كشف العدوان الإسرائيلى على غزة وموت المعارض الروسى أليكسى نافالنى أخلاقيات الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية فى التعامل مع القضايا.. ازدواجية المعايير التى جعلت السياسة هى الغالبة على التصرفات الغربية وليس كما يدعون القيم الإنسانية التى يزعمون أنهم يتبنونها.
قتل 30 ألف شخص منهم أطفال ونساء وعجائز لم يهز شعرة فى رؤوسهم ولم تتردد الولايات المتحدة لحظة فى استخدام الفيتو ضد مشاريع قرارات تدعو لوقف إطلاق النار فى حين عندما مات نافالنى سمعنا صراخهم يسد آذاننا ويكيلون الاتهامات بالوحشية للرئيس الروسى وحكومته، وسارع الرئيس الأمريكى واستقبل أرملة وابنة نافالنى، وأعلن عن توقيع عقوبات جديدة على روسيا بل وصل الأمر إلى دخوله فى وصلة ردح وشتائم للرئيس الروسى.
القيم الغربية التى صدعونا بها لسنوات وفرضوا انفسهم أوصياء على الحريات وعلى حقوق الانسان سقطت فى غزة، وتأكدت مع وفاة المعارض الروسى الذى أدنا حبسه أو تقييد حريته واستنكرنا وتضامنا معه فى وقت صمت الغرب على التنكيل به قبل الحرب الروسية الأوكرانية.. فالخلاف السياسى هو الذى يحكم الغرب والانحياز والعنصرية أساس التصرف والتحرك الغربى فلا يهم موت 30 أو 40 ألفاً من العرب والمسلمين ولكن موت شخص واحد من الغرب تقوم الدنيا ولا تقعد.
ازدواجية المعايير الغربية أضرت بالحركة الحقوقية الدولية ليس على مستوى المنظمات الدولية الحكومية التابعة للأمم المتحدة لكن على مستوى المنظمات غير الحكومية الدولية والإقليمية والمحلية، فالخلط بين تصرف الحكومات الغربية والتأييد الأعمى للعدوان الإسرائيلى على غزة أدى لحالة من الخلط لدى كثير من الناس حتى وصل إلى مسئولين كبار فى الدول ووزراء فى الحكومات المختلفة فهم أصبحوا لا يفرقون بين مواقف الحكومات الغربية ومواقف المنظمات الأممية وهى منظمات حكومية وبين المنظمات غير الحكومية
ويجب أن نشير إلى ان جميع منظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية والمحلية غير الحكومية أدانت وتدين وتفضح الممارسات الإسرائيلية فى قطاع غزة ولم تتخلف أى منظمة عن إدانة العدوان والتحرك القانونى ضده فى أروقة الأجهزة المعنية بالأمم المتحدة.
وهذه المنظمات تمارس ضغوطاً على كريم خان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية للإسراع بالتحقيق فى جرائم الحرب والإبادة الجماعية التى ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلى بأوامر مباشرة من قادة الكيان الصهيونى وتقديمهم للمحكمة الجاهزة فى نظر هذه الدعاوى لكن الضغوط السياسية على المدعى العام جعلته يتباطأ فى التحقيق وهو محل استغراب من الحقوقيين فى مختلف دول العالم.
أما مؤسسات الأمم المتحدة وخاصة المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمقررين الخواص والمجلس الدولى ومنسقى المساعدات الإنسانية والإغاثية ومنظمات الصحة والبيئة واللاجئين وغيرها لم تتخاذل فى دعم الشعب الفلسطينى وفضحت فى تقاريرها الجرائم الإسرائيلية ومنها ما استندت إليه جنوب إفريقيا فى الدعوى التى أقامتها ضد إسرائيل امام محكمة العدل الدولية.
الحكومات الغربية والولايات المتحدة الأمريكية سوف تدفعان ثمن هذا الموقف والمعيار المزدوج والعنصرية فى التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان، فقد سقط عنها أى كلام حول القيم الغربية التى تحترم الإنسان، وسقط عنها الحديث عن حماية حقوق الإنسان فى العالم، وفقدت ملايين المؤيدين لها فى دول العالم الثالث الذى كان يعتقد ان دول الغرب وأمريكا هما ارض العدل والمساواة والتآخى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الشعب الفلسطينى العدوان الإسرائيلى غزة الولايات المتحدة الأمريكية الحکومات الغربیة حقوق الإنسان
إقرأ أيضاً:
بين الموت والنفاق والمجهول.. ثلاثية يوسف السباعي تلخص أزمات الإنسان الفلسفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق «أرض النفاق».. ينتقد الأخلاق المزدوجة فى المجتمع منذ 74 عامًا75 عامًا على «نائب عزرائيل».. يطرح الموت برؤية فكاهية فلسفية
دائماً ما وجدت في أعمال يوسف السباعي عالماً خاصاً يأسر القارئ بين طياته، حيث يمزج ببراعة بين الخيال العميق والفكر الفلسفي، بأسلوب يجمع بين الفكاهة والتأمل.. قراءتي لرواياته وقصصه، تجعلني أغوص في أبعاد جديدة للحياة والإنسان، وأعيش مع شخصياته التي تبدو حقيقية رغم غرابة أحداثها.
ومن بين أبرز الأعمال التى تركت أثرًا عميقًا فى نفسي، رواية "نائب عزرائيل" التى حملتنى إلى عالم الموت وما وراءه برؤية فريدة ومبتكرة، و"أرض النفاق" التى كشفت لى عن أزماتنا الأخلاقية والاجتماعية بأسلوب نقدى ساخر لا يخلو من العمق.
أما المجموعة القصصية "من العالم المجهول"، فقد أضافت بعدًا رمزيًا وفلسفيًا لرؤية السباعى للعالم، حيث استثمر الغموض والرعب لطرح تساؤلات إنسانية عميقة.
وخلال السطور التالية، سنتعرف على تفاصيل هذه الأعمال الثلاثة وما يجعل كلا منها رحلة أدبية مميزة تستحق القراءة والتأمل.
نائب عزرائيل.. التأمل فى مغزى الموترواية "نائب عزرائيل"، صدرت فى ١٩٤٧، وهى إحدى تلك الأعمال التى تتميز بتقديم رؤية فلسفية عن الموت والحياة من خلال قالب فكاهى وساخر.
تدور أحداث الرواية حول شخصية يوسف، الذى يُقبض على روحه عن طريق الخطأ من قبل ملاك الموت، عزرائيل.
يدخل يوسف إلى عالم ما وراء الموت، حيث يجد نفسه فى مواجهة مع عزرائيل الذى يصرح له بأن مهمته قد فشلت فى قبض روحه فى الوقت المحدد.
من هنا، يعرض عزرائيل على يوسف أن يصبح نائبه فى مهمته، لكن يوسف يرفض الفكرة، متخذاً قرارًا بالمغامرة فى عالم الأرواح والسعى لاكتشاف أسرار هذا العالم المجهول
الرواية لا تقتصر على مجرد تسلسل للأحداث بل تتعمق فى الأسئلة الفلسفية المتعلقة بالوجود والموت.
يظهر عزرائيل فى الرواية ليس كملاك مخيف بل كشخصية محبطة ومحبطة أيضًا، ما يعكس فكرة السباعى حول انعدام القداسة فى بعض المفاهيم التقليدية، مثل الموت.
تقديم هذه الشخصية بشكل ساخر، يجعل من القارئ يتساءل عن مغزى الموت ودوره فى حياة الإنسان
إحدى السمات الفريدة للرواية هى مزجها بين الفكاهة العميقة والرمزية القوية، فمن خلال هذا المزج، يستطيع السباعى أن يعكس مأساة الإنسان الوجودية بطريقة مسلية، ولكنها تعكس أيضًا حقيقة أن الإنسان يظل مشدودًا إلى حياته رغم اقتراب الموت.
القارئ فى النهاية، يجد نفسه يتأمل فى مفاهيم الموت والحياة من زاوية أخرى، حيث يتجلى الموت ليس كنهاية ولكن كبداية لأسئلة لا تنتهي.
أرض النفاق.. نقد اجتماعى واستهزاء بالأخلاقفى رواية "أرض النفاق"، التى صدرت فى ١٩٤٩، يقدم يوسف السباعى صورة نقدية لواقع اجتماعى يتسم بالتناقضات الأخلاقية والنفاق الاجتماعي.
القصة تروى عن بطل الرواية الذى يكتشف دكانًا غريبًا لبيع "أقراص الأخلاق"، وهى أقراص غريبة تمنح الشخص المتناول لها القدرة على تغيير شخصيته ومواقفه وسلوكه.
يعكف البطل على تجربة هذه الأقراص، ليشهد تغييرات جذرية فى طباعه وسلوكه، وبالتالى يعرض لنا السباعى مزيجًا من الكوميديا والفلسفة الاجتماعية التى تسلط الضوء على الأزمات الأخلاقية فى المجتمع المصري.
رواية "أرض النفاق" تتعامل مع قضايا اجتماعية وسياسية مهمة، حيث تظهر كيف أن المجتمع مليء بالنفاق، وأن الكثير من القيم التى نعتقد أنها تمثل أساسيات المجتمع هى مجرد أفكار مفروضة علينا دون أى وعى أو قناعة حقيقية.
من خلال تناول البطل لتلك الأقراص، يكشف السباعى كيف يمكن للإنسان أن يغير من طباعه وفقًا لمتطلبات البيئة من حوله، وكيف أن المجتمع نفسه هو الذى يصنع هوياتنا، بعيدًا عن مبادئنا الحقيقية.
السباعى فى هذه الرواية لا يتخذ من النفاق موضوعًا للسخرية فحسب، بل هو يسلط الضوء على تأثيراته المدمرة على النسيج الاجتماعي، حيث تتحول العلاقات الإنسانية إلى مجرد مصالح شخصية يتبادلها الناس دون أى اعتبار حقيقى للقيم الإنسانية.
الرواية تحث القارئ على التأمل فى مدى تمسكه بالقيم الأخلاقية، وتدعوه للتساؤل: هل نحن فعلاً نعيش وفقًا لهذه القيم، أم أنها مجرد قناع نرتديه لتلبية رغبات المجتمع؟
فى النهاية، يوضح السباعى أن أزمة الأخلاق ليست مجرد أزمة فردية، بل هى أزمة متأصلة فى المجتمع نفسه، حيث يتحول الجميع إلى منافقين يعيشون فى "أرض النفاق".
من العالم المجهول.. الرعب فى فهم النفس البشريةإلى جانب رواياته الطويلة، لا يمكننا إغفال مجموعة القصص القصيرة التى قدمها يوسف السباعى فى مجموعته "من العالم المجهول" التى تصدرت فى الخمسينيات، حيث يتناول السباعى فى هذه المجموعة موضوعات غريبة ومثيرة مثل الجن، الأشباح، والعفاريت، لكنه لا يفعل ذلك من باب الإثارة أو الرعب، بل يسعى لاستخدام هذه العناصر لاستكشاف أغوار النفس البشرية.
تأتى القصص فى هذه المجموعة، لتكون بمثابة مغامرات عقلية أكثر منها مواقف واقعية، فهى لا تقدم الرعب كهدف رئيسي، بل تسعى إلى دفع القارئ للتفكير فى الوجود الإنسانى والعلاقة بين ما هو مادى وما هو روحي.
استخدام الرمزية فى هذه القصص يعكس قدرة السباعى على استخدام الأدب كوسيلة لفهم المجهول، حيث إن الغموض والخوف اللذين يتسللان إلى نفوس شخصياته يعكسان قلق الإنسان من المجهول والموت والغياب.
من خلال هذه المجموعة، يعرض السباعى رؤية عميقة لفكرة الخوف والتردد، مما يعكس من جديد اهتمامه بأسئلة الوجود وما يتعدى المحسوس والمادي.
يوسف السباعى لم يكن مجرد كاتب قصص وروايات، بل كان صاحب رؤية نقدية وفلسفية تسعى إلى فتح أبواب التفكير النقدى حول القضايا الإنسانية الكبرى.. سواء كان ذلك من خلال الفكاهة العميقة فى "نائب عزرائيل"، أو النقد الاجتماعى الجاد فى "أرض النفاق"، أو من خلال استكشاف الرمزية فى "من العالم المجهول"، فإن السباعى كان دائمًا فى قلب الأزمات الفلسفية والاجتماعية، ساعيًا لفهم أعمق للواقع البشري.
ما يميز أعمال “يوسف السباعي” هو قدرتها على الجمع بين الجوانب الأدبية الممتعة والفكر العميق الذى يدفع القارئ للتساؤل عن حياته، قيمه، وأخلاقه.
رغم مرور الزمن، تظل رواياته محط اهتمام وإلهام للكثير من القراء الذين يتطلعون لفهم أعمق للإنسان ومجتمعه.