لماذا ” #الضمان و #الناس”..؟
كتب.. #خبير_التأمينات والحماية الاجتماعية – #موسى_الصبيحي
هذه هي السلسلة الثالثة من منشوراتي التأمينية المخصصة لموضوعات الضمان الاجتماعي وقضاياه المختلفة بعد سلسلة “حقك تعرف عن الضمان” وسلسلة “ضمانيّات”.
السلسلة الجديدة أسميتها “الضمان والناس” وهي تدل على ذاتها، فكل المجتمع الأردني مهتم بالضمان الاجتماعي، لا بل المجتمعات بأسرها في مختلف الأقطار بات يهمّها الضمان والتأمينات الاجتماعية، كإحدى أهم مداخل الحماية الاجتماعية في عالمنا المعاصر.
(الضمان والناس) ستكون سلسلة تفاعلية تنويرية تواصلية ممتدّة مع الجميع من أفراد ومؤسسات، أصحاب عمل ومُنشآت، حكومة ومؤسسة ضمان، وصندوق استثمار أموالها، والهدف هو التوعية ونقل المعرفة ونشر ثقافة تأمينية عميقة في المجتمع، ومحاولة إنارة الطريق وفتح آفاق ربما كانت منسيّة أو غير حصيفة في التشريعات والسياسات والقرارات المتعلقة بموضوعات الضمان، وسيكون ذلك عبر ولوج مسارات إصلاحية واقتراح أفكار من خارج الصندوق لمواكبة تطورات المجتمع وسوق العمل، ومواجهة تحديات شمولية التغطية التأمينية، والقدرة على التمويل والاستدامة، والاستجابة للأزمات، وتلبية متطلبات الحماية الملائمة للشريحة المجتمية المتنامية بوتيرة متسارعة من متقاعدي الضمان ومنتفعيه.
(الضمان والناس) ستكون شفّافة واضحة ومبسّطة، وستلعب دورها إزاء مؤسستنا الرائعة “الضمان” كحكومة ظل أو مؤسسة ظل، داعمة للسياسات الصحيحة والقرارات الحكيمة، وناقدة لأي مسارات قد نراها تخرج عن الجادّة لا سمح الله، كما تُقدّم أفكاراً ومقترحاتٍ داعمة للشراكات بين المؤسسات المعنية وذات الصلة بالحماية الاجتماعية.
(الضمان والناس) رسالة للجميع.. للأردنيين وللعمال وللمؤسسات والمنشآت وأصحاب العمل، للمؤمّن عليهم والمتقاعدين والورثة المستحقين، للحكومة والبرلمان ولمؤسسة الضمان ولصندوق استثمار أموال الضمان، للنقابات العمالية والمهنية، ولكافة مراكز حقوق الإنسان والأحزاب ومختلف منظمات المجتمع المدني في المملكة.
دمتم وطبتم جميعاً ودام الوطن عزيزاً كريماً. وباسم الله أُطلِق اليوم الجُمُعة هذه السلسلة في حلقتها الأولى.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
المعرفة كأيقونة لمشروع التقدم الاجتماعي
تضع دول العالم بناء مجتمع المعرفة ضمن أولويات خططها ومهامها التي تعدها للمسـتقبل لتخطو نحو التطور والتنمية بخطى ثابتة تسـتند إلى أسس معرفية، وهناك حقيقة تستحق الوقوف عندها ولا تقبل الجدل وهي أن جل أمم الأرض الناهضة لم تحقق تقدما يذكر، ولم يكن لها أن تحقق هذا الحضور الكبير في عالم اليوم قوةً ومكانةً وتأثيرًا إلا عندما توجهت لمسائل وقضايا تتركز حول قضايا تطوير التكنولوجيا والإنتاج العلمي وبناء المجتمع المعرفي.
إنَّ المعرفة وعصرها أصبحا عاملين أساسيين لزحزحة التفكير التقليدي، حيث لم تعد الأساليب القديمة في القيادة والإدارة قادرة على مواكبتها وذلك ما خلق معيارًا مهمًا لقياس مستوى تميز أي مجتمع عن الآخر من خلال مدى تميز نشاطاته المعرفية الرئيسية، وتتمثل تلك النشاطات في توليد المعرفة من خلال البحث والتطوير، ونشرها بالتعليم والتدريب وعبر وسائل الاتصال المختلفة، ثم توظيف المعرفة والاستفادة منها في الارتقاء بالإنسان وإمكاناته الاجتماعية والمهنية، وفي تقديم منتجات حديثة ذكية ومتجددة.
إلا أن ما يثير الاستغراب هذا التوهم الكبير بإمكانية صناعة عالم متقدم ماديًا وتقنيًا دون الولوج أيضًا لعالم الأفكار الكبرى التي شكلت الجسد الذي نما في أحشائه العلم، وتبلور وازدهر وأسهم في تقدم البشرية، ومن المحزن أن يلجأ البعض عندما لا يستطيع ربط سياق المعرفة ومنهجها بمحاولة تفكيك المقترحات التطويرية بحجة أن طرحها نظري بينما العملي في رأي تلك الفئة أن تأتي الحلول متسقة مع واقعهم الحالي الذي هم أوجدوا مشكلاته وأصبحوا جزءًا من المشكلة وليس حلها... إن ما تبحث عنه تلك الفئة من مؤشرات تقليدية وغير تقدمية والتي لا يجب أن تكون من خارج الصندوق بحيث لا تتجاوز أطر التفكير بواقع اجتماعي مغرق في قضاياه، وبالتالي تأتي فكرة التغيير في سياق لا تتحرك فيه عناصر التقدم ضمن مشروع ثابت وراسخ ليصبح الإنجاز مشروعا احتفاليا معزولا عن السياق العام في المجتمع فهو وإن حقق تقدمًا في مرحلة إلا أنه يمكن أن يتعثر في مراحل أخرى.... أما السبب فيعود إلى أن التقدم لا يقوده تراث والتنمية المادية والاجتماعية والبشرية لا تقودها أحلام وأمنيات ولكن يقودها خطط شاملة وخيال قيادي مبدع يشجع الفكر، ويحفزه ويوجد بيئة لديها قابلية إلى خلق ثقافة معرفية متميزة في المجتمع، تشكل الدعم الفاعل له والتشجيع والمساندة وتحترم قدرات التفكير والإبداع والبحث والتجديد وتبرزها بصورة جلية.
فلا تقدم ولا تنمية ولا حضور ولا إنجاز طالما كنا متخلفين علميًا وتقنيًا، ومتراجعين في قدرتنا على إنتاج وتوظيف العلوم التقنية لصالح مشروع كبير يتجاوز في تركيزه الجدل المسيطر على مشهدنا الغارق حتى أذنيه في احتفالات مظهرية لم تستطع صنع الفارق.. لذلك يجب أن يعاد طرح السؤال على النحو التالي: كيف يمكن لنا أن نستخدم المعرفة لقيادة التطوير دون التأثر سلبًا ببعض الفئات التي لا تزال تتساءل ما هو العلم ؟ كيف يمكن لنا أن نتعاطى مع مشروع تقدمي معرفي دون أن يكون ثمة تأسيس لعقل جمعي يؤمن بحرية تداول الأفكار ومناقشتها وتوليدها ؟
إن التحولات والمتغيرات من حولنا التي طالت مفاهيم مهمة كالقيم الاجتماعية، المواطنة والانتماء، دور المرأة والعدالة الاجتماعية، المشروع الثقافي والتباساته، حرية التعبير وقضاياه، التفكير الديني ودوره في صياغة المجتمع، النخب وعلاقاتها بصناعة القرار ... كل هذه قضايا ليست كلامًا عابرًا أو توهمًا ثقافيًا أو حشوًا مصطنعًا، وعليه هل يمكن صياغة مشروع تقدمي دون مجتمع قادر على حسم خياراته تجاه تلك القضايا وسواها؟ هل يمكن أن نتقدم خطوة عبر ثقافة عمل وإنتاج قديمة ونتوجه نحو مجتمع المعرفة دون أن يكون بمقدورنا أن نقدم أيضًا مشروعًا يطول مسارات وأولويات وقضايا هي شغل الناس الشاغل.
ومن الأهمية بمكان التأكيد على أنه أصبح لمجتمع المعرفة أبعاد مختلفة ومتداخلة وهي أبعاد اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية وثقافية وسياسية.. وهذه الأبعاد لابد أن تستغل بالشكل الأمثل حتى لا نظل على هامش المجتمع الدولي، ولذا فمن الضرورة عند وجود القناعة ببناء مجتمع المعرفة العماني، أن تتم دراسة التجارب الناجحة للدول المتطورة التي أقامت مجتمعاتها المعرفية وفق خصائصها الذاتية مع الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى التي أصبحت لديها المعرفة بمثابة (DNA) التفوق في صياغة أنماط الحياة وتشكيل الذوق الفني والقيم، وضاعفت من سرعة المنجزات العلمية والإبداعية .
إن الحديث عن أهمية مجتمع العلم والمعرفة وضرورة المضي فيه يجب أن تواكبه ثقافة اجتماعية لاحتضانه، مرتبطة بالمشروع الوطني الذي تتسع مساحته لتطول قضايا كبرى تتعلق بالإنسان تكوينًا وهويةً واختيارًا وقدرة على صناعة عالمه أو المشاركة في صناعته على النحو الذي يريده أو يأمله أو يطمح إليه... والفصل بينهما يذكرنا بالسؤال الأزلي هل تأتي عربة المعرفة وتطبيقاتها العلمية قبل حصان التقدم الاجتماعي أم الرهان أن يجرّ هذا الحصان العربة بما فيها ؟ هل يمكن تجزئة المعرفة إلى عناوين يمكن الاقتراب منها ومباشرتها، وأخرى يجب حذفها وتأجيلها ؟.... إن الربط بين المشروعين الوطن والمعرفة يجعلنا نركز على إيجاد الأسس المهمة لجعل الوطن حاضنة للمجتمع المعرفي، رؤيةً وبشرًا وإمكانيات وبما يبشر بإمكانية تحقيق إنجازات كبرى على المسارين، ويسهل على المشروع المعرفي أن يتماهى مع الوطن ورأس ماله البشري والاجتماعي .
وختامًا، فإن إثارة الأسئلة الشاقة على المستوى الثقافي والاجتماعي هي وسيلتنا لنشارك في عضوية نادي التنمية العالمي ونحقق مجتمع المعرفة ونعزز حضور العلم ونتائجه وحصاده.... إن ما يتهمه البعض بأنه سجال ثقافي غير منتج قد يكون في الأساس منطلقًا حقيقيًا؛ لكي يحقق تأثيرًا في عقل المجتمع بل ويعول عليه أن يدعم التوجه نحو بناء مجتمع معرفي وطني وبرؤية جمعية تشكل الوعي الحقيقي الذي لا يرى العلم من ثقب المحاضرات الثقافية والتقنية المادية فقط ولكن من خلال قدرة القاعدة الاجتماعية على إنتاج عقل قادر على استعادة السؤال بلا وجل، عقل يؤمن بمشروع تحول يطول الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية... فالمعادلة الجديدة ليست الموارد الطبيعية ولا الموارد البشرية بل قوة المعرفة والمستقبل من نصيب أولئك الذين يكونون مستعدين لطرح أسئلة صعبة أساسها المعرفة، ويجرؤون على الحلم بعالم أفضل متسلحين بالمعرفة وقيادة التغيير .
د. خالد الحمداني كاتب عماني