ما شاء الله: روابط أقوى من الفولاذ
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
من اغرب ما شاهدته قبل يومين اللقاء المتلفز الذي أجراه الإعلامي العراقي الجريء (حيدر الحمداني) مع المغترب (صبري). .
فما ان قرر (صبري) العودة إلى مدينته (بغداد) عن طريق مطار دمشق بعد 19 عاماً من الاغتراب والعذاب. حتى وجد نفسه مطلوبا للعدالة بتهمة غامضة. فأمضى في السجون السورية مدة طويلة، ثم قرروا ترحيله على متن طائرة متوجهة إلى مطار بغداد، فوجد الشرطة ينتظرونه في صالة الوصول.
عرضوه بعد مدة على القضاء فوجد نفسه متهما بالتطاول على جلالة ملك الأردن بكتابات منسوبة اليه. وأنه محكوم عليه بالسجن الانفرادي لثلاثة أعوام ينبغي ان يقضيها في المعتقلات الأردنية. .
ثم قامت الخارجية العراقية ووزارة العدل بإبلاغ الجهات الأردنية لترتيب إجراءات تسويقه وترحيله ليقضي مدة السجن هناك نزولا عند رغبات المملكة. .
كانت هذه صورة حقيقية لمستويات التنسيق الأمني بين الحكومات العربية. التي استنفرت قواتها البوليسية والمخابراتية في مطاردة هذا الإنسان، وإلقاء القبض عليه، وترحيله خارج وطنه ليمضي مدة السجن المقررة بتهمة لا يعلم عنها شيئا. .
في العراق يحق لك ان توجه النقد اللاذع لرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، والوزراء والمحافظين كلهم وبلا استثناء، ويحق لك التظاهر ضدهم بكل اللهجات الدارجة. ولكن لا يحق لك التحرش بمقامات الملوك والرؤساء العرب، فلربما يكون مصيرك مثل مصير الشاب (صبري) الذي فقد حصانته كمواطن، وفقد حصانته كإنسان. ولم يجد من يذود عنه، ويدفع عنه الاتهامات الموجهة اليه. .
لم تلتفت المؤسسات العراقية إلى المعاملة السيئة التي يواجهها المسافر العراقي في مطار الملكة عالية. فقد دأبت مكاتب الجوازات هناك على توجيه السؤال نفسه لكل عراقي تطأ قدماه أرض الأردن المقدسة: (هل أنت شيعي أم سني ؟)، وربما يقرر ضابط الجوازات إعادتك إلى العراق حسب ما يمليه عليه مزاجه ونرجسيته. .
عشرات الآلاف استشهدوا الآن في غزة، ومئات الآلاف يعانون من الجوع والحرمان والحزن والمرض، لا احد يهتم بمصيرهم، بينما تواصل القوافل الأردنية تحركاتها اليومية المكوكية لنقل المؤن إلى أسواق تل ابيب. ولا يحق لأي عربي الاعتراض على سلوك حكومة جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه. .
عشرات الغارات تنفذها المقاتلات الأردنية ضد أهداف عراقية وسورية من دون ان يحق لك الاعتراض عليها حتى لا تتسبب بإزعاج حكومة جلالة الملك المعظم اطال الله في عمره وحفظه ذخرا للعرب. .
لقد تضافرت الجهود العربية (الأردنية والسورية والعراقية) في انتاج وإخراج مسرحية: (ليلة القبض على صبري). بعدما اكتشفت تلك الحكومات ان (صبري) هذا هو المجرم العتيد الذي تسبب بتعكير صفو الأجواء العربية التي لا تشوبها شائبة. اما الحديث عن غزة، وعن الذين اغتالوها وتآمروا عليها وشاركوا في تضييق الخناق عليها، فهو حديث محذوف من مشاهد تلك المسرحية البائسة. .
اللهم احفظ (صبري) وأبعد عنه الهم والغم، وارفع عنه الحيف والضيم. اللهم أنت المفرج عن كل مسجون. وأنت المنفس عن كل محزون، وأنت المجري المياه في البحار والعيون، اللهم بمنك وفضلك وجودك ورحمتك أغثنا يا مغيث. يا الله. يا الله. يا رب. .
د. كمال فتاح حيدر
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
في غزة .. أنين الجوعى أقوى من صوت المدافع
مراسل «عُمان» - بهاء طباسي:
وسط ازدحام خانق أمام إحدى «التكايا» في حي فقير بقطاع غزة، كانت الطفلة رُبى، ذات الثلاثة عشر عامًا، تقف ممسكةً بإناء فارغ. عينان واسعتان امتلأتا بالدموع، تبحثان عن أمل يسد رمقها وأسرتها. بجسدها النحيل تزاحم الكبار، تتوسل لقمة من العدس أو الأرز لتضعها في إنائها الفارغ. مشهد بات متكررًا في قطاع غزة حيث أصبح «الجوع أقوى من صوت المدافع».
رُبى ليست وحيدة في معاناتها، آلاف الأطفال في القطاع المحاصر يصطفون، بمعدة خاوية يوميًا أمام مراكز توزيع المساعدات الإنسانية التي باتت تستهدف بشكل متكرر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وحلقت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بكثافة فوق مدينتي خان يونس ورفح، في مشهد ينذر بالخطر. ولم يطل الأمر كثيرًا قبل أن تتحول منطقتا الأكواخ غرب رفح ودوار النص غرب مواصي خان يونس إلى ساحة موت بعد استهداف مباشر لعناصر تأمين المساعدات.
12 شهيدًا ارتقى في هجوم الفجر الغادر على شاحنات المساعدات، بالإضافة إلى عشرات الجرحى.
وقال الناطق باسم الدفاع المدني في غزة: «هؤلاء كانوا يحرسون شاحنات مساعدات إنسانية تحمل الدقيق لصالح مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)».مضيفا لعمان" «الاحتلال يستهدف بشكل ممنهج الخدمات الإنسانية لإضعاف صمود الشعب الفلسطيني».
ودائمًا ما تقع قوافل المساعدات القادمة لغزة فريسة للسرقة من قبل لصوص ومجموعات مسلحة بعد وقت قصير من دخولها القطاع، ما دفع أجهزة الأمن في غزة لتشكيل عناصر ميدانية محلية لتأمين وصولها وتوزيعها.
عبد الله، أحد المتطوعين في تأمين المساعدات، شهد على الأحداث قائلاً: «كانت الشاحنات متجهة إلى مخازن أونروا عندما باغتتنا طائرات الاحتلال. الهجوم كان مباشرًا ومتعمدًا، وكان الهدف واضحًا؛ تجويعنا وكسر صمودنا».
مشاهد الأطفال وهم يركضون محاولين حماية ذويهم من شظايا القصف تعكس قسوة الحياة اليومية في غزة.
ويطالب الغزيون بملاحقة سارقي المساعدات بيد من حديد، حيث يقول على الفرا، أحد المواطنين من خان يونس، تعليقًا على استهداف مجموعات تأمين المساعدات: «روح هؤلاء الشباب الذين استشهدوا في رقبة كل من فكر في السرقة أو حاول الاستفادة من هذه المأساة».
وفي مشهد مليء بالدموع والألم، ودعت الصحفية الفلسطينية دعاء خالد والدها الذي ارتقى شهيدًا أثناء تأمين المساعدات في رفح. «والله قلت لك بالليل ما تروح»، تقول وهي تبكي وتنوح محتضنة جثمانه: «كنت تحاول أن تطعمنا، والآن من سيهتم بنا بعد رحيلك؟».
هذا المشهد يعكس واقع العديد من العائلات التي تفقد أحباءها يوميًا جراء القصف الإسرائيلي. قصة دعاء هي جزء من مأساة أوسع يعيشها كل بيت في غزة.
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أكدت أن القطاع يعاني من أزمة غذائية حادة، حيث يحتاج أكثر من 80% من سكان غزة إلى مساعدات غذائية عاجلة. وأكدت الأونروا أن الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية الإغاثية يعوق جهودها في توفير الحد الأدنى من احتياجات السكان.
صحفية تودع والدها «شهيد المساعدات»
التجويع سلاح حرب
بات واضحًا أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الجوع كسلاح حرب. استهداف المساعدات ومنع دخولها يعمقان من معاناة السكان، الذين باتوا يواجهون أزمة إنسانية غير مسبوقة. الأطفال يموتون من سوء التغذية، والأسر تعاني من نقص حاد في المواد الأساسية.
منظمات حقوقية دولية وصفت ما يحدث في غزة بأنه عقاب جماعي للشعب الفلسطيني، وطالبت بفتح تحقيقات دولية في استهداف قوافل المساعدات. هذه المنظمات تؤكد أن تجويع السكان يمثل جريمة حرب وفق القانون الدولي.
أبو أحمد، رب أسرة مكونة من سبعة أفراد، تحدث بحرقة عن معاناته قائلا خلال حديثه لـ«عُمان»: «أنا أعجز عن توفير الطعام لأطفالي. كنا نعتمد على المساعدات، لكنها الآن تُستهدف أو تُسرق. لا أعرف كيف يمكننا الصمود أكثر من ذلك».
في مخيم جباليا، أكدت أم حمدان الدقر، التي فقدت طفلها بسبب سوء التغذية، أن الوضع أصبح لا يُطاق: «ابني مات بين يدي. لم أستطع توفير الغذاء اللازم له. نشعر أن العالم يتخلى عنا».
تأثيرات الاستهداف على الأطفال
الأطفال هم الأكثر تضررًا من هذا الحصار. وفقًا لتقارير صادرة عن منظمات حقوق الطفل، فإن معدلات سوء التغذية بين الأطفال في قطاع غزة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. رُبى، التي بدأت القصة بمعاناتها، ليست سوى مثال على واقع مأساوي يعيشه أطفال غزة يوميًا.
وبحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، يواجه جميع الأطفال دون سن الخامسة في قطاع غزة (حوالي 335,000 طفل) خطر سوء التغذية الحاد بسبب الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
وتشير الإحصائيات إلى أن 10,000 طفل على الأقل من هؤلاء يعانون سوء التغذية الحاد، وهي حالة تهدد الحياة بشكل مباشر وتستدعي تدخلًا غذائيًا علاجيًا عاجلًا. كما يعيش ما نسبته 80% من الأطفال في غزة فقرًا غذائيًا حادًا، مما يزيد من هشاشتهم الصحية والاجتماعية.
وخلال الأشهر الماضية، تدهور الوضع التغذوي للأطفال في قطاع غزة بوتيرة متسارعة، حيث ارتفع معدل سوء التغذية الحاد (الهزال) بين الأطفال دون سن الثانية في شمال غزة إلى 15.6%، مقارنة بـ 0.8% قبل اندلاع الأعمال العدائية في السابع من أكتوبر الماضي. هذا التدهور، الذي نقلته (يونيسيف) يعكس نقصًا حادًا في الغذاء والمياه والخدمات الصحية في كل أنحاء غزة.
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تبقى التساؤلات حول دور المجتمع الدولي في حماية سكان غزة من هذه الكارثة. بالرغم من إدانات متكررة، لم يتحقق أي تقدم حقيقي على الأرض. ويطالب الفلسطينيون بتدخل دولي عاجل لفتح المعابر وضمان وصول المساعدات.
بدورها، دعت منظمة العفو الدولية إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي، مؤكدة أن الحصار والاستهداف المباشر للمساعدات يهدفان إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني.