ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور/ هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، والتى دار موضوعها حول "وقفات إيمانية بين تحويل القبلة وتنقية القلوب"

وقال د. هاني: إننا نعيش الآن نفحات في هذا الشهر العظيم الذي اختصه الحق تبارك وتعالي بمزايا ليست في غيره من الشهور، فهو تمهيد لما يأتي بعده، تمهيد بعد التمهيد الذي كان في شهر رجب وهو الإسراء الذي جاء ليربط بين القبلتين، حيث تحولت القبلة من بيت المقدس إلي بيت الله الحرام، والمعراج الذي جاء بالصلاة التي فرضت علي المسلمين، وفيها من الدروس والعبر والنهي عن الفحشاء والمنكر الكثير والكثير.

وتابع قائلًا: صلي النبي ﷺ بأصحابه نحو بيت المقدس قرابة سبعة عشر شهرًا، ثم جاء الأمر الإلهي تلبية لدعوة النبي ﷺ فتتحول القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، أول بيت وضع للناس، قبلة أبينا إبراهيم عليه السلام، التي تهفو إليها نفس النبي ﷺ، ويتطلع إلى السماء يدعو ويتضرع علَّ الله يستجيب لدعائه. قال تعالي: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾. فتحويل القبلة له وقفات إيمانية وتنقية للقلوب. قال ﷺ (إِن اللهَ ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إِلا لمشرك أَو مشاحن). المشرك الذي يعبد غير الله، والمشاحن من امتلأ قلبه بالحقد والغل والبغضاء.

وأشار خطيب الجامع الأزهر إلى أن تحويل القبلة هو ارتباط وثيق بين نهج إبراهيم عليه السلام ومنهج النبي محمد ﷺ. قال تعالي: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. ففي تحويل القبلة دروس مستفادة أولها إثبات نبوة النبي محمد ﷺ وبيان مكانته عند ربه؛ لأنه ﷺ قرأ ما أُنزل عليه من القرآن في تلك الحادثة قبل أن تحدث. قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. المولي تبارك وتعالي أعلم الكون جميعًا بما سيحدث قبل حدوثه، فقالوا وأثبتوا صدق رسول الله ﷺ وأثبتوا على أنفسهم أنهم سفهاء. فكان الأمر الإلهي للنبي الكريم: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾. وفي هذا امتثال لأمر الخالق، وفيها من الحكمة والعظة والاعتبار الكثير، قلوب تعلقت بالأصنام بمكة ثم آمنت بالله، فامتثلت لأمر الله وتوجهت نحو بيت المقدس، ثم عندما جاء الأمر الإلهي بتحويلها إلى المسجد الحرام أذعنت وأطاعت؛ لأنها قلوب مؤمنة تعلقت بربها وبرسوله وبإيمانها الراسخ.

وبيّن مدير عام الجامع الأزهر أن أول صلاة صلاها النبي ﷺ نحو بيت الله الحرام كانت صلاة العصر. صلى النبي الكريم ركعتين نحو بيت المقدس ثم تحول امتثالًا لأمر الله نحو الكعبة ليظل هذا الرباط إلي يوم الدين. ارتباط يجمع بين المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، والمسجد النبوي. ارتباط يدل على العبودية الحقة من النبي ﷺ لله عزّ وجلَّ. وسرعة استجابة صحابته لأمر الله ورسوله، لا يسألون عن الحكمة، بل يمتثلون لأمر الله ورسوله. ومما يدل على ذلك قول الصحابي الذي شهد هذه الصلاة: (أشهد بالله لقد صليت مع النبي ﷺ قِبَل مكة، فداروا كما هم قبل البيت).

وأوضح د. عودة أن أمة الإسلام وصفت بالخيرية والوسطية؛ لأنها أمة معتدلة تعبد الله - سبحانه وتعالى - لا تعبد غيره، تتمسك بالقرآن الذي جاء به الرسول الكريم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، تحافظ على النفس، لا يقتلون النساء والأطفال، ولا يهدمون البيوت كمن يزعمون أنهم شعب الله المختار. وتكمن الخيرية في أنها أمة تؤمن بجميع الأنبياء والرسل دون تفريق بين أحد منهم. وأشار إلى أن دين الإسلام هو دين أرساه الله لعباده ليحقق العباد مراد الله في هذه الحياة، يعمروا الأرض، وينشروا العدل، يطبقوا شرع الله فيما يحقق وحدة الأمة، فكان الاتجاه نحو قبلة واحدة. جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض يتوجهون إلى بيت الله الحرام في صلاتهم بقلوبهم وأجسادهم ليوحدوا ويعبدوا ربًّا واحدًا هو رب العالمين.

وختم  حديثه بقوله: إن دين الإسلام يعلمنا أن نخص بالعبادة ربَّ العباد. ودعا فضيلته إلى تنقية القلوب في ليلة النصف من شعبان، والمبادرة بالأعمال الصالحة في هذه الأيام التي ترفع فيها الأعمال إلى الله. وأوصى بتطهير القلوب، وصلة الأرحام، والابتعاد عن الحقد والبغضاء والشحناء حتى نكون من أهل الجنة. فالله - عزَّ وجلَّ - خلق كل ما في الكون بقدر، ونحن خلقنا من تراب وسنعود إلى التراب لا محالة. والحق وإن طال الأمد لا بد أن ينتصر، والظلم وإن طال به الأمد سينكسر. قال تعالي:﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: خطيب الجامع الأزهر المسلمين مدير عام الجامع الأزهر تحويل القبلة بيت المقدس الجامع الأزهر بیت المقدس لأمر الله النبی ﷺ نحو بیت

إقرأ أيضاً:

«البحوث الإسلامية» يناقش مشروع إحياء المزولة الفلكية بالجامع الأزهر

عقدت اللجنة العلمية التي جرى تشكيلها لدراسة مشروع إحياء المُزولة الفلكية بالجامع الأزهر اجتماعًا بحضور الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، محمد الجندي، وعدد من أساتذة الفلك الشرعي والفقه والمٌتخصصين في التاريخ والعمارة؛ لبحث تنفيذ مشروع إعادة تركيب المٌزولة الفلكية إحياءً لمعالم الجامع الأزهر الشريف.

الشريعة الإسلامية

وقال الأمين العام، إن عمل اللجنة يستهدف توثيق إسهامات عُلماء المسلمين في إثراء الحضارة الإنسانية؛ حيث جمعوا بين علوم الشريعة الإسلامية والعلوم التطبيقية، مُشيرًا إلى أن هذا المشروع يأتي في إطار تنفيذ توجيهات فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في العمل على تحقيق رؤية الأزهر الشريف ورسالته، وتأكيدًا على الحركة العلمية التي نشأت في الأزهر الشريف منذ قرون عدة.

الجامع الأزهر

أضاف «الجندي»، أن المٌزولة الفلكية تعتبر من أهم معالم الجامع الأزهر الشاهدة على تٌراثه العلمي والحضاري، التي أهداها أحمد باشا كور إلى الأزهر الشريف عام 1163هـ، وكانت تُستخدم في تحديد أوقات الصلاة.

وناقشت اللجنة إمكانية إعادة تركيبها مرة أخرى، عبر برمجة ثلاثية الأبعاد من خلال شاشة عرض لتعيد الذاكرة إلى الوهلة الأولى لهذه المزولي، كما اقترحت اللجنة تفعيل هذه المُزولة وكأنها صنعت أمس لتعريف الزائرين، وتوثيق المعلومات التاريخية الخاصة بها.

مقالات مشابهة

  • «الخلوق والنظيف والفصيح».. الجامع الأزهر يعقد اليوم حلقة جديدة من ملتقى الطفل
  • يضمن لها عزها.. خطيب المسجد النبوي: خضوع الأمة للتوجيهات الإلهية والعمل بسنة النبي
  • أعظم آفات اللسان.. خطيب المسجد الحرام: 6 أفعال شائعة تؤدي إلى الهلاك
  • السنة الإمساك عنه.. خطيب المسجد الحرام: على كل مكلف حفظ لسانه عن جميع الكلام
  • أصل الخير كله.. خطيب المسجد الحرام: أُمرنا بإمساك اللسان عن السوء والشر
  • خطيب الجامع الأزهر: الوقت نعمة وسنحاسب عليها ما لم نستثمره جيدا
  • خطيب المسجد الحرام: اللسان ترجمان الأفكار والقلوب.. ويجب حفظه عن الغيبة والنميمة
  • الجامع الأزهر يعقد اللقاء الأسبوعي بلغة الإشارة لذوي الهمم
  • «البحوث الإسلامية» يناقش مشروع إحياء المزولة الفلكية بالجامع الأزهر
  • الأردن والعراق ومجلس حكماء المسلمين يعزّون شيخ الأزهر فى وفاة شقيقته