الجزيرة:
2024-10-04@23:30:34 GMT

فيليو المتشائل.. والقضية الفلسطينية!

تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT

فيليو المتشائل.. والقضية الفلسطينية!

صدرَ هذا الشهر (فبراير/شباط) كتابٌ ضخم للكاتب الفرنسي جون بيير فيليو عن مسار القضية الفلسطينية، لأكثر من قرن بعنوان: "كيف ضاعت فلسطين، ولم تنتصر إسرائيل؟ تاريخ نزاع (القرن التاسع عشر، القرن الواحد والعشرين)".

ينطلق المختص الفرنسي من التحول الذي أحدثه تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي لم ينبثق من عدم، ولكن من يأس غذّته إسرائيل لدى الفلسطينيين، من خلال حصار غزة، وخنق الضفة الغربية، والتضييق على فلسطينيي 48، أو عرب إسرائيل كما تسميهم إسرائيل، وتطويق الوضع بسلسلة من الإجراءات القانونية (قانون القومية) والإدارية والأمنية، والمعاهدات (اتفاق أبراهام).

أهمية هذا الإقرار أنه يأتي من فرنسي غربي، أكاديمي، يحمل رصيدًا مشهودًا، ويتميز بالدقة في المعرفة، والحصافة في تحليل الشأن العربي تتأتّيان من معرفة وثيقة بظروف العالم العربي، ومعاينة وجدانية للقضية الفلسطينية؛ لأنه عاش رَدَحًا غير يسير في غزة.

صِيتُ فيليو لا يقف عند أروقة فرنسا التي يظل صوتها مبحوحًا في قضايا الشرق الأوسط عمومًا، بل تتردد أصداؤُه في رحاب الجامعات الأميركية كهارفارد، وله تأثيراته المحتملة على من يُسمون "الأرابيست" (أي المعنيين بشؤون العالم العربي في دائرة القرار)، إذ يُعتبر فيليو من أصحاب الوزن الثقيل بين المهتمين بقضايا العالم العربي.

يخلُص فيليو إلى أن إسرائيل على مدار قرن، انتصرت عسكريًا بفضل الدعم الغربي، بريطانيا أولًا، والولايات المتحدة لاحقًا، بَيد أن انتصارها ليس إستراتيجيًا، حتى في ظل ما يجري الآن، من صور "القيامة" أو الدمار الشامل الذي تجريه؛ لأنها لم تستطع أن "تقبر" القضية الفلسطينية، ولا أن تدفع الفلسطينيين إلى الاستكانة.

حسب فيليو، فإن القوة ليست هي سبيل الحل، ومن الضروريّ الخروج من سردية مختزلة، أو هوياتية متضاربة، تقوم على لعبة صفرية، تفترض أن انتصار طرف هو بالضرورة هزيمة للطرف الآخر.

الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، متداخلان. أحدهما يحتاج للآخر للخروج من خطاب أحادي يلغي الآخر، وبسببه توارى حلم دولة من قوميتين، أو ما يسمى في الأدبيات الفلسطينية بالدولة الديمقراطية، (مما لم يؤمن به اليمين قط).

وفي نفس الوقت، بدا جليًا أن استماتة الشعب الفلسطيني في التشبُّث بأرضه- في ظلّ تجاهل حقوقه- ترهن مستقبل إسرائيل.

يتوجب الخروج من هذه الشَرنقة، ذلك أن العالم محتاج لحل القضية الفلسطينية؛ لأنها سمّمت العلاقات الدولية في ظل الحرب الباردة، ورسّخت صِدام الحضارات، بعدها، وأضعفت الأمم المتحدة التي كانت قراراتها حول النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي يُضرب بها عُرض الحائط؛ بسبب الفيتو الأميركيّ، ويمكن لبقاء هذه القضية دون حل، أن يكون بروفة لوضع أشد سوءًا على مستوى العلاقات الدولية في المستقبل.

هنا يستعير فيليو المسار نصف المتفائل ونصف المتشائم لشخصية سعيد "المتشائل"، لإميل حبيبي للخروج من الشَرنقة التي يوجد فيها ملف النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. يتنازعه اليأس من وضع يمكن أن يزداد سوءًا، ثم ينقذه الأمل، ويغلب عليه التفاؤل، في أفق يكون منطلقًا لمقاربة جريئة وعادلة.

المسألة تتجاوز مجرد وضع حد لاحتلال شعب مشرّد ومغبون في حقوقه، إلى وضع لبنات جديدة لعالم يتسم بالعدالة؛ لأن العالم الذي نعيشه – وحتى في ظل الحرب الباردة- لم يقف على رجلَيه بسبب عدم حل القضية الفلسطينية، وهو الآن يتوجّه إلى حرب حضارية، إن لم يتم استخلاص العِبرة من الوضع الحالي.

أسهم عدم حل القضية الفلسطينية في تسميم العلاقات الدولية، وفي سباق التسلح، وفي التوتر بين الدول وبين المجتمعات، وتحييد الأمم المتحدة، وفي النزوع إلى بشاعة العلاقات المجتمعية، حسب تعبير الأكاديمي الفرنسي. ينبغي حل القضية الفلسطينية، من أجل العالم إذن.

طبعًا خِيار "حلّ" من دون الفلسطينيين غير وارد، ولم يعد واردًا، ولذلك لا يمكن الانطلاق إلى عصر جديد باطمئنان من دون حل القضية الفلسطينية. اتفاقات أبراهام التي تتضمن رؤية الولايات المتحدة لـ "حل" النزاع، تبدو "كادوك" (متجاوزة بالفرنسية) – حسب التعبير الذي سبق أن استعمله ياسر عرفات عن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية – لأنها تحمل خطيئة أصلية، هي تجاهل الفلسطينيين، وتجاهل الرأي العام في العالم العربي.

ويقترن بتلك النقطة السابقة أن نتساءل: هل يمكن ترك ملف النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي تحت رحمة دكتاتورية الولايات المتحدة التي أزاحت روسيا عن الملف، وتتضايق من أي دور محتمل من الصين.

للكتاب أهمية كبيرة، ولا سيما في الظرفية الحالية التي دخلت فيها الحرب على غزة مرحلة الاستئناس، وهي أخطر مرحلة. إذ يذكرنا أن الرأي العام يجب ألا يستكين، بل يستمر في تكثيف الضغط من أجل وقف الحرب، وبخاصة في الولايات المتحدة.

وعلى المستوى الرسمي، يجب دفع الأمم المتحدة إلى تبنّي خيار مؤتمر دولي لحل النزاع. بتعبير آخر، يجب إخراج القضية الفلسطينية من سلطة دكتاتورية الولايات المتحدة.

المفيد في الفترات الانتقالية، أنها تمكننا من صياغة قواعد جديدة، على خلاف الأوضاع المستتبة التي تجبرنا على الخضوع لقواعد قائمة.

يمكن أن نستخلص نتيجة أخيرة من كتاب فيليو، هي العودة إلى الذاكرة. اللافت على مستوى العالم العربي، ومنذ "مسلسل السلام" هو تواري السردية الفلسطينية عن وجدان المجتمعات المدنية، بل إنها اقترنت أحيانًا بجهل مطبق وتجاهل مقصود. ويتوجب الآن إعادة تلك السردية، في الإعلام، والتعليم، وباللغة العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حل القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة العالم العربی

إقرأ أيضاً:

هاجمت إسرائيل مرتين في غضون 6 أشهر.. رسالة تريد إيران إيصالها إلى العالم

خلال السنة الجارية، انتقلت إيران من مجرد التهديد واستخدام أذرعها في المنطقة ضد إسرائيل إلى مهاجمة الدولة العبرية مباشرة مرتين في غضون 6 أشهر. وينطوي هذا التغير في الاستراتيجية على رسالة تريد إيران إيصالها إلى لعالم، وفق تقرير لمجلة "فورين بوليسي".

في الأول من أكتوبر 2024، أطلقت إيران ما يقرب من 200 صاروخ نحو إسرائيل، ما مثل تصعيدا كبيرا في الصراع الأوسع في الشرق الأوسط.

وجاءت الهجمات بعد مقتل قادة بارزين مثل زعيم حماس إسماعيل هنية، وحسن نصر الله قائد حزب الله، والجنرال الإيراني عباس نيلفروشان، في هجمات تبنت بعضها إسرائيل.

وقبل ذلك، استهدفت طهران إسرائيل في 13 إبريل الماضي، بعد ضربة قاتلة نسبت إلى إسرائيل على قنصلية إيران في دمشق.

وأطلقت إيران باتجاه إسرائيل حوالي 350 مسيرّة متفجرة وصواريخ تمّ اعتراض غالبيتها من جانب إسرائيل بمساعدة دول أخرى بينها الولايات المتحدة.

الهدف الأوسع

لم يكن هدف إيران مجرد الانتقام، بل أيضا إظهار قدرتها على ردع إسرائيل التي حققت نجاحات عسكرية ضد حزب الله، وفق تقرير المجلة.

My take in @ForeignPolicy on what #Iran wanted out of its missile attack on Israel. "Iran’s goal is not so much to deter Israel, but to compel the United States to do so." https://t.co/5EXHLIpxTu

— Vali Nasr (@vali_nasr) October 3, 2024  

يرى التقرير أيضا أن الهجوم الصاروخي أظهر قدرة إيران على اختراق أنظمة الدفاع الإسرائيلية، ما يدل على استعدادها لمواجهة إسرائيل مباشرة.

أما الهدف الأوسع لطهران وفق المجلة، فقد يكون الضغط على الولايات المتحدة لدفع إسرائيل نحو التهدئة، إذ تسعى إيران لتجنب حرب إقليمية أكبر قد تشمل مواجهة مباشرة مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة.

ولكن إيران تواجه تحديا صعبا، وفق التقرير، إذ أن التصعيد المتزايد قد يؤدي إلى صراع أكبر، خاصة إذا تدخلت الولايات المتحدة لدعم حليفتها إسرائيل.

تعليق من بايدن على موعد الرد الإسرائيلي على إيران قال الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، إن "لا شيء سيحصل" الخميس بشأن رد إسرائيل على إيران بعد هجومها بالصواريخ الباليستية الثلاثاء على إسرائيل.

من جانب آخر، يُعقّد هذا الوضع جهود واشنطن لتجنب التورط العسكري العميق في الشرق الأوسط.

ومع استمرار التصعيد، تزداد احتمالية حدوث صراع إقليمي أكبر يشمل إيران وإسرائيل وحزب الله والولايات المتحدة، مما سيؤثر على الجهود الدبلوماسية، بما في ذلك المفاوضات النووية المحتملة مع إيران. 

وبحسب ذات التقرير، ستشهد الأشهر المقبلة تصعيدات محسوبة، مع وجود خطر "سوء التقدير" الذي قد يرتكبه أي طرف، ويؤدي إلى اندلاع حرب أشمل.

المعادلة الجديدة

على مدى سنوات، كان التهديد الذي تشكله إيران على إسرائيل يعتمد على ركيزتين أساسيتين وفق تقرير لصحيفة "الغارديان": ترسانتها الواسعة من الطائرات المسيّرة والصواريخ، وقدرات قواتها بالوكالة، وخاصة حزب الله في لبنان.

وهذه الاستراتيجية، المعروفة بعقيدة الدفاع الأمامي لإيران، سعت إلى إسقاط قوتها وردع خصومها خارج حدودها دون مواجهة مباشرة.

وكانت هذه الاستراتيجية ركيزة أساسية لنفوذ إيران في المنطقة، لكنها تعرضت لضغوط شديدة بسبب تراجع قواتها بالوكالة والنجاح المحدود على ما يبدو لضرباتها في إبريل في تغيير الحسابات الاستراتيجية لإسرائيل.

وجاءت هجوم إبريل بعد ضربة إسرائيلية استهدفت مجمعا دبلوماسيا إيرانيا في دمشق.

وتضمن الهجوم مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة، وكان الحدث أكبر عملية عسكرية إيرانية منذ الحرب العراقية الإيرانية وأول ضربة مباشرة ضد إسرائيل من الأراضي الإيرانية.

وبعد الهجوم، أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي: "قررنا خلق معادلة جديدة... من الآن فصاعدا، إذا هاجم النظام الصهيوني مصالحنا وأصولنا وشخصياتنا ومواطنينا في أي مكان، فسوف يُرد عليه بهجوم مضاد". 
 

بعد "إضعاف" حزب الله وحماس.. "لا خيارات جيدة" أمام إيران ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أنه مع وجود اثنين من أقوى حلفاء إيران، حزب الله وحماس، في صراع مصيري للبقاء، فقدت طهران ركيزة أساسية من استراتيجية الردع التي تتبعها، مما أعطى إسرائيل فرصة لضرب من تراه أخطر أعدائها.

ومن خلال استهداف أهداف إسرائيلية بشكل مباشر، سعت إيران إلى ردع أي تحرك إسرائيلي مستقبلي، ووضع خطوط حمراء، ومنع مزيد من الخسائر العسكرية مثل تلك التي حدثت في دمشق، وفق الصحيفة البريطانية.

مقالات مشابهة

  • عاجل - أجهزة الأمن الفلسطينية تعتقل الصحفي ليث جعار مراسل الجزيرة خلال تقديمه شكوى
  • الجزيرة تدين اعتداء أمن السلطة الفلسطينية على مراسلها بالضفة.. وحماس تعلق
  • ياسر قورة: رسائل السيسي بدعم القضية الفلسطينية لها مدلول خاص
  • هاجمت إسرائيل مرتين في غضون 6 أشهر.. رسالة تريد إيران إيصالها إلى العالم
  • عنصر بأمن السلطة الفلسطينية يعتدي على مراسل الجزيرة بطولكرم
  • شيخ الأزهر يقرِّر تخصيص منح دراسية "للدومينيكان" تقديرًا لموقفها المنصف تجاه القضية الفلسطينية
  • الأزهر يقرِّر تخصيص منح دراسية للدومينيكان تقديرًا لموقفها تجاه القضية الفلسطينية
  • كيف يمكن تطوير الابتكار في العالم العربي؟ خبراء يجيبون الجزيرة نت
  • مركز الدراسات الإستراتيجية: إيران تُزايد على العرب في دعم القضية الفلسطينية
  • النعيمي يؤكد أهمية حضور الشعر والكلمة الحرة في دعم القضية الفلسطينية