عربي21:
2025-03-20@08:29:48 GMT

العراق: جمهورية الخوف الثانية

تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT

نشر كنعان مكية كتابه الشهير «جمهورية الخوف» عام 1989، وكانت الثيمة الأساسية للكتاب استخدام «القمع القاسي» لتشكيل نظام البعث عبر الخوف، الذي هو «جوهر السياسة البعثية، وأصبح الأساس لسلطة حقيقية»

ومن الواضح اليوم أن النظام العراقي بعد 2003 يستخدم الأساليب ذاتها من أجل إحياء جمهورية الخوف من جديد، عبر تخادم أطراف نظام كليبتوقراطي/ لصوصي، شكلته أوليغارشية تستعين بميليشيات مسلحة، وقوة «القضاء» وجمهور زبائني تصنعه عبر الرشوة المتأتية من الريع النفطي بوسائل عديدة.



في حدث يظهر هذا التخادم بوضوح، نشر إعلامي معروف، عبر قناته الخاصة على اليوتيوب، معلومات عن استخدام رئيس الجمهورية العراقي (كان وزيرا للموارد المائية بين عامي 2006 و 2010، ثم أصبح مستشارا أقدم لرئيس الجمهورية بين عامي 2010 و 2022، قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية في العام 2022) سلطته للحصول على بيت يعود للسكرتير الخاص لصدام حسين، وأنه قام بتأجير هذا البيت المحجوز/ المصادر فيما يعرف بأموال الدولة، كمقر للسفارة الكويتية في العراق بمبلغ 50 ألف دولار شهريا. في انتهاك صريح للدستور العراقي الذي ينص على أنه « لا يجوز لرئيس الجمهورية ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ونائبيه وأعضاء المجلس وأعضاء السلطة القضائية وأصحاب الدرجات الخاصة أن يستغلوا نفوذهم في أن يشتروا أو يستأجروا شيئا من أموال الدولة» (المادة 127). وانتهاك صريح لقانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 21 لسنة 2013.

ولم تقم سلطات الدولة وأجهزتها، بطبيعة الحال، بالتحقيق في هذه المعلومات، بل عوقب الإعلامي من خلال غلق قناته على اليوتيوب بعد توجيه الجيوش الإلكترونية لاتهامه «بالابتزاز».

بعد ذلك بأيام قليلة وجه رئيس المحكمة الاتحادية العليا كتابا إلى رئيس الجمهورية يعلمه فيها بأن ثمة مجموعة على تطبيق «الواتس أب» تقوم بتقييم «الجهات الحكومية والقائمين عليها لأسباب وغايات معروفة للجميع بما لا يتفق مع النظام العام والآداب… [و] بتوجيه الاتهامات واستخدام عبارات لا أخلاقية… [و] بتوجيه كافة إمكانياته ضد جهة حكومية أو من يقوم عليها لغرض إخضاعه» وأن المحكمة «سوف تتخذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة بشأن ذلك لاتخاذ ما يلزم وإعلامنا».

ولم يجد رئيس الجمهورية حرجا في هذا الكتاب وهو يعلم أن لا صلاحية له ولا اختصاص، يؤهلانه للنظر في الموضوع من الأصل. وكان عليه أن يبلغ المحكمة الاتحادية بهذا، لكنه بدلا من ذلك، أصدر كتابا جاء فيه: «ندعم كاملا إجراءاتكم القانونية في محاسبة من يقف خلف هذه الممارسات غير المقبولة» مع أن هذا الأمر ليس ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية أيضا، فالمحكمة لا تقوم بإجراءات قانونية للمحاسبة، وأقصى ما يمكن ان تقوم به هو تقديم شكوى لدى القضاء.

من الواضح اليوم أن النظام العراقي بعد 2003 يستخدم «القمع القاسي» لتشكيل نظام عبر الخوف ذاته الذي كان مستخدما من أجل إحياء جمهورية الخوف من جديد إلى هنا كان يمكن عد ما يجري مشهدا اعتياديا في سياق العبث يمارسه رئيس المحكمة الاتحادية العليا ورئيس الجمهورية، بعيدا عن اختصاصاتهما وصلاحياتهما الدستورية، لكن ما جرى بعد ذلك كشف عن «تخادم» سلطوي مفضوح حين أصدر رئيس مجلس الوزراء نفسه تعليمات صارمة للوزراء ووكلاء الوزراء ورؤساء الهيئات المستقلة والمستشارين والسفراء والمدراء العامين الأعضاء في مجموعة «الواتس أب» التي ورد فيها هذا الموضوع، بمغادرتها! بل وصل الأمر إلى توجيه المحافظين، والمفترض أنهم لا يخضعون لسلطة رئيس مجلس الوزراء بموجب الدستور والقانون، بمغادرة المجموعة، وبالفعل استجابوا لهذا التوجيه!
المفارقة هنا أن رئيس مجلس الوزراء نفسه كان عضوا في هذه المجموعة على مدى سنوات، ولم يغادرها إلا بعد ترشيحه لهذا المنصب.

وقد دخلت هيئة الإعلام والاتصالات «المستقلة» في لعبة التخادم هذه، عبر تطوع رئيسها التنفيذي شخصيا، في اليوم التالي، بتقديم شكوى إلى «لجنة الاستماع» في الهيئة ضد تلك المجموعة بأنها «غير مرخصة»! مع أن الحديث هنا عن مجموعة على تطبيق «واتس أب» لا تتطلب، ولا تخضع لقانون الهيئة الذي وضعه الأمريكيون عام 2004 ! وفي الكتاب تدليس واضح على القانون قام به الرئيس التنفيذي للهيئة، فقد أشار إلى أن شكواه هذه تأتي إنفاذا لمادة وردت في قانون الموازنة العامة الاتحادية لعام 2023، لكن بالعودة إلى هذه المادة فهي تنص على أن الهيئة تقوم بتسجيل «جميع الوكالات والمواقع الإلكترونية للجهات الإعلامية مقابل رسوم تحددها الهيئة وفق لائحة تنظيمية يقرها مجلس المفوضين في الهيئة» سيبدو واضحا أنها لا تنطبق مطلقا على المجموعات على تطبيق «الواتس أب».

ولم يكتف المدير التنفيذي للهيئة بهذا التدليس الصريح، بل عمد إلى إصدار كتاب يمنع فيه شخصا بعينه ورد اسمه في كتاب رئيس المحكمة الاتحادية، وهو أحد أعضاء مجموعة «الواتس أب» تلك، من الظهور في كافة وسائل الإعلام المسجلة في الهيئة، بناء على «توجيه» رئيس المحكمة الاتحادية، وعطفا على كتاب رئيس الجمهورية كما جاء في قرار المنع! ولم يخبرنا الرئيس التنفيذي للهيئة (الشاب الذي وصل إلى منصبه بفضل علاقته القرابية بالسيد عمار الحكيم، والذي لا تنطبق عليه شروط المدير التنفيذي الواردة في القسم 4/ 2/ ب مطلقا) كيف يمكن له أن يستند إلى كتب غير موجهة إليه من الأصل لإصدار هكذا قرار، وكيف يمكن له أن يعد كتاب رئيس المحكمة الاتحادية الشخصي «توجيها» واجب التنفيذ، والأهم كيف انحرف الموضوع من الحديث عن مجموعة «واتس أب» إلى المنع من الظهور في وسائل الإعلام؟
فتبعا لقانون الهيئة هناك لجنة استماع مختصة بالحالات التي «تنطوي على خرق خطير وفادح لمدونات الممارسة المهنية والسلوك الأخلاقي» وهي وحدها من تملك اتخاذ هكذا قرارات، فيما يتعلق بالبث الإعلامي وليس فيما يتعلق بحوارات في مجموعة واتساب مغلقة.

وتستمر مهزلة القفز على الصلاحيات، والتخادم على حساب القوانين، حين أرسل المدير التنفيذي للهيئة «المستقلة» كتابا إلى رئيس المحكمة الاتحادية العليا «المستقلة» بعنوان «إجراءات» يعلمه فيها بأنه «بناء على كتاب سيادتكم… نعلم سيادتكم بموقف وإجراءات هيئتنا».

لا يمكن استعادة «جمهورية الخوف» من دون هكذا تخادم، ومن دون انتهاك صريح للدستور والقانون والمنطق والأخلاق، لفرض «الإذعان» على الجميع، وإنهاء أي مظهر من مظاهر المعارضة أو الاحتجاج أو النقد لممارسات الطبقة الكليبتوقراطية/ الأوليغارشية وتعريتها، حتى لو كان ذلك في مجموعة واتس أب مغلقة. ولا يمكن عزل غزوة الواتس أب هذه عن غزوات أخرى سابقة، وأخرى لاحقة، لضمان جمهورية الخوف التي يتوهمون أنهم قادرون على استعادتها ثانية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراقي العراق انتهاك الدستور سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس المحکمة الاتحادیة التنفیذی للهیئة رئیس الجمهوریة مجلس الوزراء الواتس أب رئیس مجلس

إقرأ أيضاً:

نائب رئيس مجلس السيادة يلتقي رئيس جمهورية جنوب إفريقيا

التقى نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد مالك عقار إير، الثلاثاء، فخامة الرئيس سيريل رامافوزا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا ونقل له تحايا رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان.وأطْلع عقار رئيس جمهورية جنوب أفريقيا على تطورات الأوضاع بالبلاد وحجم الدمار الذي أحدثته مليشيا الدعم السريع المتمردة في القطاع الخدمي عبر استهدافها للبنية التحتية والمرافق الخدمية بجميع أنواعها.وقال نائب رئيس مجلس السيادة أن اللقاء تطرق لموقف الحكومة السودانية من إنهاء الحرب وقدم له شرحاً لخارطة الطريق التي تقود إلى ذلك لافتا إلى صعوبة التواصل مع المليشيا نسبة لتعدد مراكز اتخاذ القرار فيها فضلا عن وجود مرتزقة أجانب في صفوفها.وأضاف سيادته أن السودان يتطلّع إلى القضاء على التمرد بنهاية أبريل المقبل في معظم ولايات السودان، معربا عن مخاوف الحكومة من انتهاج المليشيا لنهجها العنصري المتكرر ضد المكونات الأفريقية في إقليم دارفور.وأشار عقار إلى حادثة دفن أبناء المساليت أحياء والتي تدل علي الانتهاكات الجسيمة والتحشيد العسكري في دارفور الذي تقوم به المليشيا المتمردة بناءاً على الأُسس العنصرية الأمر الذي يعزز من تلك المخاوف.وأطْلع نائب رئيس مجلس السيادة الرئيس سيريل رامافوزا على خطة حكومة السودان الإصلاحية وإستراتيجيتها في تعزيز المصالح بين المكونات المجتمعية فور الانتهاء من الحرب بالتزامن مع عملية الإعمار.ووصف عقار دعم الحكومة الكينية للمليشيا في تشكيل حكومة موازية بأنه إنتهاك واضح للقوانين الدولية ومواثيق الاتحاد الأفريقي ويعتبر تحرك معادٍ للسودان واستهداف صريح لوحدته وسيادة أراضيه.وعبّر عقار عن ارتياح السودان تجاه المواقف الواضحة لمعظم دول الجوار الإقليمي الرافضة لخطوة تشكيل حكومة موازية وطالب بأن تقاوم الدول الأفريقية مثل هذه التحركات السلبية التي تهدف لتفتيتها لمصلحة دول من خارج القارة.وبحث اللقاء قضايا ذات إرتباط بمؤسسات البلدين فضلا عن أوضاع السودانيين المقيمين في جنوب إفريقيا.وأكد السيد الرئيس رامافوزا سعي بلاده الجاد لانهاء الحرب في السودان وأنه سيعمل على دعم استعادة السودان لدوره التاريخي في القارة.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مطالبات كردية بتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية بشأن توطين الرواتب
  • عضو في مجلس نينوى:قرار المحكمة الاتحادية لا يعني المصادقة على المسؤولين الجدد للوحدات الإدارية
  • رئيس استثمار ديالى يقاضي نائبه بعد منعه من دخول الهيئة
  • مصر تدين بشدة محاولة استهداف موكب رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية
  • نائب رئيس مجلس السيادة يلتقي رئيس جمهورية جنوب إفريقيا
  • عضو بمجلس نينوى: قرار المحكمة الاتحادية لا يعني المصادقة على رؤساء الوحدات الإدارية
  • المحكمة الاتحادية ترفض طعن محافظ نينوى بقرارات مجلس المحافظة (وثائق)
  • منى نجار.. الأم المثالية الثانية على مستوى الجمهورية تحصد لقب التضحية والعطاء في أسوان.. امرأة من ذهب صنعت المستحيل من أجل أبنائها
  • محافظ أسوان يهنئ الأم المثالية الثانية على مستوى الجمهورية
  • المحكمة الاتحادية الألمانية بصدد الفصل في قضية احتكار أبل