فتاوى المشتغلين بالعلوم الإنسانية.. محمد البهي نموذجا
تاريخ النشر: 21st, July 2023 GMT
ذكرنا في مقالنا السابق ما يمكن أن نعدّه مدخلا لعلم اجتماع الفتوى، وهو باب لم يكتب فيه من حيث التأصيل والتقعيد حتى الآن للأسف، واعتبرنا ما أصدره العلماء من كتب في الفتاوى مدخلا مهما لذلك، وبخاصة التي صدرت من العلماء الذين كان لهم اشتغال بالعلوم الإنسانية، سواء من حيث العمل العلمي، أو من حيث التحصيل العلمي، واستصحاب هذه العلوم في العمل الإفتائي.
كنا قد ذكرنا فئة من هؤلاء، سواء ممن صدرت لهم كتب فتاوى، أو كتب فقهية، جمعت بين الفقه والعلوم التي حصلوها من العلوم الإنسانية، مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، والقانون، والاقتصاد، وغيرها من العلوم. فممن صدرت لهم كتب فتاوى وكان لهم اشتغال بالعلوم الإنسانية الدكتور محمد البهي.
سافر البهي ليلتحق بجامعة برلين، ولم يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة الألمانية، حتى وصوله إليها، فالتحق بمعهد تعليم اللغة الألمانية للأجانب، لمدة 8 أشهر، ثم انتقل إلى مدينة هامبورغ للحصول على الدكتوراه التي حصل عليها بدرجة ممتاز.
البهي والجمع بين العلوم الشرعية والإنسانيةمحمد البهي شخصية أزهرية فريدة، من حيث همته، ورباطة جأشه في البحث العلمي الرصين، وفي جمعه بين لغة عربية فصيحة أصيلة في الكتابة، ولغات أجنبية، يتقنها كما ينطقها أهلها، يترجم عنها ومنها، بل يدرس ويكتب، ويحصل على درجة الدكتوراه بها، وهي درجة في الإتقان لا يرقى إليها كثيرون.
محمد البهي تلقى تعليمه في الأزهر، وكان ترتيبه الأول في مراحل تعليمه الأزهرية، والتحق بقسم التخصص في شعبة البلاغة، وفي السنة الثالثة أتيحت له فرصة السفر إلى أوروبا للدراسة، فقد أعلنت مديرية محافظة البحيرة، تخليدا لذكرى الإمام محمد عبده إيفاد بعثة علمية إلى أوروبا مكونة من اثنين من أبناء البحيرة، الحاصلين على شهادة العالمية، ويطلق على هذه البعثة "بعثة تخليد ذكرى الأستاذ الإمام المرحوم محمد عبده"، ووقع الاختيار على اثنين، هما: الشيخ محمد عبد الله ماضي، ليدرس التاريخ العام وبخاصة الإسلامي، والشيخ محمد البهي، لمجموعة الفلسفة والمنطق وعلم النفس لدراستها.
سافر البهي ليلتحق بجامعة برلين، ولم يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة الألمانية، حتى وصوله إليها، فالتحق بمعهد تعليم اللغة الألمانية للأجانب، لمدة 8 أشهر، ثم انتقل إلى مدينة هامبورغ للحصول على الدكتوراه التي حصل عليها بدرجة ممتاز، وكان موضوعها "الشيخ محمد عبده والتربية القومية في مصر"، ولتفوق البهي نصحه أستاذه (نواف Noaf) بجامعة هامبورغ أن يستكمل دراسته حتى يحصل على شهادة إجازة التدريس العالي التي تخوّل لحامليها حق التدريس في الجامعات والحصول على لقب "أستاذ"، وهو ما حدث بالفعل، حسب ما ذكر البهي في مذكراته المعنونة بـ"حياتي في رحاب الأزهر، طالب وأستاذ ووزير".
عاد البهي بعد حصوله على الدرجات العلمية العالية والمتفوقة، ليعمل مدرسا للفلسفة وعلم النفس في كلية أصول الدين، ثم كلية اللغة العربية التي كان بها قسم منفصل للدراسات الفلسفية، وعُيّن مديرا لجامعة الأزهر، ثم وزيرا للأوقاف، وله عدد من المؤلفات المهمة في الفكر الإسلامي، ركز اهتمامه فيها على دراسة الجانب الفلسفي في العقيدة الإسلامية، والنظام الإسلامي، من حيث جوانبه الاجتماعية، والسياسية، والمالية، ونظام الحكم والدولة، منطلقا من دراسته الفلسفية التي أتقن بها دراسة المذاهب الفكرية المعاصرة المختلفة، والاطلاع على الفكر الأوروبي.
فتاوى محمد البهيصدرت فتاوى محمد البهي بعنوان "رأي الدين بين السائل والمجيب"، في 4 أجزاء ما بين المتوسطة، والكبيرة، وبلغ عدد فتاواه 469 فتوى، تنوعت بين مجالات الأسئلة المتعلقة بالعقيدة، وقد أطلق عليها البهي اسم "في دائرة الألوهية"، وبين أقسام أخرى مثل العلاقات الاجتماعية والأسرية.
الفتاوى التي أصدرها محمد البهي لم تنشر كشأن بقية فتاوى معاصريه، ممن اشتهر عنهم الإفتاء، كالشيخ محمود شلتوت، وقد نشرت فتاواه في الصحف والمجلات، ثم جمعت في كتاب، أو فتاوى حسنين مخلوف، أو من أتوا بعدهم، كانت فتاواهم تصل إليهم في أسئلة، ويجاب عنها، وتنشر، ثم تجمع، لكن فتاوى البهي ليست من هذا النوع، فكلها كانت رسائل خاصة تصل إلى المؤلف، ويجيب أيضا عنها في سرية تامة بينه والسائل، ثم بعد أن تجمّع لديه عدد هائل من الأسئلة والأجوبة يشجعه على نشرها، قام بنشرها مع إخفاء تفاصيل السائل.
تشريح اجتماعي لظواهر المجتمع المصريالبعد الاجتماعي لفتاواه كان واضحا في مخيلة ورأس البهي عند الكتابة، بل نصّ على ذلك، ولفت نظر الباحثين إلى هذه المسألة، ففي مقدمة الطبعة الثانية من الجزء الأول من كتابه -مبررا عدم جمع الأجزاء الأربعة معا حتى يضمها فهرس موضوعي موحد، بل جعلها 4 أجزاء منفصلة- قال إنه أراد بذلك لفت نظر الباحثين الاجتماعيين، في علم الاجتماع الديني، إلى بعض الظواهر التي تعرضت للتغيير، وبالأخص التقاليد.. والصلة بين أفراد المجتمع والإسلام، كدين للمجتمع نفسه.
تميزت فتاوى البهي بأنها متوسطة الحجم من حيث عدد صفحات الفتوى، فليست بالقصيرة قصرا مخلا، ولا الطويلة طولا مملا، وأسئلتها لم تكن أسئلة افتراضية نادرة الحدوث، أو مسائل تراثية بحتة قديمة لا صلة للواقع بها.
بيّن البهي أن القارئ للجزء الأول والثاني سيجد فرقا في أسئلة الناس ينبئ عن بقاء التمسك بالتقاليد، بينما بعض أسئلة أخرى فيها تنمّ عن بعد الدين عن محيط التفكير للشباب، وعن الخلط بين التقاليد القائمة عليه والتقاليد الأخرى المستوحاة من المجتمعات الإسلامية، وترددها وسائل الإعلام المختلفة في مجتمعاتنا الإسلامية، وبخاصة التلفزيون.
قسّم البهي محاور أسئلة الناس، وصنّف نوعا من الأسئلة أطلق عليه "الفلسفة السياسية"، وذكر لها نماذج من الفتاوى، مثل: ما الصهيونية؟ أدين هي أم مذهب سياسي؟ وما التقدمية الماركسية؟ وتقدمية العلم والصناعة؟ وما الصراع الطبقي؟ ولماذا يكثر نشر كتب الإلحاد والطعن في الأديان؟ وما موقف الإسلام من المال؟ أهو اشتراكي؟ أم رأسمالي أم غير هذا وذاك؟ يقول: "ومثل هذه الأسئلة تعطي الباحث الاجتماعي للمجتمع المصري المعاصر أن القارئ المصري أصبح لا يقيم اتجاها واحدا في الفكر السياسي والاجتماعي، أو على الأقل لا يقصر قراءته على هذا الاتجاه الواحد، أو هو في قراءته لها يواجه بعض المشاكل التي تختلف اختلافا جذريا مع مبادئ الإسلام".
استنتج محمد البهي من أسئلة الناس التي وصلته فيما يتعلق بالعلاقة بين الآباء والأبناء، ومدى الجرأة في مواجهة الوالدين في قضايا لم تكن موجودة من قبل، إلا في حدود ضيقة، بأن القارئ سيدرك مدى تطور المجتمع، وسيخلص إلى نتيجة واحدة هي أن الشباب قلّ تمسكهم بالإسلام اليوم إلى درجة كبيرة، وأصبحوا يقلدون الغرب أكثر من أن يتبعوا تعاليم الإسلام، ولعل برامج الإذاعة والتلفزيون من أقوى العوامل التي تحملهم على التحلل، والاختلاط، والخلط بين الإسلام من جانب وما يضعه الآخرون من جانب آخر.
مميزات فتاوى البهيامتازت فتاوى محمد البهي بميزات عدة، منها:
أنها سهلة ميسورة في لغتها وعباراتها، فهي سلسلة العبارة وسلسلة التناول، لا تجد فيها مصطلحات وعرة يعسر على القارئ فهمها، أو تخاطب المختصين دون متوسطي الثقافة، أو العامة من القراء. امتازت بأنها فتاوى ليست جافة في فقراتها وصياغتها، فكثير من كتب الفتاوى تعنى كثيرا بالنقل عن كتب التراث، وتنقل القارئ من نقل إلى آخر، مما يجعلها لا تناسب كل القراء، بل تخاطب فئة محددة منها، وهي فئة القارئ المتخصص بالتراث الفقهي، فرغم علمية فتاوى البهي فإنها لم تغرق في النقول التراثية التي يعسر على القارئ استيعابها، بل أحيانا ينقل فحوى الكلام، بما يمكّن القارئ من الفهم. امتازت بأن كل أسئلتها معاصرة، من حيث الأسئلة، فلم تكن أسئلتها افتراضية نادرة الحدوث، أو مسائل تراثية بحتة قديمة لا صلة للواقع بها، وكذلك امتازت بالمعاصرة من حيث الإجابة، الخبيرة بالمجتمع وأدوائه. متوسطة الحجم؛ من حيث عدد صفحات الفتوى، فليست بالقصيرة قصرا مخلا، ولا الطويلة طولا مملا، فبعض الفتاوى المعاصرة -للأسف- تجيب عن السؤال بيجوز، أو يحرم، في أسطر قليلة لا تشفي غليلا، ولا تقنع حائرا، وبعضها يسهب في النقول، ويطيل طولا يجعل القارئ يتيه ويشرد، وهو ما تجنبه البهي في فتاواه، فقد كان مركزا في عباراته، وإجاباته، وأدلته. لم تخل من التأصيل من القرآن والسنة، وهو ما أكثر منه البهي، حيث إن استمداده في كل الفتاوى كان يعتمد بالأساس على النصوص القرآنية، وفهمه لها، وربط هذا الفهم بالسؤال، وكذلك النصوص النبوية. ولم تخل من التعرض لبعض الأقوال الفقهية، وذلك يدل دلالة قوية على سعة اطلاع البهي، وبخاصة التراث الفقهي. امتازت فتاواه كذلك بارتباطها بالعلوم الإنسانية، فهي مربوطة ربطا دائما لا تخلو منه فتوى بالواقع الاجتماعي وحل مشكلاته، والوقوف على أمراض المجتمع ذات العلاقة بالدين. فبالنظر إلى الأسئلة التي قدمت للبهي للإجابة عنها، سنجدها كما عبر البهي نفسه بقوله: "كافية أن تشير في غير خفاء إلى: نوعية المشاكل في المستوى العام بين الأفراد، ونوعية المرض الاجتماعي الذي يكمن في توجيه المجتمعات الإسلامية، ونوعية النهاية التي سينتهي إليها هذا المرض من التفكك".أما النماذج التي تدل على أثر العلوم الإنسانية التي درسها البهي في فتاواه، وهل استند في بعض الفتاوى من حيث المنع أو الإجازة إلى هذه العلوم، وأثرها في الفتوى لديه، فهو ما نتناوله في مقال مستقل إن شاء الله.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: العلوم الإنسانیة من حیث
إقرأ أيضاً:
حصاد دار الإفتاء 2024.. 50 إصدارا متنوعا بين الدراسات الموسعة والخطط الاستراتيجية
أعلن مؤشر الفتوى عن حصاده للعام 2024، باعتباره يشكل مرجعًا مهمًّا لفهم الديناميكيات المتغيرة في عالم الفتوى، حيث سلَّط المؤشر الضوء خلال هذا العام على العديد من القضايا والاتجاهات، التي شكَّلت واقع الفتوى المعاصر، وقدَّم مجموعة متنوعة من الإصدارات والدراسات والتقارير بالاعتماد على أحدث الطرق والآليات الإحصائية والتحليلية والتي كان على رأسها «محرك البحث الإلكتروني للمؤشر العالمي للفتوى»، الذي وصل عدد المواد المخزنة على قاعدة بياناته إلى ما يقرب من 3 ملايين مادة إفتائية، وذلك في إطار مواصلة الجهود العلمية للمؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم،
وأصدر مؤشر الفتوى خلال عام 2024 ما يقرب من (50) إصدارًا متنوعًا بين الإصدارات الرصدية أو التحليلية، التي ضمَّت التقارير المختصرة أو البيانات أو الدراسات الموسعة أو الخطط الاستراتيجية والدراسات الاستشرافية، فأما التقارير الإعلامية، فقد قدم مؤشر الفتوى (10) تقارير إعلامية حول عدد من القضايا والموضوعات الإفتائية، جاء أبرزها حول فتاوى الحج وفتاوى شهر رمضان الكريم وفتاوى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فضلًا عن التقارير المتعلقة بظاهرة الشائعات والميليشيات الإلكترونية وكيفية دعم الفتاوى المصرية للقضية الفلسطينية على مر العصور.
كما أصدر مؤشر الفتوى (10) دراسات تحليلية مُعمَّقة خلال عام 2024، كان من أهمها تقرير تحليلي حول ازدواجية معايير الإعلام الغربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، والذي كشف خلاله عن تعمُّد استخدام التقارير والأخبار ومقالات الرأي المتداولة في عدد من الوسائل الإعلامية الغربية ألفاظًا مسيئة تحمل إدانات واستهانة بأرواح ضحايا العمليات الإسرائيلية تجاه أهل فلسطين العُزل والأبرياء من المدنيين، والاعتماد على استخدام مصطلحات "الإرهاب" و"الإرهابيين"، في محاولة لتحجيم القضية الفلسطينية، وتصوير الأمر باعتباره دفاعًا إسرائيليًّا شرعيًّا عن النفس. كما قدم تقريًرا تحليليًّا آخر حول "دور الفتوى في التصدي لظاهرة القمار الإلكتروني"، ودراسة تحليلية حول "واقع الطلاق في العالم الإسلامي الإحصاءات والأسباب ومبادرات العلاج"، وتقريرًا تحليليًّا بعنوان "تآكل القيم الأخلاقية الأسرية.. المظاهر والأسباب والعلاج"، فضلًا عن تقديم ملف تحليلي حول إنشاء مركز "تكوين" وردود الفعل حوله.
وأصدر مؤشر الفتوى العدد الثاني من التقرير الاستراتيجي السنوي، والذي تناول عددًا من القضايا البحثية حول التحديات التي تواجه الألفية الثالثة، وكان في مقدمتها قضية الأمن الفكري وجدلية الحفاظ على الهوية الإسلامية، تناول خلالها آليات التعامل الإفتائي مع التحديات التي تواجه الأمن الفكري، ودور علماء الأمة المعتبرين والمؤسسات الإفتائية، التي على رأسها دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف، في مواجهة مهددات الأمن الفكري والهوية الإسلامية، من خلال تحليل عينة من الفتاوى المتساهلة والمتشددة المتعلقة بعدد من القضايا التي شملت: التعايش مع المُختلِف عقائديًّا وفكريًّا، والعلاقة بين الرجل والمرأة وحماية هوية كل منهما، ومواجهة التحديات الاجتماعية الناتجة عن موجات التغريب، وطمس الهوية الإسلامية، التي تمثل أخطر تهديد للأمن الفكري والهوية الإسلامية، خاصةً وأنها تشمل قضايا تؤثر على الوجود الإنساني ككل، مثل الدعوات للا إنجابية والمثلية الجنسية.
وجاء محور آخر تضمنه التقرير الاستراتيجي تحت عنوان "خطاب الكراهية بين التحديات الحالية وآفاق المعالجة الإفتائية المستقبلية"، والذي أشار مؤشر الفتوى خلاله إلى تصدر قارة آسيا بنسبة 36٪ من قارات العالم من حيث تنامي معدلات خطاب الكراهية خلال العام، وذلك لعدة أسباب، أبرزها النزاعات التاريخية بين الجماعات المسلمة وغير المسلمة في دول مثل الهند وميانمار، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين الطوائف، واستغلال الدين كأداة سياسية لتعزيز الانقسام أو تحقيق مكاسب انتخابية.
كما أصدر المؤشر العالمي للفتوى (12) عددًا شهريًّا من نشرة "فتوى تريندز" التي تسلِّط الضوءَ على أبرز الفتاوى التي أحدثت زخمًا عبر مواقع التواصل، وكشف في تقريره ربع السنوي حول النشرة عن أن (56%) من تريندات الفتاوى غير الرسمية تسببت في إحداث بلبلة وفوضى دينية ومجتمعية، حيث وضعت تلك الفتاوى عوام الناس في حيرةٍ من أمرهم، واعتبر مؤشر الفتوى أن ترك الباب مفتوحًا لمثل هذه الفتاوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، من أجل تحقيق جنون الشهرة أو لمكاسب مادية، سيؤدي إلى تَدَنٍّ قِيمي وأخلاقي.
كما أصدر المؤشر العالمي للفتوى في عام 2024 (3) كراسات استراتيجية تعالج قضايا إفتائية، أولها بعنوان: "الفتوى وأخلاقيات العلم.. ضرورة التكامل وخطورة الانفصال" والتي هدفت لدراسة العلاقة بين العلم والدين والأخلاق في إطار مظلة الفتوى، وذلك من خلال إجراء تحليل شرعي وإحصائي علمي متكامل للفتاوى المتعلقة بالعلم والأخلاق ومختلف القضايا المرتبطة بهما، أما الثانية فجاءت بعنوان "الفتوى وأخلاقيات الإعلام.. رهانات الواقع وتحديات المستقبل"، والتي تناولت التحليل الكمي والكيفي لأبرز البرامج الإفتائية محليًّا للوقوف على أبرز القضايا الإفتائية التي تم مناقشتها وأثارت جدلًا واسعًا خلال العام، وقامت الدراسة أيضًا بتحليل أبرز القضايا الإفتائية بالأعمال الدرامية والسينمائية خلال العام، وتوصلت إلى أن (75%) من إجمالي عينة الدراسة دارت حول تناول المعايير الأخلاقية لوسائل الإعلام، أما الكراسة الثالثة فقد جاءت بعنوان "الفتوى وأخلاقيات الفضاء الرقمي.. التوظيف الأمثل للتقنيات الحديثة"، وتضمنت دراسة السياج الأخلاقي الذي يحكم سَير العملية الإفتائية عبر الفضاء الرقمي الواسع، ودراسة مدى تفاعل الفتوى مع القضايا الأخلاقية الناجمة عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتوصلت إلى أن (32%) من إجمالي عينة الدراسة جاءت حول الفتاوى المتعلقة ببيان الضوابط الأخلاقية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، كقضايا التواصل بين الجنسين.
وأسفرت تلك الكراسات الثلاث عن إطلاق المؤشر لمشروعه "صياغة ميثاق أخلاقي إفتائي للتطورات في مجالات العلوم التجريبية والطبيعية والاجتماعية والذكاء الاصطناعي".
وقدَّم مؤشر الفتوى هذا العام عددًا من التقارير والدراسات الاستشرافية، كان من أهمها خلال العام تقرير استشرافي حول تداعيات عملية "طوفان الأقصى" (حرب غزة)، تناول خلالها رؤية استشرافية لتداعيات عملية طوفان الأقصى على مختلف المجالات الإنسانية، التي شملت التداعيات على مستقبل التنظيمات الإرهابية، والتداعيات على المستوى الشعبي العربي، والتداعيات على المستوى البحثي والأكاديمي العربي، والتداعيات على مستوى عودة النشاط السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، والتداعيات على المستوى الاقتصادي، والتداعيات على المستوى التكنولوجي.
كما شارك مؤشر الفتوى خلال العام 2024 في تنظيم (3) ورش عمل على هامش فعاليات مؤتمرات وندوات لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، واهتمت الورش بتبادل الخبرات والآراء مع مختلف التخصصات للوقوف على إشكاليات عدد من القضايا والمساهمة في مواجهتها والتي عُقد آخرها في ديسمبر الحالي على هامش الندوة الدولية الأولى لدار الإفتاء المصرية وجاءت تحت عنوان "فوضى الفتاوى العشوائية.. سبل مواجهة المؤسسات الدينية للفوضى الإفتائية".
واختتم المؤشر العالمي للفتوى بيانه السنوي بالتأكيد على مواصلة دَوره في عملية الرصد والتحليل للحقل الإفتائي محليًّا وعالميًّا، مؤكدًا أن الفترة القادمة ستشهد تحولًا كبيرًا في تناول القضايا الإفتائية التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً«خلق يبني».. حملة دار الإفتاء لـ نشر الوعي حول أهمية التحلي بالقيم النبيلة
مفتي الجمهورية يوجِّه بوضع توصيات الندوة الدولية الأولى لدار الإفتاء حيِّز التنفيذ
الأوراق المطلوبة للتقديم في المدارس المصرية اليابانية بالعام الدراسي المقبل