فيليو المتشائل.. والقضية الفلسطينية!
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
صدرَ هذا الشهر (فبراير/شباط) كتابٌ ضخم للكاتب الفرنسي جون بيير فيليو عن مسار القضية الفلسطينية، لأكثر من قرن بعنوان: "كيف ضاعت فلسطين، ولم تنتصر إسرائيل؟ تاريخ نزاع (القرن التاسع عشر، القرن الواحد والعشرين)".
ينطلق المختص الفرنسي من التحول الذي أحدثه تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي لم ينبثق من عدم، ولكن من يأس غذّته إسرائيل لدى الفلسطينيين، من خلال حصار غزة، وخنق الضفة الغربية، والتضييق على فلسطينيي 48، أو عرب إسرائيل كما تسميهم إسرائيل، وتطويق الوضع بسلسلة من الإجراءات القانونية (قانون القومية) والإدارية والأمنية، والمعاهدات (اتفاق أبراهام).
أهمية هذا الإقرار أنه يأتي من فرنسي غربي، أكاديمي، يحمل رصيدًا مشهودًا، ويتميز بالدقة في المعرفة، والحصافة في تحليل الشأن العربي تتأتّيان من معرفة وثيقة بظروف العالم العربي، ومعاينة وجدانية للقضية الفلسطينية؛ لأنه عاش رَدَحًا غير يسير في غزة.
صِيتُ فيليو لا يقف عند أروقة فرنسا التي يظل صوتها مبحوحًا في قضايا الشرق الأوسط عمومًا، بل تتردد أصداؤُه في رحاب الجامعات الأميركية كهارفارد، وله تأثيراته المحتملة على من يُسمون "الأرابيست" (أي المعنيين بشؤون العالم العربي في دائرة القرار)، إذ يُعتبر فيليو من أصحاب الوزن الثقيل بين المهتمين بقضايا العالم العربي.
يخلُص فيليو إلى أن إسرائيل على مدار قرن، انتصرت عسكريًا بفضل الدعم الغربي، بريطانيا أولًا، والولايات المتحدة لاحقًا، بَيد أن انتصارها ليس إستراتيجيًا، حتى في ظل ما يجري الآن، من صور "القيامة" أو الدمار الشامل الذي تجريه؛ لأنها لم تستطع أن "تقبر" القضية الفلسطينية، ولا أن تدفع الفلسطينيين إلى الاستكانة.
حسب فيليو، فإن القوة ليست هي سبيل الحل، ومن الضروريّ الخروج من سردية مختزلة، أو هوياتية متضاربة، تقوم على لعبة صفرية، تفترض أن انتصار طرف هو بالضرورة هزيمة للطرف الآخر.
الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، متداخلان. أحدهما يحتاج للآخر للخروج من خطاب أحادي يلغي الآخر، وبسببه توارى حلم دولة من قوميتين، أو ما يسمى في الأدبيات الفلسطينية بالدولة الديمقراطية، (مما لم يؤمن به اليمين قط).
وفي نفس الوقت، بدا جليًا أن استماتة الشعب الفلسطيني في التشبُّث بأرضه- في ظلّ تجاهل حقوقه- ترهن مستقبل إسرائيل.
يتوجب الخروج من هذه الشَرنقة، ذلك أن العالم محتاج لحل القضية الفلسطينية؛ لأنها سمّمت العلاقات الدولية في ظل الحرب الباردة، ورسّخت صِدام الحضارات، بعدها، وأضعفت الأمم المتحدة التي كانت قراراتها حول النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي يُضرب بها عُرض الحائط؛ بسبب الفيتو الأميركيّ، ويمكن لبقاء هذه القضية دون حل، أن يكون بروفة لوضع أشد سوءًا على مستوى العلاقات الدولية في المستقبل.
هنا يستعير فيليو المسار نصف المتفائل ونصف المتشائم لشخصية سعيد "المتشائل"، لإميل حبيبي للخروج من الشَرنقة التي يوجد فيها ملف النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. يتنازعه اليأس من وضع يمكن أن يزداد سوءًا، ثم ينقذه الأمل، ويغلب عليه التفاؤل، في أفق يكون منطلقًا لمقاربة جريئة وعادلة.
المسألة تتجاوز مجرد وضع حد لاحتلال شعب مشرّد ومغبون في حقوقه، إلى وضع لبنات جديدة لعالم يتسم بالعدالة؛ لأن العالم الذي نعيشه – وحتى في ظل الحرب الباردة- لم يقف على رجلَيه بسبب عدم حل القضية الفلسطينية، وهو الآن يتوجّه إلى حرب حضارية، إن لم يتم استخلاص العِبرة من الوضع الحالي.
أسهم عدم حل القضية الفلسطينية في تسميم العلاقات الدولية، وفي سباق التسلح، وفي التوتر بين الدول وبين المجتمعات، وتحييد الأمم المتحدة، وفي النزوع إلى بشاعة العلاقات المجتمعية، حسب تعبير الأكاديمي الفرنسي. ينبغي حل القضية الفلسطينية، من أجل العالم إذن.
طبعًا خِيار "حلّ" من دون الفلسطينيين غير وارد، ولم يعد واردًا، ولذلك لا يمكن الانطلاق إلى عصر جديد باطمئنان من دون حل القضية الفلسطينية. اتفاقات أبراهام التي تتضمن رؤية الولايات المتحدة لـ "حل" النزاع، تبدو "كادوك" (متجاوزة بالفرنسية) – حسب التعبير الذي سبق أن استعمله ياسر عرفات عن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية – لأنها تحمل خطيئة أصلية، هي تجاهل الفلسطينيين، وتجاهل الرأي العام في العالم العربي.
ويقترن بتلك النقطة السابقة أن نتساءل: هل يمكن ترك ملف النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي تحت رحمة دكتاتورية الولايات المتحدة التي أزاحت روسيا عن الملف، وتتضايق من أي دور محتمل من الصين.
للكتاب أهمية كبيرة، ولا سيما في الظرفية الحالية التي دخلت فيها الحرب على غزة مرحلة الاستئناس، وهي أخطر مرحلة. إذ يذكرنا أن الرأي العام يجب ألا يستكين، بل يستمر في تكثيف الضغط من أجل وقف الحرب، وبخاصة في الولايات المتحدة.
وعلى المستوى الرسمي، يجب دفع الأمم المتحدة إلى تبنّي خيار مؤتمر دولي لحل النزاع. بتعبير آخر، يجب إخراج القضية الفلسطينية من سلطة دكتاتورية الولايات المتحدة.
المفيد في الفترات الانتقالية، أنها تمكننا من صياغة قواعد جديدة، على خلاف الأوضاع المستتبة التي تجبرنا على الخضوع لقواعد قائمة.
يمكن أن نستخلص نتيجة أخيرة من كتاب فيليو، هي العودة إلى الذاكرة. اللافت على مستوى العالم العربي، ومنذ "مسلسل السلام" هو تواري السردية الفلسطينية عن وجدان المجتمعات المدنية، بل إنها اقترنت أحيانًا بجهل مطبق وتجاهل مقصود. ويتوجب الآن إعادة تلك السردية، في الإعلام، والتعليم، وباللغة العربية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حل القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة العالم العربی
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تتحدث عن التسوية التي أدت إلى الإفراج المبكر عن ثلاثة أسرى
تحدثت هيئة البث الإسرائيلية "مكان"، صباح اليوم الثلاثاء 28 يناير 2025، عن التسوية التي أدت إلى الإفراج المبكر عن ثلاثة أسرى إسرائيليين من قطاع غزة .
وقالت مكان نقلاً عن تقارير إعلامية، إن "إسرائيل كانت تسعى لإطلاق سراح المختطفة أربيل يهود من غزة قبل يوم الخميس، لكنها وافقت على تأجيل ذلك بعد أن أبدت حماس استعدادها لإطلاق سراح ثلاثة مختطفين إضافيين في دفعة جديدة يوم السبت المقبل".
إقرأ أيضاً: ترامب: أرجح قبول الرئيس المصري وملك الأردن استقبال الفلسطينيين من غزة
وأضافت أن "ذلك جاء نتيجة ضغوط مارستها الولايات المتحدة وقطر لدفع الطرفين إلى تسوية متبادلة".
وتابعت "تعني التسوية أن ثلاثة مختطفين سيتم إطلاق سراحهم في وقت أبكر مما كان متوقعًا. ووفقًا للاتفاق، من المقرر أن يتم إطلاق سراح أربيل يهود، أغام بيرغر، ومختطف آخر يوم الخميس، بينما سيتم إطلاق سراح ثلاثة مختطفين آخرين يوم السبت".
وسمحت إسرائيل صباح امس، ب فتح ممر "نيتساريم" لتمكين سكان غزة من التوجه شمالًا، وهو ما اعتبرته حماس انتصارًا سياسيًا وعملية تعزز سيطرتها المدنية والعسكرية في القطاع. بحسب مكان
وأشارت إلى أن قرار تسريع إطلاق سراح المختطفين جاء استجابةً من حماس لضغوط من الشارع الغزي لفتح الممر، إضافةً إلى رغبة الحركة في تسريع تنفيذ الصفقة خشية انهيارها.
وأوضحت أن "حماس تسعى لتعزيز نفوذها في شمال القطاع من خلال إدخال عناصر أمنية وعسكرية، إضافة إلى استعادة السيطرة على مراكز حدودية مثل نقطة جنوب ممر "نيتساريم"، التي تعيد تأكيد سيادتها داخل القطاع.
وبدأت إسرائيل وحماس مناقشات حول إطار المرحلة الثانية من صفقة التبادل، ومن المتوقع عقد قمة في قطر الأسبوع المقبل.
وفي سياق متصل، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محادثات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمناقشة التطورات المحتملة.
وبحسب "مكان"، "تتطلع حماس إلى فتح معبر رفح الأسبوع المقبل، مما سيمكنها من إرسال جرحى جناحها العسكري لتلقي العلاج، وإعادة اللاجئين الغزيين الذين غادروا القطاع خلال الحرب".
المصدر : وكالة سوا - هيئة البث الإسرائيلية "مكان" اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية وزير إسرائيلي يلغي سفره لبروكسل خشية اعتقاله سموتريتش يُصر على عودة الحرب وتشجيع هجرة الغزّيين مسؤول أميركي: إعادة إعمار غزة أسهل بكثير مع رحيل سكانها مؤقتا الأكثر قراءة الحرب تنتهي بنتنياهو مطلوباً للعدالة "رجب" يتحدث عن أبرز إنجازات قوى الأمن في جنين الأسبوع الماضي إصابة مواطنيْن أحدهما خطيرة برصاص الاحتلال في غزة استمرت 470 يوما - أهم إحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025