منذ فتح "جبهة الإسناد" في جنوب لبنان في الثامن من تشرين الأول الماضي، أي بعد يوم واحد من عملية "طوفان الأقصى"، وبدء النقاشات حول احتمالات الانزلاق إلى "حرب واسعة" تشبه تلك التي شنّتها إسرائيل ضدّ لبنان في تموز 2006، يتكرّر الحديث حول "استبعاد" هذا السيناريو، انطلاقًا من "افتراض" يستند إلى أنّ الطرفين المعنيّين، أي "حزب الله" وإسرائيل، لا يحبّذانه، ويعملان على "تفاديه" بكلّ ما أوتيا من قوة.


 
وعلى الرغم من التصاعد التدريجي في وتيرة العمليات العسكرية، سواء من جانب "حزب الله" ضدّ الموقع الإسرائيلية، أو من جانب الجيش الإسرائيلي الذي لم يخرق قواعد الاشتباك المعمول بها فحسب، بل وسّع "بنك أهدافه" ليشمل المدنيين والصحفيين، بقيت القناعة "ثابتة" بأنّ الطرفين لا يريدان الحرب، وأنّ ما يحصل يبقى "مضبوطًا" إلى حدّ بعيد، وهو ما عزّزته حركة الموفدين الدوليين الذين سعوا إلى "احتواء التوتر" في أكثر من لحظة.
 
إلا أنّ المراقِب لوقائع "جبهة لبنان" في الأيام الأخيرة يشعر أنّ شيئًا ما تغيّر، إذ إنّ السلوك الإسرائيلي لا يوحي بأنّ تل أبيب تريد فعلاً تفادي الحرب، بل هناك من يعتقد أنّها تسعى لاستفزاز الحرب، واستدراجه إلى ردّ يشكّل "ذريعة قوية" لمواجهة مفتوحة، وهو ما يفسّر التمادي في الانتهاكات والتي كان ابرزها في بلدة الغازية جنوبي مدينة صيدا، واستهداف المدنيين والاطفال خصوصا، ما أثار "نقزة" لدى كثيرين، فهل يمكن القول فعليًا إنّ إسرائيل بدأت تطبيق "الحرب الواسعة"؟!
 
ما يعنيه استهداف الغازية
 
قد لا يكون استهداف الغازية، على معانيه ودلالاته، "الأخطر" في مسار الانتهاكات المتمادية للسيادة اللبنانية منذ بدء المواجهات في الثامن من تشرين الأول، فقبله تمّ ضرب مناطق أبعد عن النطاق الحدوديّ، كجدرا على سبيل المثال، من دون أن ننسى استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، في عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، فضلاً عن استهداف مدينة النبطية، والمجزرة المروّعة التي حصلت فيها قبل أيام.
 
رغم ذلك، ثمّة من يضع استهداف الغازية تحديدًا ضمن العمليات "الأخطر"، بالنظر إلى "الرسالة" التي انطوت عليه، وقوامها أنّ لبنان بكامل جغرافيّته بات "مستباحًا"، وأن العدو الإسرائيلي يستطيع أن يقصف أينما شاء، متذرّعًا أنّها يستهدف "بنى تحتية لحزب الله" مثلاً، ولعلّ أخطر ما في الأمر أن تجد هذه الذريعة "صداها" في الداخل، فتُلام المقاومة على تعريض المدنيين الآمنين للخطر، من دون أن يتمّ التدقيق في المعلومة حتى.
 
بهذا المعنى، فإنّ استهداف الغازية، ولو اقتصرت أضراره على الماديات، وقد تبيّن أنّ المنشأتين المستهدفتين لم تكونا إلا مصنعا للمولدات الكهربائية وآخر للزيوت، كما أكّد أصحابهما، يكتسب أهمية مضاعفة، ويدلّ على انّ الإسرائيلي "يتعمّد" توسيع دائرة استهدافاته، لتشمل كل المناطق بما فيها تلك التي كان يُعتقَد أنّها آمنة، وكأنّه يقول إنّه ما عاد "يكترث" بقواعد الاشتباك، وإنّه مستعدّ لتوسيع الحرب وخوضها حتى النهاية، مهما كان الثمن.
 
وجهتا نظر
 
وإذا كان السلوك الإسرائيلي يوحي بالفعل إما بوجود نوايا مبطنة بالذهاب إلى الحرب، من دون التفكير الجدّي بالعواقب، أو بـ"طمأنينة" بأنّ "حزب الله" لن يُستدرَج إلى الحرب، مهما زادت الضغوط، فإنّ ثمّة أكثر من وجهة نظر حول ما يهدف إليه من تصعيد انتهاكاته بهذا الشكل، وفقًا للعارفين الذين يؤكدون أنّ خيار الحرب بات عمليًا "أقرب من أيّ وقت مضى"، بالنظر إلى الوقائع الميدانية، وبمعزَل عن كلّ القناعات والانطباعات.
 
في هذا السياق، ثمّة من يضع السلوك الإسرائيلي في خانة استدراج "حزب الله" إلى الحرب الواسعة فعلاً، لأنّه يريد "حلاً جذريًا" للمشكلة التي نشأت عن تهجير سكان المستوطنات الشمالية، ولأنه يتعرّض أساسًا لضغوط داخلية ما عادت ببسيطة، وهو ما تؤكده الاستطلاعات التي تشير إلى أنّ الغالبية الساحقة من الإسرائيليين تدفع لتوسيع الحرب مع لبنان، وهو ما يتطلّب منه "توسيع" المعارك، ولو بهدف "الإيحاء" للرأي العام بعدم "السكوت".
 
لكن ثمّة في المقابل، وجهة نظر أخرى قد تكون أقرب للواقع بحسب العارفين، ترى في السلوك الإسرائيلي محاولة للضغط على "حزب الله"، في ظلّ التسريبات التي تتحدّث عن أنّ الأخير يرفض تقديم أيّ "تنازلات" يمكن للإسرائيلي تسويقها على أنّها "انتصار"، وهو لم يتجاوب مع المساعي الدولية لـ"طمأنة" إسرائيل، بل يتمسّك بفكرة "ربط" جبهتي لبنان وغزة، ما ينعكس رفضًا لمبدأ أي مفاوضات قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
 
في النتيجة، لا شكّ أنّ الحرب "الواسعة" التي يخشاها الكثيرون منذ اليوم الأول لاشتعال "جبهة الجنوب"، تقترب أكثر فأكثر مع كلّ يوم إضافي من المواجهات، ومع توسيع العدو لرقعة استهدافاته، من دون أيّ حسيب أو رقيب. لكن مع ذلك، ثمّة بين المطّلعين على الأجواء من يبدو مرتاحًا أنّ خيار "المفاوضات" لا يزال متقدّمًا، بل يضع التصعيد في إطار "رفع الأسقف"، ولو أنّ الخوف يبقى مشروعًا من "دعسة ناقصة" قد تفجّر التوتر!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

رئيس الأركان الإسرائيلي: أتحمل كامل المسؤولية عن فشل الجيش في الدفاع عن مواطنينا في 7 أكتوبر

قال رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي مساء اليوم الثلاثاء، إنه يتحمل المسؤولية كاملة عن فشل الجيش في الدفاع عن الإسرائيليين في 7 أكتوبر (2023).

وأدلى رئيس الأركان هرتسي هاليفي بتصريح لوسائل الإعلام قال فيه: "لا يزال الجيش الإسرائيلي يقاتل في مختلف الساحات.. نحن في أيام تحقيق أحد أهم أهداف الحرب، إعادة المختطفين".

وأضاف هاليفي: "المهمة الرئيسية للجيش الإسرائيلي هي الدفاع عن البلاد، وقد فشلنا في ذلك.. أحمله ذلك معي لبقية حياتي".

وبحسب قوله فإن "هدف التحقيق الذي يجريه الجيش الإسرائيلي هو معرفة ما إذا كانت القوة فشلت أم نجحت"، متابعا: "منذ بداية الحرب بادرنا إلى إجراء تحقيقات في الجيش الإسرائيلي، والتي أجريت بشكل غير مسبوق خلال الحرب".

وأكمل ‏رئيس الأركان الإسرائيلي: "الشرق الأوسط تغير. خارطة التهديدات تغيرت بشكل جذري. "حزب الله" هزم.. تم القضاء على معظم قيادته. قضينا على أكثر من 4000 عنصر "إرهابي" ومن بينهم أغلبية أعضاء القيادة العليا للتنظيم وفي مقدمتهم نصر الله.. إضعاف قوة حزب الله في الساحة اللبنانية واضحة جدا ومن واجبنا الحفاظ على ذلك أيضا في المستقبل"، على حد تعبيره.

وأردف هرتسي هاليفي: "الذراع العسكرية لحماس مُنيت بضربة قوية جدا. أغلبية قيادة التنظيم قتلت وفي مقدمتها "الإرهابي" يحيي السنوار. كما قتلنا كبار قادة الجناح العسكري وفي مقدمتهم "الإرهابي" محمد الضيف. جيش الدفاع قضى على نحو 20 ألف عنصر إرهابي من حماس. لم نعيد بعد كافة المختطفين ولدينا مهام لاستكمالها في مواجهة حكم حماس وقدرات حرب الشوارع والإرهاب التي لا تزال تمتلكها حماس. نحن مصممون لتحقيق ذلك وحسمها"، على حد وصفه.

واستطرد هاليفي: "في هذه الحرب حاربنا ايران بشكل مباشر وضربنا وكلائها في المنطقة حزب الله وحماس ومصالح المحور الإيراني في سوريا.. ‏سوريا تغيرت خلال عملية مناورة برية سريعة لأهداف دفاعية ومن خلال ضربات جوية لاستهداف قدرات المحور الإيراني وغيّرنا بشكل جذري حجم التهديد المستقبلي من سوريا.. ‏لقد هاجمنا في إيران في اعقاب رشقات صاروخية ومسيّرات تم اطلاقها نحو دولة إسرائيل. لقد ضربنا إيران وعرفنا بشكل دقيق أين نضرب ولماذا. الصواريخ وصلت بشكل دقيق إلى الأهداف ودمرتها"، مضيفا: "إيران تعرف اليوم مدى قوتنا وتدرك مدى عظمتنا وستشعر بها في الوقت الذي يتطلب ذلك".

ورأى هاليفي أن "إنجازات الجيش تضع إسرائيل في صورة مختلفة في عيون المنطقة والعالم".

مقالات مشابهة

  • تركيا تعلن استمرار البحث عن 3 مواطنين فُقدوا أثناء العبور من لبنان إلى إسرائيل
  • هل سيسمح ترامب ببقاء إسرائيل في لبنان وكيف سيتعامل مع حزب الله؟.. صحيفة تُجيب
  • عون: لبنان متمسك باستكمال إسرائيل انسحابها من الأراضي المحتلة في الجنوب
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن هجومًا كبيرًا على جنوب لبنان
  • رئيس الأركان الإسرائيلي: أتحمل كامل المسؤولية عن فشل الجيش في الدفاع عن مواطنينا في 7 أكتوبر
  • من البيجرز إلى قصف الأنفاق والمنشآت.. ضابط في حزب الله يكشف تفاصيل الحرب مع إسرائيل
  • ميقاتي استقبل وفدا من اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء العراقي للاشراف على تقديم مساعدات عاجلة الى اللبنانيين
  • أوجه الشبه والاختلاف بين غزة ولبنان في نظر إسرائيل
  • حزب الله كرّم شهداء في الغازية
  • وزير مالية الجزيرة: إستهداف المليشيا للأعيان المدنية إستهداف للمواطن