NYT: تتزايد عزلة إسرائيل دوليا مع تزايد عدد القتلى في غزة
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لمدير مكتبها في لندن مارك لاندلر قال فيه إنه عندما تم تحذير ديفيد بن غوريون، أحد الآباء المؤسسين لإسرائيل، في عام 1955 من أن خطته للاستيلاء على قطاع غزة من مصر ستثير رد فعل عنيفا في الأمم المتحدة، سخر من الأمم المتحدة، مرددا اختصارها العبري، "أوم شموم".
وجاءت هذه العبارة لترمز إلى استعداد إسرائيل لتحدي المنظمات الدولية عندما تعتقد أن مصالحها الأساسية معرضة للخطر.
وبعد مرور ما يقرب من 70 عاما، تواجه إسرائيل موجة أخرى من الإدانة في الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، ومن عشرات الدول بسبب عمليتها العسكرية في غزة، والتي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 29 ألف فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال وخلفت دمارا شاملا في المنطقة.
لقد أدى التضخم الهائل في الضغوط العالمية إلى ترك الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عزلة شديدة، وإن لم تكن قد خضعت بعد، فيرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنها لا تزال تحظى بدعم أقوى حليف لها، الولايات المتحدة، بحسب المقال.
وتابع: "لكن هذه المرة، تواجه إسرائيل قطيعة نادرة مع واشنطن. تعمم إدارة بايدن مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يحذر الجيش الإسرائيلي من شن هجوم بري في رفح، بالقرب من مصر، حيث يقيم أكثر من مليون لاجئ فلسطيني. كما سيدعو إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن".
وقال مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل: "إنها مشكلة كبيرة للحكومة الإسرائيلية لأنها كانت قادرة في السابق على الاختباء خلف حماية الولايات المتحدة. لكن بايدن يشير الآن إلى أن نتنياهو لم يعد قادرا على اعتبار هذه الحماية أمرا مفروغا منه".
وقال إنديك: "هناك سياق أوسع من الإدانة من قبل الرأي العام الدولي، وهو أمر غير مسبوق من حيث الاتساع والعمق، والذي امتد إلى الولايات المتحدة. لقد أصبحت الدوائر الانتخابية التقدمية والشبابية والعرب الأمريكيين في الحزب الديمقراطي غاضبة وتنتقد بشدة بايدن لدعمه لإسرائيل".
حتى الآن، لم يسمح الرئيس بايدن للضغوط الدولية أو المحلية بالتأثير عليه. وفي يوم الثلاثاء، رجعت الولايات المتحدة للقيام بدور مألوف، حيث استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع صدور قرار، برعاية الجزائر، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وهذه هي المرة الثالثة خلال حرب غزة التي تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار يضغط على إسرائيل.
منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، أي قبل قيام دولة إسرائيل بثلاث سنوات، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض أكثر من 40 مرة لحماية إسرائيل من مجلس الأمن. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث الأميركيون مجرد صوت آخر، أصبحت القرارات ضد إسرائيل أمرا شائعا. وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، صوت المجلس بأغلبية 153 صوتا مقابل 10، مع امتناع 23 عضوا عن التصويت، على وقف فوري لإطلاق النار.
وقال مايكل أورين، سفير إسرائيل السابق لدى الولايات المتحدة، متحدثا عن الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وهيئات أخرى: "فيما يتعلق بالإسرائيليين، فإن هذه المنظمات تقف ضدنا. إن ما يفعلونه لا يؤثر علينا استراتيجيا أو تكتيكيا أو عملياتيا".
لكن أورين أقر بأن أي قطيعة مع الولايات المتحدة، أكبر مورد لها للأسلحة، وحليفها السياسي القوي، والمدافع الدولي الرئيسي عنها، سيكون "مسألة مختلفة تماما".
وبينما تتعرض إسرائيل لضغوط شديدة منذ الأيام الأولى لهجومها على غزة، فإن جوقة الأصوات من العواصم الأجنبية أصبحت مدوية في الأيام الأخيرة. وفي لندن، دعا حزب العمال المعارض، الثلاثاء، إلى وقف فوري لإطلاق النار، مغيّرا موقفه عن موقف حزب المحافظين الحاكم، تحت ضغط من أعضائه ومن أحزاب معارضة أخرى.
وحتى الأمير ويليام، وريث العرش البريطاني البالغ من العمر 41 عاما، دعا إلى "إنهاء القتال في أقرب وقت ممكن"، وهو تدخل جيوسياسي نادر من قبل أحد أفراد العائلة المالكة الذين عادة ما يتجنبون مثل هذه القضايا. وقال ويليام في بيان يوم الثلاثاء: "لقد قُتل عدد كبير جدا".
ولعل العرض الأكثر إثارة للانتباه لعزلة إسرائيل هو ما حدث في محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث يصطف ممثلو 52 دولة هذا الأسبوع لتقديم مرافعاتهم في قضية تنظر في شرعية "احتلال إسرائيل واستيطانها وضمها" للأراضي الفلسطينية. بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكان معظمهم ينتقدون إسرائيل بشدة.
وشبهت جنوب أفريقيا معاملة إسرائيل للفلسطينيين بـ "شكل متطرف من الفصل العنصري". وقد اشترت حكومة جنوب أفريقيا قضية منفصلة في المحكمة تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة.
وفي يوم الأربعاء، هبت الولايات المتحدة مرة أخرى للدفاع عن إسرائيل، وناشدت المحكمة عدم إصدار حكم يلزم إسرائيل بالانسحاب غير المشروط من هذه الأراضي. وقال محامي وزارة الخارجية، ريتشارد فيسيك، إن هذا من شأنه أن يجعل التوصل إلى تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين أكثر صعوبة لأنه لن يأخذ أمن إسرائيل بعين الاعتبار.
لكن صوت أمريكا كان صوتا وحيدا، ولم تقدم سوى بريطانيا حجة مماثلة.
وقال فيليب ساندز، محامي حقوق الإنسان الذي تحدث نيابة عن الفلسطينيين: "الحقيقة هي العكس تماما". وفي إشارة إلى أن المحكمة أكدت بالفعل حق الفلسطينيين في تقرير المصير، قال: "إن وظيفة هذه المحكمة – وظيفة هؤلاء القضاة، ووظيفتكم – هي تبيين القانون: توضيح الحقوق والالتزامات القانونية التي تسمح بحل عادل في المستقبل."
وسيكون حكم محكمة العدل الدولية استشاريا فقط، وقد رفضت إسرائيل حضور هذه الإجراءات. لكن تحدي إسرائيل للهيئات الدولية لا يعني أنها تتجاهلها تماما.
ورفضت الحكومة الإسرائيلية في البداية ادعاءات جنوب أفريقيا بالإبادة الجماعية ووصفتها بأنها "حقيرة ومزدرية". كانت هناك تقارير تفيد بأن نتنياهو أراد إرسال آلان ديرشوفيتز، المحامي الذي دافع عن دونالد ترامب والممول ومرتكب الجرائم الجنسية، جيفري إبستين، لعرض قضية إسرائيل - وهو الاختيار الذي قال البعض إنه كان سيحول جلسة الاستماع إلى جلسة سيرك. وفي النهاية، أرسلت فريقا قانونيا رفيع المستوى، بقيادة المحامي الأسترالي الإسرائيلي المحترم، تال بيكر، الذي قال إن جنوب أفريقيا قدمت "وصفا مخالفا للواقع" للصراع.
وفي حكم مؤقت صدر في أوائل شباط/ فبراير، أمرت المحكمة إسرائيل بمنع ومعاقبة التصريحات العامة التي تشكل تحريضا على الإبادة الجماعية، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. لكنها لم تستجب لطلب رئيسي من جنوب أفريقيا: وهو أن تعلق إسرائيل حملتها العسكرية.
وحتى مع الأمم المتحدة نفسها، فإن الدافع الإسرائيلي لقول "أم شموم" لا يذهب أبعد من ذلك. وكثيرا ما تقوم إسرائيل بمناورات لنسف أو تخفيف قرارات مجلس الأمن لأنها تدرك أنها يمكن أن تفتح الباب أمام العقوبات.
في كانون الأول/ ديسمبر 2016، ضغط المسؤولون الإسرائيليون على ترامب، الذي انتخب للتو رئيسا، للضغط على الرئيس الأسبق باراك أوباما لاستخدام حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن يدين إسرائيل بسبب المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية (امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، وتم تمرير القرار).
وقال دانييل ليفي، مفاوض السلام الإسرائيلي السابق الذي يدير الآن مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وهي مجموعة بحثية مقرها في لندن ونيويورك: "إنهم يدركون أنه يتعين عليك إبقاء المعارضة العالمية على مستوى الخطابة. لا يمكنك السماح لها بالدخول إلى عالم التكاليف والعواقب".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة إسرائيل احتلال إسرائيل احتلال حماس غزة طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة العدل الدولیة الأمم المتحدة لإطلاق النار جنوب أفریقیا مجلس الأمن حق النقض فی غزة
إقرأ أيضاً:
التداعيات القانونية والسياسية لأمر "الجنائية الدولية" ضد إسرائيل
د. عبدالله الأشعل
نشأت المحكمة الجنائية الدولية ويحكم عملها (ميثاق روما) في 2002؛ وبذلك تأخر القضاء الجنائي الدولي عدة عقود عن نشأة القضاء المدني الدولي ممثلًا في محكمة العدل الدولية. ونظرت المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن 32 قضية مُعظمها لحوادث في قارة إفريقيا.
بينما عُرضت قضية الإبادة الجماعية في قطاع غزة على المحكمة في أوائل العام الجاري، وهذه المحكمة لا علاقة لها بالأمم المتحدة؛ بينما محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتنظر المنازعات القانونية وحدها بشرط أن تكون بين دول.
أما المحكمة الجنائية الدولية فتختص بثلاث مجموعات من الجرائم هي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية والإبادة، وجريمة العدوان، وتركز هذه المحكمة على المجرمين وليس لها علاقة بالدول، ومعنى ذلك أن الدولة غير العضو فى المحكمة والتى وقعت فيها الجريمة أو ارتكب مواطنوها هذه الجريمة تختص المحكمة بنظرها فإسرائيل ليست عضوًا فى المحكمة وتصورت عبثًا أن المحكمة غير مختصة كما قالت أيضًا الولايات المتحدة، وهما دولتان حضرتا مؤتمر روما عام 1998 ووقعتا على ميثاق روما، ثم سحبتا التوقيع فى اليوم التالي، ظنًا منهما أنَّ المحكمة غير مختصة بنظر الجرائم التي تقع في الدولة أو من الدولة غير العضو.
المحكمة الجنائية الدولية تختلف اختلافًا جوهريًا عن محكمة العدل الدولية فى جوانب متعددة، ويهمنا جانب واحد وهو أن المجرم فى محكمة العدل الدولية يتمتع بالحصانة إذا كان مسؤولًا فى مستوى مُعين، ولكن المحكمة الجنائية الدولية تنص المادة 27 من ميثاقها على أن اختصاص المحكمة يشمل أي شخص بشرط أن يرتكب جريمة من الجرائم التي تختص المحكمة الجنائية الدولية بنظرها، وفقًا للمادة الخامسة من "ميثاق روما"، وبغض النظر عن مرتبته في سلم الحكم فى بلده، وهو ذات الحكم الذي اعتمدته محاكم نورمبرج في ألمانيا التي نشأت لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين.
والطريف أن السلاح الذى ابتكرته إسرائيل الصهيونية، وهو هذا النص ونفس الجرائم يُطبَّق عليها الآن؛ فالهولوكوست الذي قامت به إسرائيل فى غزة ولبنان ومصر (سابقًا) أخطر من الهولوكوست الذي تمسكت به إسرائيل ضد الزعيم الألماني هتلر، وإذا كان الهولوكوست الألماني تمت روايته من طرف واحد هو إسرائيل، ووقع سرًا ولم يسجل بأي وثيقة، كما إن خبره أحيط بقدسية خاصة، وحُظِر على الباحثين تناوله، فإن الهولوكوست الإسرائيلي تم في العلن على مسمع ومرأى من كل العالم؛ بل إن الجنود الإسرائيليين من شدة اعتزازهم بارتكاب الجرائم سجلوا هذه الجرائم فى فيديوهات نشرت على العلن، كما أن إسرائيل دفنت في سيناء عام 1967 أكثر من 10 آلاف من الجنود والضباط المصريين أحياءً، وعبرت عن اعتزازها بهذا العمل بتسجيله في فيلم. ويعد الرواية الرسمية لإسرائيل عن جرائمها فى حرب 1967 وسمته فيلم "روح شاكيد".
ويبلغ عدد أعضاء المحكمة الجنائية الدولية 124 دولة، علمًا بأن معظم الدول الأفريقية بما فيها جنوب إفريقيا قررت الانسحاب منها واتهمتها بالإغراق في تسييس الجرائم.
والمحكمة الجنائية الدولية تتكون من مستويين من المحاكم؛ المستوى الأول الدائرة التمهدية الأولى والمستوى الثانى هو بمثابة استئناف للحكم ومعلوم أن محكمة العدل الدولية ليس فيها استئناف والدائرة التمهدية الأولى يقدم لها المدعي العام التقارير والتحقيقات الأولية التي أجراها والتى تلقاها من الأطراف الأخرى. وتحريك الدعوى أمام هذه المحكمة يتم بثلاثة طرق وفق المادة 13 من ميثاق روما الطريق الأول إحالة مجلس الأمن القضية إلى المحكمة بقرار يصدر وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ومثاله إحالة مجلس الأمن في القرار 1593 الرئيس عمر البشير ورفاقه إلى المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المواطنين السودانيين في دارفور وقد ناقشنا هذا القرار فى كتابنا الصادر سنة 2009 بعنوان السودان والمحكمة الجنائية الدولية. أما الوسيلة الثانية فهي المُدعي العام. والوسيلة الثالثة هي تقديم دعوى للمحكمة من جانب دولة عضو.
وبالنسبة لإسرائيل، فقد تقدمت جنوب إفريقيا بعد انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك اتفاقية إبادة الجنس البشري لعام 1948. وقد قدمت دعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية من خمس من الدول الأعضاء بينهم دولة جيبوتي العربية بالإضافة إلى فريق قانوني دولي تقدم بتقارير ضد إسرائيل مع فريق قانوني من جنوب إفريقيا في نفس الاتجاه.
فإذا توفرت موجبات التحقيق وتوفرت أركان الدعوى طلب المدعي العام من الدائرة التمهدية الأولى أن تصدر أمرا بالقبض على المتهم لكي تحاكمه .
وإذا كانت المحكمة مختصة بنوع الجرائم وتوفرت الأدلة والوقائع فى هذه الحالة تصدر الدائرة التمهدية الأولى أو غرفة ما قبل المحاكمة المنصوص عليها في المادة 37 من ميثاق روما وغالبًا يصدر أمر القبض على المتهم وتقديمه للمحاكمة بناءً على غلبة الظن أنه ارتكب هذه الجرائم.
القضية ضد إسرائيل
طلب المدعي العام من الدائرة التمهدية الأولى منذ شهور طلبًا لغرفة ما قبل المحاكمة بتقديم اثنين من القيادات الإسرائيلية ومن حماس، رغم أن مجلس النواب الأمريكي أصدر قانونا يهدد بعقوبات على قضاة المحكمة والمدعي العام إذا أصدروا قرار المحاكمة ضد إسرائيل، ولكن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت هذا القرار يوم 21 نوفمبر 2024؛ وهو قرار تاريخي وأطلق عليه نتانياهو "اليوم الأسود" ورفضته إسرائيل والولايات المتحدة فورًا وتعهدت الولايات المتحدة بأن تُحبِط عمل المحكمة امتدادًا لموقفها المُعادي للمحكمة منذ نشأتها. وفي السنوات الأولى من عمل المحكمة هددت الولايات المتحدة بقصف قصر السلام الذي يضم مبنى المحكمة في لاهاي في هولندا.
معنى ذلك أن الولايات المتحدة تبذل كل جهدها لتأكيد إفلات إسرائيل من العقاب وإشاعة الفوضى فى العلاقات الدولية، كما اتهمت إسرائيل المحكمة بأنها ترتكب جريمة معاداة السامية، وهو اتهام يُطلق عادة على كل من ينتقد السياسة الإسرائيلية، وعند التحليل فإن هذا الاتهام فضفاض وليس له محتوى موضوعى وتطلقه إسرائيل على أي تصرف لا تؤيدها.
أما رد فعل المجتمع الدولي، فقد رحبت به معظم دول العالم؛ بما فى ذلك منسق السياسات الأوروبية، وصدرت تصريحات من وزراء الدفاع والخارجية فى بعض الدول تتعهد بتنفيذ القرار مثل وزير خارجية هولندا ووزير الدفاع الإيطالى ووزير الخارجية الإيرلندي ووزير الخارجية الإسباني ونائبة وزير الخارجية البلجيكي. وبصفة عامة، فإنَّ الدول الواقعة تحت تأثير واشنطن في أوروبا لن تُنفِّذ هذا القرار. أما الدول المستقلة عن النفوذ الأمريكي فقد تعهدت بتنفيذه. ولا يحتمل هذا القرار في الواقع بالنسبة لإسرائيل، ولذلك ينحصر أثر القرار فى التداعيات القانونية والسياسية الآتية:
أولًا: أن القرار يساوي الحكم وهو إدانة إسرائيل ونتنياهو ووزير الدفاع بالذات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وسوف يدفع هذا القرار قدمًا قضية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية. واللافت للنظر أن جميع منظمات حقوق الإنسان رحبت بالقرار وحثت على تنفيذه.
ثانيًا: يُعبِّر هذا القرار عن شجاعة القضاة والمدعي العام، وتحديهما لإسرائيل والولايات المتحدة؛ وبذلك أُعيد الاعتبار إلى هذه المحكمة، ويُتوقع أن يزيد عدد أعضائها خلال أشهر.
ثالثًا: أما آلية التنفيذ على المستوى الدولى فلا تزال عاجزة، خصوصًا فى ظل انحياز واشنطن ومشاركتها لجرائم إسرائيل؛ مما أظهر واشنطن أنها تعيق العدالة الدولية وتحبط الأمل فيها. ولذلك فإنَّ هذا القرار مفيد جدًا في أي دعوى أمام القضاء الأمريكي ضد الحكومة الأمريكية أو ضد الحكومة الإسرائيلية أمام أي من القضاء الغربي.
رابعًا: أن القرار يُسهم فى تبديد الحُجج الإسرائيلية بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأنها تطبق مبدأ سيادة القانون، وبذلك يُعد القرار انتصارًا للقانون الدولي والقضاء الدولي، ويُعيد الثقة في القضاء الدولي، وأن الذى يتحدى إسرائيل بشكل خاص يعمل لمصلحة العدالة الدولية التي أُهدرت على يد إسرائيل والولايات المتحدة.
خامسًا: هذا القرار يحرج العلاقات الإسرائيلية مع معظم دول العالم، كما إنه يًعد انتصارًا للمقاومة، لكن هذا القرار يوقف حملة الإبادة الإسرائيلية وتوحش إسرائيل مادام القتل أصبح هدفا للجنود الصهاينة.
سادسًا: أن القرار يدعم جهود طرد إسرائيل من الأمم المتحدة.
وسوف نتابع تداعيات هذا القرار التي لا تنتهي، خاصة وأن المحكمة ردت على إسرائيل والولايات المتحدة بأنها مُختصة بالجرائم التى ارتكبها نتنياهو ووزير الدفاع السابق جلانت، وأن من ضمن الدول التى رفعت الدعوى دولة فلسطين التى انضمت للمحكمة عام 2015.
رابط مختصر