في هذا الكتاب الجديد "نقد أسطورة التنوير الكولونيالي بمصر ـ في البدء كانت الممانعة"، لمؤلفه دكتور مجدي فارح، ويتكون من ثلاثة أقسام، ويحتوي كل قسم على فصلين،إضافة للخاتمة، والصادر عن دار الأطلسية للنشر بتونس في سنة 2014، ويحتوي على263 صفحة من الحجم الوسط، يناقش الكاتب فكرة جوهرية، هل بدأ عصر النهضة عقب حملة نابليون بونابرت على مصر (1798 - 1801)، بوصفها مدخلاً للحداثة،وتاريخًا مفصليًا للتحديث الكولونيالي الذي لم يمت بعد.



جدل حول النهضة

لقد أثار عصر النهضة جدلاً كبيرًا في مصر وغيرها من البلدان العربية، نظراً لتباين الآراء والاتجاهات حول أهدافه ونتائجه ومنطلقاته الإيديولوجية المنخرطة في العلاقات التاريخية بين الشرق والغرب، إذ تعتبر الحملة الفرنسية على مصر من المسائل التي اختلف حولها الباحثون، بين قائل بأنها كانت "شعلة النور"، التي فتحت أعين العرب والمسلمين على طريق النهضة، وبين قائل بأنها كانت "موقد النار" الذي أحرق نهضة مصرية حقيقية كانت بذورها، قد بدأت تنمو في المجتمع والفكر المصريين، وأنها كانت إجهاضاً لنهضة نابعة من كيان الأمة.

بقدر ما تعكس هذه الاتجاهات قدراً من الثراء الفكري، إلا أنها تعكس تبايناً له جذوره وأسبابه، يبدو أن الاختلاف، بقدر ما نتج عن الموقف من أوضاع مصر في العصر العثماني، كان ناتجاً أيضاً عن الموقف من الحداثة ودور الغرب فيها، وهو ما يعكس قضية أكبر، يمكن صياغتها في السؤال الاستشكالي التالي: هل كانت فرنسا (الغرب) صاحبة الرّيادة في حمل رسالة التحديث، أم أن مصر (الشرق) كانت قادرة على القيام بذلك بنفسها؟

إذا كانت الكتابات التاريخية قد اختلفت في الإجابة عن السؤال، فمردّ ذلك لكونه يطرح إشكالية المعاني الحقيقية للتخلف والجمود والمحافظة في مقابل التقدّم والتطور والتحديث، وقد ترافق طرح هذا التساؤل مع عدد من المحاذير من قبيل: هل يجب النظر إلى تلك المفاهيم بمعايير تثمّن خصوصية وقيمة التطورات التي شهدتها مصر قبل الاحتلال الفرنسي، حتى ولو اختلفت مع قيم التحديث عند الغرب؟ أم أنه من الضروري النظر إلى ما حدث باعتباره، لا ينتمي إلى التحديث الذي كان وليد الاحتلال فقط؟ وهذا يطرح السؤال من جديد: ما في الحداثة بالتحديد؟ وهل ترتبط ماهيتها ومعاييرها بالمحدّدات الغربية فقط؟ وهل لها وطن بعينه تخرج منه؟

تنطلق هذه الدراسة من واقع أسئلة عديدة من قبيل: هل كانت الحملة الفرنسية مجرد مشروع عسكري فاشل، لم يهدف إلا لتحقيق جملة من المصالح الاستراتيجية في إطار الصراع الإمبريالي لاقتسام ثروات الشرق؟ أم أنه، بقصد أم بدون قصد، أدّى إلى تداعيات إيجابية على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية في مصر، ومن ثمّة لعب دوراً مركزياً في المشاريع التحديثية التي أطلق شرارتها محمد علي باشا، في بداية القرن التاسع عشر؟ أم أنه قد أجهض مشروعاً تحديثياً مصرياً وإن كان جنينياً؟

يقول الباحث مجدي فارح، "متى دخلت مصر عصرها الحديث؟ وهل قدّر عليها أن تنتقل إلى هذا العصر بإرادة الغزاة وفي ركاب الاحتلال؟ هل حقاً فتحت الحملة لمصر أبواب الحضارة والعلم والتحديث في عصر لم يكن لها فيه مخرج آخر؟ وهل يمكن أن تأتي النهضة والحداثة في ركاب الغزاة؟ وما موقف المصريين من ذلك؟ وهل كان بوسعهم أن يختاروا بين المدفع والمطبعة؟ هل كانت الحملة الفرنسية حملة استعمارية كولونيالية عابرة أم حملة تحديثية وتنويرية فارقة في تاريخ مصر؟ وهل يربطنا بالغرب زمن ثقافي مشترك وهل تحول التنوير إلى أيديولوجيا يحاول المنتصر /المتقدم/ المستعمر/ الغازي فرضها باستمرار منذ الحملة الفرنسية إلى اليوم؟

يقول الباحث مجدي فارح:"إنّ إقرارنا بتقاطع مسارات التحديث والإمبريالية في مصر، من خلال الحملة الفرنسية، يقودنا حتماً إلى أن نكون على وعي تام بالفرق بين الأهداف المعلنة للحملة والشعارات التي رفعت، مثل الرسالة الحضارية والمهمة التنويرية وبين الأهداف الحقيقية، المرتبطة بتشعبات المشاريع الإمبريالية والكولونيالية الاستراتيجية في إطار الصراع التاريخي بين الشرق والغرب، ومن ثمة فلا بد من إعادة النظر في مقولات الجمود والركود الفكري، التي تؤكد عليها جلّ الدراسات الاستشراقية والتي تغذيها النزعة المركزية الغربية باتجاه الماضي، عبر الاشتغال على ما اصطلحنا على تسميته بالحراك السياسي والاجتماعي أو بمحاولات الإحياء الفكري والثقافي السابقة للاحتلال الفرنسي، أو بالاتجاه صوب المستقبل عبر قراءة النتائج الكارثية للمشاريع الإمبريالية الكولونيالية الغربية على اقتصاديات الشرق ومقدراته وثرواته الطبيعية وبالتالي استقلالية قراراته السياسية ومواقفه السيادية"(ص 13).

ولهذا يعتقد الباحث أنَّ ما اصطلح على تسميته بالنهضة الأوروبية، هي ظاهرة أوروبية صرفة خضعت لجملة من المحددات والظرفيات المادية والرمزية وليس بالضرورة أن تكررها جميع الشعوب أو يكرّرها تطوّر جميع المجتمعات، لأنها مرحلة انتقال أوروبا من أسلوب الإنتاج الإقطاعي إلى أسلوب الإنتاج الرأسمالي، ولذلك فإنّ مصطلح النهضة لم يستخدم إلا من أجل دراسة مرحلة من تاريخ أوروبا خاصة وأنه لم يكتسب دلالاته بصورة فعلية إلا سنة 1860.

الرؤى النهضوية وازدواجية الأيديولوجيا

لا شك أن حملة نابليون على مصر (1798 ـ 1801) باعتبارها أكثر الأقطار العربية تقدماً، حيث كانت مهيأة أكثر من سواها لخوض الصراع ضد الاقطاعية، كانت تدخل في نطاق المنافسات والصراع الدولي المحتدم، على مراكز القوة في الشرق فيما بين الدول الأوروبية الحديثة، وبخاصة منها البريطانية والفرنسية، الساعية، دوماً وراء التوازن وإعادة التوازن، ومن أجل السيادة العالمية. وكانت الامبراطورية العثمانية في هذا الصراع من أجل السيادة العالمية الورقة الرابحة الرئيسية التي يعزم نابليون على انتزاعها من أيدي الانكليز. ببعد النظر الذي  كان يتصف به قرر نابليون فتح  مصر  بالدرجة الأولى، إذ كانت إحدى ممتلكات السلطان الأكثر تطوراً  وغنى.

ولقد واجه المجتمع العربي المتخلف الصدمة الكولونيالية التي قادها نابليون وهو في حالة تخثر، وهو الأمر الذي جعل نابليون يقدم خطاباً ديماغوجياً ومخادعاً، متذرعاً باحتلال مصر من أنه للاقتصاص  من  المماليك، ومقدماً نفسه على أنه صديق للسلطان التركي.

روّج الفكر المنتمي إلى عصر التنوير للعقلانية عبر الاعتقاد في حتمية التقدم الإنساني الذي يمثله الفرنسي والأوروبي المؤمن بتفوق حضارته وبالواجبات التي تستتبع هذا التفوق تجاه الشعوب الأخرى، ولذلك فهو يرى في الاحتلال: "... برنامجاً طلائعياً لا بد أن يغطي بقية العالم وأن تكون فرنسا هي مركز الإشعاع فيه، لأنها مهيّأة لتصديره من منطلق إعادة بناء الحضارات المندثرة... ولن يتحقق ذلك إلا من خلال نزعتها الإثنية، وكان قدر مصر أن تكون أول أرض غير أوروبية تواجه هذا التحدي وهو التحضر عبر الفرانكو مركزية.."

وقد تبنت المدرسة السان سيمونية، فيما بعد، هذا التوجه المركزي عبر الترويج لفكرة الإنسانية العالمية والأخوة الكونية خلال تجربتها وتطبيقاتها في الشرق.والسان سيمونية مدرسة فكرية، ظهرت بفرنسا في القرن التاسع عشر، وتنسب إلى الفيلسوف الاجتماعي كلود هنري دو سان سيمون، الذي ولد في السابع عشر من أكتوبر سنة 1760 بباريس، زمن حكم لويس الخامس عشر، كان سان سيمون يعتقد أنّ السلام الدائم أمر ميسور إذا اتصلت الثقافات وتقاربت الميول وتناسقت الاتجاهات داخل المجتمع الصناعي العالمي، الذي دعا إلى قيامه وذلك بعد شقّ القنوات التي تربط القارات والمحيطات وإسناد إدارة الشؤون الإنسانية إلى هيئة من العلماء والفنانين والصناعيين المنتجين، وقد انخرط أتباع سان سيمون، من بعده، في تجربة استشراقية أثارت جدلاً كبيراً نظراً إلى منطلقاتها التنويرية الحالمة بتحقيق فكرة الإنسانية العالمية والعدالة والمساواة والتنمية والرخاء الاقتصادي وبين مآلاتها المتناقضة المنخرطة في الإمبريالية وفي دعم المشاريع الكولونيالية.

تحتل أوروبا، من وجهة نظر أيديولوجيا التنوير، موقع المعلم/ المنور والفاتح الذي ينشر التنوير على العالم، يحمل راية العقل، معياره الوحيد للحكم على البشر حملة من الثنائيات الجديدة من قبيل: العقل/ الجهل، أوروبا/ الشرق، الحرية/ الاستبداد، حيث تجسد أوروبا لديه، الرفاهية والعقل، ويجسّد الشرق الاستبداد والجهليقول الباحث  مجدي فارح :"ظلّ المعيار الديني، حتى عصر الأنوار، هو المعيار الأساسي الذي تستند عليه سياسات أوروبا الاستعمارية في معادلات الصراع بين العالم العربي الإسلامي وأوروبا، وقد شكّل سقوط غرناطة على يد إسبانيا الكاثوليكية ومن ورائها كنيسة روما، حدثاً مفصلياً في تاريخ الصراع بين العالمين الأوروبي والإسلامي، ففي نفس سنة هذا الانتصار الغربي وافق ملك إسبانيا على توفير مستلزمات رحلة البحار كريستوف كولمبوس، من أجل بلوغ الهند عن طريق البحر غرباً، ويتضح في رسائل كولمبوس الموجهة إلى ملكي إسبانيا والبابا، بأنّ رحلته هذه تصب في خدمة استراتيجية استكمال الحروب الصليبية، بُغية العمل على فتح الديار المقدسة من جديد، فقد كان "... يأمل في العثور على الذهب وبكميات كبيرة حتى يتسنى للملكين خلال ثلاث سنوات الاستعداد والاتجاه إلى فتح الديار المقدسة..." وقد اعتبر آرنولد توينبي أنّ العالم الغربي قد ابتكر رداً تقنياً استراتيجياً مميزاً للردّ على احتلال الأتراك للعالم الشرقي الأرتودوكسي أو على توسعاتهم على حساب المسيحية، يقول توينبي: "... لم يكن رداً هجومياً مباشراً جديداً على العالم الإسلامي مماثلاً للغزو الصليبي الفاشل والمدمر بل كان تطويقاً للإسلام عن طريق السيطرة على المحيطات..."

مع عصر الأنوار، احتضنت البروتستانية نشأة معايير ثقافية جديدة، تجد مرتكزها الثابت في تقديس الدولة القومية والدفاع عن سياستها الاستعمارية على المستوى العالمي، لقد جرى استبدال المعيار الديني بمعايير تستجيب لطبيعة المرحلة التاريخية، بمعايير العلم والعقل والحضارة، المعايير التي تشير إلى تحولات بنائية داخل المجال الثقافي الأوروبي، ويعتبر المؤرخ الفرنسي كوندورسيه أنه لا وجد إلا لسلم وحيد للحضارة وفي قمّته، "... توجد حالة الحضارة التي توصلت إليها الشعوب الأكثر استنارة والأكثر تحرّراً، والأكثر تخلصاً من الأفكار القروسطية وهي الشعوب الفرنسية والأنجلو – أمريكية..." وبالتالي فقد حلّت، وفقاً لفلسفة الأنوار، قدسية الحضارة الأوروبية محلّ قدسية المسيحية الأوروبية، ومن ثمّة غدا تمدين العالم وتحضيره المشروع التبشيري الجديد، الذي حلّ محلّ المشروع التبشيري القديم"(صص 28 ـ 29).

الملاحظ أنه في مقابل فكرة الثقافة التي جرى استحداثها وتطويرها في ألمانيا، فإنّه قد جرى في فرنسا وبشكل موازٍ تطوير فكرة الحضارة بالاعتماد على إرث متنوري القرن التاسع عشر، الذين اعتبروا أنّ قدر بلدهم في العالم هو الرسالة التمدينية، ومنذ ذلك التاريخ، لم تعد التبريرات الصليبية لاقتحام العالم العربي الإسلامي كافية أو مقدّمة لأطراف اللعبة الكونية، بعد أن تبدّلت مواقع أطرافها، فقد كانت الشعارات الصليبية والروح الصليبية تناسب علاقة مجتمعات تتسم أطرافها إلى حدّ ما بالندية ويستبعد وينكر كل منهم الآخر، ويجد لديه ما يبرر نهبه أو تصفيته، لأنّ المقياس الذي كانت تنظر فيه أوروبا للشرق الإسلامي إنما يخضع لزوج المفاهيم: الإيمان/الكفر، ومن ثمة نشأت نزعة تدمير الآخر واستبعاده وتصفيته، يعززها لديها الخوف من تدمير الآخر لها، أما الآن وقد غدا التفوق الغربي مؤكداً وتأكدت ضرورة دوام العلاقات بين الشعوب، بعد انخراط جميع الأمم في العلاقات التجارية بين الشعوب، بعد انخراط جميع الأمم في العلاقات التجارية الكونية، التي باتت أوروبا تدعم سيادتها عليها تدريجياً، وأصبح الإبقاء على هذه العلاقة مع توطد السيادة الأوروبية ضرورة لا راد لها ولا محيص عنها، مما يدفع إلى إيديولوجيا جديدة، تؤكد على ضرورة تلك العلاقات القائمة بين مختلف الأمم، الآن، في نفس الوقت الذي تؤكد فيه على الموقع السيد لأوروبا على العلاقات، وإن تطلبت تلك الأيديولوجيا من البشر الانتظام في الدرجة المناسبة التي تحتلها كل أمة في سلم الحضارة، إنّ نقد الاستعمار الذي صاغه التنوير، قد نسف التبريرات الدينية المقدمة، من خلال تأسيس أول امبراطورية استعمارية أوروبية إسبانيا البرتغال)، ولتبرير سيطرة جديدة، لا بد من أيديولوجية جديدة ترتبط عضوياً بإيديولوجيا التنوير.

ومن ثمّة ستحتل أوروبا، من وجهة نظر أيديولوجيا التنوير، موقع المعلم/ المنور والفاتح الذي ينشر التنوير على العالم، يحمل راية العقل، معياره الوحيد للحكم على البشر حملة من الثنائيات الجديدة من قبيل: العقل/ الجهل، أوروبا/ الشرق، الحرية/ الاستبداد، حيث تجسد أوروبا لديه، الرفاهية والعقل، ويجسّد الشرق الاستبداد والجهل، ومن روح تلك المقاييس المبتكرة، سيتم نسج أسطورة الوصاية الأوروبية على الأمم الأخرى ومنها الإسلام، فيصبح للفتح الغربي مذاقه التنويري الخاص الذي تتحول فيه أيديولوجيا التنوير، على صعيد العلاقات بين الأمم، إلى أيديولوجيا استبدادية، تبرر الطغيان الأوروبي باسم استنارة العقل، وواجب نشر الاستنارة الغربية.

لم يشكل التخلي عن المعيار الديني لصالح المعيار العقلي أو العلماني قطيعة نوعية، تعيد تأسيس العلاقة مع الآخر على أسس جديدة، بل على العكس من ذلك أتاحت هذه العملية تطويراً لمداخل استراتيجية جديدة مكنت الدول القومية الأوروبية من توسيع قهرها واستعبادها للآخر، لهذا السبب نلحظ وجود اتجاه ثابت يحكم توجهات الدول الأوروبية الحديثة بهدف تعميم آليات قهر الآخر، حتى غدا هذا التوجه أسلوب حياة، يخترق شتى مباني النظر الاجتماعية  القومية الأوروبية، التي بقدر تجذرها وتطور بنائها القومي كإستراتيجية مركزية، فقد عملت بالتوازي مع ذلك على دفع استراتيجية موازية تقوم على قهر الأمم الأخرى واستبعادها.

ظلت الدولة العثمانية منذ نشأتها وحتى أواخر عهد سليمان القانوني، في مطلع النصف الثاني من القرن السادس عشر، القوة السياسية والاقتصادية الأولى في الحوض المتوسطي، وقد شهدت خارطة العالم القديم، مع نهاية القرن السابع عشر، عدّة تحولات استراتيجية كبرى تفرعت عنها...

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب مصر فرنسا مصر فرنسا كتاب عرض غزو كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحملة الفرنسیة من قبیل على مصر من أجل

إقرأ أيضاً:

تركيا وموجة الربيع القادم

 

 

ما يحدث اليوم في سوريا من تمكين للجماعات المسلحة ومن احتلال لأجزاء كبيرة في الجولان لا يخرج عن فكرة الشرق الجديد وسبق لنا تناول هذه الفكرة في مقالات متعددة، ويبدو أن موجة الربيع الثالثة التي تعلن عن نفسها من سوريا لن تبرح فكرة التقسيم على أسس عرقية وطائفية وسوف تتجلى صورتها في قابل الأيام فالمؤشرات على الأرض اليوم دالة عليها.
ومشروع التفكيك للنسيج العربي – أي فكرة الشرق الجديد – تعود جذورها إلى عام 1983م وظلت تراوح مكانها إلى أن ظهرت في بداية الألفية بالتمهيد لها بأحداث 11سبتمير، وكانت تلك الأحداث مع موجات التفجير التي اجتاحت العالم يومئذ هي المحرك الأساسي لها، إذ اشتغلت أمريكا منذ 2004م على فكرة الشرق الجديد وهي الفكرة التي ولدت بعد سقوط بغداد عام 2003م تحت ذرائع قال الواقع بعدم صدقها، وقد تمخض عن ذلك السقوط فكرة الشرق الجديد، وكان من نتائجها حرب تموز 2006م بلبنان، وهي الحرب التي لم تكن نتائجها مرضية للمنظومة الصهيونية العالمية، وللسيطرة على مقاليد الزمن وحركة التاريخ سارعوا إلى تبني استراتيجية راند لعام 2007م بهدف إنشاء شبكة إسلام معتدل، وهي الرؤية الاستراتيجية التي نجحت إلى حد ما في بلوغ أهدافها في التحكم بمصائر الشعوب، وفي الاحتلال، وتدمير الثقافة الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، عن طريق موجة الربيع العربي وتداعياتها التي لن تقف عند حد التدمير فقط بل إلى أبعد من ذلك وهو مرحلة اللا الدولة.
مشروع “شبكة الإسلام المعتدل” تقوده تركيا منذ تبدل المعادلة في حرب تموز 2006م وهي تخوض غمار المعركة من موقعها، بعد أن تغير مصطلح الشرق الأوسط الجديد ليصبح أكثر قبولا من الجمهور السني وهو فكرة الخلافة الجديدة، ولعل حركة التبدل في النظام التركي من النظام البرلماني إلى الرئاسي وحركة القضاء على رموز النظام التركي القديم في لعبة الانقلاب المزعومة التي شرعنت حركة الإقصاء التي تجاوزت الحد المعقول، وقد صاحبها صمت دولي مريع من المنظمات الحقوقية والمواقف السياسية، وكأن الأمر سيناريو مرسوم سلفا تمت عملية إعداده وتنفيذه بعناية فائقة.
مارست تركيا دورا مزدوجا ظاهره الانتصار لقضايا العرب والمسلمين وباطنه التطبيع وتنفيذ الاستراتيجيات، فالمواقف التي يعلنها رجب طيب أردوغان هدفها لفت الأنظار إليه، وهو يمتص من خلالها الحالات الانفعالية في الشارع الإسلامي في حين ما تزال مواقفه ثابتة وعلاقاته مطبعة مع الكيان الصهيوني، وهو يسير في ذات المنهج للإدارة الأمريكية.
تركيا اليوم تكاد تسيطر على الوجدان العربي والإسلامي من خلال الدراما التي تحتل المرتبة الأولى من حيث المشاهدة والتأثير في ظل تراجع دور الدراما المصرية وغياب السورية، وكل الذي تنتجه ليس عفويا ولن يكون ولكنه يرتبط ارتباطا كليا أو جزئيا بحركة السياسة والاقتصاد والسوق وهو موجه بشكل منهجي واضح لإدارة الوجدان العربي، فالقضية لم تعد واقعا أفرزه نشاط عسكري وعملياتي عام 2006م، بل تجاوز الفكرة ليصبح حركة تدير الانقسامات وتعمل على تفكيك المجتمعات العربية للوصول إلى مرحلة ما قبل الدولة الوطنية أي مرحلة التشظي والانقسامات والحروب.
اليوم الصورة أكثر وضوحا من ذي قبل فتركيا تدخل سوريا، وتذهب إلى ليبيا وتتدخل في العراق ومثل ذلك النشاط قد أفصح عن نفسه وقال للمكابر عن حقيقة الدور الذي تلعبه تركيا في تفاصيل اللحظة السياسية العربية وهو دور مشبوه ولا ينم عن نوايا حسنة لتركيا مهما تظاهرت وعملت على فكرة التضليل.
مسلسل “آرطغرل ” هو الأكثر تأثيرا ومشاهدة في عموم العالم وهو يروج لفكرة عودة الخلافة العثمانية وهي فكرة تخامر النظام التركي وقد اجتمع التنظيم الدولي للإخوان في تركيا وخرج للعلن إعلانهم رجب طيب أردوغان خليفة للمسلمين.
تواجدت تركيا في قطر بقواعد عسكرية بسبب الفراغ الذي تركته أزمة العلاقة مع محيطها ومع السعودية على وجه الخصوص، وتواجدها في جزيرة سواكن بالبحر الأحمر بعقد استئجار لمدة 99عاما ليس ترفا البتة، ولكنه تواجد واع يسير وفق خطى واستراتيجيات مرسومة سلفا بدليل الاشتغال المكثف في تفكيك المجتمعات وتغير مساحة الوعي الجمعي.
في مقابل كل هذا النشاط السياسي والعسكري هناك حركة استقطاب للكوادر الثقافية وإغراءات وتنظيم خلايا في شبكات التواصل الاجتماعي للترويج والدفاع والتفكيك منظمة وفق مقتضيات برامج التنمية البشرية الذي أفلح فيه الإخوان والنظام التركي في سنوات الربيع العربي وما قبله.
كل الاستراتيجيات التي تستهدف العرب والمسلمين غايتها إطالة أمد الحروب الطائفية – وفق أحدث الدراسات الاستراتيجية طبعا – وبحيث تكون أبدية أملا في الوصول إلى حالة التدمير الشامل للعرب والمسلمين وبحيث تتحول هذه الأمة بنظر العالم إلى محاربين لا يحبون السلام والاستقرار، تحركهم أحقاد وثارات لا تنسجم مع حالة العالم ومصالحه وبذلك ينشأ توافق عالمي علي أن القضاء علي الإسلام هو الحل الوحيد لإنقاذ العالم من شروره .
تركيا اليوم تستغل الفراغات وتقود موجة الربيع الثالثة وتحاول أن تملأ تلك الفراغات بما يحقق طموحاتها المستقبلية ويبدو الواقع اكثر استجابة لها اليوم كما تبين ذلك في سوريا التي دخلتها بغطاء النظام والاعتدال ثم تسربت أخبار عن حالات بطش وتعذيب وذبح قالوا أنها تصرفات فردية مخالفة للتوجيهات وخارجة عن الإرادة .
يقول مستشار البيت الأبيض برنارد لويس :
“إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، والحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية» …..

مقالات مشابهة

  • أهم أنواع الخط العربي التي تزين أرجاء المسجد الحرام
  • بوتين عن موقف كييف من عقد ترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا: تعض اليد التي تطعمها
  • تركيا وموجة الربيع القادم
  • الرئيس السيسي: التحديات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تتطلب تضافر الجهود وتعزيز التعاون
  • رد فوري وغير مسبوق.. صنعاء تهاجم تل ابيب بصواريخ فرط صوتية في ذات اللحظة التي كانت طائرات اسرائيلية تهاجم اليمن وتحدث دمار هائل
  • لها اتصال كوني..مفكر في المستقبليات: الأهرامات المصرية كانت تنير العالم
  • ضياء رشوان: إسرائيل كانت الطرف الرئيسي الذي بادر بالتدخل في سوريا (فيديو)
  • السفير لياوليتشيانج : مصر كانت من أوائل الدول التي دعمت مبادرة "الحزام والطريق" وهي شريك أساسي في البناء
  • دراسة تحليلية لتحديات العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا في كتاب جديد
  • كتاب “عالمية الأبجدية العربية” يرصد حضور الحرف العربي في لغات العالم