يشير حادثان كرة قدم وقعا مؤخرًا إلى أنه لم يتغير شيء يذكر في التنافس السعودي الإيراني منذ أن توسطت الصين في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل عام.

بل على العكس من ذلك، فقد سلطت حرب غزة الضوء على التهديد المحتمل الذي تشكله إيران وحلفاؤها من غير الدول على المملكة، حتى لو خففت الدولتان من حدة خطابهما، وحذرتا من استفزاز الطرف الآخر، وأجرتا اتصالات دبلوماسية منتظمة.

وعززت الحرب مكانة إيران كداعم قوي للفلسطينيين بينما تكافح الدول العربية لإنهاء المذبحة الإنسانية في غزة، كما جعلت الحرب من إيران لاعبًا رئيسيًا في تحديد ما إذا كان الصراع في غزة سيتطور إلى حريق عسكري إقليمي.

ومع ذلك، فإن الحرب ليست كلها أخبارًا جيدة بالنسبة لإيران.

بل إن الحرب عززت قناعة المملكة العربية السعودية بأن أمنها يعتمد على علاقة دفاعية أوثق مع الولايات المتحدة وعلاقات رسمية مع إسرائيل، على الرغم من إدانة المملكة لمذبحة غزة وانتقادها لرفض الولايات المتحدة فرض وقف فوري ودائم لإطلاق النار..

من المؤكد أن الحرب رفعت حاجز الاعتراف السعودي بإسرائيل، لكنها لم تغير الحسابات الاستراتيجية الأساسية للمملكة.

ومع ذلك، لا يبدو أن هذا قد أثار تساؤلات حول إيران، أو في هذا الصدد، اهتمام المملكة العربية السعودية المستمر بضمان عدم خروج الخلافات عن نطاق السيطرة.

تخشى المملكة العربية السعودية من أن يؤدي اختراق حماس الناجح للدفاعات الإسرائيلية في 7 أكتوبر2023، إلى إلهام المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن إذا فشلت المملكة والحوثيون في إبرام اتفاق من شأنه أن يوفر للسعوديين نهاية تحفظ ماء الوجه لتدخلهم العسكري في اليمن عام 2015.

وتعززت تصورات التهديد السعودي من خلال قدرة الحوثيين الواضحة على إعاقة الشحن في الممرات المائية الاستراتيجية في الخليج من خلال الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار التي تهدف إلى تعطيل الشحن من وإلى الموانئ الإسرائيلية لدعم الفلسطينيين.

ويوضح الاعتقال والاستجواب الأخير لمشجعي كرة القدم المسلمين الشيعة في المملكة العربية السعودية أن تخفيف التوترات السعودية الإيرانية لم يفعل سوى القليل لتغيير المواقف السعودية الأساسية تجاه إيران، والأقلية الشيعية المسلمة في المملكة.

قطعت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع إيران في عام 2016 بعد أن اقتحم الإيرانيون البعثات الدبلوماسية للمملكة في الجمهورية الإسلامية، احتجاجًا على إعدام رجل دين شيعي سعودي بارز.

ولم تفعل استعادة العلاقات بوساطة صينية، ولا الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإخضاع المؤسسة الدينية المحافظة للغاية في البلاد، الكثير لمعالجة التحيز ضد الشيعة.

اعتقلت السلطات في وقت سابق من هذا الشهر 10 مشجعين واستدعت 150 آخرين من مشجعي نادي الصفا السعودي، الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى السعودي، بسبب ترديدهم شعارات وأغاني إسلامية شيعية خلال مباراة ضد نادي البكيرية في مدينة صفوى بالمنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية في المملكة.

وأكدت السلطات السعودية أن هتافات المشجعين كانت “طائفية”.

وحلت وزارة الرياضة مجلس إدارة الصفا فور وقوع الحادث لعدم التزامه بقوانين وأنظمة المملكة.

وقالت الوزارة: «تؤكد وزارة الرياضة للجميع ضرورة الالتزام بقواعد وأنظمة المسابقات الرياضية».

بالإضافة إلى ذلك، أمرت لجنة الانضباط والأخلاق في الاتحاد السعودي لكرة القدم الصفاء بدفع غرامة قدرها 53300 دولار أمريكي، كما منعت جماهير النادي من حضور مباريات الفريق الخمس المقبلة في الدوري.

وأكدت اللجنة أن الجماهير رددت شعارات وأغاني «تخالف أحكام لائحة الانضباط والأخلاق».

استهدفت إيران مشجعي كرة القدم في نفس الوقت تقريبًا الذي قامت فيه السلطات السعودية بقمع المشجعين الشيعة، ولكن لأسباب مختلفة.

وقالت منظمة كردية لحقوق الإنسان مقرها النرويج، وهي منظمة هنكاو لحقوق الإنسان، إنه تم اعتقال عشرة مراهقين أكراد بسبب احتفالهم بهزيمة قطر الأخيرة أمام إيران في كأس آسيا.

وقالت هنكاو، إن الأكراد في العديد من المدن ذات الأغلبية الكردية في غرب إيران خرجوا إلى الشوارع للاحتفال بخسارة إيران.

جاءت الاحتفالات في أعقاب الحكم قبل ثلاثة أيام على شيركو حجازي، رئيس اتحاد كرة القدم في مدينة سقز ذات الأغلبية الكردية، بالسجن لمدة ستة أعوام بتهمة "التآمر لتقويض الأمن الداخلي" والعضوية في جماعات المعارضة.

تعكس هذه الحوادث، التي وقعت قبل أسابيع من الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء في إيران في الأول من مارس، استمرار السخط واسع النطاق بعد الاحتجاجات الحاشدة في عامي 2022 و2023 في أعقاب وفاة مهسة أميني، إحدى سكان سقيز، أثناء احتجازها لدى الشرطة، بسبب ارتدائها حجابها "بشكل غير لائق". 

وقتل أكثر من 500 شخص على أيدي قوات الأمن التي حاولت قمع الاحتجاجات.

ومن نواحٍ عديدة، لعب المسلمون السنة الإيرانيون، وهم صورة طبق الأصل للشيعة السعوديين، دورًا بارزًا في الاحتجاجات، ومع ذلك، على عكس المملكة العربية السعودية، تواجه إيران أيضًا تمردًا إسلاميًا سنيًا متشددًا منخفض المستوى مرتبطًا بالأقلية البلوشية في الجمهورية الإسلامية.

وهاجمت جماعة جيش العدل، وهي جماعة إسلامية سنية متشددة تعمل عبر الحدود في باكستان، مركزا للشرطة في راسك بإقليم سيستان وبلوشستان الإيراني في ديسمبر الماضي، مما أسفر عن مقتل 12 ضابطا على الأقل.

وفي عملية عسكرية نادرة عبر الحدود، استهدفت إيران في يناير الماضي، قواعد جيش العدل في إقليم بلوشستان المجاور لباكستان، وبعد يومين، قصفت باكستان ما قالت إنها مخابئ للمسلحين الانفصاليين البلوش في إيران.

وتأتي انتخابات هذا العام للمجلس المؤلف من 88 عضوا والذي يعين المرشد الأعلى الإيراني في الوقت الذي تستعد فيه إيران لخلافة محتملة للمرشد الأعلى علي خامنئي البالغ من العمر 84 عاما.

وتم استبعاد العديد من المرشحين الإصلاحيين والوسطيين، بما في ذلك الرئيس السابق حسن روحاني، قبل الانتخابات.

وكان العديد من الإيرانيين يأملون في أن يؤدي الانفراج مع المملكة العربية السعودية إلى توفير الراحة للاقتصاد الإيراني الذي أعاقته العقوبات الأمريكية القاسية، وقد حرصت المملكة العربية السعودية على عدم انتهاك العقوبات.

ونتيجة لذلك، من المرجح أن يُنظر إلى نسبة الإقبال على التصويت على أنها مقياس لمزاج الجمهور الإيراني، وزعمت الحكومة أن حماسة الناخبين آخذة في التزايد لكنها منعت نشر استطلاعات الرأي لدعم تأكيدها.

وفي استثناء نادر، أشار استطلاع للرأي أجرته وكالة استطلاعات الرأي للطلاب الإيرانيين في (ديسمبر) إلى أن 28 % ممن شملهم الاستطلاع سيدلون بأصواتهم.

وخلص استطلاع للرأي أجراه معهد جامان ومقره هولندا في الأسبوع الأول من شهر فبراير، إلى أن 15 % من المشاركين يعتزمون التصويت، وقال 77% إنهم لن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، بينما لم يقرر 8% الأمر بعد.

وقال ثلاثة أرباع الذين شملهم الاستطلاع إنهم سيصوتون ضد الجمهورية الإسلامية كنظام الحكم المفضل لديهم إذا أتيحت لهم الاختيار.

حوادث كرة القدم، رغم أنها مختلفة وغير مرتبطة ببعضها البعض، تحكي قصة السخط بين الأقليات في المملكة العربية السعودية وإيران عبر الانقسامات العرقية والطائفية.

كما أنها تحكي قصة القمع المتزايد لحقوق الإنسان والأقليات والحرية الدينية، الأمر الذي يلقي بظلاله على الجهود السعودية والإيرانية لإدارة خلافاتهما.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس السعودية محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الشيعة الصين الحوثيين اليمن ايران الخليج العربي سوريا دونالد ترامب الملف النووي الايراني أخبار مصر البحر الاحمر القصف الاسرائيلى الانتخابات الأمريكية 2024 المملکة العربیة السعودیة فی المملکة کرة القدم إیران فی

إقرأ أيضاً:

عبد العزيز الصمد شكر السعودية على مبادرتها تجاه لبنان

توجه النائب عبد العزيز الصمد، في بيان "بخالص الشكر وعظيم الإمتنان إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة على مبادرتها الكريمة تجاه لبنان عبر "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الانسانية"، بتمويل العديد من المشاريع الإنمائية ومن ضمنها إنشاء بحيرة عطارة في جرد النجاص في بلدة بقاعصفرين ـ الضنية"، معتبرا أن هذه "المبادرة تعكس عمق العلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط لبنان بالمملكة العربية السعودية، وتدل على التزام المملكة بدعم لبنان في هذه الظروف الصعبة".
وأضاف:"إذ نعبر عن شكرنا الخاص لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية على دوره الريادي في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية والتنموية للبنان، نؤكد مجددا على التضامن القوي والمستمر بين بلدينا، وعلى الحرص الدائم للمملكة العربية السعودية على تعزيز الإستقرار والتنمية في لبنان".

ولفت إلى أن "إنشاء بحيرة عطارة في جرد بقاعصفرين سيسهم بشكل كبير في تحسين البنية التحتية، وتوفير الموارد المائية الضرورية لأهالي المنطقة، مما سينعكس إيجابا على حياتهم اليومية وعلى التنمية المستدامة في الضنية، ويساهم في ايجاد الحل الجذري لمشكلة مياه الري في هذه المنطقة العزيزة، ويمنع تجدد الاشكالات على مياه الثلوج مع اهالي بشري في منطقة القرنة السوداء".
 
وقال: "نتقدم بخالص الشكر لدولة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ولمعالي السفير السعودي الصديق وليد بخاري والامين العام للهيئة العليا للإغاثة في لبنان اللواء محمد خير على جهودهم الكبيرة وتنسيقهم المثمر مع الجهات السعودية لإتمام هذه الإتفاقية، كما نشكر جميع من ساهم في تحقيق هذا المشروع الحيوي".
 
وختم عبد الصمد: "إننا نتطلع إلى مزيد من التعاون والتنسيق بين لبنان والمملكة العربية السعودية لتحقيق المزيد من المشاريع التنموية التي تصب في مصلحة الشعبين الشقيقين، سائلين الله أن يديم على المملكة العربية السعودية نعمة الأمن والإستقرار والإزدهار".

مقالات مشابهة

  • سفير نيوزيلندا يودع الشعب السعودي بطريقة طريفة
  • العاهل السعودي ومحمد بن سلمان يهنئان الرئيس الإيراني الجديد بفوزه في الانتخابات
  • مشرع غير ذائع الصيت.. من هو الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان؟
  • الربيعة: المملكة أرسلت 54 طائرة و8 سفن إغاثية إلى قطاع غزة حتى الآن
  • مسن كوري يتفاعل مع العرضات الشعبية السعودية
  • جونسون كنترولز العربية تحصل على جائزة من المركز السعودي لكفاءة الطاقة
  • أحمد ياسر ريان: أنا أفضل من كهربا وزيزو
  • ولي العهد السعودي وبوكر يستعرضان العلاقات السعودية الأميركية
  • وزير البلدية والإسكان يشهد انطلاق المنتدى السعودي التركي للمقاولات
  • عبد العزيز الصمد شكر السعودية على مبادرتها تجاه لبنان