتمتعون بالخبرة والثقة والأمانة.
ويبقى الاختبار الأصعب فى كيفية أن يصبح اتحاد الكرة أقوى من الأندية خاصة الأهلى والزمالك وعدم المحاباة وكيفية مساندة المظلوم وهو تحدٍ سقط كثيرون فى بئر نسيانه وخرج ملف بعضهم رغم بعض النجاح به ثقوب سوداء!