بعد الاستهدافات المدنية .. هل تطبّق إسرائيل فرضية توسيع الحرب؟!
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
منذ فتح "جبهة الإسناد" في جنوب لبنان في الثامن من تشرين الأول الماضي، أي بعد يوم واحد من عملية "طوفان الأقصى"، وبدء النقاشات حول احتمالات الانزلاق إلى "حرب واسعة" تشبه تلك التي شنّتها إسرائيل ضدّ لبنان في تموز 2006، يتكرّر الحديث حول "استبعاد" هذا السيناريو، انطلاقًا من "افتراض" يستند إلى أنّ الطرفين المعنيّين، أي "حزب الله" وإسرائيل، لا يحبّذانه، ويعملان على "تفاديه" بكلّ ما أوتيا من قوة.
وعلى الرغم من التصاعد التدريجي في وتيرة العمليات العسكرية، سواء من جانب "حزب الله" ضدّ الموقع الإسرائيلية، أو من جانب الجيش الإسرائيلي الذي لم يخرق قواعد الاشتباك المعمول بها فحسب، بل وسّع "بنك أهدافه" ليشمل المدنيين والصحفيين، بقيت القناعة "ثابتة" بأنّ الطرفين لا يريدان الحرب، وأنّ ما يحصل يبقى "مضبوطًا" إلى حدّ بعيد، وهو ما عزّزته حركة الموفدين الدوليين الذين سعوا إلى "احتواء التوتر" في أكثر من لحظة.
إلا أنّ المراقِب لوقائع "جبهة لبنان" في الأيام الأخيرة يشعر أنّ شيئًا ما تغيّر، إذ إنّ السلوك الإسرائيلي لا يوحي بأنّ تل أبيب تريد فعلاً تفادي الحرب، بل هناك من يعتقد أنّها تسعى لاستفزاز الحرب، واستدراجه إلى ردّ يشكّل "ذريعة قوية" لمواجهة مفتوحة، وهو ما يفسّر التمادي في الانتهاكات والتي كان ابرزها في بلدة الغازية جنوبي مدينة صيدا، واستهداف المدنيين والاطفال خصوصا، ما أثار "نقزة" لدى كثيرين، فهل يمكن القول فعليًا إنّ إسرائيل بدأت تطبيق "الحرب الواسعة"؟!
ما يعنيه استهداف الغازية
قد لا يكون استهداف الغازية، على معانيه ودلالاته، "الأخطر" في مسار الانتهاكات المتمادية للسيادة اللبنانية منذ بدء المواجهات في الثامن من تشرين الأول، فقبله تمّ ضرب مناطق أبعد عن النطاق الحدوديّ، كجدرا على سبيل المثال، من دون أن ننسى استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، في عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، فضلاً عن استهداف مدينة النبطية، والمجزرة المروّعة التي حصلت فيها قبل أيام.
رغم ذلك، ثمّة من يضع استهداف الغازية تحديدًا ضمن العمليات "الأخطر"، بالنظر إلى "الرسالة" التي انطوت عليه، وقوامها أنّ لبنان بكامل جغرافيّته بات "مستباحًا"، وأن العدو الإسرائيلي يستطيع أن يقصف أينما شاء، متذرّعًا أنّها يستهدف "بنى تحتية لحزب الله" مثلاً، ولعلّ أخطر ما في الأمر أن تجد هذه الذريعة "صداها" في الداخل، فتُلام المقاومة على تعريض المدنيين الآمنين للخطر، من دون أن يتمّ التدقيق في المعلومة حتى.
بهذا المعنى، فإنّ استهداف الغازية، ولو اقتصرت أضراره على الماديات، وقد تبيّن أنّ المنشأتين المستهدفتين لم تكونا إلا مصنعا للمولدات الكهربائية وآخر للزيوت، كما أكّد أصحابهما، يكتسب أهمية مضاعفة، ويدلّ على انّ الإسرائيلي "يتعمّد" توسيع دائرة استهدافاته، لتشمل كل المناطق بما فيها تلك التي كان يُعتقَد أنّها آمنة، وكأنّه يقول إنّه ما عاد "يكترث" بقواعد الاشتباك، وإنّه مستعدّ لتوسيع الحرب وخوضها حتى النهاية، مهما كان الثمن.
وجهتا نظر
وإذا كان السلوك الإسرائيلي يوحي بالفعل إما بوجود نوايا مبطنة بالذهاب إلى الحرب، من دون التفكير الجدّي بالعواقب، أو بـ"طمأنينة" بأنّ "حزب الله" لن يُستدرَج إلى الحرب، مهما زادت الضغوط، فإنّ ثمّة أكثر من وجهة نظر حول ما يهدف إليه من تصعيد انتهاكاته بهذا الشكل، وفقًا للعارفين الذين يؤكدون أنّ خيار الحرب بات عمليًا "أقرب من أيّ وقت مضى"، بالنظر إلى الوقائع الميدانية، وبمعزَل عن كلّ القناعات والانطباعات.
في هذا السياق، ثمّة من يضع السلوك الإسرائيلي في خانة استدراج "حزب الله" إلى الحرب الواسعة فعلاً، لأنّه يريد "حلاً جذريًا" للمشكلة التي نشأت عن تهجير سكان المستوطنات الشمالية، ولأنه يتعرّض أساسًا لضغوط داخلية ما عادت ببسيطة، وهو ما تؤكده الاستطلاعات التي تشير إلى أنّ الغالبية الساحقة من الإسرائيليين تدفع لتوسيع الحرب مع لبنان، وهو ما يتطلّب منه "توسيع" المعارك، ولو بهدف "الإيحاء" للرأي العام بعدم "السكوت".
لكن ثمّة في المقابل، وجهة نظر أخرى قد تكون أقرب للواقع بحسب العارفين، ترى في السلوك الإسرائيلي محاولة للضغط على "حزب الله"، في ظلّ التسريبات التي تتحدّث عن أنّ الأخير يرفض تقديم أيّ "تنازلات" يمكن للإسرائيلي تسويقها على أنّها "انتصار"، وهو لم يتجاوب مع المساعي الدولية لـ"طمأنة" إسرائيل، بل يتمسّك بفكرة "ربط" جبهتي لبنان وغزة، ما ينعكس رفضًا لمبدأ أي مفاوضات قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
في النتيجة، لا شكّ أنّ الحرب "الواسعة" التي يخشاها الكثيرون منذ اليوم الأول لاشتعال "جبهة الجنوب"، تقترب أكثر فأكثر مع كلّ يوم إضافي من المواجهات، ومع توسيع العدو لرقعة استهدافاته، من دون أيّ حسيب أو رقيب. لكن مع ذلك، ثمّة بين المطّلعين على الأجواء من يبدو مرتاحًا أنّ خيار "المفاوضات" لا يزال متقدّمًا، بل يضع التصعيد في إطار "رفع الأسقف"، ولو أنّ الخوف يبقى مشروعًا من "دعسة ناقصة" قد تفجّر التوتر!
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
قنبلة الشرق الأوسط الموقوتة تهدد بالانفجار
أعاصير التغيير الكبير تهب على العالم بعنف لأن أخطر مؤشرات الحرب العالمية الثالثة هي اليوم تهديد (ترامب) و (ناتنياهو) بقصف إيران تبعه موقف إيران العقلاني الساعي للسلام.
ويصاب المرء بفقدان البوصلة لأننا تجاوزنا ما سميناه بالحداثة وما سميناه بما بعد الحداثة وأصبحت تكهنات (صامويل هنتنغتون) وراء ظهورنا وهو الذي بشر بحرب الحضارات بعد الحروب بين الدول. على رغم أن الحرب الروسية – الأوكرانية لم تضع أوزارها بعد بدأ الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء باستخلاص الدروس منها.
هذه الحرب كشفت حجم الخلل البنيوي الذي تعاني منه أوروبا على صعيد قدراتها الدفاعية مع سعي دونالد ترامب إلى وضع حد لهذه الحرب بمعزل عن الأوروبيين: إزاء رئيس أمريكي لا يعترف إلا بالقوة الذاتية للدول اتضح افتقاد الأوروبيين ككتلة إقليمية ممثلة بالاتحاد الأوروبي وكدول مستقلة القدرة على فرض مصالحها.
ولعلنا نعيش أواخر عصر السياسة حين نشهد الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على سوريا بدعوى ضرب مواقع إرهابية وعلى لبنان تحت تعلة ضربات استباقية لما يدبره حزب الله من هجومات على إسرائيل ومشاركة الجيش الإسرائيلي في الحرب على اليمن وعلى العراق تحت غطاء تدمير قواعد الحشد الشعبي وطبعا بالتوازي مع إعادة حرب الإبادة في غزة (بالأمس الخميس استشهد 70 فلسطينيا منهم 25 طفلا) ثم إن قصف المستشفيات جريمة حرب غير مسبوقة مع غلق المعابر ومنع وصول الإعانات لغزة هو القتل بالتجويع!
نعم نحن أمام مذابح ترتكبها إسرائيل ضد أشقائنا الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وربما قريبا الأردنيين والمصريين فنغضب ونشارك في النفير الكبير الذي دعت له المقاومة واستجابت له بقية الأمة الإسلامية!
تؤكد وكالات الأنباء أن حكومة (نتنياهو) تستعد لاحتلال قطاع غزة والضفة وفرض الحكم العسكري عليهما والسيطرة الكاملة على الفلسطينيين وعلى الشرق الأوسط وتنفيذ مخططاتها المتعلقة بالاستيطان أو التهجير. وهو التوجه الذي يتوافق مع خطة رئيس هيئة الأركان العامة (إيال زامير)
لكن يبقى السؤال: هل تمتلك إسرائيل إستراتيجية واضحة لما تقوم به؟ وانظروا ما يحدث في العالم من حولنا: رجل أمريكي مثير للجدل ترأس الأمة الأمريكية مرتين واحتل البيت الأبيض ويخطط لعهدة ثالثة وأعلن أن كندا وبنما والقطب الشمالي (غرين لاند) هي ولايات تابعة لأمريكا ! وأن خليج المكسيك أصبح اسمه خليج أمريكا وأن أوكرانيا ليست أوروبية بل هي قطعة من روسيا ثم أعلن أنه لا يعترف للاتحاد الأوروبي بأي سلطة على أوكرانيا بل أنه يعمل على إنهاء الحرب الأوكرانية الروسية في مفاوضات بينه وبين (بوتين) حليفه الجديد ونعت الرئيس الفرنسي (ماكرون) بالمعتوه الذي يغرر بالأوروبيين ويريد قيادتهم الى حرب ضد روسيا مثلما نعت (زيلنسكي) أيضا بالمجنون الذي نفخ فيه الأوروبيون روحا من البطولة المزيفة أفقدته حجمه الحقيقي!
وأمام حرب إبادة الفلسطينيين وقف عاجزا عن إبداع من إبداعاته واكتفى بالرجوع الى أصول ديانته الأنغليكانية التي تدمج الخرافات التلمودية المتطرفة في عقيدتها المسيحية (والتي قاومها القس الألماني مارتن لوثر في القرن السادس م) واكتفى بالقول بأن إسرائيل محقة في الدفاع عن أمنها!!! وهو التبرير الخطأ الممجوج من كثرة تكراره حتى لم يعد يقنع اليهود أنفسهم وخرج بعض نزهائهم للتظاهر ضد حرب الإبادة التي وصمت اليهود بالعار الى أبد الدهر وجعلت شرفاء الدنيا كلهم يشيرون إليهم بالبنان كقتلة أطفال وهو عار لن تمحوه الدعايات البلهاء الصادرة عن العنصريين المتطرفين من مستوطني فلسطين منذ العشرينيات (بداية الهجرات الكبرى) الى عام 2025 حيث بدأ الإسرائيليون حاملو جنسيتين يغادرون فلسطين المحتلة الى بلدانهم الأصلية التي جاؤوا منها (أكثر من 300 ألف حالة عودة طوعية منذ السابع من أكتوبر 2013).
وحسب تحليل أخير للدكتور طلال أبو غزالة (وهو أفضل من يفكك خفايا الصراع في الشرق الأوسط) فإن إسرائيل دخلت مرحلة الحرب الأهلية لأن نصف شعبها يقف ضد (ناتنياهو) والنصف الثاني متعدد الانتماءات والمصالح وبلغت الحرب الأهلية مستوى قياداتها العسكرية حتى أن بعضهم استعمل مصطلح الحرب الأهلية مرات عديدة! ويتنبأ هذا الخبير الواعي بأن حماس سوف تنتصر لأنها تدافع عن أرضها المغتصبة بينما يقاتل الإسرائيلي من أجل الاحتفاظ بأرض اغتصبها ولأن (ناتنياهو) حينما يؤكد أنه يقاتل على سبع جبهات فإنه في الحقيقة يقر باستحالة الانتصار في السبع جبهات بسببين: سبب جغرافي وسبب عقائدي فجبهة لبنان مثلا هي عدة جبهات: حزب الله ودولة لبنان مع الرئيس الجديد (جوزاف عون) الذي أكد أمام (ماكرون) أن الدولة وحدها لديها حق حمل السلاح لكنه أضاف: «وهذا أمر يحتاج الى شيء من الوقت بالنظر الى أن جزءا من أراضينا ما زالت محتلة» فاقتنع الجميع وأولهم (ماكرون) الراعي الرسمي للدولة اللبنانية بأن عملية نزع سلاح حزب الله بالقوة يعني بكل تأكيد حربا أهلية لبنانية أعنف من الحرب الأهلية الأولى (1975-1990) وهي حربٌ أهليّةٌ متعدّدة الأصعدة راح ضحيتها 120 ألف لبناني مسلحين ومدنيين ولا يزال 76 ألف لبناني مشردين نازحين ولاجئين داخل لبنان أو خارجه.
يتذكر أبناء جيلي أن تلك الحرب الضروس اندلعت على إثر محاولة اغتيال الزعيم (بيار جميل) ومحاولات إسقاط إصلاحات فؤاد شهاب الذي سعى لجمع الطوائف وسن دستور ديمقراطي مما حرك طبقات اجتماعية من اللبنانيين تعودوا على الإثراء مغتنمين هشاشة الدولة ثم تحركت قوى اقليمية ودولية تسعى للحفاظ على مصالحها في لبنان والشرق الأوسط مثل سوريا ومصر والأردن ثم روسيا وأمريكا وفي الأثناء ازداد تواجد الفلسطينيين وقياداتهم على التراب اللبناني معتبرين عن خطأ في التقدير أن لبنان أرض مواجهة مباشرة مع العدو الإسرائيلي المحتل ولا ننسى أن منظمة التحرير تم إجلاؤها بقوة عن الأردن في أيلول 1970عندما شرع فدائيوها في تفجير طائرات مختطفة في الأردن فاستقروا في لبنان ليخلوا بالتوازن الهش بين المسلمين والمسيحيين فانقسموا الى يمين ويسار! وحمل شبابهم السلاح وتقاتلوا فيما بينهم واندلعت حرب أهلية دمرت لبنان! نحن اليوم في مارس 2025 نكتشف مزيد انقسام دار الإسلام ونستحي عندما نرى ونسمع السودانيين يتقاتلون وكل فريق يهتف «الله أكبر» وهو يقصف مسلمين موحدين يهتفون أيضا «الله أكبر»! ونرى ليبيا عاصمتين وجيشين وحكومتين ونرى اليمن يمنين وحكومتين وجيشين! وتصل الأزمة العنيفة الى تركيا السنية لتوقظ مارد الفانوس السحري من نومه فيهدد استقرار تركيا مع أردوغان ويكاد يعصف بالليرة وبالسياحة. من جهتها أطلقت الإيكونوميست البريطانية تحذيرا مرعبا للإسرائيليين حول دولتهم مشيرة إلى أن سياسات الحكومة الحالية تقودهم إلى كارثة غير مسبوقة وجاء في تقريرها الذي تصدر غلافها تحت عنوان «غطرسة إسرائيل» أن دولتهم تبدو قوية ظاهريا لكنها تواجه أخطارا متزايدة تهدد استقرارها بل وجودها!!
(الشرق القطرية)