تكنولوجيا النانو.. قاطرة أحلام الفقراء المعطّلة
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
منذ سنوات الدراسة الجامعية في كلية الصيدلة، كان الدكتور إبراهيم الشربيني المدير المؤسس لبرنامج علوم النانو بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر، مشغولا بملاحظة أن قطرة العين يضيع أغلب محتواها عند استخدامها، فلا تستفيد العين إلا من 3 إلى 5% من المحتوى على أقصى تقدير.
لم يكن الشربيني أول الساعين لحل لتلك المشكلة، إذ عملت فرق بحثية حول العالم على توفير البدائل العملية لقطرة العين، مثل استخدام عدسات لاصقة علاجية، أو جِل أو حبيبات قابلة للذوبان السريع بالعين.
والنانو هو التقنية التي تصبح فيها المادة جزءا من مليار جزء من المتر، وعند هذا الحجم الدقيق تتغير كل خصائصها التقليدية، وبالتالي يمكن باستخدامها استحداث أجيال جديدة من المواد ذات صفات خارقة لم تكن موجودة في المواد التقليدية.
والحل الذي قدمه الشربيني، ونشر في دورية "فيوتشر ميديسن"، أكسب بعض الألياف صفات خارقة عندما أنتج منها حبيبات نانوية محملة بدواء "الأزيثرومايسين" المعروف باستخدامه كمقاوم للميكروبات، ووضعها في رقعة لا يتجاوز حجمها "2 مليمتر في 3 مليمتر"، وسمكها نحو 100 ميكرون.
وتُلصَق تلك الرقعة تحت الجفن السفلى للعين، لتساعد مادة الجفن المخاطية على التصاقها، وتسمح الألياف المصنّعة منها بانطلاق المادة الدوائية ببطء إلى داخل العين وبتوزيع منتظم في كل المساحة.
وعلى الرغم من أن هذا الاختراع يبدو بسيطا، فإنه يمثل نموذجا لقيمة "تقنية النانو" التي يمكن أن تكون هي القاطرة التي تدفع اقتصاد الدول النامية، كما يقول الشربيني في حديث مع "الجزيرة نت" داخل مكتبه بمدينة زويل.
ويشير الشربيني إلى لوحة أمامه اكتظت بملخصات أبحاثه المنشورة، ويقول: "كل بحث من هذه الأبحاث القائمة على تقنية النانو يمثل فكرة يمكن استثمارها لتحقق دخلا اقتصاديا بملايين الدولارات".
وبينما يلحظ الشربيني حالة من التعجب بدت واضحة على وجهي، واصل حديثه قائلا وهو يفتح أحد الكتب التي كانت توجد على مكتبه: "هذه الصفحة من الكتاب تتحدث عن دواء دوكسوروبيسين لعلاج السرطان، والذي كانت به مشاكل ضخمة حُلت عندما أُنتج بتقنية النانو، وطُرح باسم جديد هو الدوكسين، ونجحت الشركة المنتجة في تحقيق أرباح بالملايين، لا لشيء إلا لأنها قامت بتطويره، فهي لم تخترع دواء جديدا".
تصميم لرقعة الألياف النانوية التي ابتكرها الدكتور إبراهيم الشربيني وفريقه البخثي لعلاج أمراض العين (فيوتشر ميديسن) كيف يعالج النانو مشاكل الدواء؟وحتى نفهم ما تقوم به تقنية "النانو" لتطوير الأدوية، يقول الشربيني: "الأدوية مواد عمياء، حيث تدور في الدورة الدموية وتذهب للجزء المصاب والسليم، لذلك لا يوجد دواء بدون أعراض جانبية، وبعض الأدوية -مثل أدوية السرطان- يمكن أن تكون أعراضها الجانبية قاسية، كما هو الحال في دواء دوكسوروبيسين قبل تطويره، وقد حاولت شركات الأدوية علاج تلك المشكلة، لكنها وجدت أن أي إضافات ستغير من تركيبة الدواء، بينما في تقنية النانو لا يحدث تغيير في التركيبة، فما يحدث فقط هو أنك تستخدمها كأداه توصيل للجزء المصاب فقط".
ويوضح الشربيني أن "إحداث التعديل يحصل عن طريق تحميل الدواء داخل كريات نانوية صغيرة جدا ذكية التوجيه بحيث تكون آمنة وغير سامة، وتصل للعضو المصاب مباشرة، ويجري ضمان وصولها عن طريق تزويد السطح الخارجي لها بمواد تتعرف على المستقبِلات في العضو المصاب، فمثلا لو كانت هناك خلية في الكبد مصابة، تُدرس جيدا وتصمم الكريات النانوية بحيث تتعرف على المستقبِلات الموجودة عليها".
وتقنية النانو في مجال الدواء بهذه الطريقة يمكن أن تكون الأنسب لنهضة الدول الفقيرة لعده أسباب يستعرضها الشربيني على النحو التالي:
أولا: يمكن أن تساهم الدول الفقيرة والنامية في ابتكار أدوية جديدة، مثل ابتكار بديل قطرة العين الذي نجحنا بمدينة زويل في إنتاجه. ثانيا: تقنية النانو لا تغير في تركيبة الدواء، ومن ثم لا توجد حاجة إلى إجراء دراسات سريرية طويلة المدى تستغرق على الأقل 12 سنة لاعتماد أي دواء طُوّر باستخدامها، وإنما يُكتفى فقط بإجراء تجربة سريرية محدودة، ويمكن أن يكون الدواء المطور متوفرا في الأسواق خلال عام أو عامين على الأكثر. ثالثا: تقنية النانو غير مكلفة، فتحويل مادة من الشكل التقليدي للنانو لا يحتاج أموالا طائلة. رابعا: لا تملك الدول الفقيرة استثمارات صخمة تجعلها تستثمر في دواء جديد تتكلف تجاربه السريرية مليار دولار، ولكن يمكن لهذه الدول الاستثمار في تطوير ثلاثة أو أربعة أدوية متوفرة في الأسواق بتقنية النانو تحقق من خلالها ملايين الدولارات. أغشية جديدة لتحلية المياه أُعدت بتقنية النانو (نيتشر نانو تكنولوجي) تقنية عابرة للتخصصاتإنتاج الدواء هو أحد المجالات المهمة التي يمكن أن تلعب تقنية النانو دورا رائدا بها، ولكن هذه التقنية "العابرة للتخصصات" تدخل في كثير من المجالات، مما ساهم في رفع حجم سوقها إلى 79.14 مليار دولار أميركي في عام 2023، ومن المتوقع وصوله إلى 248.56 مليار دولار بحلول عام 2030.
ويعود التوسع السريع في سوق تكنولوجيا النانو جزئيا إلى زيادة الاستثمار العالمي في البحث والتطوير، وهو ما يؤدي إلى خلق العديد من التطبيقات الصناعية المبتكرة.
وبينما تقوم الدول المتقدمة بتحويل مخرجات أبحاثها في هذه المجال إلى منتجات، فإن الدول النامية والفقيرة إما أنها تُنجز أبحاثا لا تُطبق، أو أنها لا تملك البنية التحتية التي تساعد على إنجاز الأبحاث من الأساس، رغم أن تلك التقنية -كما هو الحال في مجال الدواء- يمكن أن تحل كثيرا من أزمات الدول الفقيرة.
يقول أستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة جامعة أسيوط المصرية محمد غانم في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": "إذا أخذنا مثلا أزمة المياه، فإنه وفقا لمجلس المياه العالمي قد يعيش ما بين 2.7 و3.2 مليار شخص في ظروف ندرة المياه أو الإجهاد المائي بحلول عام 2025، وهنا يمكن أن يكون لتقنية النانو دور في مواجهة تلك المشكلة".
ويوضح أن مجالات البحث النشطة في هذا المجال هي "تطوير مواد نانوية جديدة ذات قدرة انتقائية للمعادن الثقيلة والملوثات الأخرى، كما توجد أغشية لتحلية المياه يمكن إعدادها بتقنية النانو، وأجهزة استشعار جديدة ومعززة للكشف عن الملوثات البيولوجية والكيميائية عند مستويات تركيز منخفضة للغاية في البيئة، بما في ذلك الماء".
كما يظهر الدور المهم لتقنية النانو في مجال الزراعة، فهناك حاجة لتعزيز الإنتاج الزراعي لمواجهة التحديات العالمية مثل النمو السكاني وتغير المناخ ومحدودية توافر المغذيات النباتية الهامة مثل الفوسفور والبوتاسيوم.
وأحد أدوات زيادة الإنتاج الزراعي هي تعزيز فعالية الأسمدة الزراعية، وهنا يأتي دور تقنية النانو التي يمكنها المساعدة في استخدام كمية أقل من الأسمدة بفاعلية أكبر، وكان لفريق الدكتور إبراهيم الشربيني بمدينة زويل المصرية تجربة رائدة في هذا المجال.
يقول الشربيني إنه "بسبب سرعة ذوبان اليوريا في المياه، فإن ذلك يسبب هدرا كبيرا يقدر بنسبة 50% من حجم السماد الذي يوضع، ويضطر المزارع إلى استخدام السماد أكثر من مرة خلال الموسم، لكننا عالجنا تلك المشكلة بنوع طُور بتنقنية النانو".
والسماد الجديد مغلف بمواد نانومترية قابلة للتحلل في التربة وغير ضارة لها، بما يساعد على تحرر السماد ببطء في الأرض لفترات طويلة تصل إلى عدة أشهر".
إنتاج سماد اليوريا بتكنولوجيا النانو يساعد على تعظيم الاستفادة منه وتقليل الهدر (شترستوك) النانو والطاقة.. مزايا تتعدى الأهداف البيئيةيعد توليد الطاقة وتوزيعها وتخزينها وتحويلها باستخدام تكنولوجيا النانو، من المجالات التي يجري فيها الكثير من الأبحاث وتطوير التطبيقات في المختبرات حول العالم.
ولا يمكن لتطبيقات الطاقة بتقنية النانو أن توفر حلولا بيئية فقط عبر إتاحة طريق لمستقبل مستدام، بل الأهم أنها ستتيح إمكانية الوصول إلى الطاقة في حد ذاتها، وهذا أمر في غاية الأهمية، حيث تشير توقعات الطاقة العالمية إلى أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا (الأشد فقرا في القارة)، شكلت في عام 2023 نحو 80%من الإجمالي العالمي لعدد الأشخاص الذين لا يحصلون على الكهرباء.
وتعد الخلايا الكهروضوئية (الألواح الشمسية الأرخص والأكثر كفاءة) من المجالات الرئيسية لعلاج هذه المشكلة. وتظهر في هذا الإطار حلول كثيرة خرجت من مراكز أبحاث عربية، ومنها الحل الذي خرج من جامعة محمد الخامس بمدينة الرباط المغربية عن طريق فريق بحثي يرأسه الباحث عبد الإله بنيوسف، والذي نجح في تطوير مادة الغرافين باستخدام تقنية النانو، لتصبح ملائمة في الاستخدام للخلايا الشمسية، بما يساعد على تحسين مردودها الإنتاجي من الطاقة، وذلك بتحويل الطبيعة الفيزيائية الموصلية للغرافين إلى الطبيعة الفيزيائية شبه الموصلية، وذلك عن طريق تطعيمه بذرات سليسيوم معدة بتقنية النانو.
كما كان لفريق بحثي من الجامعة الأميركية بالقاهرة تجربة رائدة في تطوير نوع آخر من الطاقة باستخدام تقنية النانو، وهو"طاقة البيوجاز"، حيث توصل الفريق البحثي الذي يقوده أستاذ هندسة المواد بالجامعة ناجح علام، إلى خلطة من مواد نانومترية تضم النيكل والحديد لتحفيز عملية التفاعل نحو إنتاج مزيد من الميثان، وهو المكون الرئيسي للغاز الطبيعي وخفض نسبة ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي عولجت واحدة من أهم مشاكل البيوجاز، وهي ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في مكوناته، والتي تؤدي إلى عدم استقرار اللهب.
تكنولوجيا النانو عابرة لكل التخصصات من طب وزراعة وتحلية مياه وطاقة (شترستوك) دول تعيش مرحلة التمكينتبدو هذه التجارب، على اختلاف مستوى درجة نجاحها، مجرد قصص متفرقة لا تكشف عن وجود خطة طويلة أو قصيرة المدى تهدف لتعظيم الاستفادة من تقنية يمكن أن تحل مشاكل الدول الفقيرة، فضلا عن أنها يمكن أن تدر عليهم دخلا.
ومثل هذه القصص يمكن وصفها بأنها "محاولة لإظهار الاهتمام بالتقنية"، لكن لم تصل بعد لمرحلة التمكين التي تعيشها الدول المتقدمة، والتي تحاول بعض الدول النامية اللحاق بها.
ووفق دراسة نشرتها دورية "نانو سكيل ريسيرش ليترز"، فإن أبرز الدول التي تعيش مرحلة التمكين للتقنية هي أميركا واليابان والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا، حيث كان لكل منها قصة نجاح يمكن تلخيصها في الآتي:
أميركا:– أُطلقت المبادرة الوطنية لتقنية النانو في عام 2001، وهي أول جهد للحكومة الفدرالية يقع تحت إشراف المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا، وتقوم بتنسيق الأنشطة النانوية لأكثر من 25 وكالة فدرالية، منها 15 لديها ميزانيات محددة لتكنولوجيا النانو.
– استثمرت الولايات المتحدة نحو 15.6 مليار دولار في تكنولوجيا النانو من 2001 وحتى 2012، وبلغت تقديرات ميزانيتها للسنة المالية 2013 نحو 1.767 مليار دولار.
– لدى الولايات المتحدة صناعات راسخة تستثمر بكثافة في تكنولوجيا النانو، وينمو التأثير الاقتصادي بسرعة مع ما يقرب من 100 شركة في كل منطقة من الولايات المتحدة تركز على الإلكترونيات النانوية وأشباه الموصلات والأدوية.
اليابان:– أطلقت اليابان برنامجها البحثي الأساسي الإستراتيجي في مجال تكنولوجيا النانو في عام 1995 بمشاركة وزارات مختلفة وعلى رأسها وزارة العلوم والتكنولوجيا، واستند إطلاقها إلى خطة مدتها خمس سنوات تسمى الخطة الأساسية، ويُعاد إطلاقها كل 5 سنوات.
– في الخطتين الثانية والثالثة، اختيرت مجالات بحثية ذات أولوية، وهي إنتاج الإلكترونيات والأجهزة النانوية والمواد الحيوية النانوية.
– في عام 2011، شارك نحو 300 مؤسسة عامة وخاصة وأكثر من 1200 باحث في أنشطة تكنولوجيا النانو.
– قامت اليابان بإنفاق نحو 263.3 مليار ين ياباني (2.37 مليار يورو) على أبحاث النانو في عام 2011.
الصين:– توجد برامج تكنولوجيا النانو الوطنية في الصين منذ عام 1990.
– كان لدى الصين في عام 2011 ميزانية تقديرية لأبحاث النانو بلغت نحو 1.8 مليار يورو.
– وضعت خطتها الخمسية الثانية عشرة (2011-2015) التي صُنفت بأنها الخطة الأكثر شمولية في أي مكان في العالم، وكانت عبارة عن هدف عملي للتحول من البحوث الأساسية إلى البحوث التطبيقية، وشاركت فيها أكثر من 1000 شركة، وأكثرها شركات محلية صغيرة ومتوسطة الحجم.
الاتحاد الأوروبي:– 8 من دول الاتحاد الأوروبي تشارك بنشاط في أنشطة تكنولوجيا النانو على مستوياتها الوطنية، وتشمل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا والسويد وهولندا وفنلندا.
– يبلغ تمويل تكنولوجيا النانو في ألمانيا على سبيل المثال، نحو 500 مليون يورو سنويا، مع أكثر من 750 شركة وأكثر من 1000 باحث.
– تبلغ ميزانية فرنسا نحو 400 مليون يورو سنويا، مع نحو 130 شركة وأكثر من 700 باحث في مجال التكنولوجيا الحيوية النانوية.
– تستثمر المملكة المتحدة نحو 250 مليون يورو سنويا مع نحو 200 شركة تعمل في مجال تكنولوجيا النانو، مع التركيز على التكنولوجيا الحيوية النانوية والطب النانوي والطاقة النانوية والمواد النانوية.
– تبلغ استثمارات الدول الأخرى في أوروبا نحو 100 مليون يورو سنويا، وبأهداف مصممة جيدا لتحقيق مصلحتها والحفاظ على القدرة التنافسية والاستدامة العالمية.
روسيا:– أطلقت روسيا منذ عام 2006 أنشطتها في مجال تكنولوجيا النانو بتمويل جماعي من مختلف الوكالات الحكومية مع الوكالة الفدرالية للعلوم والابتكار باعتبارها الهيئة التنفيذية.
– لدى روسيا هيئتان رئيسيتان مكلفتان بالأنشطة الشاملة لتكنولوجيا النانو، وهما الشركة الروسية لتقنيات النانو باعتبارها وكالة مسؤولة عن تسويق المنتجات النانوية والابتكارات التي تهدف إلى إنشاء العديد من صناعات تكنولوجيا النانو بحلول عام 2015، وهناك وكالة أخرى هي الشبكة الوطنية لتقنية النانو، وهي هيئة مكلفة مسؤولية تنسيق أنشطة أكثر من 480 مؤسسة للبحث والتطوير ونحو 1700 باحث.
– ينصب تركيز روسيا على استخدام نهج التصنيع العنقودي على إنتاج المواد النانوية والطب النانوي والضوئيات النانوية والإلكترونيات النانوية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
معهد سريلانكا لتقنية النانو يجسد الإرادة السياسية في الاستثمار بهذا المجال (معهد سريلانكا لتقنية النانو) 9 دول تحاول اللحاقوتحاول دول أخرى اللحاق بقطار التمكين، ومنها:
البرازيل:– أطلقت البرازيل لأول مرة برنامجها الخاص بتكنولوجيا النانو في عام 2005 بميزانية تبلغ نحو 31 مليون دولار مع 10 شبكات بحثية تضم نحو 300 باحث دكتوراه.
– تركز أبحاث البرازيل على الجسيمات النانوية والفوتونيات النانوية والتكنولوجيا الحيوية النانوية والأنابيب النانوية الكربونية ومستحضرات التجميل النانوية ومحاكاة ونمذجة الهياكل النانوية.
– تتمتع البرازيل بعلاقة تعاون قوية في خطتها الممتدة من عام 2007 إلى عام 2013 مع الاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا والهند، مما عزز قدراتها في مجال تكنولوجيا النانو.
الهند:– أطلقت الهند مبادرة علوم النانو والتكنولوجيا النشطة ضمن خطة الحكومة الخمسية من 2007 إلى 2012 بميزانية تقديرية تبلغ 254 مليون دولار.
– وتهدف الخطة إلى تطوير مراكز التميز التي تستهدف المختبرات والبنية التحتية وتنمية الموارد البشرية.
– تشارك العديد من الولايات بنشاط في برامج تكنولوجيا النانو مثل كارناتاكا، وتريفاندروم، وتاميل نادو التي تشارك في الأنشطة المتعلقة بالتكنولوجيا الحيوية والصحة.
– وزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية هي الوكالة المسؤولة عن كل من البحوث الأساسية والتطبيقية في مجال تكنولوجيا النانو، وتشمل مجالات تركيزها الأنابيب النانوية والأسلاك النانوية ورقائق الحمض النووي والسبائك ذات البنية النانوية.
جنوب أفريقيا:– بدأت جنوب أفريقيا بشكل إستراتيجي أنشطتها في مجال تكنولوجيا النانو بميزانية قدرها 2.7 مليون دولار في عام 2005 .
– أنفقت مبلغا إجماليا قدره نحو 77.5 مليون دولار من 2005 إلى 2012.
– تتمتع جنوب أفريقيا بتعاون قوي مع الشركاء الأجانب وخاصة البرازيل والهند.
ماليزيا:– بدأت ماليزيا خطتها في مجال تكنولوجيا النانو في عام 2001 وصنفتها كخطة إستراتيجية تستمر من عام 2001 إلى 2005.
– وضعت خطة أكثر قوة لمدة 15 عاما من 2005 وحتى 2020 مع أكثر من 150 باحثا.
– محليا تركز على تكنولوجيا النانو من أجل تطوير المواد والتكنولوجيا الحيوية لتشجيع تطوير شركات جديدة ومنتجات جديدة.
تايلند:– جرت الموافقة في تايلند على إنشاء المركز الوطني لتكنولوجيا النانو في عام 2003.
– يتلقى تمويل برنامج علم النانو في تايلند ما يقرب من مليوني دولار سنويا.
سنغافورة:– تتمتع سنغافورة بقدرات متقنة في مجال تكنولوجيا النانو باستخدام المواد النانوية والأجهزة النانوية في تصنيع الإلكترونيات الدقيقة والأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة والطاقة النظيفة والتكنولوجيا الطبية.
– لديها العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة في مجال تكنولوجيا النانو.
سريلانكا:– على الرغم من البنية التحتية المحدودة للبحث والتطوير والتمويل المحدود من الحكومة، فإن سريلانكا أظهرت التزاما بتطوير تكنولوجيا النانو من خلال شراكة بين القطاع العام والخاص وبدعم من علماء متحمسين.
– أطلقت مبادرتها لتقنية النانو في عام 2007.
– أنشأت معهد سريلانكا لتقنية النانو كشركة خاصة برأسمال قدره 420 مليون روبية سريلانكية (نحو 3.7 ملايين دولار) في عام 2008.
إيران:– أطلقت إيران مبادرتها الوطنية لتكنولوجيا النانو في 2005 لمدة 10 سنوات حتى عام 2015.
– نصف الميزانية الخاصة بتكنولوجيا النانو تُموّل من قبل القطاع الخاص، حيث يشارك علماؤها وصناعاتها بنشاط في أنشطة التعاون الدولي.
– لديها برنامج تعليمي راسخ لتدريب طلاب الماجستير والدكتوراه في نحو 50 جامعة ومعهدا بحثيا، وتتمثل أولوياتها في مجال البحث والتطوير في الطاقة والصحة والمياه والبيئة والمواد النانوية والبناء.
– تلعب إيران دورا بارزا في مجموعة عمل الطاقة والمياه في منتدى النانو الآسيوي.
تايوان:– بدأ برنامج تايوان الوطني لعلوم النانو عام 2002 ويهدف إلى تحقيق التميز الأكاديمي في البحوث الأساسية وتسريع تسويق تكنولوجيا النانو.
– يتكون المشروع من أربعة قطاعات، وهي التميز البحثي الأكاديمي، والتقنيات الصناعية، والبحث عن المواهب، وإنشاء المرافق الأساسية.
– تمتلك مراكز مجهزة تجهيزا جيدا مثل مركز أبحاث تكنولوجيا النانو الذي أنشأه معهد أبحاث التكنولوجيا الصناعية، ومختبر علوم النانو التابع لأكاديمية سينيكا، والمختبر الوطني للمكونات النانوية الذي أنشأه المجلس الوطني للعلوم.
– من خلال هذه المراكز تُنسّق فرق بحثية متعددة التخصصات ومتعددة الوكالات في البحث الأكاديمي، وتعمل بالتعاون مع الصناعة، حيث يوجد نحو 175 شركة مشاركة بالبرنامج.
من المهم تشجيع الشركات الخاصة للدخول في شراكة مع القطاع العام لتمويل برامج تكنولوجيا النانو بهدف تطويرها (شترستوك) إظهار الاهتمام لا يكفيباستثناء هذه الدول التسع التي تحاول اللحاق بقطار التمكين، فإن باقي دول العالم يمكن تصنيفها بأنها دول تحاول إظهار الاهتمام بالنانو، وذلك لأن مبادراتها لا تأخذ البعد القومي، وهو ما سيحوّل تلك الدول إلى مستوردة دائمة لتكنولوجيا النانو، وتعطل بذلك قاطرة يمكن أن تقود طموحاتها وأحلامها نحو تغيير الواقع والتطلع لمستقبل أفضل، كما يقول محمد الجندي الباحث المصري في تكنولوجيا النانو بجامعة نيويورك.
ويضع الجندي قائمة بالتحديات التي تواجه الدول النامية والفقيرة نحو التمكين لتكنولوجيا النانو، وأهمها:
غياب الإرادة السياسية، وبالتالي لا يوجد إطار تشريعي أو تنظيمي لتكنولوجيا النانو كما يوجد في الدول الرائدة والدول التي تشير بقوة نحو التمكين لتلك التكنولوجيا. انخفاض الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير بشكل عام. قلة مشاركة القطاع الخاص في البحث والتطوير. غياب معاهد البحوث التي يمكنها ترجمة البحوث الأساسية إلى أبحاث تطبيقية ومنتجات نهائية. عدم وجود تعاون كاف مع الوكالات المانحة في مجال تكنولوجيا النانو. الافتقار إلى التعليم المتخصص في تكنولوجيا النانو.وكان من نتيجة تلك التحديات ألا تتعدى مساهمة الدول الفقيرة والأقل نموا في مجال النانو؛ محاولة إظهار الاهتمام بإنجاز بحث هنا وبحث هناك. ولكن القضية أعمق من ذلك، وتحتاج إلى تدخلات عاجلة للحاق بقطار النانو، ويذكر الجندي بعضا من التدخلات الواجب تنفيذها سريعا، وهي:
إنشاء وزارة لتكنولوجيا النانو أو قسم لتكنولوجيا النانو تابع لوزارة العلوم والتكنولوجيا، والتركيز على تنمية رأس المال البشري. إنشاء روابط تعاون قوية مع دول مثل جنوب أفريقيا والهند والاتحاد الأوروبي التي تتمتع بقدرات قوية في مجال تكنولوجيا النانو. إدراج ميزانية لأبحاث تكنولوجيا النانو في الوزارات الحكومية ذات الصلة. تخصيص ميزانية ضخمة للبحث والتطوير في مجال تكنولوجيا النانو. وضع خطط قصيرة وطويلة الأجل بشأن تكنولوجيا النانو موضع التنفيذ. تشجيع الشركات الخاصة على الدخول في شراكة مع القطاع العام في تمويل برامج تكنولوجيا النانو بهدف تطوير تكنولوجيا النانو وتحسين اقتصاد البلاد. توفير المنح البحثية لطلاب الماجستير والدكتوراه الراغبين في العمل بهذا المجال.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التکنولوجیا الحیویة ملیون یورو سنویا المواد النانویة البحث والتطویر الدول الفقیرة الدول النامیة جنوب أفریقیا تقنیة النانو تلک المشکلة ملیار دولار ملیون دولار بمدینة زویل هذا المجال التی یمکن العدید من یمکن أن عن طریق أکثر من
إقرأ أيضاً:
معلومات الوزراء: التجارة العالمية قاطرة مهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً جديداً تناول من خلاله اتجاهات وآفاق التجارة العالمية، مشيراً إلى أن التقرير الجديد يأتي ضمن سلسلة من الإصدارات المتنوعة التي يصدرها خلال الفترة الأخيرة، بهدف تسليط الضوء على آفاق واتجاهات التجارة العالمية، وتحدياتها، ومدى تأثير الأزمات الجيوسياسية عليها، ومستقبل هذه التجارة في ظل صعود التجارة الرقمية، وفي ظل زيادة الاستثمارات في الطاقة الخضراء، بالإضافة إلى استعراض دور مصر في التجارة العالمية.
أشار التقرير الجديد إلى أن التجارة العالمية هي قاطرة مهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث تقوم بدور كبير سواء لتوفير أسواق لتصريف المنتجات العالمية أو توفير الاحتياجات الأساسية للدول، كما تسهم في رفع مستوى المعيشة وزيادة الاستثمارات وتوفير فرص العمل وتعزيز التكامل بين دول العالم.
وأضاف التقرير أن التجارة العالمية تعرضت خلال السنوات القليلة الماضية إلى الكثير من الأزمات سواء على الجانب السياسي أو الاقتصادي، إلا أنها ما زالت تلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد العالمي، بل هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها.
وأشار التقرير إلى أن ديناميكيات التجارة العالمية في عام 2023 لا تزال متأثرة بإرث صدمة "كوفيد-19"، فعندما انهار النشاط الاقتصادي العالمي مع ظهور جائحة "كوفيد-19"، أدى الأمر إلى أعمق ركود عالمي -وإن كان قصير الأجل- منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما صاحبه انخفاض كبير في التجارة العالمية.
وأضاف التقرير أن الضعف اللاحق في التجارة العالمية عام 2023 يعكس تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل كبير في الاقتصادات المتقدمة، وتشير التقديرات إلى أن حوالي نصف الانخفاض في التجارة العالمية منذ عام 2022، يمكن أن يعزى إلى ضعف الاستثمارات.
وأوضح المركز في التقرير أرقام ومؤشرات للأداء العالمي لتجارة السلع والخدمات خلال عام 2023، مشيراً إلى تحديث التجارة العالمية الصادر عن "الأونكتاد" في مارس 2024، حيث يُلاحظ أن التجارة العالمية انخفضت بنسبة 3% لتصل إلى 31 تريليون دولار عام 2023، بعد أن بلغت ذروتها عام 2022، ويرجع ذلك الهبوط إلى ضعف الطلب في الاقتصادات المتقدمة وضعف مستويات التجارة في كل من شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، وكان هذا التباطؤ مدفوعًا بانخفاض بنسبة 5% في تجارة السلع، فيما قاوم قطاع تجارة الخدمات الاتجاه السلبي، واتجه إلى النمو بنسبة 8%، وكان القطاع مدفوعًا في ذلك بارتفاع بنسبة 40% تقريبًا في كل من السياحة والخدمات المرتبطة بالسفر. مضيفاً أن العبء الأكبر الناتج من هذا التباطؤ يقع على عاتق الدول النامية؛ حيث شهدت تلك الدول انخفاضًا حادًّا في التجارة، وانخفضت وارداتها وصادراتها بنسبة 5% و7% على الترتيب، مقارنة بانخفاض بنسبة 4% في الواردات و3% في الصادرات بالنسبة للدول المتقدمة، كما شهدت أغلب المناطق نموًّا سلبيًّا في التجارة عام 2023، وكان الاستثناء هو الزيادة الكبيرة في التجارة داخل أفريقيا.
وعلى الرغم من الانخفاض العام، فإن عام 2023 شهد ارتفاعًا بنسبة 2% في تجارة المنتجات البيئية، مدفوعًا في المقام الأول بارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية؛ حيث سجلت تجارة المركبات الكهربائية نموًّا بنسبة 60%؛ مما سلط الضوء على تغير متطلبات السوق وتفضيلاتها. كما شهد الربع الأخير من عام 2023 علامات استقرار، وخاصة في المناطق النامية؛ مما أشير إلى بداية مرحلة التعافي، في حين شهدت معظم القطاعات انتعاشًا، رغم أن تجارة الملابس (الملابس وإكسسوارات الملابس) استمرت في الانكماش، حيث انخفضت بنسبة 13%.
أما فيما يتعلق بالأداء العالمي لتجارة السلع والخدمات خلال عام 2024، فوفقًا لنفس التحديث "التجارة العالمية الصادر عن "الأونكتاد" في يوليو 2024"، فمن الملاحظ أن اتجاهات التجارة العالمية تحولت إلى إيجابية خلال الربع الأول من عام 2024، مع زيادة قيمة التجارة في السلع بنحو 1% على أساس ربع سنوي، وفي الخدمات بنحو 1.5%.
ومن المتوقع أن يضيف هذا الارتفاع، الذي تدعمه ديناميكيات التجارة الإيجابية للولايات المتحدة والدول النامية وخاصة الاقتصادات النامية الآسيوية الكبيرة، ما يقرب من 250 مليار دولار إلى تجارة السلع، و100 مليار دولار إلى تجارة الخدمات في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالنصف الثاني من عام 2023.
كما شهدت التجارة العالمية في الربع الأول من عام 2024 نموًّا مدفوعًا في المقام الأول بزيادة الصادرات من الصين (9%) والهند (7%) والولايات المتحدة (3%)، وعلى العكس من ذلك، لم تشهد صادرات أوروبا أي نمو، كما انخفضت صادرات إفريقيا بنسبة 5%. وعلى صعيد آخر، ارتفعت التجارة في الدول النامية والتجارة بين دول الجنوب بنحو 2% في كل من الواردات والصادرات خلال الربع الأول من عام 2024. وبالمقارنة، شهدت البلدان المتقدمة استقرار الواردات وارتفاعًا متواضعًا بنسبة 1% في الصادرات. ومع ذلك، انخفضت التجارة بين دول الجنوب على أساس سنوي بنسبة 5% عند مقارنة الربع الأول من عام 2023 بالربع الأول من عام 2024.
وفي سياق متصل، فقد تفاوت نمو التجارة العالمية بشكل كبير عبر القطاعات؛ حيث شهدت المنتجات المرتبطة بالطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي زيادات قوية، وارتفعت قيمة تجارة الخوادم عالية الأداء في الربع الأول من عام 2024 بنسبة 25% مقارنة بالربع الأول من عام 2023، في حين شهدت أجهزة الكمبيوتر الأخرى ووحدات التخزين زيادة بنسبة 8%. كما نمت قيمة تجارة المركبات الكهربائية بشكل كبير؛ حيث زادت بنحو 25%.
ورغم هذه الاتجاهات الإيجابية، فإن التوقعات لعام 2024 اتسمت بالاعتدال بسبب التوترات الجيوسياسية، وتأثيرات السياسات الصناعية، والتي يرجح أن تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن، ومن ثم إعادة تشكيل أنماط التجارة العالمية.
وقد توقعت المنظمات الاقتصادية الدولية الثلاث الكبرى (صندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة التجارة العالمية) ارتفاع تدفقات التجارة العالمية في عام 2024؛ حيث توقعت منظمة "التعاون الاقتصادي والتنمية" أن تنمو التجارة العالمية في السلع والخدمات بنسبة 2.3% خلال عام 2024، على أن تنمو بنسبة 3.3% في عام 2025، وهو أكثر من ضعف النمو البالغ 1% الذي شهدته التجارة العالمية في عام 2023.
وعن أبرز التحديات أمام التجارة العالمية، أشار التقرير إلى ما شهدته العقود الأخيرة من تزايد التجارة الثنائية بين الدول؛ فمعظم الدول التي تصدر السلع إلى بلد ما، تستورد أيضًا السلع من البلد نفسه، كما تزايدت أهمية التجارة بين دول الجنوب بشكل كبير. وفي العقدين الماضيين، كانت الصين المحرك الرئيس لهذا الاتجاه في التجارة. فعلى سبيل المثال، شهدت السنوات العشرين الماضية، تحول الصين إلى أكبر شريك تجاري ثنائي لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن نحو 20% من صادرات المنطقة تذهب الآن إلى الصين، ونحو 16% من واردات إفريقيا تأتي من الصين، وقد وصل حجم التجارة الثنائية بين الصين ودول إفريقيا جنوب الصحراء إلى رقم قياسي بلغ 282 مليار دولار من إجمالي حجم التجارة العالمية في عام 2023.
- العولمة وأثرها على التجارة العالمية: أوضح التقرير أنه حتى عام 1870، كان مجموع الصادرات العالمية يمثل أقل من 10% من الناتج العالمي، أما اليوم، فقد أصبحت قيمة السلع المصدرة حول العالم تبلغ نحو 25%، الأمر الذي يوضح أن النمو في التجارة على مدى المائة عام الماضية تجاوز حتى النمو الاقتصادي السريع، وبشكل عام، لا توجد دلائل واضحة على التراجع الهيكلي للتجارة الدولية، ولكن هناك فقط تذبذبات عرضية ناجمة عن عدة عوامل أدت إلى حدوث انقطاع في سلسلة التوريد العالمية التي شهدناها خلال جائحة "كوفيد-19"، ولكن منذ ذلك الحين، انتعشت التجارة العالمية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بقوة، على الرغم من المخاوف من الإجراءات الحمائية وتحول الاقتصاد العالمي إلى تكتلات اقتصادية منفصلة.
- الأزمات الجيوسياسية وتأثيراتها على التجارة العالمية: فقد أسهم تصاعد التوترات والأزمات الجيوسياسية، التي شهدها العالم خلال الأعوام الأخيرة الماضية، وعلى رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على غزة، إلى خلل في حركة التجارة العالمية؛ حيث أشار "البنك المركزي الأوروبي"، في أحدث توقعاته لمجمل عام 2024، إلى أن اضطرابات الشحن في البحر الأحمر، قد تؤدي إلى كبح جماح التعافي في تجارة السلع العالمية، وقد انخفض حجم تجارة الترانزيت عبر البحر الأحمر بشكل كبير، مع قيام شركات الشحن بتجنب المرور في المنطقة وتغير مسار سفنها حول رأس الرجاء الصالح. ومن ناحية أخرى، تؤثر المسافة بين الدول سلبًا على تدفقات التجارة الثنائية؛ مما يمثل عقبة أمام التجارة العالمية، فكلما زادت المسافة بين دولتين، كان تدفق التجارة الثنائية بينها أقل؛ وذلك بسبب ارتفاع تكاليف التجارة. وتشير التوقعات إلى تعافي التجارة العالمية تدريجيًّا خلال عام 2024، واتجاهها للنمو مستقبلًا، وذلك استنادًا إلى بيانات ترجح نمو الواردات العالمية من 1.2٪ عام 2023 إلى 2.8٪ عام 2024، قبل أن يتسارع تدريجيًّا إلى 3.1٪ في عام 2025، و3.2٪ عام 2026. وعلى الرغم من التعافي المتوقع، فمن المرجح أن تظل التجارة العالمية أقل من اتجاهها التاريخي؛ مما يعكس تأثير التغييرات الهيكلية في العلاقات التجارية، والناجمة عن التوترات الجيوسياسية المتزايدة؛ فالصراعات الإقليمية والتوترات الجيوسياسية تختبر بشدة مرونة شبكات التجارة العالمية.
وأكد التقرير على دور مصر في التجارة العالمية موضحاً أن مصر تُعد أكبر اقتصاد في إفريقيا، بناتج محلي إجمالي بلغ 398 مليار دولار أمريكي عام 2023، كما أن عدد سكانها البالغ حتى 12 سبتمبر الجاري 106.8 ملايين نسمة يجعلها سوقًا ناشئة رئيسة؛ حيث يمثل هذا العدد الكبير والمتزايد من السكان سوقًا محتملة كبيرة؛ وبالحديث عن أهمية دور مصر في التجارة العالمية، أشار التقرير إلى ما يلي:
- دور قناة السويس في التجارة العالمية: تُعد قناة السويس عنصرًا أساسيًّا من عناصر البنية التحتية للنقل البحري الدولي؛ ولعل أبرز مثال على أهمية قناة السويس للتجارة الدولية يكمن في حادثة جنوح سفينة الحاويات "إيفر جيفن" (Ever Given) في نهاية مارس 2021، التي أدت إلى عرقلة حركة المرور في كلا الاتجاهين. وكان لإغلاق القناة تأثير كبير على قيمة البضائع المنقولة كل ساعة والتي تبلغ 400 مليون دولار، كما أدى إلى خفض النمو السنوي للتجارة العالمية بنسبة تتراوح بين 0.2% و0.4%، ويعود السبب وراء الأهمية الكبيرة لقناة السويس إلى عدد من المزايا التي توفرها للتجارة الدولية، ومنها: (ضمان سرعة رحلات الشحن، الكفاءة العالية والتوفير في التكاليف- رابط مباشر من آسيا إلى أوروبا).
- مصر عضو فاعل في الاتفاقيات التجارية الإقليمية والدولية: لعبت مصر دورًا محوريًّا في إجراءات تنظيم العلاقات التجارية العالمية؛ حيث كانت ممثلة في مؤتمر صياغة ميثاق هافانا الخاص بإنشاء منظمة عالمية للتجارة عام 1947، كما شاركت في مؤتمر الجات عام 1993، وخلال مفاوضات الفصل الرابع للتجارة والتنمية في عامي 1964 و1965 تم إقرار المبدأ الذي نادت به مصر لمعاملة الدول النامية وفق مبدأ الدولة الأولى بالرعاية، وقد برز الدور المصري عند اختيار مؤتمر الدوحة للتجارة العالمية لعام 2001 مصر ضمن مجموعة الدول المكلفة بصياغة البيان الختامي للمؤتمر.
وفي هذا السياق، فإنه بالإضافة إلى انضمامها المبكر لمنظمة التجارة العالمية، فقد عقدت مصر اتفاقيات تجارية مع العديد من الدول حول العالم، ومن أبرزها: (اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى "جافتا"، واتفاقية السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا "الكوميسا"، واتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، واتفاقية "أغادير" للتجارة الحرة، واتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا، واتفاقية التجارة الحرة بين مصر ورابطة التجارة الحرة الأوروبية "إفتا"، واتفاقية التجارة الحرة التفضيلية بين مصر والسوق المشتركة الجنوبية "الميركوسور"، واتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية).
- أبرز الشركاء التجاريين لمصر: مثلت التجارة 40.5% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر في عام 2023، ارتفاعًا من نحو 37% في عام 2022، وفقًا للبيانات الصادرة عن "البنك الدولي"، ويرجع ذلك إلى انفتاح السوق المصرية تدريجيًّا، مع التصديق على اتفاقيات التجارة الحرة المختلفة.
وتعتبر المنتجات البترولية (النفط والغاز) أكثر العناصر تداولًا، سواء للواردات أو الصادرات، كما يُعد الذهب والأسمدة والحمضيات من الصادرات المصرية المهمة. فيما تضمن واردات مصر بصورة رئيسة الآلات والأجهزة الميكانيكية، والحبوب، والسيارات، والأدوية.
وفي عام 2023، أتت تركيا في مقدمة الدول المستوردة للصادرات المصرية من السلع، بقيمة صادرات بلغت نحو 3.77 مليارات دولار أمريكي، أي ما يعادل 4.50% من إجمالي صادرات مصر، تليها إيطاليا بقيمة صادرات 3.14 مليارات دولار أمريكي، بما يعادل 3.76% من إجمالي صادرات مصر، فيما مثلت صادرات مصر إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نحو 3.22% و2.67% من إجمالي صادرات مصر على الترتيب. وعلى صعيد الواردات، جاءت الصين في مقدمة الدول المصدرة لمصر؛ حيث مثلت 15.56% من إجمالي الواردات المصرية في عام 2023، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 6.43%، ثم المملكة العربية السعودية وروسيا بنسبة 6.26% و5.96% من إجمالي الواردات المصرية على الترتيب.
وفيما يتعلق بالتجارة البينية مع التجمعات الدولية، يُعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لمصر؛ حيث صدّرت مصر 31.19% من إجمالي صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2023، فيما جاء 25.5% من إجمالي الواردات المصرية من الاتحاد الأوروبي.
فضلًا عن ذلك، فقد توجه ما نسبته 10% من صادرات مصر إلى "الكوميسا" في عام 2023، فيما استوردت مصر منها ما نسبته 1.9%. وبالنسبة إلى التجارة مع دول "الميركوسور" و"الإفتا"، فقد صدرت مصر 1.67% و1.14% من إجمالي صادراتها إلى المجموعتين على الترتيب، فيما استوردت منهما ما نسبته 5.29% و1.52% من إجمالي الواردات المصرية على الترتيب خلال عام 2023.
وعن مستقبل التجارة العالمية، فقد أشار التقرير إلى أن التجارة العالمية قد شهدت خلال السنوات الأخيرة تحولًا ملحوظًا، ويعود هذا التحول إلى البيئة الاقتصادية والجيوسياسية الصعبة التي أدت إلى ظهور أنماط متطورة ومبتكرة للتجارة أسهمت في إعادة تشكيل التجارة العالمية، ومن بين تلك الأنماط، ما يلي: صعود التجارة الرقمية، ظهور ممرات تجارية جديدة، زيادة الاستثمارات في الطاقة الخضراء.
وأشار التقرير في الختام إلى أن صعود أنماط جديدة للتجارة الدولية كالتجارة الرقمية والتجارة في السلع والخدمات المرتبطة بالاستدامة، يمثل تحولاً كبيرًا في مشهد التجارة، ومع استمرار الممرات التجارية الحديثة في التطور والنضوج، فمن المقرر أن تكون جزءًا لا يتجزأ من مستقبل واعد للتجارة الدولية يساعد على تعزيز الرخاء الاقتصادي وزيادة الترابط التجاري حول العالم.
وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون الاستثمار الأخضر العابر للحدود بمثابة مقدمة للتحول في أنماط التجارة العالمية، وبشكل عام، يرى محللون أنه في حين أن هندسة التجارة العالمية كانت تعيد تشكيل نفسها تدريجيًّا، فإن شكلها المستقبلي لا يزال غير مؤكد، وإن كان من المرجح استمرار الروابط التجارية بين الدول بشكل مشابه لما هي عليه اليوم مع حدوث تحولات في بعض سلاسل القيمة.