ليست الأونروا.. بل هو حق العودة
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
بينما كانت حكومة الحرب الإسرائيلية تعلن إجماعها على رفض قيام الدولة الفلسطينية، وتقود الكنيست إلى التصويت على قرارها، ويعلن محللوها ومسئولوها أن كل الدول العربية تؤيد مساعيها لاقتلاع حماس من غزة، كان العالم يرى ويسمع تكذيبا جديدا لتدليسها من ممثلى الدول العربية الموسومة بالاعتدال، والمدعوة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلى الإسراع بخطوات التطبيع وإدماج إسرائيل فى المنطقة، والحفاظ على أمنها بالاعتراف بها، فى مقابل الإعلان عن القبول باقتراح غامض عن دولة فلسطينية، لا يأتى أى ذكر فى الحديث عنها، على ارتكازها على قرارى مجلس الأمن الدوليين 242 و338 اللذين يرفضان الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة ويلزمان إسرائيل بالانسحاب من الأراضى التى احتلتها بعد حرب يونيو 1967، وعلى تطبيق مبدأ لا تزال إسرائيل ترفضه، الأرض مقابل السلام، الذى قبلت به كل الدول العربية فى مبادرة باسمها منذ 22 عاما ورفضته إسرائيل، لتطرح بدلا منه التطبيع الكامل مقابل السلام.
ربما يبدو المشهد غريبا على دول غربية لم تحاول قط أن تتخلص من إرثها الاستعمارى المترع بالاستعلاء العنصرى، فى نظرته إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل العرب مسلمين وغير مسلمين بشكل خاص، وإلى الأجناس غير الغربية على وجه العموم. إذ توقف كثير من المعلقين الغربيين أمام ما وصفه بعضهم غرابة المشهد. امرأتان عربيتان شابتان وجميلتان تتحليان بالكفاءة والقدرة على الإقناع، تتحاجان أم المحكمة الدولية بحق الشعب الفلسطينى بإقامة دولته وتقرير مصيره، وتنسفان السردية الإسرائيلية المضللة، وتكشفان بالوقائع والتاريخ جرائم الاحتلال الذى يصفه المحلل الإسرائيلى فى صحيفة هارتس «جدعون ليفى» بأنه احتلال غير قانونى. شدت السفيرتان المصرية والإماراتية الأنظار وأشعلتا حماس كثيرين من رواد وسائل التواصل الاجتماعى الذين تنافسوا فى التشبيب، بهما ونشر مقاطع مما تقولانه، فضلا عن استحواذهما على اهتمام مئات الآلاف غيرهم ممن تابعوا بشغف وإعجاب وقلق خطابيهما عبر الفضائيات العربية والعالمية، وهما تتحدثان بطلاقة وقوة ورصانة علمية وثقة معرفية، أمام المحكمة التى أناط بها العالم ممثلا فى هيئة الأمم المتحدة، إقرار العدالة الدولية، فقدمتا مزيدا من الحيثيات، التى تعزز ما سبق أن قدمته دولة جنوب أفريقيا لإدانة إسرائيل بارتكاب جرائم تطهير عرقى وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطينى، واتفقتا على ضرورة وقف الحرب، والشروع فى حل جذرى للقضية الفلسطينية، إذا ما كانت النوايا تتجه إلى تهدئة فى المنطقة.
وكانت محكمة العدل الدولية قد بدأت قبل أيام النظر فى طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر الماضى الذى يقضى بتقديم رأى استشارى حول الآثار القانونية المترتبة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وبرغم أن الرأى الاستشارى حال صدوره لا صفة إلزامية له من الناحية القانونية، كما هو من حيث الشكل لا علاقة له كذلك بدعوى جنوب أفريقيا، أمام المحكمة التى تتهم إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى، ويعد قرارها ملزما فى حال صدور حكمها، إلا أن كلا المسارين، يمنح دعما إضافيا للاحتجاجات الشعبية ومواقف الرأى العام الأمريكى والغربى المناهضة لإسرائيل والرافضة لموقف دولها الداعم بغير شروط لإسرائيل والداعية للوقف الفورى لحربها على الفلسطينيين. هذا فضلا عن نجاح تلك الضغوط الجماهيرية فى تعديل بعض مواقف دولها، بما فرض على موائد الحوار الدولى قضية إقامة الدولة الفلسطينية التى كانت قد اختفت من ساحات نقاشاته. كما يمكن لهذا الرأى الاستشارى غير الملزم، أن يشكل حافزا لجر نتنياهو وفريق حربه للمساءلة أمام محكمة الجنايات الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسان، وللإعداد لصياغة رأيها الاستشارى، بادرت المحكمة الدولية بعقد جلسات استماع لنحو أكثر من خمسين دولة، بينها عدد من الدول العربية بينها مصر والسعودية والأردن ودولة الإمارات والجزائر، فضلا عن إحاطات من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامى والاتحاد الأفريقى. وبينما كررت المملكة على لسان ولى عهدها الأمير محمد بن سلمان ربط إقامة علاقات مع إسرائيل بوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية وبدء حوار لحل شامل للقضية الفلسطينية، كانت الصدفة وحدها، من جانب آخر، قد جمعت فى يوم واحد مرافعة السفيرتين المصرية والإماراتية أمام جلسات الاستماع الأربعاء الماضى. وببراعة واقتدار لافت للأنظار قدمت الدكتورة ياسمين موسى الأكاديمية والمستشارة القانونية لمكتب وزير الخارجية سامح شكرى، باسم الفريق المصرى المصاحب لها موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية، بالتأكيد على عدم شرعية الاحتلال، وعدم شرعية سياساته الممنهجة ضد كافة حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة بحماية القانون الدولى، وهى الحقوق غير القابلة للتصرف، وأنه لا أمن واستقرار فى المنطقة إلا بطريق واحد هو حل الدولتين.
كل منصف يتسم بقدر من النزاهة العقلية لن يبذل جهدا لكى ينتهى إلى ما انتهى إليه الخطابان وكل الإفادات العربية: أن الحق فوق القوة، مهما بدت تلك القوة على أرض الواقع غاشمة وعنصرية، ومفتونة بقدرتها على قهر شعب بأكمله وتجويعه ومصادرة أرضه وتهجيره ومنعه من الحق فى الحياة. صمود اسطورى لشعب يجوع وينام فى العراء، ويتمسك حتى الموت بالبقاء على أرضه، وهو ما جعل الرأى العام الحر فى الولايات المتحدة والدول الغربية ينتفض لإدانة إسرائيل والمطالبة بالوقف الفورى للحرب.
ولعل تلك المواقف العربية المتقاربة أن تشكل رافعة لموقف عربى لدول الخليج ومصر والأردن والمغرب للضغط من أجل تشكيل حاضنة فلسطينية مقبولة من الشعب الفلسطينى لبدء حوار جدى مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وهيئة الأمم المتحدة من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، الذى يظل الطريق إليها مفروشا بكثير من العقبات، لكن من غير المستحيل أن يذللها الحوار الدائم والمستمر ووحدة فصائل المقاومة الفلسطينية حول كيفية بنائها. ولعله أيضاً يكون مدخلا لجهد عربى مشترك، خليجى بالأساس للحيلولة دون انهيار منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التى تشكلت بقرار من الجمعية العام للأمم المتحدة عام 1949 لتقديم الخدمات التعليمية والصحية والإقراض للاجئين الفلسطينيين بعد حرب 1948 فى لبنان وسوريا والأردن، لحين حل قضيتهم، وبدأوا بنحو 750 ألف لاجئ، وصاروا الآن أكثر من خمسة ملايين لاجئ داخل فلسطين وخارجها. والحملة الملفقة التى تقودها إسرائيل ضد الأونروا وتتهم موظفيها بالضلوع فى هجوم حماس عليها فى السابع من أكتوبر، سردية كاذبة أخرى لم تثبت حتى اللحظة أى دليل عليها. والهدف واضح هو تهجير ما بقى من الفلسطينيين فى غزة والضفة وتصفية نهائية لحق العودة ولمجمل القضية الفلسطينية. والنجاح العربى فى فتح اكتتاب شعبى ورسمى لتمويل منظمة الأونروا الدولية، هو سلاح بتار لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية، وخطوة أخرى على طريق إقامة الدولة الفلسطينية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدولة الفلسطينية الشعب الفلسطينى على فكرة أمينة النقاش الدول العربية الدولة الفلسطینیة الشعب الفلسطینى الدول العربیة
إقرأ أيضاً:
غزة بين فكي التجويع والحصار.. إسرائيل في قفص الاتهام بمحكمة العدل الدولية
في تطور قانوني ودبلوماسي جديد يعكس تصاعد الغضب الدولي من الوضع الإنساني في قطاع غزة، شهدت محكمة العدل الدولية في لاهاي جلسات استماع اتهمت خلالها كل من الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية، إسرائيل، بانتهاك صريح للقانون الدولي من خلال منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، الجلسات تأتي في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة يعيشها القطاع، حيث يواجه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني خطر المجاعة، وسط حصار مشدد واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، ما دفع المجتمع الدولي إلى مساءلة إسرائيل قانونياً عن التزاماتها كقوة احتلال.
اتهم السفير الفلسطيني لدى محكمة العدل الدولية، عمار حجازي، إسرائيل باستخدام المساعدات الإنسانية "كسلاح حرب"، بعد أكثر من خمسين يومًا على فرضها حصاراً شاملاً على غزة ومنع دخول الإمدادات. وقال في شهادته أمام المحكمة إنّ "جميع المخابز المدعومة من الأمم المتحدة قد أُجبرت على الإغلاق"، فيما يفتقر تسعة من كل عشرة فلسطينيين إلى مياه شرب آمنة، مؤكداً أن "منشآت التخزين التابعة للأمم المتحدة والوكالات الدولية أصبحت فارغة". من جانبها، شددت المستشارة القانونية للأمم المتحدة، إلينور هامرخولد، على أن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، ملزمة بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية وتسهيل وصولها للسكان المدنيين.
وترتكز القضية الحالية على رأي استشاري طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي، يدعو المحكمة إلى تحديد الالتزامات القانونية لإسرائيل حيال تسهيل وصول المساعدات التي ترسلها منظمات دولية ودول ثالثة. وفي الوقت الذي لا تعتبر فيه الآراء الاستشارية ملزمة قانونياً، فإنها تحمل وزناً سياسياً وقانونياً كبيراً على الساحة الدولية.
ورفضت إسرائيل المشاركة في جلسات المحكمة، واعتبر وزير خارجيتها جدعون ساعر أن القضية جزء من حملة "اضطهاد ممنهجة لتجريد إسرائيل من الشرعية"، مهاجماً الأمم المتحدة ووكالة الأونروا، التي منعتها إسرائيل من العمل بعد اتهامات طالت بعض موظفيها بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر. في المقابل، أكد المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، أن إسرائيل ملزمة بتوفير الخدمات أو السماح بها للسكان الواقعين تحت الاحتلال، بما يشمل السماح للوكالة بمواصلة مهامها الإنسانية.
على الأرض، تتدهور الأوضاع بشكل كارثي. فقد حذر ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، من ارتفاع أعمال النهب بسبب نقص السلع، مشيراً إلى حوادث نهب شاحنات ومستودعات في غزة. وسجلت المنظمات الإنسانية نحو عشرة آلاف حالة سوء تغذية حاد لدى الأطفال منذ بداية العام. كما أعلن الدفاع المدني في غزة توقف 8 من أصل 12 مركبة إطفاء وإنقاذ بسبب نفاد الوقود، ما يهدد حياة مئات الآلاف من السكان.
تصاعدت الأصوات الدوليةوفي سياق متصل، تشهد العاصمة المصرية القاهرة جهوداً لإحياء وقف إطلاق النار، إذ يلتقي رئيس المخابرات العامة المصرية، حسن رشاد، وفداً إسرائيلياً رفيعاً بعد لقاء سابق مع وفد من حركة حماس. سياسياً، تصاعدت الأصوات الدولية المطالِبة بوقف الانتهاكات، حيث دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى السماح بدخول الغذاء والدواء.
كما طالبت فرنسا وألمانيا وبريطانيا بإتاحة وصول المساعدات دون عوائق، فيما دعت باريس صراحة إلى "وقف المجزرة الجارية في غزة".
وعلى المستوى الإقليمي، حذر المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، بيير كرينبول، من انفجار "جحيم جديد" في غزة مع تجدّد الحرب، مؤكداً أن القطاع يعاني من "الموت والجوع والحرمان والكرامة المهدورة". وسجلت وزارة الصحة في غزة، الاثنين، مقتل 71 شخصاً وإصابة 153 آخرين خلال 24 ساعة، ليصل عدد الضحايا منذ 7 أكتوبر إلى أكثر من 52 ألف قتيل و117 ألف جريح.
من جهة أخرى، شهدت لندن لقاءات بين رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى ونظيره البريطاني كير ستارمر، تم خلالها توقيع اتفاقات لتعزيز العلاقات ورفعها إلى "شراكة استراتيجية"، كما أعلنت بريطانيا عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتقديم دعم إنساني وتنموي بقيمة 101 مليون جنيه إسترليني للأراضي الفلسطينية.
وتشكل جلسات محكمة العدل الدولية محطة مفصلية في مسار محاسبة إسرائيل دولياً، وتعكس تحولاً في الخطاب الدولي تجاه الجرائم المرتكبة في غزة. وبينما تتكثف التحركات السياسية والدبلوماسية، يبقى مصير أكثر من مليوني فلسطيني معلقاً على قدرة المجتمع الدولي في اتخاذ موقف حاسم يجبر إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي وإنهاء الحصار، وفتح المجال أمام المساعدات التي تمثل شريان حياة لشعب يواجه المجاعة والموت يومياً.
وفي هذا السياق، شدد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، على أن محكمة العدل الدولية تنظر في قضية ذات أبعاد إنسانية وقانونية خطيرة، تتمثل في نفاد المساعدات ومنع الأونروا من ممارسة مهامها الإنسانية، مؤكداً أن هذا المنع يأتي في وقت يعاني فيه أكثر من 2.2 مليون فلسطيني من أوضاع معيشية كارثية في القطاع المحاصر.
وأوضاف الرقب في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن رأي المحكمة "استشاري وغير ملزم من الناحية القانونية"، إلا أنه يحمل أهمية كبيرة على الصعيد السياسي والرمزي، إذ يكشف بوضوح الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وكذلك يفضح الدول التي تساندها في تلك الانتهاكات، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي من المقرر أن تترافع أمام المحكمة للدفاع عن إسرائيل، في موقف يعكس "الدعم الأمريكي المطلق للاحتلال بكل مكوناته".
وأضاف أن قرارات المحكمة، وإن لم تكن مُلزِمة من الناحية القانونية، فإنها تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتُظهر للرأي العام العالمي حجم الجرائم المرتكبة ليس فقط بحق الفلسطينيين، بل أيضًا بحق المؤسسات الدولية الإنسانية التي تسعى لتقديم العون والمساعدة، وفي مقدمتها وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة.
كما أشار الرقب إلى أن المحكمة كانت قد أجلت البت في الطلب المُقدم من جنوب أفريقيا بشأن القضية إلى مطلع العام القادم، مؤكدًا أن الفتوى المرتقبة من المحكمة ستعود في نهاية المطاف إلى مجلس الأمن الدولي.
وأعرب عن أمله في أن يفضي ذلك إلى اتخاذ موقف حاسم من قبل المجلس، يتمثل في رفض استمرار إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة، ما لم تلتزم بالمعايير الدولية وتسمح بعمل المنظمات الإنسانية بحرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويمثل استمرار منع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ومنع عمل الأونروا والمنظمات الدولية، تحديًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وللأعراف الدولية التي تحكم عمل المنظمات الإغاثية.
وبينما تتابع محكمة العدل الدولية هذه القضايا وتصدر آراءها، فإن أعين العالم تتجه إلى مجلس الأمن لمعرفة ما إذا كان سيتحرك باتجاه اتخاذ قرارات تضمن الحد الأدنى من الحماية للسكان المدنيين الفلسطينيين، وإلزام الاحتلال الإسرائيلي باحترام القانون الدولي، ووقف سياسة العقاب الجماعي التي يدفع ثمنها الأبرياء في غزة.