هل تتحالف أوروبا في مواجهة طوفان السيارات الكهربائية الصينية؟
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
في خطوة غير مسبوقة لمواجهة التهديدات الوجودية التي يشكلها المنافسون الصينيون وشركة تسلا، تفكر شركات صناعة السيارات الأوروبية الكبرى فولكس فاغن ورينو وستيلانتس في إقامة تعاون مع المنافسين، لإنتاج سيارات كهربائية فعالة من حيث التكلفة، وفقا لتقرير حديث لبلومبيرغ.
وتتصارع صناعة السيارات الأوروبية مع نقاط الضعف التنافسية، واعترف الرئيس التنفيذي لشركة "ستيلانتس إن في" كارلوس تافاريس بأن الشركات غير المستعدة للمنافسة الصينية قد تواجه عواقب وخيمة، مشددا على الحاجة إلى تحول نموذجي في الصناعة.
وحذَّر تافاريس من فشل قطاع السيارات في أوروبا في حال عدم تكيف بسرعة مع متطلبات المنافسة.
الضغوط التنظيمية والعواقب الماليةويدفع التباطؤ غير المتوقع في اعتماد السيارات الكهربائية المديرين التنفيذيين لصناعة السيارات إلى البحث عن حلول جديدة. وتتراوح المناقشات بين تجميع موارد التطوير، وتجميع الأعمال عبر الحدود.
وعلى الرغم من الطموحات لاستبدال السيارات التقليدية ذات محركات الاحتراق بحلول 2035، فمن المتوقع أن تشهد مبيعات السيارات الكهربائية بالكامل أبطأ نمو لها منذ 2019.
وحتى شركة تسلا -التي تواجه تراجعا في أسهمها بنسبة 20% في ظل تخفيضات كبيرة تقدمها- لم تكن في مأمن من التباطؤ، حيث خسرت من القيمة السوقية أكثر من ضعف ما خسرته شركة فولكس فاغن.
استكشاف الحلول التعاونيةوتشمل الرياح المعاكسة للقطاع تراجع الحوافز الحكومية، وارتفاع تكاليف الإصلاح مما يعيق شركات التأجير، وتزايد إحباط المستهلكين من السياسات المناخية التي تؤثر في مواردهم المالية.
وقد تؤدي قواعد الانبعاثات التي يقترب الاتحاد الأوروبي من تطبيقها في 2025 إلى فرض غرامات باهظة على المصنّعين الذين يخفقون في تلبية المعايير الصارمة.
وتشير بلومبيرغ إلى أن المصنّعين الصينيين الذين تدعمهم الدولة ويقدّمون نماذج أفضل وأقل تكلفة من السيارات الكهربائية، يزيدون من الضغوط على شركات صناعة السيارات الأوروبية.
وتجسّد سيارة دولفين من إنتاج شركة "بي واي دي"، التي يقل سعرها بنحو 7000 يورو عن سيارة فولكس فاغن "آي دي 3" المماثلة، مثالا للتحدي التنافسي بالنسبة للشركات الأوروبية.
وبما أن صناعة السيارات في أوروبا، التي توظف أكثر من 13 مليون شخص بشكل إجمالي، تمثل 7% من اقتصاد الاتحاد الأوروبي، فإن الإخفاق في صياغة خطة بديلة قابلة للتطبيق، يفرض خطر حدوث اضطرابات شاملة على الصناعة بالكامل.
ويدافع الرئيس التنفيذي لشركة رينو، لوكا دي ميو، عن تحالف "إيرباص للسيارات"، مستوحيا الإلهام من نموذج صانع الطائرات الأوروبي الناجح الذي جمع الأصول عبر ألمانيا، وفرنسا، وأسبانيا، والمملكة المتحدة لمنافسة شركة بوينغ.
وتتضمن رؤية دي ميو تقاسم التكاليف لتطوير سيارات كهربائية بأسعار معقولة، مع الاستفادة من وفورات الحجم.
تحديات المستهلك واختلال التوقعاتووفقا لبلومبيرغ فإن التغيير المحتمل في أوروبا يتردد صداه في الولايات المتحدة، حيث تعمل جنرال موتورز وفورد على تقليص استثماراتهما في السيارات الكهربائية، واستكشاف الشراكات.
يأتي ذلك بينما تدرس إدارة الرئيس بايدن توسيع نطاق التحول إلى السيارات الكهربائية، مما يعكس التأثير العالمي لتحديات الصناعة.
وتهدف شركات فولكس فاغن وستيلانتس ورينو إلى مواجهة التباطؤ من خلال نماذج سيارات كهربائية بأسعار معقولة، تبلغ تكلفتها 25 ألف يورو أو أقل، على ما نقلته بلومبيرغ عن خبراء.
كما تخطط مرسيدس وبي إم دبليو لتقديم سيارات كهربائية متقدمة بحلول منتصف العقد. ومع ذلك، قد تكون هذه الجهود غير كافية ما لم تتمكن شركات صناعة السيارات في أوروبا من إعادة تنظيم إستراتيجياتها.
منعطف حرج في 2024وقد يكون الملاذ الأخير لشركات صناعة السيارات الأوروبية، هو الدعوة لمزيد من الحماية التجارية والتنظيمية.
وبينما يراجع الاتحاد الأوروبي خطط التخلص التدريجي من السيارات التقليدية، يستعد المصنّعون لرؤية جهود الضغط المنسقة بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو/حزيران المقبل.
وفي الوقت نفسه، تحقق المفوضية الأوروبية في دعم الصين لصناعة السيارات الكهربائية، مما يزيد من احتمال فرض تعريفات جمركية إضافية.
ومع الشعور الواضح بالتوتر في مجالس الإدارة، يصبح عام 2024 منعطفا حاسما للصناعة، مما يدفع الرؤساء التنفيذيين إلى اتباع نهج من الانتظار والترقب. وستشكل نتيجة هذه المداولات المشهد المستقبلي لصناعة السيارات في أوروبا، وهي تتصارع مع تحديات العصر الكهربائي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: صناعة السیارات الأوروبیة شرکات صناعة السیارات السیارات الکهربائیة السیارات فی أوروبا سیارات کهربائیة فولکس فاغن
إقرأ أيضاً:
ترامب × بوتين| صفقة تثير العاصفة الأوروبية.. التقارب الأمريكي الروسي يقلق أوروبا وتدرس تأثيره المحتمل على أمن القارة العجوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لم تكن العلاقة بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونظيره الروسى فلاديمير بوتين مجرد "كيمياء شخصية"، كما وصفها ترامب ذات مرة، بل تحولت إلى مُعادلة سياسية معقدة هزّت أركان التحالف الأطلسي، وأثارت تساؤلاتٍ عن مدى استمرارية التضامن الغربى فى مواجهة التمدد الروسي، حيث نشهد منذ عودة الرئيس الأمريكى إلى البيت الأبيض فى يناير ٢٠٢٥ تحولات جذرية فى السياسة الدولية، أبرزها التقارب الملحوظ بين واشنطن وموسكو والذى أثار تساؤلات عديدة حول مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية، خاصة فى ظل التوترات المستمرة مع الصين.
بدأت ملامح التقارب بين ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالظهور مع إعلان البيت الأبيض عن تعليق الدعم العسكرى والاستخباراتى لأوكرانيا، والبدء فى مفاوضات مباشرة مع موسكو لإنهاء الصراع فى أوكرانيا، كما أكد ترامب أن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ليس مطروحًا على الطاولة، مما يعكس تحولًا كبيرًا فى السياسة الأمريكية تجاه الأزمة الأوكرانية. كما أن جاءت العاصمة السعودية الرياض كمنصة شهدت لقاءات أمريكية روسية تمهيدية على مستوى وزراء الخارجية ناقشت سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وتعزيز التعاون الثنائي، مما يعكس جدية الطرفين فى تحسين العلاقات.
وفى خطوة لافتة، قدمت واشنطن مقترحًا لوقف إطلاق النار لمدة ٣٠ يومًا فى أوكرانيا، بهدف فتح المجال أمام مفاوضات سلام شاملة. ورغم أن الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى أبدى دعمه للمقترح، إلا أن موسكو أبدت تحفظات، مشيرة إلى ضرورة مناقشة تفاصيل إضافية قبل الموافقة النهائية. وترامب، من جانبه، حث بوتين على تجنب أى تصعيد قد يؤدى إلى "مجزرة رهيبة"، مشددًا على أهمية الحفاظ على أرواح الجنود الأوكرانيين المحاصرين، عاكسًا رغبة ترامب فى لعب دور الوسيط لإنهاء الصراع المستمر منذ سنوات.
المعروف هو أن ترامب قبل توليه منصب الرئاسة، كان رجل أعمال صاحب ثروة تقدر بمليارات الدولارات الأمريكية، وبالتالى من المنطقى أن نجد قرارته وسياسات أمريكا الخارجية أشبه بالصفقات التجارية، بمعنى، إنه لم تكن أمريكا أكبر رابح من الصفقة، فإنها تعد صفقة غير رابحة.
ومن هنا يمكن أن نفهم انحياز ترامب لروسيا ونرجع هذا الانحياز إلى عدة عوامل، أبرزها اعتقاد ترامب بأن ما يمثل التهديد الأكبر للولايات المتحدة فى القرن الحادى والعشرين هى الصين وليس روسيا، هذه القناعة تدفعه إلى السعى لتطبيع العلاقات مع موسكو، بهدف التركيز على مواجهة النفوذ الصينى المتصاعد. بالإضافة إلى ذلك، يرى ترامب أن تحسين العلاقات مع روسيا قد يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادى والسياسي، مما يعزز مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية. كما أن ترامب يحمل نظرة متشككة تجاه حلف الناتو، إذ يرى أن الدول الأوروبية لا تساهم بما يكفى فى نفقات الدفاع الجماعي، مما يجعله أكثر ميلًا للتعاون مع روسيا كبديل.
وتصاعد هذا المشهد الدرامى الدولى المتشابك وإعادة ترتيب التحالفات. فقد بقى يوم ٢٨ فبراير ٢٠٢٥ عالقا فى الأذهان لأنه هو اليوم الذى شهد لقاءً متوترًا بين ترامب وزيلينسكي، حيث تحول الاجتماع إلى مشادة كلامية حادة أمام وسائل الإعلام. وانتقد ترامب زيلينسكى علنًا متهمًا إياه بعدم الاحترام وهو ما أدهش متابعى اللقاء حول العالم، حيث إن لا أحد كان يمكن أن يتخيل حدوث موقف مشحون بهذا الكم من الكوميديا السوداء، وهو ما أثار أيضا استياء القادة الأوروبيين الذين يرون فى هذا التصرف تقليلًا للوحدة الغربية فى مواجهة التهديدات الروسية. هذا التوتر ألقى بظلاله على العلاقات الأمريكية الأوروبية، حيث أعربت العديد من الدول الأوروبية عن قلقها من التقارب الأمريكى الروسى وتأثيره المحتمل على أمن القارة. فالاتحاد الأوروبى يعتبر روسيا تهديدًا استراتيجيًا، وأى تقارب بين واشنطن وموسكو قد يُضعف الجبهة الغربية الموحدة.
فى ظل هذه التطورات، تبرز التساؤلات حول مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية، فالتقارب بين ترامب وبوتين قد يؤدى إلى توترات مع الحلفاء الأوروبيين، خاصة إذا شعروا بأن مصالحهم الأمنية مهددة. من جهة أخرى، قد يسعى ترامب إلى طمأنة الأوروبيين من خلال تعزيز التعاون فى مجالات أخرى، مثل الاقتصاد ومكافحة الإرهاب. أما فيما يتعلق بالصين، فإن التقارب الأمريكى الروسى قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الصينى المتزايد. فالولايات المتحدة ترى فى بكين منافسًا استراتيجيًا يسعى لتقويض النظام الدولى القائم، وقد يكون التنسيق مع موسكو خطوة لتعزيز الجبهة المضادة للصين.
ويظل التقارب بين ترامب وبوتين يعكس تحولًا فى ميزان القوى العالمي. فمن جهة، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، مركزة على التهديد الصينى المتصاعد. ومن جهة أخرى، ترى روسيا فى هذا التقارب فرصة لتعزيز نفوذها الدولى وتخفيف الضغوط الغربية، وقد يؤدى ذلك إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية. فالدول الأوروبية قد تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة، وربما تعزيز التعاون فيما بينها لمواجهة التهديدات المحتملة. كما قد تسعى دول أخرى، مثل الهند واليابان، إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة لموازنة النفوذ الصينى والروسى المتزايد.
على الصعيد الاقتصادي، قد نشهد تغييرات فى سياسات التجارة والطاقة. فروسيا قد تسعى إلى تعزيز صادراتها من الطاقة مما قد يؤثر على أسواق الطاقة العالمية. كما قد يؤدى التعاون الاقتصادى بين البلدين إلى تغييرات فى سياسات العقوبات والتعريفات الجمركية. من ناحية أخرى، قد يثير التقارب الأمريكى الروسى قلق الشركات الأوروبية التى تعتمد على الأسواق الأمريكية والروسية. فالاتحاد الأوروبى يفرض عقوبات صارمة على موسكو، وأى تخفيف أمريكى لهذه العقوبات قد يضعف التأثير الاقتصادى الأوروبى عليها.
إن التقارب بين ترامب وبوتين يمثل تحولًا كبيرًا فى السياسة الدولية، يحمل فى طياته فرصًا وتحديات. فبينما قد يسهم هذا التقارب فى إنهاء الصراع الأوكراني، إلا أنه يثير مخاوف الحلفاء الأوروبيين بشأن أمنهم ومصالحهم، وفى ظل التوترات مع الصين، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية توازن الولايات المتحدة بين تعزيز علاقاتها مع روسيا والحفاظ على تحالفاتها التقليدية فى أوروبا وآسيا.
على المدى الطويل، سيحدد هذا التقارب مستقبل النظام الدولي، حيث قد نشهد إعادة هيكلة كبرى للعلاقات بين القوى العظمى. أوروبا قد تجد نفسها مضطرة لتعزيز قدراتها العسكرية والاستراتيجية لمواجهة التهديدات الروسية المحتملة دون الاعتماد الكامل على واشنطن. أما الصين، فقد ترى فى التقارب الأمريكى الروسى فرصة أو تهديدًا، مما قد يدفعها إلى تعزيز تحالفاتها فى آسيا وأفريقيا لتعويض أى خسائر دبلوماسية.
وفى النهاية، يبقى السؤال الأهم هو هل سيكون هذا التقارب مجرد تكتيك مؤقت أم بداية لتحالف استراتيجى جديد يعيد تشكيل النظام العالمي؟ والإجابة عن هذا السؤال ستعتمد على كيفية تفاعل القوى العالمية مع هذه المتغيرات، ومدى قدرة أوروبا والصين على موازنة التأثير الأمريكى الروسى المتزايد.