إذا كان الزمان غير الزمان فالإنسان هو الإنسان وفريضة الدفاع عن النفس والأرض والعرض لا تسقط عنه إلى  يوم  الدين. وسنة التدافع بين الناس والحضارات والقيم تجعل دوام الحال من المحال ولو دامت  للأولين لما دانت للآخرين!؟ وأن الكيل بمكيالين في حقوق الإنسان من القائمين على مجلس الأمن المخيف هو سبب كل الخلل في المعايير والموازين وهذا الدمار المبين.

.

وفي تاريخ الحروب والثورات التحريرية العظمى دروس للمعتبرين وأن الذكرى قد تنفع حتى البغاة  والعصاة والطغاة فضلا عن المؤمنين!!

وبمناسبة إحياء الجزائر للذكرى  التاسعة والستين لثورة القرن العشرين بدون منازع في الفاتح  من  تشرين  الثاني (نوفمبر 1954) وربطا بما تصادفه إحياء هذه الذكرى من أحداث جسام جارية  في الساحة والساعة  الدولية عرفنا إرهاصات بدايتها ولا نعرف نهايتها بعد.. نود أن نذكر المعتبرين بدروس التاريخ الحي الذي عشناه في هذه الثورة لحما ودما وجهادا و"استشهادا" لما يزيد عن السبع سنين مماثلة  لما يراه العالم  على  المباشر يوميا من أهوال الحرب غير المتكافئة بين الحق والباطل في معركة الأحزاب الثانية في فلسطين الحالية والتاريخ بيننا يبقى دائما الشاهد الأمين على المحسنين والمسيئين والظلمة والمجرمين وأصحاب الحق المغتصب الذي لا يسترجع إلا غلابا وافتكاكا باليمين وتلك هي سنة الله في الأولين  والآخرين.

تأتي ذكرى هذا العام مشحونة بكثير من الآلام المبرحة والآمال العريضة في الوقت ذاته وهي تصادف قمة الثورة الجهادية الوريثة الشرعية لها في معركة الأقصى بشقيقتها الصغرى فلسطين.

لقد عايشت تلك  الثورة الجهادية كابن شهيد ومجاهد في صفوف جيش تحريرها حتى توقيف القتال وتقرير المصير والاستقلال وكنت شاهدا على كثير من مجرياتها المفرحة والمقرحة بورودها وأشواكها؛ بأفراحها بانتصاراتها وأقراحها بالإحباطات والتقلبات والخيانات التي اعترضت مسيرتها الطولية إلى النصر المبين!

ومن مميزاتها أن يوم انتصارها وتحقيق الاستقلال سنة 1962 كان هو يوم ذكرى الغزو والاحتلال سنة 1830 مما يعني أن كل استقلال قد يحمل بذور احتلال كما أن كل احتلال يحمل بذور استقلال إذا بقي عزم الرجال كما كان واقع  الحال.

وإدراكا مني بما للثورة الجزائية من أوجه شبه وتطابق أحيانإ مع ما يجري في فلسطين هذه الأيام، إلى درجة التوأمة (السيام) بين الثورتين وخاصة من جهة  نوعية  الاستيطان  وفصيلة المستوطنين أنفسهم  خلفا عن سلف.. والدليل على ذلك هي آلاف القوافل من شهداء  المغرب العربي الكبير  المدفونين  في القدس الشريف على مر التاريخ  الإسلامي للأمة عندما كانت أمة حرة  حتى  تحت الاحتلال الأجنبي  الخارجي (الأرحم  مع  الأسف  من  الاستحلال الداخلي  الراهن!!!!)، حيث ذهب أكثر من 4000  مجاهد سنة 1948 ودخلوا  من أرض الكنانة سابقا  لنجدة الأشقاء في الأرض المباركة التي لم تتغير في وجدان كل مسلم من المحكومين لاحقا في أمة المليارين من أصحاب العين البصيرة واليد القصيرة على امتداد سماع الآذان وتلاوة القرآن من جاكارتا  إلى داكار ونواكشوط  والرباط وتطوان مرورا بقسنطينة ووهران!؟!

وإني لهذا السبب وغيره أعيد نشر بعض فصول كتابي (جهاد الجزائر: حقائق التاريخ ومغالطات الجغرافيا)، هنا في صحيفة "عربي21"، وهو صورة حية عن جوانب مشرقة من ثورة القرن العشرين التي جسدت أمجاد الحرية والكرامة، تماما كما هو حال غزة وفلسطين هذه الأيام.. لما بين الثورتين من تطابق  وتشابه كما قلنا وعشنا في الثورة الاولى مقارنة بما نراه على المباشر في  الثورة الفلسطينية  العظيمة  الثانية التي اختصرت أمة المليارين (من غثاء السيل) في المليونين من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والقدس وجنين.

وإنني أدرك تمام الإدراك الصلة الوثيقة بينهما في حجم التضحيات ومعارك التحرير التي يخوضها الأشقاء  الفلسطينيون هناك (كما كان أشقاؤهم هنا لأكثر من سبع سنين دون انقطاع.)  في مواجهة  أعتى احتلال وأشده شراسة، لا سيما وأنه احتلال يلتف حوله  قادة  العالم الغربي الاستعماري كله ويدعمونه انتقاما  من عدوهم اللدود على هزائمهم السابقة وإحياء لخلافات وأحقاد تاريخية دفينة..

كنا نعتقد، وأن بعض الظن  ليس إثما، أن ثورات الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال التي عرفتها مختلف أنحاء المعمورة قد تجاوزتها الوحوش البشرية المسلحة بالنووي والحقد الأعمى في معاداة حقوق الإنسان الفلسطيني خارج  حقوق الإنسان التي يحميها حق الفيتو الظالم أمام كل أنظار العالم الأعور الأصم  الواجم.

إن الإسلام والاستعمار ضدان لا يلتقيان في مبدأ ولا في غاية، فالإسلام دين الحرية والتحرير، والاستعمار دين العبودية والاستعباد، والإسلام شرع الرحمة والرفق، وأمر بالعدل والإحسان، والاستعمار قِوامه على الشدة والقسوة والطغيان، والإسلام يدعو إلى السلام والاستقرار، والاستعمار يدعو إلى الحرب والتقتيل والتدمير والاضطراب، والإسلام يثبت الأديان السماوية ويحميها ويقرّ ما فيها من خير ويحترم أنبياءها وكتبها، بل يجعل الإيمان بتلك الكتب وأولئك الرسل قاعدة من قواعده وأصلا من أصوله، والاستعمار يكفر بكل ذلك ويعمل على هدمه خصوصا الإسلام ونبيه وقرآنه ومعتنقيه.وهذا المكيال العجيب الغريب بين إنسانين لا يثير القلق  فقط حول مصير البشرية في هذا العالم (وحيد القرن) وإنما يعيد السؤال أيضا وبالحاح عما إذا كان للمعارك الحضارية الكبرى التي سعت لتوحيد البشرية على أساس العدل والمساواة تتراجع إلى ما تحت الصفر كما نراها في مجازر المغول الجدد بالصوت والصورة  في  غزة  العزة والإنسانية التي تحتضر في مستشفياتها المنكوبة كلها  اليوم  والمقطوعة عن الحياة أمام أعين دعاة حقوق الإنسان (الحجري)  وليس الإنسان  البشري  المتحضر  المتعلم  والمتقدم!!

وما يفيد في هذه الصفحات من ثورة  الجزائر (فلسطين الأولى) الأشقاء  في الجزائر الثانية ( فلسطين  الحالية)، سأسرده ليس من باب تقديم الدروس، وإنما من باب قراءة التاريخ والاتعاظ به وأخذ العبرة منه..

مواقف شجاعة

إنه من غير الممكن ذكر كلّ الأعمال البطوليّة الّتي قام بها الرّجال والنّساء في الثّورة التّحريريّة، لأنها كثيرة، ولها أشكال متعدّدة ولذلك فقد اخترنا منها فقط أمثلة لتقديم صورة ملموسة ومعبرة عن درجة الإيمان وصفات الشّجاعة والجرأة ونكران الذّات الّتي تحلى بها صُنّاع الاستقلال الوطني الغالي.

ـ جُرِحَ المجاهد ساسيّ داسيّ في معركة بشمال مدينة الواد (آب / أغسطس 1955)، وقد كان لابسًا لباس "الحرْكيّ" الّذي قتله ثمّ جرّده من سلاحه وبدلته؛ وقد كان في غيبوبة فَظنّت القوّات الفرنسيّة أنّه ميّت فوضعته في شاحنة مع القتلى؛ تعطّلت بِغَرَقها في الرّمال فتُرِكَت في المكان؛ عادت القوّات الفرنسيّة غداة المعركة لإخراج الشّاحنة من الرّمال فوجدت ساسيّ داسيّ قد استيقظ ليلاً من بين "الحرْكة" والجنود الفرنسيّين الموتى؛ فظنّته "حرْكيًّا" فحملته إلى المستشفى حيث عولج؛ ولما جاء المسؤولون الفرنسيّون ليدرسوا حالته اكتشفوا أنّه مجاهد، فوضعوه في السجن الذي فرّ منه سنة 1959 ليلتحق بجيش التحرير الوطني حتى الاستقلال! .

ـ  يروي الدكتور بوعلام بن حمودة الذي كان محافظا سياسيا في الولاية الرابعة أنه بعد تَفكُّك نظام جبهة التّحرير الوطنيّ في شرشال، التحقت السّيّدة لا زليخة (يمينة أوداي) بجيش التّحرير الوطنيّ وتَرَكت أولادها الثّلاثة الصّغار لِأختهم الكبرى، وكان زوجها الحاجّ أحمد أوداي قد استُشهِد في جيش التّحرير الوطنيّ في يناير 1956 كما استُشهِد ابنُها الحبيب بَلهنّي؛ تميّزت بالشّجاعة إذ قَبِلَت تحمّل مهامّ إلى مدينة شرشال المحاصَرة فاستطاعت أن تدخلها وتخرج منها سِرًّا؛ أُلقِيَ القبض عليها في أكتوبر 1957، فعند استنطاقها أشبَعت الجيش الفرنسيّ وسلطته شتائم؛ قُدِّمت لِلسُّكّان في إطار الدّعاية والتّخويف فالتفتت إلى النّقيب وبَصَقت في وجهه أمامهم، فاغتالها الجيش الفرنسيّ أيّامًا من بعد؛ أضيف اسمها إلى 16 شهيدًا من أسرة زوجها أوداي .

ـ اكتُشِف 6 مجاهدين من جيش التّحرير الوطنيّ في زاوية الشّيخ بَلَّحوَل الواقعة بين غليزان ومستغانم (حزيران / يونيو 1960)؛ فرفض المجاهدون أن يستسلموا واشتبكوا مع آلاف الجنود الفرنسيّين الّذين حاصروهم، فاستُشهِد المجاهدون كلّهم بعد قتلهم لعشرات الجنود من العدوّ!

ـ في إحدى المرات أطلق الفدائيّ سعيد الوناس النّار على شرطيّ فرنسي مجرم اسمه (Pierre Denolis) فلمّا رآه يتحرّك رجع ليُجهِز عليه، إلاّ أنّ الشّرطيّ تمكّن من إطلاق النّار على الفدائيّ فاستُشهِد في الحين؛ وقد جرى ذلك  بـمدينة Ostricourt في شمال فرنسا يوم 4 سبتمبر 1961.

ـ يروي الضابط محمد صايكي أنه هجَمَ مع فوج من المجاهدين بقيادته على محافظة شرطة حجّوط يوم 28 ديسمبر 1961؛ وقد انتهت المعركة بغنم كمية من الأسلحة، فوضعوها في شاحنة مغطّاة، وركبوا فيها للتوجّه نحو الجبال؛ وفي الطريق وجدوا حاجزًا أمامهم، فرفعوا الغشاء ووجّهوا أسلحتهم نحو جنود العدوّ الذين فضّلوا أن يتركوا الشّاحِنة تمرّ للحفاظ على حياتهم!

ـ يروي المجاهد مصطفى قليشة أنّ المجاهدين الّذين كان يقودهم النّقيب لطفي في معركة "خناق عبد الرّحمن" جنوب غرب آفلو بقوا أربعة أيّام بدون أكل وبدون شرب لِأنّهم كانوا خائفين من تسميم منابع الماء من طرف قوات العدو!

ـ كان المحكوم عليهم بالإعدام ينتظرون تنفيذ الحكم في كلّ فجر وهم ثابتون، ويذكر شهود عيان أنه عند تنفيذ الحكم بالإعدام، في أحمد زبانة بسركاجي يوم 19 حزيران / يونيو 1956 طلب أن يُسمَح له بالصّلاة، وبعد أن صلّى ركعتَين قال: "أنا فخور بأن أكون أوّل من يصعد إلى المِقصَلة، فَبِنا أو بِدونِنا ستَتَحرَّر الجزائر"، وبعد استشهاده بدقائق، نُفِّذَ الحكم الثاني في المجاهد عبد القادر فرّاج الّذي كان قد فَرّ من الجيش الفرنسيّ؛ وبعد إعدام البطلين تعالت التّكبيرات وتعالت الأناشيد الوطنيّة حتىّ اخترقت جدران السّجن، ووصلت إلى حيّ القصبة الّذي ردّد التّكبيرات والأناشيد التي هزت كلّ أرجاء الحي !

نموت شهداء أو نعيش سعداء

ـ وعن بطولات الشباب الوطني في نشر الوعي ورفض المحتل بكل أشكاله يقول المجاهد "حميد دالي": "كان هناك كتاب قراءة كنا ندرس فيه، ويُسمى "تاريخ فرنسا" ويحكي عن فرنسا وتاريخها وتراثها وغير ذلك. وأوّل ما وقع ذلك الكتاب في يدي مع بداية السنة الدراسية، اصطدمت بصفحة مكتوب عليها عبارة "تحيا فرنسا" فقُمت بتمزيقها على الفور. وخلال السنة الدراسية طلبت مني المُدرّسة الفرنسية أن أقرأ، وصادف دوري الصفحة التي مزّقتها، فقلت لها إنني لا أملك الصفحة، فجاءت لي بكتاب آخر للزميل الذي كان يجلس بجانبي حتى أقرأ تلك العبارة، أي "تحيا فرنسا" لكني لم أشأ أن أفعل، وحتى عندما استدعت زوجها، السيد بيستر، والذي كان مُديرا، طلب مني نفس الشيء، فرفضت، فضربني وطردني من المدرسة نهائيا" .

ـ وعن دور الفتيات الوطنيات في سجل البطولة الوطنية في مختلف صورها تقول المجاهدة جميلة تيكامارا: "انخرطت في الكشافة الإسلامية، وفي إحدى المناسبات لاحظ لاكوست أننا كنا نرّدد أناشيد وطنية، فطلب من مسؤولينا أن ينظموا لنا رحلة إلى فرنسا، وقد تمت الرحلة بالفعل حيث بقينا هناك 15 يوما، وفي الليلة التي تسبق عودتنا إلى أرض الوطن، نظمنا حفلة وداع، فـأخرج الفرنسيون علمهم، ووقفوا يُحيّونه. فاغتظنا لذلك أشد الاغتياظ، فبادرت (بحركة لاشعورية) بتمزيق قطعة من قميصي الأبيض، وقطعة أخرى من الفستان الأخضر، واستعنت بالمنديل الأحمر، وصنعنا علمنا الوطني، وأنشدنا نشيدنا الوطني نحن كذلك مثلما فعل الفرنسيون" .

ـ وعن بطولات الفتاة الجزائرية إلى جانب أخيها الشاب الوطني تقول المجاهدة جميلة دريش (التي وقع في منزل عائلتها اجتماع 22 التاريخي): "في الحادي عشر من ديسمبر كنت في بيت خالتي في باب الواد، في المطبخ، لم أكن على علم بما سيحدث،  ولكنني رأيت من النافذة رجالا، ونساء، وأطفالا، فارتديت لحافي وخرجت، قلت لأختي صفية، إن لم أعد فإنني شهيدة الوطن. فخرجت، ومشيت مع الحشود التي كانت تردد أن لا اله إلاّ الله، محمدا رسول الله، وأن تحيا الجزائر، فمررنا بمقبرة "القطار" وهناك كان العساكر في انتظارنا، فبقينا واقفين ننشد الأغاني الوطنية، إلى أن سمعنا صوت الرصاص، من ناحية سجن سركاجي، فجاء مجاهد وقال إن الفرنسيين يرمون الشعب في القبور، ويدفنونهم أحياء" .

ـ وفي مجال البطولات التي تستحق أن تذكر لأحد مجاهدي جيش التحرير الوطني يقول المجاهد جمال بناي: "في يوم الرابع عشر من تموز / يوليو، المُصادف لعيد استقلالهم الوطني، لم يكن هناك حضر التجول، وكانوا عادة ما يمضون تلك الليلة بين الملاهي والحانات، وكان قد رافقني شريف عازم الذي كان مسؤولا مدنيا لدشرة تيقصراين، ولم يكن في ذلك الوقت قد التحق بعد بجيش التحرير، جاءني وقال لي أنه مُطارد، فأعطيته مُسدسا، وقلت له إنّه سيُصبح منذ ذلك اليوم مُجاهدا، وأن يُرافقني، وكان عندي رشاش يحوي خزانه أربعين رصاصة، كنت أخفيه تحت ملابسي، فمررنا بجنان سفاري، وذهبنا إلى عين النعجة القديمة، وعندما اقتربنا من المقبرة، وكانت الساعة تشير إلى التاسعة ليلا، رأيت أضواء سيّارة، فقال لي رفيقي إنها قد تكون لرجل شعبي مثلنا، ولكني شككت أنها قد تكون دورية تحمل عساكر، وخشيت أن تبدر من مرافقي حركة تجعلهم يشكون في أمرنا، فأوصيته بأن لا يتحرك، وأن يمشي بشكل عادي، وألاّ يفعل ما يثير الشكوك حولنا، لأنّ الهرب يعني الموت المُحقق، ثم ارتفع شعاع الضوء، حتى صرنا لا نرى شيئا، قبل أن نكتشف أنها كانت شاحنة تحمل ذلك المُلازم الرهيب الذي زرع الرعب في كل المنطقة، وكان رفقة بعض الجنود معه، فنادانا بعد أن كان قد تقدّم علينا قليلا، فاتجهنا إليه، وأنا أوصي مرافقي أن لا يتحرك، وأن يفعل مثلما أفعل، ولحسن حظنا فقد بقي صامدا، أمّا أنا فحضّرت رشاشي الذي كان تحت ملابسي، وبقيت على استعداد تام، وبكل برودة دم، وصلنا إلى الشاحنة، وكانت من نوع (رونو) مليئة بالعساكر، فسألني ذلك الملازم عن وجهتي، أخبرته أننا ذاهبان إلى منزلينا، بما أنه ليس هناك حضر تجول، فسألني عن رقم المسكن الذي أقيم فيه، فأجبت بأنّه الرقم مائة وخمسة وسبعون، أو شيء من هذا، ولكنّ هذا الرقم لم يكن موجودا، ذلك أنّني  كنت قبلها قد صعدت إلى الجبل لأحضر ندوة الناحية، ثمّ عدت، وفي تلك  الفترة كانوا قد أحصوا السُكّان من جديد، وأضافوا إلى كلّ رقم حرفا، وأنا أعطيته الرقم دون الحرف، فنظر إلى رفيقه، وقال له إنّ هذا الرقم لا وجود له، فقد كان مطّلعا على  كلّ شيء، ثمّ سألني عن اسمي، فلم أجد ما أقوله له، لقد كنت مُطاردا في كلّ مكان، واسمي في كلّ مراكز الشرطة، وعندما صمتت، قال لرفاقه أُنظروا إلى هذا الأحمق لا يعرف حتى اسمه، فوضع رشاشه، وهو ما كنت أنتظره، وكان يريد أن ينزل لضربي، ولكني لم أمهله الفرصة، فباغتته ورفاقه، وأطلقت النار عليهم مرّتين، حتى أفرغت فيهم كل خزان رشاشي، وذهبت، وفي الصباح علمت أنّ هناك أربعة قتلى والمُلازم معهم، لقد أنقذت المنطقة كلها من شرّه".

ـ وعن كيفية استشهاد البطل عثمان حاجي، تقول زوجته: "لا يُمكن أن تحتكره ذاكرتي، وإنما ذاكرة الجزائر كلها، لأنه حارب وناضل من أجل هذا الوطن، لقد كان  قائدا في  منطقة الجزائر العاصمة، وتوفي في 26 أوت 1957 أثناء القتال إلى جانب سي مراد، بعد أن حاصرتهم قوات العقيد بيجار في أحد أزقة القصبة، لقد رفض رامل (وهو الذي حاول أن يغتال ماسو لمرتين متتاليتين) أن يسلم نفسه، واختار ميتة بطولية، تتماشى مع مبادئه الوطنية".

ـ وتروي المجاهدة فاطمة الزهراء سلمي في حوار لها فتقول: "كان أخي متزوجا بفتاة إيطالية، تسمى ران (قبل أن تسمي نفسها مهدية)، وعندما كان يسافر ليقوم بعملية ما، كان يترك ابنه نصر الدين لدى الفنانة وردة.  ثمّ اعتقل أخي الأصغر مصطفى، بسبب قتله لدركي فرنسي، رأى عربيا فأطلق عليه كلبه، فقال أخي لأصدقائه إنه سينتقم لذلك العريس، وراح يحضر نفسه من أجل قتل الدركي. وفعلا، بعد أيام حمل سكينين، واتجه إلى الدركي الذي كان رفقة كلبه، رمى سكينه على الكلب فأصيب، ورمى السكين الثانية على الدركي، الذي سقط أرضا، فأجهز أخي عليه" .

ـ وعن إيمان وتصميم مفجري ثورة نوفمبر المجيدة، تقول زوجة أحد أبطالها الأوائل، المجاهدة زهرة خروبي عن زوجها: "وبعد يومين أو ثلاثة من اندلاع الثورة جاء زوجي في الليل، وكنت أسكن في قرية القضية (بلدية تاورڤة)، قد اعتدت أن يغيب عنا لفترات، وأذكر أنه قبل انطلاق الثورة بأسابيع كان يأتي إلى البيت مُتأخرا، إذ كان يجتمع مع هؤلاء "المنفيين" من رفاقه إلى ساعة مُتأخرة من الليل. وفي أحد الأيام جاء إلى البيت فحمل مؤونته، وأوصاني أن أُخبر من يبحث عنه بأنه عند أصهاره في بومهالة وغادر... وبعد يومين أو ثلاثة جاء زوجي في الليل، فقال لي فيما أذكر مثل الآن: "كلّ ما سمعته عني صحيح وعليك أن تختاري بين أمرين: إما أن أموت أسدا أو أموت كلبا"، وكان يقصد أنه لا يُمكن أن يتراجع عن النضال والجهاد الذي اختاره بكلّ حرية وطواعية، ذلك أنه إذا خرج عن الثورة فيقتله إخوته باعتباره خائنا للأمانة والعهد، وإن بقي في الطريق التي اختارها بكل تصميم واقتناع فتقتله فرنسا...، وهو قد صمّم على اختيار الشهادة أو السعادة (أي الاستقلال) إشارة إلى الشعار الذي كان مرفوعا في تلك الأيام وهو "نموت شهداء أو نعيش سعداء".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تاريخ الجزائر الاستعماري مقاومة الجزائر تاريخ استعمار أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حقوق الإنسان فی معرکة الذی کان ما کان

إقرأ أيضاً:

بالصور.. شباب بلوزداد يختتم تحضيراته لنهائي كأس الجزائر

اختتم فريق شباب بلوزداد تحضيراته  لنهائي كأس الجزائر الذي سيجمعه بفريق مولودية الجزائر غدا بملعب 5 جويلية الأولمبي.

وجرت التحضيرات وسط أجواء رائعة ومعنويات مرتفعة، بملحق ملعب نيلسون مانديلا ببراقي في العاصمة.

كما عرفت التحضيرات حضور أغلبية اللاعبين خاصة الركائز بما فيهم شعيب كداد، بمعنويات في السماء، سميا وهو الذي استدعي لكتيبة الناخب الوطني فلاديمير بيتكوفيش لأول مرة في مشواره الكروي.

إاب اضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور[/capt

مقالات مشابهة

  • الناخب الوطني بيتكوفيتش يصل لملعب 5 جويلية
  • خطوات شراء شهادات الادخار أونلاين من البنوك.. «وأنت قاعد مكانك»
  • بالصور.. شباب بلوزداد يختتم تحضيراته لنهائي كأس الجزائر
  • المديرية العامة للأمن الوطني تدعو الأنصار إلى احترام الإجراءات
  • بالفيديو.. بيتكوفيتش يحل بالجزائر لمتابعة نهائي كأس الجزائر
  • الرئيس تبون.. نعم انتصرت الجزائر 
  • وزيرة الشباب: الوكالة الكويتية لمكافحة المنشطات تسهم بإرساء المبادئ النزيهة والعادلة في المنافسات الرياضية
  • وقف الحرب والقرار الإنتحاري
  • بسبب حضور أميرة الفاضل والمؤتمر الوطني، الحركة الشعبية التيار الثوري الديمقراطي تقرر مقاطعة الاجتماع النسوي التشاوري والذي يعقده الاتحاد الافريقي بكمبالا
  • عطاف يستقبل نواب المجلس الشعبي الوطني المنتخبين عن الجالية الوطنية بالخارج