سرايا - في مشهد غير مألوف، يتجمع آلاف الفلسطينيين على شارع الرشيد الساحلي، ينتظرون عددا من شاحنات تحمل مساعدات قليلة تسمح قوات الاحتلال الإسرائيلي بوصولها إلى مدينة غزة وشمالها، أملا في الحصول على ما يبقيهم على قيد الحياة.

وأصبح التجمع الحاشد واحدا من مشاهد كثيرة غير مألوفة ارتبطت بالحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة من حيث مداها الزمني وقدر الدم والدمار، منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.



ولا يكتفي الاحتلال بالقنابل والصواريخ التي يلقيها على رؤوس الغزيين في الشوارع والمنازل، فقد انتهج ما تصفه منظمات محلية ودولية بـ"سلاح التجويع"، عبر فرض قيود مشددة على المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

وأظهرت مقاطع مصورة مواطنين في غرب مدينة غزة يحملون أكياس الدقيق على أكتافهم بعد أن حصل بعضهم عليه من إحدى الشاحنات.

وعلى مرأى من دبابات الاحتلال المتمركزة في جنوب غربي المدينة، وتعبيرا عن الفرحة بكيس دقيق زنة 25 كيلوغراما، أخذ شاب في تقبيله مرارا، فيما قال آخر "والله جبتو (أخذته) من تحت الدبابة"، وقال ثالث "والله بمليون دولار ما ببيعه".

ولا يبدو واقع الغزيين في جنوب القطاع أفضل حالا من شماله، مع شُح المساعدات التي ترد إليهم من معبر رفح البري على الحدود مع مصر، واستمرار عرقلة حشود من المتطرفين الإسرائيليين عمل معبر كرم أبو سالم التجاري من الجانب الإسرائيلي، ومنعهم مرور شاحنات المساعدات.

وعن هذا الواقع المأساوي يقول المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عدنان أبو حسنة "لا نتحدث عن كارثة ستقع بل إن الكارثة وقعت بالفعل"، وتابع في تصريحات مصورة عممها إعلام الوكالة الأممية "هنا مئات آلاف الجائعين وحتى أعلاف الحيوانات (التي اضطر الغزيون في شمال القطاع لأكلها) لم تعد متاحة، وحالة الجوع تضرب أعماق المجتمع في الشمال".

وما يزيد من عمق الأزمة، برأي أبو حسنة، القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول شاحنات المساعدات إلى القطاع، ويقول إن إسرائيل رفضت 51% من القوافل الإنسانية التي أعدتها الأونروا مع المنظمات الأممية الشريكة.

وبحسب تأكيد هذا المسؤول، فإن شاحنات المساعدات مكدسة على الجانب المصري من معبر رفح، فيما متظاهرون إسرائيليون يحتجون على مرورها في الجانب الإسرائيلي من معبري كرم أبو سالم والعوجا، لافتا إلى أنه خلال الأيام الـ10 الأخيرة لم يزد معدل دخول الشاحنات عن 60 يوميا، ومطلوب من الأونروا توزيعها على 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، "وهذا مستحيل".

ولهذا الواقع برأي أبو حسنة تداعيات خطيرة للغاية. وتواجه وكالة الغوث معوقات كثيرة جراء الواقع الخطير الناجم عن غياب منظومة الأمن والنظام، وإطلاق الاحتلال النار على تجمعات المواطنين الذين ينتظرون شاحنات المساعدات على الطرقات.

ونتيجة لذلك وجراء العزلة التي يفرضها الاحتلال على الغزيين في شمال القطاع، يكشف أبو حسنة عن أن معدل سوء التغذية وصل إلى 18% فيما كان أقل من 1% قبل اندلاع الحرب.

وقال إن هذا التردي المعيشي لا يقتصر على الشمال وإنما يشمل القطاع بشماله وجنوبه، والمنظمات الدولية تعاني من عجز كبير في توفير مقومات الحياة الأساسية.

ويلقي الناطق باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني رائد النمس، بالمسؤولية على الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بالتداعيات الخطيرة لشح المساعدات التي ترد للقطاع.

وقال إن هذا مرده إلى إجراءات التفتيش الدقيقة والتي تستنزف وقتا طويلا في الجانب الإسرائيلي، مما يتسبب في عدم إدخال كميات كافية.

ولا تتناسب كميات المساعدات التي يسمح الاحتلال بدخولها مع حجم الاحتياجات الكبير لسكان القطاع، جراء الحصار واستمرار العدوان، واعتداء المستوطنين على قوافل المساعدات ومنع وصولها إلى المعابر، بحسب النمس.

ومن بين تداعيات سياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال، تبرز، وفقا للناطق باسم الهلال الأحمر، مشاهد تدافع المواطنين على شاحنات المساعدات للحصول على ما يسد رمق أسرهم وأطفالهم.

وحتى قبل اندلاع الحرب، كان يدخل القطاع يوميا من 500 إلى 600 شاحنة. ويقول مدير عام مكتب الإعلام الحكومي إسماعيل الثوابتة للجزيرة نت، إن "الاحتلال شرع باستخدام سلاح التجويع والتعطيش في جريمة حرب واضحة ضمن سلسلة من جرائم الحرب والإبادة، حيث لم يدخل القطاع ولا حبة قمح واحدة حتى جاء اتفاق التهدئة الإنسانية (نوفمبر/تشرين الثاني الماضي)، وبعد التهدئة بدأت تدخل بعض الشاحنات بعدد قليل جدا لا يغطي 3% من حاجة السكان".

ويؤكد المسؤول الحكومي أن الاحتلال يهدف بسياسة التجويع إلى "ضرب مقومات الصمود والحياة ومحاربة شعبنا في لقمة عيشه، وبالتالي ضرب الحاضنة الشعبية والنسيج المجتمعي".

وبلغة الأرقام، يفند الثوابتة ما وصل إلى القطاع من مساعدات من تاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي وحتى العاشر من الشهر الجاري، بإجمالي 6 آلاف و964 شاحنة لجميع المؤسسات الدولية، وصل منها للحكومة ألف و772 أي ما نسبته 25.4%، جزء كبير منها ليس ذا أولوية (أغراض كرونا – أغراض صحية – ملابس – أكفان)، وباقي شاحنات المساعدات وصلت للأونروا والهلال الأحمر ومؤسسات محلية، وتتمتع هذه المنظمات بالحرية التامة في التصرف ولا تتدخل فيها الحكومة.

هذه المساعدات لا يدخل منها إلى محافظتي غزة والشمال أي شيء، ويتابع الثوابتة أن ذلك عمّق من المجاعة التي تعصف بنحو 700 ألف نسمة في المحافظتين، والذين أجبرتهم سياسة التجويع على طحن أعلاف الحيوانات والحبوب بدلا من القمح المفقود.

وبرأي هذا المسؤول فإن إسرائيل تمعن في تعميق هذه المجاعة باستهداف شاحنات المساعدات الشحيحة التي حاولت الوصول إلى المحاصرين والجوعى في مدينة غزة وشمال القطاع، وتسبب ذلك في استشهاد العشرات من الباحثين عن الغذاء.

يقول الثوابتة "مما يدعونا إلى الاستغراب أن هناك أكثر من 500 ألف طن من المساعدات متكدسة على الجانب الآخر من المعبر، ولكنها لا تدخل للأسف الشديد". وكرر مناشدته "للأشقاء في جمهورية مصر العربية بضرورة فتح معبر رفح لكي يكون ممرا إنسانيا لإدخال المساعدات لأهالي قطاع غزة الذين أكلهم الجوع والعطش".

وقال رئيس "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" رامي عبدو للجزيرة نت، إن تجويع إسرائيل للمدنيين في القطاع سيترك آثارا طويلة المدى ولا يمكن تداركها، في ظل تأكيد تقارير وخبراء دوليين أن أعداد ضحايا التجويع والأمراض المقترنة به قد يفوق عدد أولئك الذي قتلوا بالقنابل والصواريخ.

واستند عبدو إلى تقارير ودراسات دولية عن الواقع المتردي، حيث يعاني 53% من الغزيين من حالة الطوارئ القصوى في سوء التغذية الحاد، في حين يعاني 26% منهم أي حوالي نصف مليون شخص من المجاعة وازدياد في حالات الوفاة الناتجة عن الجوع أو سوء التغذية أو الأمراض المرتبطة بهما.

ويتفق المحلل السياسي إبراهيم المدهون مع من سبقوه في أن الاحتلال يشن حرب تجويع موازية للحرب العسكرية، وباتت مقومات الحياة شبه معدومة، خاصة في مدينة غزة وشمالها.

وقال إن هذه السياسة هي أحد "أدوات القتل" التي يستخدمها الاحتلال، "واليوم في غزة من لم يمت بالصاروخ مات جوعا أو عطشا أو مرضا لعدم توفر الأدوية"


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: شاحنات المساعدات مدینة غزة أبو حسنة

إقرأ أيضاً:

“أطباء بلاحدود”: تعليق دخول المساعدات لغزة قد يكون له “عواقب مدمرة” على السكان

الثورة نت/..

حذرت منظمة “أطباء بلا حدود” من “عواقب مدمرة ” جراء تعليق دخول المساعدات لقطاع غزة.

وقالت في بيان اليوم الاثنين، إن “تعليق دخول المساعدات إلى قطاع غزة سيضيف ضغطا كبيرا على مليوني فلسطيني”.

وأضافت أن “أي تحديات إضافية في الوصول للغذاء والمياه النظيفة يمكن أن تكون لها عواقب مدمرة على سكان القطاع”.

وأشارت إلى أن “الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء والسلع في القطاع يثير حالة من الخوف وعدم اليقين”.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، قد قالت إن “استمرار إغلاق معابر القطاع أمام المساعدات عقاب جماعي بحق المدنيين الأبرياء وانتهاك صارخ للقانون الدولي”.

وأضافت في بيان اليوم الاثنين، أن “منع وصول الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية جريمة حرب موصوفة ومحاولة بائسة لخنق أهلنا الصامدين”.

وأكّدت أن “إعلان مجرم الحرب نتنياهو منع دخول المساعدات يعكس استهتاره بالقوانين الدولية وعدم اكتراثه بعواقب جرائمه”.

يذكر أن رئيس الوزراء في حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمر أمس الأحد، بوقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، عقب ساعات من انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وعرقلة الاحتلال الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.

مقالات مشابهة

  • تحذيرات أممية: منع دخول المساعدات إلى غزة يهدد حياة الأطفال والأسر
  • “أطباء بلاحدود”: تعليق دخول المساعدات لغزة قد يكون له “عواقب مدمرة” على السكان
  • وزير الأوقاف يدين منع المساعدات عن غزة ويدعو لتحرك دولي عاجل
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. تحذيرات أممية من تفاقم الأزمة الإنسانية.. إدانات عربية ودولية لقرار إسرائيل منع دخول المساعدات إلى غزة
  • انتقادات دولية تطالب حكومة الاحتلال برفع القيود على دخول المساعدات لغزة
  • اليونيسف: الدمار في غزة يفوق مستوى الكارثة
  • الأردن تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة
  • نتنياهو يمنع المساعدات عن غزة.. وخبير: تصعيد خطير وسط تحذيرات دولية من كارثة إنسانية
  • الاحتلال يقتل 115 غزيا.. والخارجية الفلسطينية ترفض تسييس المساعدات
  • إسرائيل توقف دخول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة