الجزيرة:
2025-02-07@00:39:45 GMT

لماذا لا يتم الحديث عن عنف إسرائيلي أو يهودي؟

تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT

لماذا لا يتم الحديث عن عنف إسرائيلي أو يهودي؟

منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، جرى الحديث – بكثافة – عما سُمي العنف أو الإرهاب الإسلامي، وتكاثر الخبراء فيه كالفُطر، ونشأ سيل من الكتابات التي تحاول تفسير هذا العنف الموصوف؛ حتى إنَّ بعض مثقفينا انخرطوا في البحث عن جذور له في الثقافة العربية خاصة، أو في التراث الإسلامي عامة.

وكنت قد رصدتُ – في 2007 – التفسيرات التي قدمها كتّاب غربيون لهذا العنف، فوجدتُها تدور – بزعمهم – حول أن العنف جزء من طبيعة الإسلام، أو أنه نتاج المشكلات الجيوسياسية، أو أنه نتاج حداثة متعثرة في العالم الإسلامي، أو أن المشكلة تكمن في الجذور، وهي نصوص القرآن والحديث.

وإذا كنتُ قد ناقشت هذه المزاعم مطولًا في مناسبات سابقة ونشرت فيها كتابي: "العنف المستباح"، فإن الحرب الجارية على غزة تدفعنا إلى إعادة توجيه سؤال العنف، ولكن في الاتجاه المعاكس هذه المرة.

فلماذا لا تسمى الأفعال التي تقوم بها إسرائيل في غزة – منذ شهور – عنفًا إسرائيليًّا أو حتى عنفًا يهوديًّا؟ ولماذا لا يثير هذا العنف الإسرائيلي الذي يُبَثّ على الهواء مباشرة أسئلةً من نمط تلك التي أثارها ما سمي "العنف الإسلامي" بعد أحداث سبتمبر/أيلول، وعن جذوره الثقافية والدينية وعن تعديل المناهج الدينية؟

عنف تجاوز قنبلتين نوويتين

بغض النظر عن التاريخ الإسرائيلي الحافل بالعنف والإرهاب؛ خصوصًا أن دولة إسرائيل قامت – أساسًا – على الإرهاب، يمكن أن نرصد مظهرَين رئيسَين للعنف الإسرائيلي الجاري في غزة:

الأوّل: ضخامة عدد الضحايا من المدنيين على اختلاف مواقعهم. والثاني: القوة التدميرية الهائلة التي أوقعها القصف الإسرائيلي على غزة؛ فقد سوّى الجيش الإسرائيلي أحياء سكنية كاملة بالأرض، وحوّلها إلى خراب، وغدا أهلها بين مُهجّر ومدفونٍ تحت الأنقاض.

بالنسبة لضخامة عدد الضحايا من المدنيين، فقد تحدثنا عنه أكثر من مرة في مقالات سابقة، وقد شارف عدد الشهداء الآن 30 ألفًا، معظمهم من الأطفال والنساء، وفيهم أطباء وصحفيون وموظفون أمميون؛ بالرغم من قرار محكمة العدل الدولية التي أقرّت – ضمنيًّا – وجود نية إبادة جماعية، وقد رأى أكثر من طرف تشابهًا بين ما فعله هتلر والنازيون باليهود من جهة، وما تفعله إسرائيل – حاليًّا – بالفلسطينيين من جهة أخرى، وفي هذا السياق جاء تصريح الرئيس البرازيلي مؤخرًا.

فنحن – إذن – أمام عنف متوحش ومنفلت من أي ضابط قانوني أو أخلاقي؛ بالرغم من كل المزاعم الإسرائيلية والأميركية، ونحن أمام حرب من طرف واحد ذات كلفة إنسانية باهظة ومؤلمة لمن يشاهدها يوميًّا على شاشة قناة الجزيرة.

ولا ينبغي أن تصرفنا أرقام القتلى عن أشكال المعاناة الأخرى التي يعانيها سكان غزة، بين قتْل وجرح وحصار وإيلام وتعذيب وحرمان من جميع مقومات الحياة والعلاج.

يحملنا العنف الإسرائيلي وموقف الغرب منه على إعادة التفكير في أسئلة العنف ومصطلحاته ومفاهيمه وسياساته؛ بوصفه موضوعًا أو حقلًا يعكس موازين القوة والسيطرة؛ فمن يقرر ما هو صواب هو الأقوى، ومرجعية الحسن والقبح لا تكمن في مرجعيات قانونية وأخلاقية مستقلة، بل من يحدد الحسن والقبح هي القوة السياسية والعسكرية

أما بالنسبة للقوة التدميرية التي أوقعتها إسرائيل في قطاع غزة، فالصور المتواترة والحية خير دليل، وقد اعترف الجيش الإسرائيلي بأن طائراته استهدفت أكثر من 12 ألف هدف في قطاع غزة.

وبحسب وزير الدفاع الإسرائيلي "يوآف غالانت"، أسقط الجيش الإسرائيلي أكثر من 10 آلاف قنبلة على مدينة غزة وحدها، وتبلغ مساحة هذه المدينة 56 كيلومترًا، وبعض هذه القنابل شديد التدمير، ويزن ما بين 150 كيلو غرام و1000 كيلو غرام.

وبالنظر إلى هذا الكم الهائل من المتفجرات، قُدر نصيب الفرد منها بما يتجاوز 10 كيلو غرامات. وقد دفعت هذه الحصيلة الباهظة إلى المقارنة بين ما ألقته إسرائيل على قطاع غزة من جهة، والقنبلة النووية التي ألقتها أميركا على هيروشيما وناغازاكي في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى.

فقد قُدرت القنبلة النووية الأميركية بنحو 15 ألف طن من المتفجرات. فعلى سبيل المثال، خلَص "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" من خلال هذه المقارنة إلى أن ما ألقته إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حتى الآن يبلغ أكثر من 25 ألفَ طن من المتفجرات، أي ما يعادل قنبلتين نوويتين.

وتجد هذه المقارنة – في الواقع – ما يسوّغها؛ آخذين في الاعتبار ثلاثة عوامل:

العامل الأول: التطور الذي طرأ على الصناعة العسكرية ما بين 1945 (تاريخ إلقاء القنبلة الأميركية) و2023، وخاصة بالنسبة لموادّ المتفجرات وفاعليتها ومدى تأثيرها. فحتى لو افترضنا وجود تقارب في وزن المتفجرات بين حالتي اليابان وغزة، فإن من شأن التطور التقني والعسكري أن يضاعف التأثير والقدرة التدميرية. العامل الثاني: نوعية المواد المستخدمة إسرائيليًّا في هذه الحرب. فإسرائيل تستخدم – بحسب المرصد الأورومتوسطي – خليطًا يعرف بآر دي إكس (RDX) (يطلق عليه اسم "علم المتفجرات الكامل")، وتعادل قوته 1.34 قوة "تي إن تي". العامل الثالث: مساحة المدينة التي يجري فيها القصف، فقد بلغت مساحة المدينة اليابانية 900 كيلومتر مربع، بينما مساحة قطاع غزة لا تزيد على 360 كيلومترًا.

فالقدرة التدميرية الهائلة تسوغ مثل تلك المقارنة إذن، خاصة أن إسرائيل استخدمت في هجماتها على قطاع غزة – بالإضافة إلى ما سبق – أسلحة محرمة دوليًّا، كالقنابل العنقودية والفسفورية، وهي عبارة عن مادة سامّة شمعية تتفاعل مع الأكسجين بسرعة وتتسبب بحروق بالغة. واستخدمت إسرائيل – أيضًا – تلك الأسلحة في مناطق سكنية كثيفة، وهذا كافٍ لتصنيف التهديد الإسرائيلي ضمن أخطر التهديدات التي يواجهها المدنيون في النزاعات المسلحة المعاصرة.

يؤكد مظهرا العنف الإسرائيلي (وهما ضخامة الضحايا والقوة التدميرية) تَعَمد إسرائيل استهداف المدنيين، كما هو ظاهر للعيان من خلال صور الضحايا وطبيعة الحرب والأسلحة المستخدمة فيها، والطبيعة الديمغرافية للأرض التي يجري قصفها، بالإضافة إلى إجراءات الحصار وتدمير المنشآت المدنية والطبية واستهداف الأطباء والصحفيين. ومن خلال هذين المظهرين يمكن – أيضًا – إثبات سمتين رئيستَين للفعل الإسرائيلي تجعلانه فعلًا إرهابيًّا:

الأولى: الاستخدام المنظم للعنف ضد المدنيين بوصفه وسيلة من وسائل الحرب. والثانية: استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية ودينية.

ومع كل ذلك لم يتحدث مسؤول غربي واحد عن "عنف يهودي" أو حتى "عنف إسرائيلي"؛ بالرغم من أن هذا العنف صادر عن دولة إسرائيل بطريقة رسمية ومنظمة، وهي دولة تحرص – باستمرار – على تقديم نفسها في صورة "دولة يهودية".

ولم يرَ مسؤولون إسرائيليون وأميركيون بأسًا في تقديم العنف الإسرائيلي الجاري في صيغة الدفاع عن اليهود وباسمهم؛ رغم أنه خرجت بعض التجمعات اليهودية المحتجة على الحرب الإسرائيلية ترفع شعار: "ليس باسمنا".

عنف غير معزول عن الدين

وقد حرص بنيامين نتنياهو وغيره، سواء من أعضاء حكومته أم من غيرهم، على تأكيد السمة الدينية للعنف الذي يمارسونه ضد الفلسطينيين، فقد استدعى نتنياهو مثلًا – في أحد خطاباته – نصًّا دينيًّا قائلًا: "يجب أن تتذكروا ما فعله عماليقُ بكم، كما يقول لنا كتابنا المقدس. ونحن نتذكر ذلك بالفعل ونحن نقاتل بجنودنا الشجعان وفرقنا الذين يقاتلون الآن في غزة وحولها وفي جميع المناطق الأخرى في إسرائيل. إنهم ينضمون إلى سلسلة من الأبطال اليهود التي بدأت قبل 3000 عام مع يشوع في لبنان".

وكنت قد توقفت – في مقال مفصل – عند هذه الإحالة النصية وبينت الأسس الدينية للحرب الإسرائيلية وما سماه بعض الحاخامات "قيم التوراة" في الحرب.

يقدم مظهرا العنف – إذن – المعطيات اللازمة لإثبات أن ثمة عنفًا إسرائيليًّا يجمع بين تقنيات الحداثة وبعض مقولاتها من جهة، وبين المقولات الدينية من جهة أخرى. فالعنف الإسرائيلي هو عنف دولة مدعومة عسكريًّا وسياسيًّا من قبل قوى دولية كبرى، وتمتلك قدرات عسكرية وسياسية ومالية ضخمة.

وبفضل تلك الإمكانات، فإن قدرتها على تدمير البشر والحجر لا يمكن أن تقاس بأي طرف آخر من جماعات العنف التي ظهرت خلال العقود الماضية. أضف إلى ذلك أن ثمة سمة مركزية لهذا العنف الإسرائيلي، وهي أنه عنف حديث، وتتمثل حداثته في ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أنه عنف قائم على استخدام أحدث التقنيات، بالرغم من أن إسرائيل استخدمت في غزة أسلحة غبية وأخرى ذكية واستثمرت الذكاء الاصطناعي بكثافة أيضًا، وذلك أن غزة مثلت حقلًا لإجراء بعض التجارب العسكرية لتطوير الصناعة العسكرية من جهة، وللتخلص من مخزون الأسلحة الغبية الذي كان بحوزة إسرائيل ليفسح المجال لأسلحة ذكية وحديثة من جهة أخرى. الأمر الثاني: أن الوسائل العسكرية المدمرة إنما تجد شرعيتها في أنها تُستخدم باسم الدفاع عن دولة إسرائيل، وفي مواجهة جماعات قروسطية أو بربرية أو بدائية، وهي أوصاف جرت على ألسنة مسؤولين إسرائيليين وأميركيين بل وأوروبيين بعد أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وحرصت إسرائيل – منذ البداية – على ربط حماس بداعش.

والدفاع عن "الدولة" الذي يتخذ صورة "الحق في الدفاع عن النفس" المزعومة، يكفي لشرعنة كل الوسائل العنيفة لإحداث تغييرات سياسية وعسكرية وديمغرافية بما فيها التطهير العرقي بحجة الدفاع عن "الأمن القومي" لدولة إسرائيل.

فالدفاع عن الدولة ومصالحها القومية هو أحد منتجات الدولة الحديثة، والذي يرسم حدود الحسن والقبح في "الأمن القومي" هو حدود الدولة من جهة، وما تراه هي وحلفاؤها مجالًا حيويًّا لها من جهة أخرى؛ مع الأخذ في الاعتبار مسألتين في حالة إسرائيل: عقدة الذنب التي تحرك بعض الأوروبيين تجاه اليهود ومحاولة التطهر منها على حساب شعوب أخرى، وأن إسرائيل تختزل المشروع الاستعماري الغربي في صورته الفجة الوحيدة الباقية في العالم.

الأمر الثالث: أن هذا العنف يستخدم أيديولوجيا الحداثة؛ فقد ظهر مسؤولون إسرائيليون وغربيون – بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول – يتحدثون عن أن هذه الحرب هي بين العالم المتحضر والهمجية، ويمكن للمرء التقاط مظاهر عدة لتبني المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين التفوق العنصري والثقافي، لعل أبرزها تلك الأسئلة المحرجة التي وجهت أكثر من مرة للمتحدث باسم البيت الأبيض والتي تفضح نفاق الغرب وازدواجية معاييره، وأنه ليس هناك تساوٍ في تقييم حيوات البشر.

وإلا فكيف يمكن استيعاب إلحاح الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها على تحرير مجموعة من الأسرى (يسمونهم الرهائن) وإظهار التأسف لفظًا على قتل وجرح عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة وعامتهم من الأطفال والنساء؟

وكيف يمكن استيعاب الثناء على عملية كوماندوز لتحرير أسيرين إسرائيليين – مثلًا – والتسبب في مقتل نحو مئة مدني من دون أي حساسية أخلاقية؟

وكيف يمكن اعتبار ما قامت به حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول مذبحة وعملًا بربريًا وهمجيًا، ولا توصف بذلك عمليات القصف الإسرائيلي العشوائي التي خلفت ذلك الدمار الشامل الذي تحدثنا عنه، وخلفت كل هذا العدد الضخم من الضحايا، فضلًا عن الحصار والتجويع المستمر على مدار الأشهر الماضية؟ وإذا ما وُوجِه مسؤول غربي بهذه الوقائع تلعثم وناور ولم يجد سوى التعبير عن الأسف والكلام الدبلوماسي الغائم!.

إن من شأن العنف الإسرائيلي وموقف دول الغرب منه أن يحملنا على إعادة التفكير في أسئلة العنف ومصطلحاته ومفاهيمه وسياساته؛ بوصفه موضوعًا أو حقلًا يعكس موازين القوة والسيطرة؛ فاللغة التقويمية والتصنيفية هنا هي مظهر من مظاهر التعبير عن السلطة والهيمنة؛ فمن يقرر ما هو صواب هو الأقوى، ومرجعية الحسن والقبح لا تكمن في وجود مرجعيات قانونية وأخلاقية مستقلة عن القوى الكبرى، بل من يحدد الحسن والقبح هي القوة السياسية والعسكرية.

ومن ثم ترسم جغرافيا العنف والإرهاب مواقع السلطة والهيمنة، وتحاول فرض سياساتها باسم محاربة العنف والإرهاب، من خلال نوع الأسئلة التي تناقش، وتوجيه دفة النقاش باتجاه محدد يخدم القوى الاستعمارية؛ التي تهدف إلى إحداث تغييرات فكرية وثقافية عميقة لدى الشعوب المستضعفة لتتمكن من الهيمنة عليها.

ومن ثم فهي لا تتسامح مع مفاهيم حرية هذه الشعوب، واستقلالها ولا تعترف لها بحق المقاومة والدفاع عن النفس، ويصدق هذا على الأفراد كما يصدق على الجماعات التي هي دون الدولة.

فالشعوب يتم ضبطها من خلال الأنظمة السلطوية التي تتولى تسيير مصالح الدول الكبرى، ومؤسسات وهياكل النظام الدولي تبدو عاجزة ومعطلة أمام الإرهاب الإسرائيلي المدعوم أميركيًّا؛ لأن النظام الدولي إنما تضبط إيقاعه القوى الكبرى باتجاه مصالحها وتوافقاتها، والله المستعان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: العنف الإسرائیلی دولة إسرائیل تشرین الأول من جهة أخرى إسرائیلی ا بالرغم من الدفاع عن هذا العنف قطاع غزة من خلال أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

التهجير القسري عبر التاريخ الحديث.. كيف تنجو الشعوب دائما من محاولات الإبادة؟

يشير مصطلح التهجير القسري إلى نقل الأفراد أو المجموعات أو حتى الشعوب من أماكن إقامتهم الأصلية بالقوة أو تحت ضغوط شديدة، دون رغبتهم الشخصية، نتيجة ظروف أو أحداث خارجة عن إرادتهم بسبب الحروب والسياسات الإجرامية القمعية الممارسة من قبل طرف ما.

ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عاد الحديث بشكل واسع عن هذه الجريمة، بسبب ممارستها من قبل الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة طوال 15 شهرا، وحاليا بسبب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بضرورة مغادرة سكان غزة لأرضهم والعيش في دول وأماكن أخرى.

وسواء كان التهجير القسري بالضغط والاعتقال أو بممارسة الإبادة الجماعية والقتل الممنهج، طالما تمكنت الشعوب من النجاة والبقاء في أرضها والعودة إليها، أو العمل المستمر على تحقيق ذلك، وتكرر هذا الواقع في الحديد من الحالات عبر التاريخ الحديث.

جزيرة كريت 
تقع جزيرة كريت، في البحر الأبيض المتوسط، ومرت عليها العديد من الحضارات المختلفة، بدءًا من المينويين والإغريق والعثمانيين، وشهدت تغيرات سياسية وديموغرافية عديدة، من أبرزها التهجير القسري الذي تعرض له المسلمون في القرن 19 وأوائل القرن 20.

حكمت الدولة العثمانية جزيرة كريت منذ عام 1669، إلا أنه خلال القرن التاسع عشر، بدأت بعض الحركات في اليونان تنشط، مطالبة بضم كريت إلى الدولة اليونانية الحديثة التي تأسست عام 1830.

وشهدت الجزيرة العديد من الاضطرابات خاصة في الفترة ما بين 1821 حتى 1897، حيث قامت الجماعات اليونانية بقتل أعداد كبيرة من المسلمين الكريتيين، ما تسبب تصاعد العداء بين المسلمين والمسيحيين في الجزيرة.

وفي عام 1898، تم فرض حكم ذاتي على الجزيرة تحت إشراف دول أوروبية وهي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بالإضافة إلى روسيا، مما أدى إلى استهداف المسلمين بشكل أكبر، وبعد حروب البلقان (من بلغاريا واليونان والجبل الأسود وصربيا ضد الدولة العثمانية) في الفترة ما بين 1912 و1913 تم ضم كريت رسميا إلى اليونان.


ونتج عن هذا الضم تهجير قسري لما تبقى من المسلمين، واعتبرتهم السلطات اليونانية حينها "عناصر أجنبية"، ومع حلول عام 1923 تمت اتفاقية التبادل السكاني بين اليونان وتركيا، وبموجب معاهدة لوزان عام 1923، تم تنفيذ تبادل سكاني بين الطرفين، ما أجبر المسلمين الكريتيين على مغادرة الجزيرة والاستقرار في تركيا.

وجاء ذلك رغم أن المعاهدة نصت على استقلال جمهورية تركيا وحماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية في تركيا والأقلية المسلمة في اليونان، ومع ذلك، فقد تم بالفعل ترحيل معظم السكان المسلمين في اليونان بموجب اتفاقية تبادل السكان.

ونتيجة هذا التهجير تغيرت التركيبة السكانية في كريت، واختفى التواجد الإسلامي بالكامل تقريبا من الجزيرة، بعد أن كان المسلمون يشكلون نحو 45 بالمئة من السكان في القرن 19، وتحولت المساجد إلى كنائس أو هُدمت، وضاعت العديد من المعالم الإسلامية.

أجبر عشرات الآلاف من المسلمين الكريتيين على مغادرة وطنهم، وانتقل معظمهم إلى مدن مثل إزمير وأيدين ووأنطاليا في تركيا، وتعرض المسلمون الكريتيون للاندماج القسري في المجتمع التركي، واضطر بعضهم لتغيير أسمائهم وعاداتهم.

ولم يحدث تهجير جماعي لسكان جزيرة كريت إلى فلسطين في أي فترة تاريخية موثقة، إلا أنه بعد سيطرة الدولة العثمانية على الجزيرة عام 1669، انتقل بعض سكانها المسلمين إلى أراضٍ عثمانية أخرى، منها فلسطين.

وتعود فكرة وجود سكان كريت في فلسطين إلى رواية توراتية تقول إن السكان العرب "تسللوا إلى فلسطين من جزيرة كريت اليونانية"، وأن الفلسطينيين شعوب جاءت من وراء البحر، وهو ما ينفيه الباحث والمؤرخ فاضل الربيعي.



النكبة الفلسطينية 
عمليات تهجير قسري مستمرة بمختلف الأساليب يتعرض الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 بعد قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم تدمير مئات القرى الفلسطينية وتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من ديارهم ليصبحوا لاجئين.

وخلال فترة الانتداب البريطاني الممتدة ما بين 1920 حتى 1948، دعمت بريطانيا المشروع الصهيوني وفقًا لوعد بلفور 1917، وتم تسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مما أدى إلى تصاعد عمليات التطهير العرقي ضد السكان الفلسطينيين.

وأصدرت الأمم المتحدة القرار 181، الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى "دولة يهودية" تقام على 55 بالمئة من مجمل أراضي فلسطين، ودولة عربية تقام على 45 بالمئة، مع تدويل القدس، وهو ما رفضه الفلسطينيون والعرب، بينما قبلته المنظمات الصهيونية.

بعد إعلان قيام "إسرائيل" في 14 أيار/ مايو 1948، اندلعت الحرب بين الجيوش العربية والقوات الصهيونية، وقامت عصابات مثل الهاغاناه والإيتسل، والشتيرن بتنفيذ مجازر بحق الفلسطينيين، مثل مجزرة دير ياسين، لإرهاب السكان ودفعهم إلى الفرار، وهو ما أدى إلى تدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية وتهجير أهلها قسرا.

#شاهد | النكبة الفلسـطينية .. حكاية الكفاح المستمر#عربي21 pic.twitter.com/MvvKeTPoDl — عربي21 (@Arabi21News) May 15, 2024
وفي الوقت الحالي زاد عدد اللاجئين وأجيالهم المختلفة من 750 ألف إلى حوالي 6 مليون لاجئ مسجل لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وهذه الأرقام لا تشمل الفلسطينيين الذين هُجِّروا أو نزحوا ولم يتم تسجيلهم لدى الوكالة.

ورغم ذلك مازال العديد من الفلسطينيين يتواجدون في بيوتهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وأصبحوا "مواطنين في دولة إسرائيل" يُعرفون أيضًا بأسماء "فلسطينيو وعرب 48، أو فلسطينيو وعرب الداخل".

في الأمريكيتين
منذ بداية القرن الخامس عشر، بدأ الأوروبيون سواء من إسبانيا أو البرتغال أو إنجلترا وفرنسا وغيرهم بالوصول إلى الأمريكيتين، وأدى ذلك إلى احتلال الأراضي التي كان يعيش عليها السكان الأصليون لآلاف السنين.

وساهم انتشار الأمراض المُستوردة من أوروبا مثل الجدري والإنفلونزا، في انخفاض عدد السكان الأصليين بشكل حاد، مما سهل عمليات السيطرة والاستغلال، إضافة إلى وقوع حروب وصراعات عسكرية بين القوات الاستعمارية والسكان الأصليين.

وفرضت القوى الاستعمارية نظاما اقتصاديا واجتماعيا جديدا أدى إلى استعباد السكان الأصليين، ونهب مواردهم الطبيعية، مما اضطر الكثير منهم إلى النزوح أو الترحيل من أراضيهم.

في الولايات المتحدة، اعتمدت سياسات حكومية صريحة لطرد السكان الأصليين من أراضيهم، أبرزها ما يُعرف بـ"درب الدموع - Trail of Tears" في عشرينيات القرن التاسع عشر، حيث تم ترحيل آلاف الهنود إلى مناطق بعيدة عن أراضيهم التقليدية.

ودرب الدموع هو سلسلة من عمليات التهجير القسري لشعوب أمريكا الأصليين من وطنهم الأصلي في جنوب شرق الولايات المتحدة إلى المناطق الغربية (غرب نهر المسيسيبي) التي اعتبرت أراضي هندية، حيث قامت السلطات الحكومية بعد إقرار قانون إزالة الهنود في عام 1830 بتهجيرهم.

#انفوجرافيك من #امريكا بين [1776-1930]

يوضح كيفية إنخفض أعداد السكان الأمريكيين الأصليين بعد وصول الإستعمار الأوروبي للأمريكيتين من اجل نهب الاراضي والثروات
بلغ عدد قتلى الهنود الحمر
10 مليون في أكبر جريمة إبادة عرقية في تاريخ البشرية بحق عرق واحد!

pic.twitter.com/X8NpoJPb8G — PIC | صـور من التـاريخ (@inpic0) April 20, 2022
وعانت هذه الشعوب التي تم تهجيرها من العراء والمرض والجوع  في طريقها إلى المحمية الجديدة التي تم تعيينها لهم وتوفي العديد قبل الوصول إلى وجهتهم، وشملت عمليات التهجير القسري أفراد قبائل وشعوب شيروكي ومسكوكي وسيمينول وتشيكاساو وتشوكتاو وبونكا، بحسب ما ذكر موقع "شيروكي نيشين".

وفرضت الدول الناشئة في الأمريكيتين سياسات تهدف إلى دمج السكان الأصليين في المجتمعات الجديدة، وغالبا ما ترافقت هذه السياسات مع نهب الأراضي وفرض النظم الإدارية والتعليمية التي أدت إلى فقدان الهوية الثقافية واللغوية.

وسرقت الحكومات والمستعمرون أراضي السكان الأصليين، مما أثر بشكل مباشر على وسائل معيشتهم التقليدية مثل الصيد والزراعة، بينما انخفاض عدد السكان نتيجة للأمراض والحروب والتهجير القسري.


وأدى التهجير إلى تآكل الهوية الثقافية للسكان الأصليين، حيث فقد الكثير منهم ارتباطه بتراثه وتقاليده، مما أثر على نقل المعرفة والقيم عبر الأجيال، بينما لا تزال آثار التهجير والاستعمار تؤثر على السياسات والهوية والنزاعات الاجتماعية في العديد من دول الأمريكيتين، مع مطالب مستمرة بإعادة الحقوق والاعتراف بالأراضي التقليدية.

تهجير الأرمن
وهي أحداث جرت داخل الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، بدءًا من عام 1915، وقد تضمنت عمليات ترحيل قسرية ومذابح وممارسات عنيفة أدت إلى وفاة ما يقدر بنحو 1.5 مليون أرمني.

وكان الهدف من السياسات العثمانية تقليل النفوذ الأرمني الذي كان يُعتبر تهديدا داخليا للدولة العثمانية في ظروف الحرب العالمية الأولى، خاصة مع العلاقات القوية التي تربط الأرمن بالقوى المتحالفة مع روسيا.

وأدت هذه الأحداث إلى انخفاض حاد في عدد الأرمن داخل الأراضي التي كانت تخضع للحكم العثماني، مما تسبب في تراجع كبير للحياة الثقافية والدينية والاجتماعية للأرمن في المنطقة، واضطر الآلاف من الأرمن إلى الفرار من ديارهم، ما أدى إلى انتشار جاليات أرمنية كبيرة في دول أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية، وأماكن أخرى.

وعلى الرغم من التهجير والاضطرابات، تمكن الأرمن في الشتات من الحفاظ على لغتهم وثقافتهم وتراثهم عبر تأسيس جمعيات ومنظمات ومدارس كاثوليكية وأرمنية، وبعد عقود من التشتت والمعاناة، تمكن الأرمن من إقامة دولة مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وهو ما ساهم في استعادة جزء من الهوية والسيادة الوطنية.

وأسس الأرمن قبل ذلك في الشتات مؤسسات وجمعيات تعنى بالحفاظ على تراثهم، وتنظيم فعاليات ثقافية، وتعزيز العلاقات مع الدول المضيفة، بحسب ما ذكرت مؤسسة التوثيق الأرمنية.

لماذا أعلن #بايدن الاعتراف بـ "إبادة الأرمن" .. وماذا يترتب عليه ؟https://t.co/63bLIAHF39 — عربي21 (@Arabi21News) April 25, 2021
وتؤكد دولة تركيا الحالية رفضها الشديد لاتهامها بالمسؤولية عن الإبادة الجماعية للأرمن، وأن "المعاناة حدثت لكلا الجانبين الأرمني والتركي أثناء حرب عام 1915".

"آرداخ"
اللفظ الشيشاني للتهجير القسري الذي نفذته السلطات السوفيتية في عام 1944 خلال فترة حكم جوزيف ستالين، بالإضافة إلى أحداث النزاع الحديث التي أدت إلى نزوح جماعي من السكان خلال الحروب في التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين. 

وفي 23 شباط/ فبراير 1944، اتُهم الشيشانيون والإنغوش بارتكاب أعمال تعاون مع الأعداء (القوات النازية) خلال الحرب العالمية الثانية، واستُخدم هذا الاتهام لتبرير قرار القيادة السوفيتية بقيادة ستالين بنقلهم قسرًا من أراضي شمال القوقاز إلى مناطق أكثر بعدُمًا في آسيا الوسطى مثل كازاخستان وغيرها.

وخلال هذه الفترة تم اعتقال آلاف الشيشان والإنغوش وإجبارهم على المشي لمسافات طويلة تحت ظروف مناخية قاسية، مع قلة الموارد الغذائية والخدمات الطبية، وقد أدت هذه العملية إلى مقتل نسبة كبيرة من السكان خلال الرحلة أو في المعسكرات التي وُضعوا فيها.

وقُدر عدد الضحايا بعدد كبير، بينما جرى تدمير النسيج الاجتماعي والثقافي، وفقد الكثير من الأسر والقرى تاريخها وتراثها بسبب الفصل القسري والتهجير المفاجئ.

وبعد وفاة ستالين في أوائل الخمسينيات، سُمح لبعض الناجين بالعودة إلى القوقاز في عام 1957، لكن كثيرًا من العائلات فقدت ممتلكاتها وهويتها الأصلية.

كان للمسلمين النصيب الأكبر منها.. لوحات سريالية رسمتها يد البطش الروسي ???????? لمدن مدمرة بأكملها من #الشيشان إلى #أوكرانيا ???????? مرورا بـ #سوريا وغيرها.. #شاهد بعضها????#الحرب_الروسية_الأوكرانية pic.twitter.com/lGz7tzveKv — عربي21 (@Arabi21News) March 9, 2022
وتكررت هذه العمليات خلال فترة التسعينيات في الفترات ما بين 1994 حتى 1996 و1999 حتى 2000، وشهدت جمهورية الشيشان حالة من الصراع المسلح مع الحكومة الفيدرالية الروسية، مما أسفر عن نزوح واسع للسكان داخليًا وخارجيًا.

ونتيجة هذه الأحداث قتل آلاف الأشخاص وتدمرت البنية التحتية، وجرى وتفكك النسيج الاجتماعي، مما أدى إلى أزمة إنسانية مع استمرار نزوح السكان حتى الوقت الحالي في بعض المناطق.

زلا يزال العديد من الشيشانيين يعانون من آثار التهجير سواء من ناحية فقدان الهوية أو النزاعات الاجتماعية والاقتصادية، في حين تسعى السلطات إلى إعادة إعمار المناطق المتضررة ومحاولة إعادة توطين السكان.


ورغم التهجير والمعاناة، حافظ الشعب الشيشاني على تقاليدهم ولغتهم وهويتهم الثقافية من خلال الأسر والمجتمعات في الشتات وحتى بعد العودة إلى وطنهم، بينما أصبحت أحداث التهجير جزءا من الذاكرة الوطنية والسياسية للشعب الشيشاني، حيث تُنظم فعاليات ومهرجانات ومؤتمرات لتوثيق هذه التجربة وتقديمها للعالم.

رغم بعض الجهود لإعادة بناء المناطق المتضررة، إلا أن العديد من الشيشان لا يزالون يواجهون تحديات اجتماعية واقتصادية تتعلق بفقدان الممتلكات والحقوق، مما يجعل قضية التهجير محور نقاش سياسي واجتماعي مستمر في المنطقة.

ميانمار
تُعتبر جماعة الروهينغيا المسلمة أقلية تواجه تمييزا منهجيا وعمليات واسعة من التهجير القسري في ميانمار، نظرا لأن قانون البلاد التي تقع في جنوب شرق آسيا لا يمنحهم الجنسية ويُشار إليهم غالبًا بأنهم لاجئين داخليين، مما يجعلهم محرومين من الحقوق الأساسية والمشاركة السياسية.

ومنذ عقود تتعرض جماعة الروهينغيا لحملات قتل وعنف ممنهجة من قبل القوات العسكرية والجهات المتطرفة ذات الطابع البوذي، والتي تُصوّرهم كعناصر تهدد الوحدة الوطنية. وقد بلغت حدة هذه الموجات ذروتها في حملات قمع شديدة، خاصة في عام 2017، ما أجبر الآلاف على الفرار من ديارهم.

وتُفاقم السياسات الحكومية والتمييز الاجتماعي من أزمات اقتصادية تعاني منها المناطق التي يعيش فيها الروهينغيا، مما يدفع الكثيرين إلى البحث عن حياة أفضل خارج حدود ميانمار.

واضطر آلاف الروهينغيا إلى الهروب من ميانمار بحثًا عن الأمان، مما أدى إلى تشكل جاليات كبيرة في دول مجاورة، خاصة في بنغلاديش ضمن في مخيمات كبيرة أبرزها مخيمات تُمسى "كوبان"، وأماكن أخرى في جنوب آسيا.

رغم الظروف الصعبة، حافظت الجاليات النازحة على تراثها الثقافي والديني من خلال إقامة مدارس ومراكز ثقافية ودينية تُعنى بنقل الهوية واللغة والتقاليد إلى الأجيال الجديدة، وقد ساهم هذا التماسك الاجتماعي في دعم الصمود النفسي والمعنوي للأفراد.

رواندا 
تعرّضت جماعة التوتسي في رواندا لحدث مأساوي وغير مسبوق خلال الإبادة الجماعية عام 1994، حيث استهدفت حملات قتل ممنهجة أعدادًا كبيرة منها من قبل عناصر متطرفة من الجماعة "الهوتو".

واشتعلت التوترات العرقية بين التوتسي والهوتو منذ عقود نتيجة للصراعات السياسية والتفرقة التي كانت تمارسها الإدارة الاستعمارية السابقة، مما ساهم في تأجيج النزاعات بعد الاستقلال.

خلال فترة قصيرة من الزمن (حوالي 100 يوم)، شهدت رواندا خلال فترة التسعينيات عمليات قتل جماعي شملت استهداف التوتسي وعناصر من الهوتو المعتدلين الذين عارضوا التطرف، وقد أدت هذه الحملة إلى مقتل ما يقرب من 800 ألف شخص، حيث كانت الجماعة التوتسية هدفا رئيسيا.
ولم تنته عمليات القتل إلا بعد أن تمكن المتمردون التوتسي المسلحون، الذين غزوا البلاد من بلدان مجاورة، من هزيمة الهوتو ووقف الإبادة الجماعية في تموز/ يوليو 1994. 

وكان لـ"إسرائيل" دورا كبيرا في هذه الإبادة، ففي عام 1994، رُصدت حركة طائرات مسجّلة لدى بلغاريا وأوكرانيا، في مطار عاصمة الكونغو جوما، الذي يقع على الحد الفاصل بين رواندا والكونغو (زائير سابقا)، حيث كانت تهبط في الليل لنقل السلاح والذخيرة لأيدي القوات المسلّحة في قبيلة الهوتو.

وكانت مخازن السلاح قد أقيمت على طول الحدود بهدف استيعاب مخزون الأسلحة، ومن ضمنها المخازن التي هبطت فيها أربع طائرات عام 1994 محمّلة بالقنابل اليدوية وبندقيات "عوزي" وذخائر من صنع الصين والاتحاد السوفييتي، وجلّ هذه الأسلحة استولى عليها جيش الاحتلال من حربه مع مصر في 1973، ثم تم نلقها إلى ألبانيا، ومن ألبانيا إلى جوما، بحسب تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" عام 2018.

واعترف أحد الطيارين الأربعة الذين كان لهم دور في هذه الرحلة الجوية أمام لجنة تحقيق "أمنستي إنترنيشنال" أنه ضُلّل عندما نقل 35.6 طن من الأسلحة، واعتقد حينها أنها ستُعطى لجيش الكونغو، لكنها في الحقيقة نُقلت لقوات قبيلة الهوتو الرواندية المسلّحة على الحدود.

هواية "إسرائيل" في قتل المدنيين يتجاوز فلسطين، فقد سبق وكشفت تقارير استندت على أدلة دامغة، بأنها متورطة في تصدير السلاح لمرتكبي المجازر في رواندا والبوسنة - رغم وجود حظر فرضته الأمم المتحدة.
وقد رفضت المحكمة العليا لدولة الاحتلال في عام 2016 طلب الكشف عن صادرات الأسلحة + pic.twitter.com/u85zk7L4UF — Bashar Hamdan ???????? (@Bashar_Hamdan) October 10, 2023
في أعقاب الإبادة، نجحت حركة تحرير رواندا بقيادة بول كاجامي، التي يتألف قاعدتها الأساسية من التوتسي والعديد من الهوتو المعتدلين، في السيطرة على البلاد. وقد أسفر ذلك عن إنهاء الفظائع وإرساء قواعد حكومة جديدة تركز على الوحدة الوطنية وإعادة البناء.

وعلى الرغم من المأساة التاريخية، أصبح العديد من التوتسي جزءا من الجهاز الحكومي والسياسي في رواندا، وقد ساهم ذلك في إعادة بناء البلاد وتحقيق نمو اقتصادي ملحوظ خلال العقود الماضية.

الإيغور
تشهد منطقة شينجيانغ في الصين منذ عدة سنوات جرائم وممارسات قمعية تشمل اعتقالات جماعية وقيودا صارمة على الحريات الدينية والثقافية، إلى جانب تقارير عن أعمال عنف وقتل واستهداف ممنهج لأفراد من الأقلية الإيغورية. 


وأكدت تقارير عدة من منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"أمنستي إنترناشيونال" أن السلطات الصينية قامت باعتقال أعداد كبيرة من الإيغور، ويُقدَّر أن عددهم قد تجاوز المليون، وذلك في ما يُعرف بمعسكرات "التأهيل والتربية" أو "المعسكرات التعليمية التأهيلية".

وجاء ذلك ضمن "إشكالية صينية كبيرة" تتعلق بمنع ممارسة الشعائر الدينية واللغة والعادات الثقافية الخاصة بالإيغور، حيث تُفرض سياسات تفرض "الاستيعاب الثقافي" بهدف تغيير الهوية الدينية والثقافية.

وتركز معظم التقارير الحقوقية على الاعتقالات والتعذيب والضغط النفسي والاجتماعي، توجد أيضا تقارير وشهادات فردية تتحدث عن حالات قتل واسعة وظروف صعبة تعرض لها بعض الأسر والمجتمعات.

تُشير بعض التقارير إلى إجراءات إدارية صارمة، منها نقل أفراد من الأسر الإيغورية إلى مناطق أخرى داخل شينجيانغ، وهو ما يصفه الحقوقيون بعملية تهجير تساهم في تغيير التركيبة السكانية للمنطقة.

ونتيجة ذلك هرب عدد كبير من الإيغور من منطقة شينجيانغ بحثا عن حرية ممارسة دينهم وثقافتهم، فأسسوا مجتمعات شتاتية في بلدان عدة مثل تركيا وكندا والولايات المتحدة وأوروبا، وهذه الجاليات تعمل على تسليط الضوء على معاناتهم وتوثيق التجاوزات.

بالرغم من القيود الصارمة، يحاول بعض الإيغور الحفاظ على هويتهم من خلال ممارسات دينية وسرية ونقل تراثهم الشفهي والثقافي بين الأجيال، رغم المخاطر المترتبة على ذلك.

أكدت مؤسسة "دوي هوا"، وهي مجموعة حقوقية، أن السلطات الصينية أصدرت حكما بالسجن مدى الحياة على العالمة من أقلية #الإيغور المتخصصة في دراسة الفولكلور والتقاليد الخاصة بشعبها، راحيل داووت، بعد ست سنوات من الاحتجاز التعسفي.#عربي21 pic.twitter.com/LjPjmyIKbQ — عربي21 (@Arabi21News) September 24, 2023
وساهمت الجهود الدبلوماسية والضغط من قبل منظمات حقوق الإنسان والجهات الدولية في تسليط الضوء على القضية، ما أسهم في وضع بعض الضغوط على السلطات الصينية، وإن كانت النتائج على الأرض لا تزال محدودة جدا.

مقالات مشابهة

  • التهجير القسري عبر التاريخ الحديث.. كيف تنجو الشعوب دائما من محاولات الإبادة؟
  • وزير الدفاع الأمريكي: سنجهز إسرائيل بالذخائر التي لم تُمنح لها سابقًا
  • وزير الدفاع الأمريكي: سنزود إسرائيل بكل الاسلحة التي تحتاجها
  • “مجموعة لاهاي” تحرص على معاقبة إسرائيل وحكامها على المجازر التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني
  • صحيفة إسرائيلية: ممثل يهودي يشبه أفعال إسرائيل بجرائم النازية
  • “اقتحام سفارة إسرائيل في القاهرة”.. لماذا تعرض تل أبيب مسلسلا عن ثورة 25 يناير 2011؟
  • لماذا تعتبر إسرائيل حركة بي دي إس خطرا وجوديا؟
  • نجم إنجلترا: الحديث عن تجديد عقد صلاح مع ليفربول غباء
  • «ترامب» يستقبل «نتنياهو».. ماهي «إسرائيل الصغيرة» التي تحدّث عنها؟
  • مؤامرة التهجير تتحطم على صخرة الصمود الفلسطيني.. المقترح الأمريكي الإسرائيلي يعيد للأذهان ذكريات "النكبة".. والقاهرة حجر عثرة أمام حلم "إسرائيل الكبرى"