سودانايل:
2025-02-19@22:34:38 GMT

السودانيون في مصر !

تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT

مناظير الخميس 22 فبراير، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com

* من المزاعم الغريبة التي تروج لها الحكومة المصرية منذ ما قبل اندلاع الحرب في السودان، وصارت الان العبارة المفضلة على ألسنة العديد من المصريين، ان تعداد السودانيين في مصر يبلغ ٥ مليون سوداني، بينما في حقيقة الامر ان عددهم لا يتجاوز المليون ونصف المليون باى حال من الاحول (٧٠٠ الف كانوا يقيمون قبل الحرب بشكل غير دائم) و٧٠٠ الف (سافروا) الى مصر بعد الحرب (باموالهم)، بينما لا يتجاوز عدد اللاجئين ١٠٠ الف - حسب التعريف الرسمي لكلمة لاجئ وتقديرات مفوضية شؤون اللاجئين - الا اذا كانت الحكومة المصرية تعتبر النوبة المصريين مواطنين سودانيين وفي هذه الحالة يمكن الادعاء بان تعداد السودانيين يبلغ ٥ مليون مواطن.



* وحتى لو افترضنا ان عدد السودانيين في مصر يبلغ ٥ مليون، فان مصر هى المستفيد الاول من ذلك، ويكفي اعتراف رئيس اتحاد الشركات العقارية المصرية في حوار تلفزيوني قبل بضعة اسابيع وهو في غاية السعادة بان جملة الاستثمارات السودانية في المجال العقاري تبلغ (٢٠ مليار دولار ) يعود لها الفضل في انقاذ القطاع العقاري المصري من الكساد والانهيار، قائلا انهم يعدون العدة لاقامة منتدى خاص خلال شهر مارس يبحثون فيه افضل السبل للاستفادة من وجود السودانيين في مصر وما جلبوه معهم من اموال ضخمة.
* فضلا عن ذلك ينفق السودانيون مئات الملايين من الدولارات كل شهر في المعيشة وانعاش الاسواق المصرية من المبالغ التي جلبوها معهم او التي يرسلها لهم ابناؤهم العاملون في الخارج، كما تستفيد مصر من المبالغ التي تدفعها الامم المتحدة لها مقابل استضافتها للسودانيين، والمبالغ التي تتحصلها مصر بالعملة الصعبة من السودانيين كرسوم اقامة وغيرها.

* يحدث ذلك بينما لم يكن المصريون الذين كانوا يعيشون في السودان قبل اندلاع الحرب يدفعون اى رسوم، وكانوا يدخلون السودان بدون تاشيرة دخول، ويفتحون المتاجر بدون الحاجة الى وجود شريك سوداني او استخدام عمالة سودانية عكس القوانين المصرية التي تلزم السودانيين والاجانب الذين يرغبون في ممارسة النشاط التجاري والاستثماري في مصر بضرورة بوجود شريك مصري واستخدام عمالة مصرية وتسديد مبالغ ضخمة كرسوم حكومية مقابل السماح لهم بالعمل في مصر.

* فائدة اخرى جنتها مصر من اندلاع الحرب في السودان هى ان السودان اصبح السوق الاول للسلع المصرية خاصة الغذائية بسبب اغلاق معظم المصانع في السودان، وهى تدخل بلا رقيب ولا حسيب وتجني منها مصر الكثير من العملة الصعبة، بالاضافة الى حصول مصر على الكثير من المنتجات الزراعية السودانية والثروة الحيوانية الضخمة مقابل مبالغ ضئيلة بالعملة المحلية السودانية يدفعونها للتجار السودانيين.

* رغم كل ذلك يواجه السودانيون كل يوم تعسفا من السلطات المصرية والتضييق عليهم لدرجة انهم اصبحوا عرضة للتفتيش بحثا عن العملات الصعبة وتخييرهم ما بين مصادرتها منهم او توجيه تهمة الاتجار غير المشروع في العملة الصعبة لهم بدون اى مسوِّغ قانوني اذا رفضوا التخلي عنها حتى لو اثبتوا حيازتهم لها بشكل قانوني، والغريب في الامر ان السلطات المصرية تفرض عليهم دفع رسوم الاقامة بالعملة الصعبة التي يضطرون لشرائها من السوق السوداء باكثر من ضعف قيمتها الرسمية لانعدام وجودها في المنافذ الرسمية ثم تحويلها في البنوك والصرافات الى العملة المصرية بالقيمة الرسمية واظهار ايصال التحويل لسلطات وزارة الداخلية لتسديد رسوم الاقامة، اى انها ترغمهم على التعامل مع السوق الاسود وانعاش التجارة غير المشروعة للعملة، ثم تطاردهم في الشوارع وتصادر ما تجده بجوزتهم من العملة الصعبة بتهمة الاتجار غير المشروع فيها حتى لو اتوا بها معهم من خارج مصر أو حصلوا عليها بطريقة قانونية!

* واقع أليم يعيشه ويعاني منه السودانيون في مصر رغم المكاسب الضخمة التي تجنيها مصر من وجودهم (كبديل للاجانب وعرب الخليج الذين عزفوا عن السياحة في مصر منذ عام ٢٠١١، وتوقفوا تماما بعد غزو اسرائيل لغزة في اكتوبر الماضي)، ورغم الاموال الضخمة بالعملة الصعبة التي ينفقونها في مصر، ورغم اتفاقية الحريات الاربعة التي شطبتها مصر بجرة قلم بعد اندلاع الحرب في السودان واصبح على المواطن السوداني الانتظار شهورا طويلة او دفع رشاوي ضخمة بالعملة الصعبة للحصول على تاشيرة الدخول لمصر ثم مكابدة المشاق ودفع رسوم باهظة للحصول على الاقامة وغيرها من الاجراءات التعسفية الاخرى التي تتنافى وتتعارض مع اتفاقية الحريات الاربعة بين الدولتين، بدون ان يجرؤ مسؤول سوداني واحد على الاحتجاج لدى السلطات المصرية عن ما يتعرض له المواطنون السودانيون في مصر !

* الايام دول وستجد مصر نفسها يوما في حاجة الى السودان وسترى كيف سيفتح لها السودانيون قلوبهم واذرعتهم وبيوتهم ويتقاسمون معها المسكن واللحاف واللقمة بلا من ولا اذى ولا رسوم ولا تكشيرة دخول!  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بالعملة الصعبة العملة الصعبة اندلاع الحرب فی السودان فی مصر مصر من

إقرأ أيضاً:

عن انهيار الطبقة الوسطى في السودان

في لقاء لي مطوّل مع المهندس صلاح إبراهيم أحمد، في منزله في الخرطوم، قال لي إنه سأل حسن الترابي (رحمهما الله) عقب انقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 1989 عن تصوّره لكيفية التخلص من المقاومة المدنية، خصوصاً التي تعتمل دوماً في قرائح طلاب الجامعات في السودان، فقال له عبارة موجزة، لكنها بليغة الأثر في عمقها ومحتواها: حأعدّمهم الساندوتش (سيلهيهم في مسألة المعاش).

المسرحية التي أدخل بوجبها الترابي السجن والونسات والدردشات بينه وبين النخبة آنذاك، كشفتا مبكّراً عن مخطط الجبهة الإسلامية القومية، وعن طرائق تفكيرها في كيفية التغلب على المقاومة السياسية المدنية التي طالما قطعت الطريق على أطماع القيادات العسكرية في السودان وطموحها، من خلال المحاولة للتخلص كليّاً من الطبقة الوسطى التي تعتبر العمود الفقري للمجتمع المدني، كما يقول روبرت بتنام ولاري ديموند وآخرون. وإذ نجحت الجبهة الإسلامية القومية في مبتغاها، فقد أورثت السودان فشلاً سياسياً وفكرياً وأخلاقياً، جعل من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل، تدارك المعضلات حضارياً ومدنياً، الأمر الذي بات الشعب يعاني من مغبّته ويعايش تداعياته، خصوصاً بعد اندلاع الحرب الحالية.

نجحت تلكم العصابة في مرادها ورضيت بانفرادها بالحكم ثلاثة عقود أو يزيد، لكن ذلك كان على حساب الإضرار بالنقابات والأحزاب، وإضعافها إلى درجة فقدت فيها الأخيرة الحيلة للقيام بدورها وسيطاً بين الشعب ومؤسّساته الدستورية، بين المهنيين ونقاباتهم الشرعية، بين القوات النظامية وأدوارها الوظيفية، إلى آخره. كذلك إن محاولة اقتلاع السودان من محيطه الأفريقي الصوفي والروحاني الإنساني والعزم، بل التعنت في محاولة لإلحاقه بالفضاء المشرقي الأيديولوجي والسلفي الدوغمائى قد قضى على كل روافد الثقافة التي تعتبر عماد النهضة ومرتجع الذات المفعمة بالأريحية والمحرِّضة على تتبع دروب التثاقف والتواصل مع الآخر.

ولذا عندما انفجرت ثورة ديسمبر المجيدة في 2019، لم تكن لقيادتها، خصوصاً النخب المركزية، أي موجهات فلسفية أو فكرية، مجرّد حمولات عاطفية سرعان ما تبخّرت، فيما ظل الإبحار العنيف لسفينة الثورة يواجه صعوبات جمّة، سيما أن القطبان حينها، عبد الله حمدوك، لم يستطع أن يوازن بين التطلعات والمعضلات، بين تطلعات الشباب ومعضلات الانتقال، بين طموحات العسكر وأطماع القوى الإقليمية، بين المقدّرات المؤسسية والمؤامرات التي ظل يحيكها أزلام النظام السابق.

عليه، يجب ألا ننظر إلى الحرب الراهنة في السودان على أّنها مجرّد تمرّد من فئة طامحة إلى الحكم، وإن يكن فإنّه لم يكن أول تمرّد وحتماً لن يكون الأخير، بيد أنه تمرّد من نوعية مربكة لذهنية النخب المركزية ونفسيتها، لأنه لأول مرة يحدث من المجموعة القبلية نفسها التي ظلت تستخدمها النخب المركزية لتطويع الهامش قسرياً، وتنظر إليها باعتبارها ساعداً عضلياً لزم استخدامه لقمع الطموحات المشروعة للشعوب المقهورة في الريف السوداني.

هذه الحرب، يا سادتي، هي نتيجة انهيار لمنظومة بدأت تتآكل منذ أمد بعيد، منظومة تحكّمت فيها عصابات مافيوية، وجدت ضالتها في "برنامج الإصلاح الهيكلي"، فأحالت ممتلكات القطاع العام إلى حسابها الخاص، الأمر الذي أفقد الدولة وظيفتها الأساسية التي تتعلق بتنظيم الاقتصاد، وضع ضوابط التجارة والاستثمار، ترشيد الصرف، ضمان الأمن الغذائي للمواطنين، تأهيل البنية التحتية، إلى آخره. لا غرو، فالحروب العبثيّة التي أشعلتها جبهة الإنقاذ، وما زالت توقد أوارها، قد أفقدت الدولة المركزية الحيلة اللازمة لتحقيق التنمية الريفية الشاملة، بالنظر إلى ما أهدر من موارد مادّية وروحية، كان يمكن أن تساعد في تحقيق التماسك الوجداني للشعب السوداني.

ما إن اشتعل فتيل الحرب، حتى هرع البرجوازي الصغير وجزع متباكياً على بيته، عربته، وذهب امرأته، من دون أن يكلف نفسه النظر في دواعي الغبن الاجتماعي الذي جعل العاصمة نهباً من أطرافها ومقصداً للمحرومين مع جهاتها الأربع. ليت الأمر توقف عند حد الازدراء، لكنه تعدّى ذلك إلى الافتراء، ووصف هؤلاء المستضعفين المُستَغَلين بأنهم غرباء.

من هُجّروا نتيجة الحروب التي قادتها "الإنقاذ" في الريف السوداني، وما تلا ذلك من حرب إبادة جماعية في دارفور وجبال النوبة وجنوب كردفان، قد أحال العاصمة إلى كانتونات عرقية (فأحياء من مثل جبرونا وطردونا وزقلونا والعزبة ورأس الشيطان تُنبئ مسمّياتها عن غبن ساكنيها وغضبهم المكتتم)، وأخرى كالتي حفِلت بها قرى الجزيرة فيما سمّي الكنابي، قد افتقدت لعقود مضت إلى أبسط الخدمات أو المقومات الحياتية، وهم اليوم يُقَتّلون ويذبّحون، حتى كاد رفاتهم المتراكم أن يغلق منفذ الترعة، من دون أن يسترعي ذلك اهتمام العسكر أو يستدعي رأفة من قلوبهم التي جُبِلت على استضعاف البؤساء والنساء وأصحاب السحنات السوداء.

يجب ألا ننسى الألغام الاجتماعية والقبلية، بخاصة التي زرعتها ذات المجموعة المتنفذة، الاستخبارات العسكرية بالتحديد، التي دأبت على إدارة الشأن الأمني بعقلية تآمريه، فانفجرت في دار مساليت، مضحّية بحياة حاكم الإقليم ومتسبّبة في مقتل آلاف من شعوب دار مساليت ونزوحهم. أمّا من بقي من شعوب دارفور، فتطاوله طائرات النظام الغاشم بوتيرة شبه يومية بالبراميل المتفجّرة التي تترصد المدنيين، في محاولة لكسر إرادتهم وهزيمة كبريائهم التي صانتها الحادثات وأيدته السنن الراتبات.

بما أن محور النقاش في هذه الورقة هو الاقتصاد السياسي، فيلزم التحدّث عن رؤية وطنية تتجاوز الحيف الذي ظلت تمارسه النخب المركزية التي لم تراعِ الميزات الاستراتيجية للأقاليم السودانية المختلفة، بل ظلت تعوّل على البندقية وسيلة لتطويع الهامش قسرياً، بعد أن فشلت حيلتها الأيديولوجية وتكشف عوار مكرها السياسي والأمني. ففي وقتٍ كانت دارفور تئن فيه من الجراح، كانت النخب "الإنقاذية" تتلهى ببناء سد مروي الذي تضاعفت تكلفته، وتناقصت سعته الإنتاجية نسبةً إلى ما اعتور النظم الإدارية من فساد ومحسوبية وغياب للشفافية.

الانتصار الحقيقي للشعب السوداني، بما فيها مجموعات السودان الشمالي النيل وسطى، هو بالانعتاق مع سطوة المليشيات العسكرية ومن سيطرة الرأسمالية النهبوية التي ما برحت تتدثّر بدثار القومية والمؤسّسية فانفضح زيفها، ما أحال البلاد إلى رماد والشعب إلى شتات. تفكيك هذا الجيش الذي أصبح بمثابة مليشيا تتناسل منها كل المليشيات القبيلة والعقائدية بات ضرورياً، سيما أنه قد أصبح مرفأً للمجموعات الإرهابية والداعشية التي باتت تهدّد الأمن القومي، وتقلق السلام الإقليمي والدولي. يجب أن يُعاد بناء الجيش على أسس احترافية ومهنية، تراعي أسس التكافؤ بين المواطنين في الحقوق والواجبات.

ختاماً، التعويل في المرحلة المقبلة يجب أن يعتمد بدءاً على إبرام تسوية وطنية شاملة، علّها تفضي إلى توافق يساعد في استقطاب كل المؤمنين بأهداف ثورة ديسمبر المجيدة. وإذا كانت الحرب قد كشفت كثيراً من العورات الثقافية والسياسية للمجتمع السوداني، فإنها قد بيّنت أهمية "الحوار" وسيلة لتقويم العملية التي رافقت المسيرة الوطنية. لا بد من "الاعتراف" بالمظالم التاريخية التي طاولت المهمّشين في أنحاء البلاد كافة، ومن ثمّ السعي لإنصافهم من خلال المعالجة للاختلالات الوظيفية والهيكلية التي لازمت تكوين الدولة السودانية منذ 1821.

الوعظ والمناشدات الأخلاقية لا تكفي وحدها لمعالجة أمراض العنصرية والقبلية، فلا بد من وضع إصلاحاتٍ دستوريةٍ وفرض ضوابط قانونية تدرأ خطر التدميرية البشرية. لا أدرى حقيقة إن كان السودانيون قد تجاوزوا مرحلة التشافي، بالنظر إلى ما ارتكبوه من جرائم ضد بعضهم، بيد أنهم لا يملكون غير العمل معاً لتجنيب بلدهم حالات الانقسام أو الانفصال المحتمل. وإذا حدث ذلك، لا قدر الله، فإن النخب المركزية، الأيديولوجية منها خصوصاً، تتحمل العبء الأكبر في سَوق البلاد سَوقاً نحو هذا السيناريو المشؤوم، وذلك بإصرارها على فرض نظام "الكليبتوقراطية" (حكم اللصوص) من دون طائل، علماً أن الشعوب قد انعتقت من الخرافة، ولم يعد بمقدور أحدٍ إرجاعها إلى الحظيرة، وإذا شئت إلزامها بيت الطاعة.

نقلا عن العربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • حالة المجاعة فى البلاد ومستقبل الحرب
  • قنصلية السودان في جدة تعلن عن فرص عمل للأطباء السودانيين
  • الخبراء يسعون لترميم المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب في سوريا
  • وهل ينتظر السودانيون خطاباً من البرهان ليطمئنهم بأن فلاناً سيحكم أم لا؟
  • انقسامي تجمع المهنيين السودانيين وتحالف تقدم، أو ما أشبه الليلة بالبارحة!
  • قائد جيش السودان يعلن: الشعب السوداني يرفض أي حلول خارجية ومن أراد أن يحكم السودان فليأت وليقاتل مع السودانيين
  • البرهان: لا أحد يمكنه فرض حكومة على السودانيين من الخارج
  • خريطة الطريق التي لا تقود إلا إلى داخل المتاهة
  • عن انهيار الطبقة الوسطى في السودان
  • إنقسامي تجمع المهنيين السودانيين وتحالف تقدم، أو ما أشبه الليلة بالبارحة!