اليسار السوداني بمشروعه التقدمي الاشتراكي العلماني هو الوحيد القادر على حل مشكلة الجنوب القديم والجديد لانه المشروع الشمالي الوحيد الذي (يفكر خارج صندوق دولة العقيدة الأسلامية) :
++ فشل مؤتمر المائدة المستديرة، والتصعيد العسكري للمتمردين الجنوبيين اليائسين من فرص السلام هو الذي حمل الضباط الآحرار لتدبير انقلاب مايو وقد كان بيدهم المفتاح السحري لحل مشكلة الجنوب وقد طرحوه بالفعل في بيان ٩ يونيو ١٩٦٩ :

++ نظام مايو كانت لديه فرصة ذهبية ليتحول الى (ثورة )لو ان قيادته ( قدمت مصلحة الوطن على مصلحة الحزب الشيوعي) وذلك بحلّ نفسه والتحول إلى حاضنة سياسية للنظام أسوة بنظيره المصري:

++ اصاب الحزب الجمهوري (الأستاذ محمود محمد طه) حين التزم بقرار حل الاحزاب وأعلن تأييده للنظام ووظف كل امكانياته في الدفاع عن النظام ونقد الطائفية والاخوان المسلمين (الجهل المقدس) اعداء الشعب؟!!

++ من دلائل جدية نظام مايو في تحقيق السلام إنّ رئيس وفد الحكومة لمفاوضات السلام في اديس ابابا هو حكيم السودان/ مولانا أبيل الير.

. وعضوية الوفد تتكون من د منصور خالد ود جعفر محمد علي بخيت حكماء السودان.. مثل هذا الوفد لا يمكن ان يخيب:
++ اتفاقية اديس أبابا تضمنت (فكرة المباديء الفوق دستورية) التي تطالب بها الحركة الشعبية شمال/عبدالعزيز الحلو ومعها كل الحق .. لان قبول الدولة بمثل هذه المبادئ يشكل الحد الادني للضمانات الضرورية لتحقيق السلام: وقد عاد الجنوبيون لمربع الحرب حين خرق النميري هذه المباديء فوق الدستورية:
++ سر الحضور الكنسي الكبير في مفاوضات أديس أبابا ١٩٧٢ لسلام جنوب السودان؟

++ اعادة تقسيم جنوب السودان..ونهاية جنة السلام.. والعودة إلى مربع الحرب الاهلية اللعينة !!

هذا هو الفصل الرابع من كتابنا (التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت حتى الدعم السريع (4-10 ) .. وسوف نكرّس هذا الفصل للفترة قبيل انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ .. ودور (التمرد فى التغيير فى الخرطوم عبر انقلاب ٢٥/ مايو/١٩٦٩ ..وحتى قوانين سبتمبر ١٩٨٣ وعودة الجنوبيين إلى مربع الحرب وظهور قائد التحرير د جون قرنق ديمبيور :

(١) الفترة قبيل انقلاب مايو ١٩٦٩ شهدت استقطابا حادا في الساحة السياسية السودانية بين قوتين العلاقة بينهما هي علاقة صراع ونفي والغاء .. الطرف الأول هو (جماعة الدستور الاسلامي) وعلى رأسها حزب الأمة المتوحد لتوه بين جناح الامام الهادي وحزب الأمة جناح الصادق.. وغريمه الطائفى.. الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يضم طائفة الختمية.. ومعهما جبهة الميثاق الاسلامي بقيادة حسن الترابي.. وبالمقابل لهذه الكتلة توجد كتلة الأحزاب الاشتراكية + الاحزاب الجنوبية + الكنيسة كمؤسسة +الحزب الجمهوري .. وهذه الكتلة الاخيرة كتلة متجانسة عضويا.. ولكن يجمعها (الوعي بالمصير المشترك البائس في حالة نجحت الكتلة الاولى في تمرير الدستور الإسلامي) .. لذلك كان الحزب الجمهوري من اشرس المقاومين لتعديل الدستور .. وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان.. ومناهضة الدستور الإسلامي وكتب الاستاذ محمود محمد طه في هذا الشأن العديد من المؤلفات مثل كتاب: .. (الدستور الإسلامي نعم ولا ) .. وكتاب (زعيم جبهة الميثاق في ميزان ١- الثقافة الغربية ٢) الإسلام.) .. شاهدنا ان القاسم المشترك بين اطراف هذه الكتلة انها (مهددة وجوديا ) من قبل كتلة الدستور الإسلامي .. وهذا الاستقطاب الحاد بين هاتين الكتلتين هو الذي أدي إلى انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ .. والذي أدي تلقائيا إلى تكوين الجبهة الوطنية (بقيادة الصادق المهدي والشريف حسين الهندي والاخوان المسلمين) لاسقاط نظام مايو .. وبالمقابل فإن هذا التناغم بين مشروع الاحزاب الاشتراكية والجنوبيين هو الذي أدي الى صدور بيان ٩ يونيو ١٩٦٩ بشأن مشكلة الجنوب بعد اسبوعين فقط من انقلاب مايو وتداعي الي حل مشكلة الجنوب عبر اتفاقية اديس أبابا ١٩٧٢ .
ومن هذه المقدمة ننطلق إلى بيان اسباب انقلاب مايو ١٩٦٩ ، ودور (التمرد في التغيير ) وهو جوهر فكرة الكتاب.. ولبيان أن مشروع الأحزاب الاشتراكية ولاسيما الحزب الشيوعي، هو الوحيد القادر على حل مشكلة ألجنوب .. وذلك حسب البيان التالي:
.
١- فشل مؤتمر المائدة المستديرة، والتصعيد العسكري للمتمردين في الجنوب علي إثر هذا الفشل هو الذي حمل تنظيم الضباط الاحرار لتنفيذ انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ :

مازلنا نؤكد ان تاريخ السودان الحديث هو من (صنع المتمردين.. منذ تمرد حامية توريت حتى الدعم السريع) .. لازلت اؤكد ان التغيير يحدث فى الخرطوم- سواء أكان هذا التغيير في شكل ثورة جياع في الخرطوم او في شكل انقلاب عسكري- التغيير يحدث في الخرطوم (كرد فعل) للمقاومة المدنية والتصعيد العسكري للمتمردين في جنوب السودان ثم جبال النوبة ثم دارفور بالتتابع.. وقد سبق أن بينا أن ثورة اكتوبر المجيدة لم تكن من صنع برجوازية الخرطوم وأساتذة جامعة الخرطوم وطلابها المرفهين خمسة نجوم.. بل كانت بسبب مقاومة الجنوبيين المدينة والتصعيد العسكري لمتمردي حركة انانيا ون ضد مشروع الاسلمة والتعريف الذي طبقه نظام عبود العسكري الغاشم في الجنوب بكل صلف .. وفي هذا الصدد ميزنا بين الاسباب الحقيقية للثورة او الانتفاضة والتي تحدث في الهامش بسبب فاتورة الحرب في الجنوب، وبين السبب المباشر للثورة الذي يحدث في الخرطوم (كرد فعل) في شكل ثورة شعبية أو انقلاب عسكري بسبب آثار فاتورة الحرب على الشرائح الاجتماعية الضعيفة لاسيما العمال.. و معلوم أن (الجيش المهزوم عسكريا -في الجنوب- بيعمل انقلاب في الخرطوم مقر القيادة الفاشلة التي تسببت في الهزيمة العسكرية! وهذا الكلام يقودنا للحديث عن اسباب انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ ؟

(٢) اسباب انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ ؟

(أ) الاسباب الرئيسية التي دعت الضباط الاحرار بقيادة العقيد جعفر نميري لتدبير انقلاب ٢٥/ مايو ١٩٦٩ هي فشل الاحزاب الطائفية والاخوان المسلمون في حل مشكلة الجنوب عبر مؤتمر المائدة المستديرة خاصة وان مطالب الجنوبيين كانت معقولة : (الفيدرالية) .. ولكن الأحزاب الشمالية كلها رفضت الفيدرالية ورات فيها الخطوة الأولى نحو الانفصال.. وترتب على ذلك تصعيد المقاومة المسلحة في الجنوب، وبالطبع فإن الجيش هو الذي يدفع ثمن من هذه الحرب التي كان يمكن تفاديها بالموافقة على مطالب الجنوبيين المتواضعة (الفيدرالية) .. والتي كانت جاهزة بيد قادة انقلاب مايو والتي تجلت في بيان ٩/يونيو ١٩٦٩ .. اي بعد اسبوعين فقط من انقلاب مايو.

(ب)تآمر الاحزاب الطائفية (الامة والاتحادي + الاخوان المسلمين) على الحزب الشيوعي السوداني عبر استغلال حادثة معهد المعلمين العالي، وقاموا بتحريك قواعدهم المهووسة دينيا -(الجهل المقدس)-بالاعتداء على دور الحزب الشيوعي حيث وجدت في السودان.. ثم تم استغلال وتصعيد ذات الحادثة الي داخل البرلمان، حيث تم تعديل الدستور تمهيدا (لتكفير الحزب الشيوعي) .. وبالفعل تم حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان.. وجري فعل مماثل (التكفير) للحزب الجمهوري ورئيسه الاستاذ محمود محمد طه حيث تم تكفيره عبر المحكمة الشرعية بتاريخ ١٨ نوفمبر ١٩٦٨ !

(ج ) معركة (الدستور الاسلامي) تقسم البلاد إلى فئتين: مجموعة الطائفية والإخوان المسلمين من طرف.. ومجموعة احزاب اليسار -اتحاد القوى الاشتراكية- المناهضة للدستور الاسلامي الطائفي الكيزاني الذي يهدد وجود هذه القوى الاشتراكية:

لبيان حالة الاستقطاب السياسي الحاد بين الكتل السياسية في البلاد- كتلة الدستور الإسلامي بقيادة حزب الأمة وكان مرشحها لرئاسة الجمهورية هو (الامام الهادي المهدي، وكتلة (تحالف القوى الاشتراكية) وكان مرشحها لرئاسة الجمهورية هو مولانا بابكر عوض الله رئيس القضاء المستقيل بسبب رفض حكومة الصادق المهدي تنفيذ حكمه ببطلان حل الحزب الشيوعي.. احيل القاريء إلى المقتطف ادناه من مقال الاستاذ تاج السر عثمان:

( وجاءت الطامة الكبرى عندما اتفق جناحا الأمة علي ترشيح الأمام الهادي المهدي لرئاسة الجمهورية ، والصادق لرئاسة الوزارة في أي انتخابات تُجرى في المستقبل، تركزت المناقشات العقيمة علي طبيعة الدستور والجمهورية، ما اذا كان الدستور إسلاميا أم علمانيا؟، في استغلال فج للدين في السياسة، وما اذا كانت الجمهورية رئاسية أو برلمانية، في حين كان المطلوب دستور ديمقراطي يكفل الحقوق والحريات الأساسية، ويضمن وحدة البلاد من خلال تنوعها، وتمّ الفشل في اعداد الدستور الدائم للبلاد.
في 23 مايو 1969 أصدرت الأحزاب الحاكمة بيانا ، قالت فيه أنه تمّ الاتفاق علي أن يكون الدستور إسلاميا ، والجمهورية رئاسية، وأن الدستور سوف يكون جاهزا في غضون ستة أشهر ، علي أن تّجرى انتخابات الرئاسة في مطلع عام 1970. كما تمّ تشكيل (اتحاد القوى الاشتراكية) واصدر ميثاقا وقرر ترشيح بابكر عوض الله لرئاسة الجمهورية، وزادت حرب الجنوب ضراوة بعد إعلان الجمهورية الرئاسية والدستور الإسلامي ، مما أدي لاستقطاب حاد .) آنتهى ، المرجع:تاج السر عثمان/ مقال : ما هي أسباب انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ / الراكوبة /بتاريخ ٢٥ مايو ٢٠٢٢ .
كانت قراءة القوي اليسارية والحزب الجمهوري- الاستاذ محمود محمد طه- لإجازة الدستور الإسلامي ومجئ الهادي المهدي لرئاسة الجمهورية والصادق المهدي لرئاسة الوزراء.. كل ذلك يعني التصفية الجسدية لقوى اليسار تحت لافتة الالحاد، وللحزب الجمهوري بتهمة الردة الجاهزة من خلال حكم محكمة الردة ١٨ نوفمبر ١٩٦٨ ، والتضييق على الأحزاب الجنوبية وعلى الكنيسة الي أضيق الطريق . لذلك فإن انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ كان خطوة استباقية لإجازة الدستور الإسلامي (تغدّي اليسآر بالطائفيّة والإخوان المسلمين قبل أن يتعشوا باليسار).

(٣) مشروع الحزب الشيوعي هو الوحيد القادر علي حل مشكلة ألجنوب وتحقيق السلام والوحدة الوطنية.. لذلك.. ليت الحزب الشيوعي قد حل نفسه اسوة بنظيره المصري مع جمال عبدالناصر، وتحول إلى حاضنة لنظام مايو ، وذلك بتقديم الأجندة الوطنية على الحزبية !! :

اولا : نفذ الضباط الآحرار انقلاب ٢٥ مايو، وكان حوالي ثلث مجلس قيادة الثورة من الشيوعيين بخلاف السيد بابكر عوض الله عضو مجلس قيادة الثورة المدني ورئيس مجلس الوزراء (وهو قد كان مرشح كتلة اتحاد القوى الاشتراكية لرئاسة الجمهورية) كما سبق بيانه في الفقرة السابقة) .. وقد كان المستفيد الاول من هذا الانقلاب هو (الحزب الشيوعي والحزب الجمهوري) .. وبالنسبة للحزب الشيوعي فقد نفذ الانقلابيون مشروعه الاشتراكي اليساري.. كما نفذوا رؤيته لحل مشكلة الجنوب التي طرحها عبدالخالق محجوب/الحزب الشيوعي في مؤتمر المائدة المستديرة .. لذلك فقد كان الناظر من خارج دائرة سلطة مايو يعتقد جازما بأن انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ كان من تدبير الحزب الشيوعي.

ثانيا: ولن نجعل من مسألة دور الحزب الشيوعي في انقلاب مايو قضية.. . لان الحزب إذا انكر دوره في انقلاب ٢٥ مايو فلن يستطيع ابدًا انكار دوره في انقلاب ١٩/يوليو ١٩٧١ .. لانه حسب تقديري المتواضع ..فان الحزب الشيوعي لم يكن بحاجة اصلا لتدبير انقلاب ١٩ يوليو ١٩٧١ .. لو انه تقبل الأمر الواقع الذي يقول ان (دور الحزب الشيوعي قد انتهى بمجرد نجاح انقلاب ٢٥ مايو.. وانه (كان ) يتعين على الحزب بوعيه واختياره أن يحل نفسه ويتحول الى حاضنة سياسية لنظام مايو بهدف تحويله إلى (ثورة ) وذلك من خلال إنجازاته السياسية والاقتصادية وحل مشاكل الجماهير بدأ بحل مشكلة الجنوب. . وذلك أسوة بنظيره المصري! التحليل البسيط يقول إن الحرب الشيوعي السوداني هو ابن شرعي للحزب الشيوعي المصري.. فاذا اقتضت مصلحة الثورة الناصرية حل الحزب الشيوعي المصري واندماجه في مشروع الثورة المصرية.. فان هذا المنطق ينطبق على الحزب الشيوعي السوداني.. ( وبلاش نقول : لا .. الحزب الشيوعي السوداني يختلف) .. ولا نحتاج أن نبحث (هل طلب الاتحاد السوفييتي من عبدالخالق محجوب حل الحزب الشيوعي ام لا ) .. وانا هنا لست بصدد ادانة الحزب الشيوعي السوداني بأثر رجعي .. ولكني اقول على سبيل الحسرة على الوطن.. وعلى (الحزب الشيوعي) .. اقول: ليت الحزب الشيوعي قد حل نفسه وتحول الى حاضنة سياسية لنظام مايو.. أسوة بنظيره المصري مع انقلاب ٢٣ /يوليو / عبدالناصر.. يكفي أن نظام مايو قد تبنى الحل السياسي لحل مشكلة الجنوب الذي طرحه عبدالخالق محجوب /الحزب الشيوعي عبر مؤتمر المائدة المستديرة.. الوطن اهم من الحزب الشيوعي.. هذا الحزب العدمي الذي لم يقدم خيرا لقياداته سوى المشانق .. وأي المشانق؟!! اكثر من ذلك فان هذا الحزب الشقي قد دفنّ قياداته وكوادره التي لم تذهب للمشانق .. دفنهم الحزب احياء تحت لافتة (الاختفاء والعمل السري من باطن الارض) !! اجزم انه (كان) من الممكن أن يتحول انقلاب مايو الى ثورة حقيقية.. إذا تواضع الحزب وتقبل الامر الواقع الذي يقول ان دور الحزب قد انتهى بإنتاج نظام مايو التقدمي القادر علي التفكير خارج صندوق دولة العقيدة الاسلاموية .. خاصة بعد ان رحب الجنوبيون ببيان ٩ يونيو بشأن مشكلة الجنوب .. وقد اشتمل هذا البيان على رؤية الحزب الشيوعي لحل مشكلة ألجنوب التي طرحها الحزب في مؤتمر المائدة المستديرة. لكي يتحول الانقلاب إلى ثورة كان نظام مايو بحاجة إلى أب روحي بقامة عبد الخالق محجوب .. والي كوادر الحزب في مجلس قيادة الثورة وفي مجلس الوزراء وفي داخل الاتحاد الاشتراكي . رفض الحزب الشيوعي حل نفسه والتحول إلى حاضنة لانقلاب مايو هو الذي إلئ العداء التدريجي بين نظام مايو والحزب الشيوعي والذي أدي إلى المحاولة التصحيحية الفاشلة في ١٩ يوليو ١٩٧١ وتداعياتها الكارثية على الحزب الشيوعي وعلى مستقبل التوجه التقدمي لنظام مايو مما جعله يدور ١٨٠ درجة نحو امريكا .
اتفهم الصوت المعترض في رأسي والذي يصيح :(هل يعقل ان تطلب من الحزب الشيوعي بحاله وقد تم تشييده طوبة طوبة حتى صار اعظم حزب شيوعي في أفريقيا والشرق الأوسط.. بجرة قلم ان يحل نفسه ويتحول إلى (مجرد خادم للنميري وشوية عساكر ؟ ولخدمة اجندة الاتحاد السوفييتي؟ انها وجهة نظر.. ولكن التجربة والتاريخ يقول ان الأحزاب العقائدية (شيوعية وإخوانية) يضاف لها الحركات المسلحة في كل انحاء العالم كلها عدمية (مميتة لقياداتها) دون أن تحقق نصرا يتناسب مع تضحيات قياداتها.. ودونك المصير البائس الذي لقيته قيادات الأحزاب الصغيرة والحركات المسلحة: الشهداء: (عبدالخالق محجوب.. الشفيع احمد الشيخ.. جوزيف قرنق .. محمود محمد طه.. داوود يحيي بولاد .. عبدالله ابكر .. يوسف كوة مكي .. د خليل ابراهيم.. د جون قرانق.. الجمالي جلال الدين وكل اسري غوز دانغو من أعظم قيادات حركة العدل والمساواة .. وكل شهداء الحركات المسلحة منذ حركة أنانيا ون حتى الدعم السريع) .. هذه المؤسسات كلها وطنية.. ملك للشعب السوداني وتحتاج تجاربها إلى تقييم عقلاني ونقد موضوعي بعيدا عن العاطفة الفجة .
تجدر الإشارة إلى أن الحزب الجمهوري قد تقبل قرار حل الأحزاب- وحل نفسه- ووظف كل امكانياته في مساندة نظام مايو والدفاع عنه. لقد استفاد حسن الترابي من تجربة الحزب الشيوعي مع نظام مايو .. فأنحني الترابي للعاصفة، حين انخرط في الاتحاد الاشتراكي.. ووظف إمكانيات حزبه لصالح الاتحاد الاشتراكي.. ومن خلال المصالحة الوطنية تمكن الترابي من تحقيق التمكين وصناعة الواجهات التي أوصلته لاختطاف الدولة السودانية كلها من خلال انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ المشؤوم.

ثالثاً: نظام مايو بمشروعه التقدمي كان بحاجة إلى حاضنة سياسية من الاحزاب الاشتراكية لاسيما الحزب الشيوعي الذي كان يملك حضورا معتبرا وسط النقابات.. وكلنا نعلم ان نظام مايو قد بدأ يضعف تدريجيا من خلال مقاومة النقابات.. وفي نهاية المطاف فقد سقط عن طريق النقابات التي لعبت دور الاحزاب والنقابات معا في ثورة أكتوبر.. وفي منتصف عمره في عام ١٩٧٧ رضخ نظام مايو.. وقبل بمصالحة الطائفية والاخوان المسلمين بسبب الجفاء بينه وبين الاتحاد السوفييتي.. وارتمائه في حضن امريكا.. ولأنه خسر تأييد الحزب الشيوعي.. بل كان يريد مصالحة الاخوان المسلمين لردع اليسار… وليكونوا ترياقا للحزب الشيوعي السوداني خاصة وسط الاتحادات الطلابية والنقابات المهنية مثل نقابة اساتذة جامعة الخرطوم، ونقابة الأطباء والمحامين..الخ .

(٤) كيف تبلورت اتفاقية أديس ابابا ١٩٧٢ ؟ لماذا نجحت مفاوضات أديس ابابا لسلام جنوب السودان؟

(أ) الإعداد الجيد من خلال الاجتماعات التمهيدية في لندن وأديس أبابا..والتي تمخضت عن الاتفاق حول اجراءات بناء الثقة تم تنفيذها بجدية من نظام مايو:

الخلفية الواردة بالمقتطف ادناه تعطينا بعضا من اجراءات بناء الثقة التي تم الاتفاق عليها في الاجتماعات التمهيدية في لندن وأديس أبابا والتي نفذتها الحكومة السودانية والتي سوف نتوقف عندها، فهي شكلية، ولكنها غير مسبوقة في علاقة الشمال بالجنوب.. فالي المقتطف :

(خلفية
في نهاية العام 1971م انعقد أول اجتماع علني بين ممثلين عن الحكومة وممثلين عن حركة التمرد عقب لقاءات ومشاورات سرية في لندن، ولقاء آخر برعاية إمبراطور إثيوبيا هيلا سلاسي ثم خطوات عملية تمثلت في تعيين جنوبي نائبا لرئيس الجمهورية أبيل ألير ، كما تم تعيين ثلاثة جنوبيين حكاما للولايات الجنوبية الثلاث وأعضاء في مجلس الوزراء. تبع كل هذه الخطوات اتفاق أديس أبابا.) . انتهى: المرجع: المعرفة/

(ب) دلالات اجراءات بناء الثقة التي ادت إلى نجاح مفاوضات اديس ابابا لسلام جنوب السودان:

** من اهم الدلالات الايجابية ان الحكومة السودانية وعدت ونفذت .. والوعود التي التزمت بها الحكومة ونفذتها كما هي مبينة في الخلفية أعلاه تتعلق بمشاركة الجنوبيين في حكم انفسهم في جنوب السودان والمشاركة في حكم القطر السوداني كله، وتجلي ذلك في تعيين السيد ابل إلير في منصب (نائب رئيس الجمهورية) .. وتعيين ثلاثة جنوبيين حكاما للولايات الجنوبية الثلاثة وأعضاء في مجلس الوزراء.. بالقطع هذه الخطوة كانت ايجابية.. وغير مسبوقة.
** الخطوة الايجابية الثانية كانت: تكليف مولانا ابل الير نائب رئيس الجمهورية بحكم منصبه رئيسا للوفد الحكومي المفاوض في اديس ابابا نيابة عن (حكومة السودان) .. وسوف نتوقف عند هذه الخطوة:

نتفهم عظمة (ان يكون السيد أبيل الير الانسان الجنوبي هو رئيس الوفد السوداني الذي يفاوض المتمردين الجنوبيين في اديس ابابا هذه الخطوة عظيمة في تاريخ الدولة السودانية.. ولكي نتفهم عظمة هذه الخطوة دعونا نرجع بالذاكرة الى تاريخ السودان الحديث:
++ الوفد السوداني الذي ذهب إلى مصر قبيل الاستقلال عام ١٩٥٣ ليفاوض الحكومة المصرية بشان تقرير مصير الدولة السودانية من مصر التي كانت شريكة في الاستعمار الثنائي (الانجليزي المصري، هذا الوفد ضم سياسيين من الشمال فقط ولم يضم ولا جنوبي واحد .. كأن السودان ملك خالص للشماليين وحدهم ودون غيرهم.
++ لا تنتطح عنزتان في حقيقة ان مقاومة الجنوبيين العسكرية والمدنية الشرسة لنظام عبود هي التي أنتجت ثورة أكتوبر المجيدة.. واعترافا من السياسيين الشماليين بدور الجنوبيين في صناعة ثورة اكتوبر (أتوا برئيس وزراء محبوب لدي الجنوبيين هو سر الختم الخليفة) على قاعدة:(ما زي ابوك لكن بربيك ) كما تضمنت حكومة سر الختم الخليفة الاولى وزيرين جنوبيين الاول هو بوز ديو وزير الداخلية.. ومعلوم ان وزارة الداخلية هي وزارة سيادية هامة.. والوزير الثاني هو ازبوني منديري .. ولو كان السودان ملكا لكل السودانيين لكان الاولى ان يكون رئيس الوزراء جنوبيا .. على قاعدة (لا يمثل الجنوب والجنوبيين إلا جنوبي .. سر الختم الخليفة بتاع الساعة كم ؟ كان الاولى ان يكون بوز ديو رييس الوزراء بدلا من وزير الداخلية.. علما بان رئيس الوزراء هو الوزير الاول فقط .. ولا يميزه عن اي وزير آخر سوى ان له صوت مرجح في حال تساوت الأصوات داخل مجلس الوزراء.. ولكن رمزية ان يكون رئيس الوزراء الانتقالي جنوبيا لها دلالة رمزية كبيرة في نظر المواطن الجنوبي، ودول الجوار الافريقي والمجتمع الدولي.

++ بالرغم من ان ثورة أكتوبر بحالها كانت صناعة المقاومة الجنوبية المسلحة والمدنية إلا (الميثاق الوطني الذي صاغته القوى السياسية السودانية بتاريخ ٢٧/ اكتوبر ١٩٦٤ لم يشارك في صياغة هذا الميثاق اي جنوبي .. والأدهى وأمر ان هذا الميثاق لم يتضمن أي بند عن مشكلة الجنوب !!
++ مؤتمر المائدة المستديرة الذي انعقد في الخرطوم عام ١٩٦٥ .. كان برئاسة بروف النذير دفع الله وسكرتارية كلها شمالية ١٠٠٪؜ ولم تضم جنوبيا واحدا!
هذا هو الملف الأسود لتاريخ الشماليين في تهميش الجنوبيين وعدم إشراكهم في تمثيل السودان في كل شيء يتعلق بشؤون الدولة السودانية.. والذي يكشف لنا الشيء الجديد الايجابي بان يكون السيد أبيل الير هو رييس الوفد السوداني الي مفاوضات السلام في أديس أبابا .

(٥) : سر الحضور الكنسي الواضح في مفاوضات أديس أبابا ١٩٧٢ لسلام جنوب السودان؟!!

اهم ما يميز مفاوضات اديس ابابا لسلام جنوب السودان هو الحضور الكنسي بمستوياته ودرجاته المختلفة محلياً وإقليمياً ودوليا .. فقد كانت ادارة ملف السلام- المسهلون والوساطة من مجلس الكنائس العالمي ، ومجلس كنائس عموم افريقيا ومجلس كنائس السودان .. وقد كان (الوسيط ) والدنمو المحرك للملف هو (القس / برغس كار سكرتير مجلس كنائس افريقيا- الليبيري الجنسية ).
يعنيني بيان ان الكنيسة.. بمختلف مستوياتها ودرجاتها لم تكن (متطفلة) في مفاوضات أديس أبابا لسلام جنوب السودان.. وانما كانت حاضرة بصفتها (صاحبة مصلحة مباشرة، وذات صفة ) .. لأن مشروع الأسلمة والتعريب الذي دشنه نظام عبود في الجنوب كان (يستهدف الكنيسة كوجود) .. وكان منفذوا سياسات حكومة عبود في الجنوب يقولون: (اتت الكنيسة مع الاستعمار.. وكان يجب أن تغادر مع خروج الاستعمار) .. وقد كانت الاحزاب الشمالية تهتف داخل قاعة المائدة المستديرة (لا فيدرالية داخل الأمة الواحدة.. وكانت تقول بالصوت العالي: السودان وطن لدين واحد وهو الاسلام.. وللغة واحدة هي العربية) .. وهذا كلام تدرك الكنيسة كل أبعاده .. باختصار يعني (إلغاء ونفي وجود الكنيسة في السودان من نملي إلى حلفا) .. وقد كان الدستور الاسلامي الدي أحبطه انقلاب ٢٥ مايو يستهدف الشيوعيين والمسيحيين والأحزاب الجنوبيه والجمهوريين.. والتاريخ يشهد بان أشرس من قاوم الدستور الإسلامي الكامل حتي أسقطه داخل البرلمان هم المسيحيون بقيادة الاب فلب عباس غبوش.
اخلص من كل ما تقدم الي ان الكنيسة بكل درجاتها كانت (ذات صفة.. وصاحبة مصلحة مباشرة) .. بكل ما تحمله هذه العبارات من مدلولات قانونية من معاني .. فافضل مناخ تؤدي فيه الكنيسة رسالتها في جنوب السودان هو مناخ الحكم الذاتي لجنوب السودان حيث يعم السلام تحت حكم الجنوبيين المسيحيين.. فالحرية للجنوبيين تعني الحرية للكنيسة.

(٦) أهم عناصر القوة في اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢ تكمن في اشتمالها على (المبادئ فوق الدستورية) التي تطالب بها الان الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو:

(أ) انعقدت مفاوضات أديس أبابا لسلام جنوب السودان في فبراير عام ١٩٧٢ وقد كآن الوفد الحكومي السوداني برئاسة مولانا أبيل الير ووفد حركة أنانيا ون برئاسة ازبوني منديري والذي كان معتقلا سياسيا في سجن كوبر الشهير المشابه لسجن الباستيل قبل الثورة الفرنسية.. وتهمته تدعو للضحك وهي (الدعوة للفيدرالية) .. وحين (اصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باقي ) كما كتب شاعرنا العظيم الفيتوري.. وغرد بها فنان افريقيا محمد وردي .. تم اطلاق سراح السياسي الجنوبي ازبوني منديري ضمن المعتقلين السياسيين الذين يتم اطلاق سراحهم من سجن كوبر عادةً عقب اي ثورة شعبية او انتفاضة.. وقد صار ازبوني منديري وزيرا في حكومة سرالختم الخليفة وكان له حضور ومشاركة في الخرطوم طوال فترة الديموقراطية الثانية تقريبا.. لذلك فانه الرجل المناسب الذي (يعرف العقلية الشمالية جيدا ) وأفضل من يفاوض الوفد الشمالي.

(ب) اهم بنود إتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢ :
ادناه اهم البنود التي تضمنها اتفاقية أديس أبابا انقلها من موقع ويكيبيديا.. ثم اقوم بالتعليق عليها وتحليلها، وذلك على النحو التالي:

• حددت الاتفاقية منطقة الحكم الذاتي بأنها تشمل مديريات (محافظات) بحر الغزال و الاستوائية و اعالي النيل بحدودها التي كانت قائمة في اليوم الأول من يناير / كانون الثاني 1956 وأية مناطق أخرى كانت جغرافياً وثقافياً جزءاً من الكيان الجنوبي حسبما يقرر بموجب إستفتاء عام.
• جعلت الإتفاقية المديريات الجنوبية الثلاث اقليماً واحداً يتمتع بحكم ذاتي إقليمي في نطاق جمهورية السودان الديمقراطية ويعرف بإقليم جنوب السودان. وعاصمته جوبا.
• نصت الإتفاقية على أن اللغة الرسمية للسودان هي اللغة العربية. وتعتبر اللغة الإنجليزية لغة رئيسية لاقليم جنوب السودان وذلك مع عدم المساس باستعمال أية لغة أو لغات أخرى قد تخدم عملية على أداء المهام التنفيذية والإدارية بطريقة فعالة وعاجلة أو تساعد على ذلك.
• كفلت الإتفاقية لكافة المواطنين المقيمين بإقليم جنوب السودان الفرصة المتكافئة في التعليم والتخديم والتجارة ومباشرة أي مهنة مشروعة دون تمييز بسبب العنصر أو الأصل القبلي أو الدين أو مكان الميلاد أو الجنس، إلى جانب حرية التنقل في داخل اقليم جنوب السودان وخارجه إلا لأسباب تتعلق بالصحة العامة أو النظام العام.
• تعديل النصوص يتطلب الحصول على أغلبية ثلاثة أرباع مجلس الشعب القومي وموافقة أغلبية ثلثي مواطني اقليم جنوب السودان في استفتاء عام يجري في الإقليم.) انتهى. المرجع: ويكيبيديا

بنود الاتفاقية كلها مهمة.. وقد تم تضمينها بالدستور الدائم لسنة ١٩٧٣ .. وقانون الحكم الذاتي لسنة ١٩٧٢ بمجمله وكل بنوده يشكل (مبادئ فوق دستورية) .. بمعنى ان لهذا القانون قدسية اعلى من نصوص الدستور نفسه.. بمعنى اكثر وضوحاً: (يستطيع مجلس الشعب القومي تعديل اي مادة في الدستور الدائم باغلبية الثلثين.. اما تعديل قانون الحكم الذاتي فيتطلب ضمانات اعلي وهي على النحو التالي:
(١) أغلبية ثلاثة ارباع مجلس الشعب القومي
(٢) اضافة إلى موافقة اغلبية ثلثي مواطني جنوب السودان في استفتاء عام يجري في الاقليم الجنوبي. . وهي ضمانات تعجيزية تحول دون تعديل قانون الحكم الذاتي لجنوب السودان بالطرق الشرعية المنصوص عليها في الدستور.. وهذا هو المطلوب : (استحالة تعديل اتفاقية أديس أبابا) .

البند الثاني الذي اريد ان اتوقف عنده هو (وحدة المديريات الجنوبية ككتلة واحدة تعرف ب (الاقليم الجنوبي) .. بحيث ان اي تقسيم او تمزيق للإقليم الجنوبي الي كيانات لا يتم الا باستيفاء الضمانات القوق دستورية .. وقد كان الجنوبيون الذي ابرموا ايفاقية أديس أبابا + مسودة قانون الحكم الذاتي بحضور مستشارهم القانوني القدير (البريطاني/ سير دنقل فوت ) يعلمون أن الباب الذي سيمارس منه اي نظام في الخرطوم (سياسة فرق تسد بين الجنوبيين انفسهم هو تقسيم وحدة الاقليم الجنوبى) .. هذا .. وسوف نتناول بحول الله في الفصل الخامس القادم مقاومة الجنوبيين لتقسيم الاقليم الجنوبي، وعودة الجنوبيين إلى مربع الحرب وظهور المعلم (دكتور جون غرانق ديمبيور ) .

(٧) أعادة تقسيم الإقليم الجنوبي ، ونهاية جنة السلام والعودة إلى جحيم الحرب اللعينة !!

(أ) منذ ٣ مارس ١٩٧٢ تاريخ سريان اتفاقية أديس أبابا لسلام جنوب السودان ساد جنوب السودان سلام وأمن.. وبإنزال نصوص الاتفاقية على ارض الواقع تحول السودان الى دولة واحدة بنظامين.. نظام الحزب الواحد في الشمال (الاتحاد الاشتراكي التنظم الفرد الأوحد) .. وبالمقابل في الاقليم الجنوبي يوجد نظام ديمقراطي برلماني. خلال الفترة الاولى من السلام تعرف الشعب السوداني (في الشمال والجنوب) على بعضه البعض لاول مرة.. انتظمت رحلات (الشمس المشرقة/ سودانير) .. وانتظمت رحلات بواخر النقل النهري الخرطوم جوبا .. وانتظمت حركة (قطار واو الشهير) .. وحركة النقل البري باللواري.. النيسان، السفنجة بيدفورد.. والاوستن ابيضّ ضميرك ..ونعم الشعب السوداني بنعمة الامن .. فانداحت الحياة سلسة بين الجنوب والشمال وبالعكس.. فأتقن الجنوبيون عربي جوبا للتخاطب فيما بينهم كجنوبيين من قبائل مختلفة.. وللتخاطب مع الشماليين.. وترتب على هذا التثاقف بين الجنوب والشمال ..حين اشتعلت الحرب الأهلية مجدداً بقيادة د جون قرانق ان صار نزوح الجنوبيين الى شمال السودان بدلا من النزوح الى يوغندا وكينيا وغيرهما من دول الجوار الافريقي.

(ب) اعادة تقسيم الاقليم الجنوبي.. القشة التي قصمت ظهر البعير!!

منذ مشاركة (الصادق المهدي وحسن الترابي) رموز الاسلام السياسي ودعاة الدستور الاسلامي الذي تسبب في مجيء انقلاب ٢٥ مايو كخطوه استباقية لقطع الطريق علي الدستور الاسلامي..منذ اعلان المصالحة الوطنية عام ١٩٧٧ والتي تمت على اساس تطبيق الشريعة.. أيقن الجنوبيون أن مسألة تطبيق الشريعة على مستوى القطر السوداني كله وبلا استثناء صارت مسألة وقت لا غير.. وصدق حدسهم !
مارس نظام مايو سياسة فرق تسد الاستعمارية التي يجيدها جلابة شمال السودان من خلال طرح فكرة تقسيم الاقليم الجنوبي إلى عدة ولايات.. وقد مارس الثعلب المكار لعبته بإخراج سيء علي طريقة (دفن الليل اب كراع برة ) .. فقد جاء طلب إعادته تقسيم الأقليم من ابناء القبائل الصغيرة التي ابتلعتها القبائل الكبيرة (الدينكا والنوير والشلك.. وهي في الأصل قبيلة واحدة بلافتات متعددة كما يقول خصومهم ) .
لاختصار الحديث عن ملف اعادة تقسيم الاقليم الجنوبي، والوسائل التي اتبعها دعاة اعادة التقسيم وهم (وكلاء وأبواق نظام الخرطوم) .. ينطقون بقولة الحق التي يراد بها باطل .. احيل الى المقتطف ادناه الذي يلخص لنا قصة اعادة تقسيم الأقليم الجنوبي:

( نصت إتفاقية أديس أبابا على أقليم واحد في الجنوب، وكانت قبيلة بالدينكا، كبرى قبائل الجنوب تشكل الأغلبية في أجهزة الحكم الذاتي في الجنوب مما أدى إلى تخوف بعض قادة وسياسيي القبائل الجنوبية الصغيرة من سيطرة الدينكا على السلطة في الجنوب، فدعت إلى تقسيم الإقليم الجنوبي إلى ثلاث مناطق لكسر مركزية الحكم الإقليمي وتمكين القبائل الصغيرة من حكم مناطقها المحلية بنفسها.
شكلت فكرة التقسيم موضوع انتخابات عام 1982 م في الجنوب، وجاءت نتيجة تلك الانتخابات على النحو التالي: دعاة التقسيم وكان نصيبهم 34 مقعداً وأنصار وحدة الإقليم الجنوبي وكسبوا 49 مقعداً ومجموعة ثالثة سمت نفسها مجموعة التغيير وكانت حصيلتها 28 مقعدا، وكان واضحاً انتصار أنصار الوحدة، إلا دعاة التقسيم تمكنوا من كسب دعم حركة التغيير لمطلبهم ونجحوا في في تشكيل حكومة ائتلافية في الإقليم، الأمر الذي ادى بالرئيس نميري إلى إصدار قرار تقسيم الجنوب إلى ثلاثة اقاليم في يونيو / حزيرانعام 1983 م، [4] وفي الشهر ذاته أعلن جون قرنق، العقيد بالقوات المسلحة السودانية، والمنتمي إلى قبيلة الدينكا عن تأسيس الجيش الشعبي لتحرير السودان وجناحه السياسي الحركة الشعبية لتحرير السودان من عناصر حركة الإنيانيا- تو، وانطلقت الحرب الأهلية السودانية الثانية وكانت تلك بداية النهاية لإتفاقية اديس أبابا وبعد أربع أشهر من التمرد أعلن الرئيس نميري عن تطبيق قوانين إسلامية عرفت لاحقاً بقوانين سبتمبر.) . انتهى، المرجع: ويكيبيديا.

لقد سعى نظام مايو إلى حتفه بظلفه حين سعي إلى اعادة تقسيم الاقليم الجنوبي وهو يعلم يقينا ان هذه الخطوة تشكل خرقا صريحا لاتفاقية اديس أبابا بشان سلام جنوب السودان.. وبهذه الخطوة الخبيثة قضي الهالك النميري على اعظم منجزاته (السلام) .. ومن ثم كانت العودة إلى مربع ألحرب .. وهي السبب الرئيسي لإسقاط نظام مايو غير ماسوف عليه.
ابوبكر القاضي
نيوبورت / ويلز UK
٢٢ فبراير ٢٠٢٤

aboubakrelgadi@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مؤتمر المائدة المستدیرة الحزب الشیوعی السودانی مفاوضات أدیس أبابا الاتحاد الاشتراکی لرئاسة الجمهوریة الدولة السودانیة هو الوحید القادر الحزب الجمهوری الصادق المهدی بنظیره المصری محمود محمد طه مجلس الوزراء الحکم الذاتی ٩ یونیو اعادة تقسیم فی الخرطوم ادیس ابابا هذه الخطوة ادیس أبابا السودان فی لحل مشکلة فی الجنوب إلى حاضنة على الحزب دور الحزب إلى مربع التی کان الذی أدی ان یکون فی مجلس حل نفسه من خلال هو الذی وقد کان ان هذا قد کان

إقرأ أيضاً:

من بحري إلى بيالي: قصة الموسيقار اللاجئ الذي يبحث عن الأمل في المنفى 

في مدينة بيالي الأوغندية، بعيدًا عن ضجيج الحرب وضياع الأحلام في السودان، يروي آلاف اللاجئين السودانيين قصصهم التي تتأرجح بين المعاناة والنجاح في المنافي القسرية. من بين هؤلاء، تبرز حكاية الموسيقار سعود، الذي كان يسكن منطقة الخوجلاب بمدينة بحري قبل أن تدفعه الحرب إلى مغادرة وطنه، تاركًا خلفه ذكريات عمر كامل، ليبدأ رحلة جديدة في معسكرات اللجوء. 

كمبالا: التغيير

الحرب التي تجاوزت عامًا ونصف أجبرت آلاف الأسر السودانية على النزوح القسري، حيث بحثوا عن الأمان داخل البلاد وخارجها. يعيش معظمهم في ظروف إنسانية صعبة، تعكس حجم المعاناة التي فرضها النزاع على حياتهم اليومية.

سعود، المتخصص في العزف على البيانو والجيتار والكمنجة، يصف مسيرته الفنية بأنها رحلة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، بدأت منذ طفولته في الحفلات المدرسية، واستمرت بالدراسة في معهد الموسيقى والمسرح، الذي أصبح لاحقًا كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان.

لحظة قاسية

يقول سعود: “الموسيقى كانت جزءًا من حياتي حتى قبل الحرب، لكن النزوح أضاف لها أبعادًا جديدة. رغم أصوات الرصاص التي أحاطت بنا، كانت الموسيقى دائمًا بداخلي؛ المعاناة كانت مصدر إلهام، وبدل أن تقيدني، فتحت لي آفاقًا للإبداع”.

عبر سعود مع أسرته الحدود إلى أوغندا، متجهًا إلى معسكر نيومانزي عبر منطقة اليقوا بجنوب السودان. يصف لحظة وصوله بأنها كانت قاسية: “كنا في حالة مزرية، وكانت ذكريات الوطن تطاردني. تركنا خلفنا كل شيء، ووجدنا أنفسنا أمام واقع جديد تمامًا”.

وسط هذه الظروف، كانت الموسيقى طوق النجاة. أطلق سعود مبادرة لدعم اللاجئين نفسيًا عبر الموسيقى، حيث شكّل فرقًا صغيرة من الأطفال والشباب لتقديم جلسات غنائية ودعم نفسي. يروي سعود: “في أول حفل نظمته، رأيت الدموع في عيون الناس، خاصة النساء. قالوا لي إن الأغاني أعادتهم إلى السودان، فبكيت معهم”.

تدريب الأطفال

رغم التحديات، استمر سعود في تقديم تدريبات موسيقية للأطفال والشباب، على الرغم من انعدام الكهرباء وضيق المساحات في المعسكر. أنتج ست مقطوعات موسيقية خلال إقامته، لكنه لم يتمكن من تدوينها لعدم توفر النوتات الموسيقية.

يعاني اللاجئون السودانيون من أوضاع نفسية صعبة، حيث تلاحقهم ذكريات الفقد والنزوح القسري. ورغم ذلك، يواصل الكثيرون، مثل سعود، صناعة الأمل وسط الألم.

يقول سعود: “الموسيقى ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي رسالة أمل وسلام. سأستمر في استخدامها لتوحيد السودانيين وإعادة بناء الوطن”. في معسكرات اللجوء، تبقى أصوات الفنانين السودانيين شاهدًا على قدرة الإنسان على تحويل الألم إلى إبداع، وعلى قوة الموسيقى في خلق حياة جديدة حتى وسط أقسى الظروف.

الوسومآثار الحرب في السودان اللاجئين السودانيين في يوغندا معسكر بيالي للأجئين يوغندا

مقالات مشابهة

  • دور كاميرون هدسون في الشأن السوداني: بين الدبلوماسية والمعلومات الاستخباراتية
  • انقلاب سيارة ربع نقل على الأوتوستراد بـ 15 مايو
  • من هو محمد حيدر الذي تدعي إسرائيل استهدافه بغارة بيروت؟
  • قيادة في «مهب الريح».. المستشار الألماني يقاوم ثورة خصومه داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي
  • الحزب الاشتراكي اليمني يعلن موقفه النهائي من ”الانفصال” والقضية الجنوبية
  • إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص يقل عمال بـ15 مايو
  • بعد إجرائه لفحوصات طبية.. الفنان عبد القادر سالم يُغادر القاهرة إلى السودان
  • من بحري إلى بيالي: قصة الموسيقار اللاجئ الذي يبحث عن الأمل في المنفى 
  • فتح الحوار حول كيفية إعادة بناء الدولة السودانية
  • وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!