عربي21:
2025-01-23@09:48:16 GMT

العراق: جمهورية الخوف الثانية

تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT

نشر كنعان مكية كتابه الشهير «جمهورية الخوف» عام 1989، وكانت الثيمة الأساسية للكتاب استخدام «القمع القاسي» لتشكيل نظام البعث عبر الخوف، الذي هو «جوهر السياسة البعثية، وأصبح الأساس لسلطة حقيقية»

ومن الواضح اليوم أن النظام العراقي بعد 2003 يستخدم الأساليب ذاتها من أجل إحياء جمهورية الخوف من جديد، عبر تخادم أطراف نظام كليبتوقراطي/ لصوصي، شكلته أوليغارشية تستعين بميليشيات مسلحة، وقوة «القضاء» وجمهور زبائني تصنعه عبر الرشوة المتأتية من الريع النفطي بوسائل عديدة.



في حدث يظهر هذا التخادم بوضوح، نشر إعلامي معروف، عبر قناته الخاصة على اليوتيوب، معلومات عن استخدام رئيس الجمهورية العراقي (كان وزيرا للموارد المائية بين عامي 2006 و 2010، ثم أصبح مستشارا أقدم لرئيس الجمهورية بين عامي 2010 و 2022، قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية في العام 2022) سلطته للحصول على بيت يعود للسكرتير الخاص لصدام حسين، وأنه قام بتأجير هذا البيت المحجوز/ المصادر فيما يعرف بأموال الدولة، كمقر للسفارة الكويتية في العراق بمبلغ 50 ألف دولار شهريا. في انتهاك صريح للدستور العراقي الذي ينص على أنه « لا يجوز لرئيس الجمهورية ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ونائبيه وأعضاء المجلس وأعضاء السلطة القضائية وأصحاب الدرجات الخاصة أن يستغلوا نفوذهم في أن يشتروا أو يستأجروا شيئا من أموال الدولة» (المادة 127). وانتهاك صريح لقانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 21 لسنة 2013.

ولم تقم سلطات الدولة وأجهزتها، بطبيعة الحال، بالتحقيق في هذه المعلومات، بل عوقب الإعلامي من خلال غلق قناته على اليوتيوب بعد توجيه الجيوش الإلكترونية لاتهامه «بالابتزاز».

بعد ذلك بأيام قليلة وجه رئيس المحكمة الاتحادية العليا كتابا إلى رئيس الجمهورية يعلمه فيها بأن ثمة مجموعة على تطبيق «الواتس أب» تقوم بتقييم «الجهات الحكومية والقائمين عليها لأسباب وغايات معروفة للجميع بما لا يتفق مع النظام العام والآداب… [و] بتوجيه الاتهامات واستخدام عبارات لا أخلاقية… [و] بتوجيه كافة إمكانياته ضد جهة حكومية أو من يقوم عليها لغرض إخضاعه» وأن المحكمة «سوف تتخذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة بشأن ذلك لاتخاذ ما يلزم وإعلامنا».

ولم يجد رئيس الجمهورية حرجا في هذا الكتاب وهو يعلم أن لا صلاحية له ولا اختصاص، يؤهلانه للنظر في الموضوع من الأصل. وكان عليه أن يبلغ المحكمة الاتحادية بهذا، لكنه بدلا من ذلك، أصدر كتابا جاء فيه: «ندعم كاملا إجراءاتكم القانونية في محاسبة من يقف خلف هذه الممارسات غير المقبولة» مع أن هذا الأمر ليس ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية أيضا، فالمحكمة لا تقوم بإجراءات قانونية للمحاسبة، وأقصى ما يمكن ان تقوم به هو تقديم شكوى لدى القضاء.

من الواضح اليوم أن النظام العراقي بعد 2003 يستخدم «القمع القاسي» لتشكيل نظام عبر الخوف ذاته الذي كان مستخدما من أجل إحياء جمهورية الخوف من جديد إلى هنا كان يمكن عد ما يجري مشهدا اعتياديا في سياق العبث يمارسه رئيس المحكمة الاتحادية العليا ورئيس الجمهورية، بعيدا عن اختصاصاتهما وصلاحياتهما الدستورية، لكن ما جرى بعد ذلك كشف عن «تخادم» سلطوي مفضوح حين أصدر رئيس مجلس الوزراء نفسه تعليمات صارمة للوزراء ووكلاء الوزراء ورؤساء الهيئات المستقلة والمستشارين والسفراء والمدراء العامين الأعضاء في مجموعة «الواتس أب» التي ورد فيها هذا الموضوع، بمغادرتها! بل وصل الأمر إلى توجيه المحافظين، والمفترض أنهم لا يخضعون لسلطة رئيس مجلس الوزراء بموجب الدستور والقانون، بمغادرة المجموعة، وبالفعل استجابوا لهذا التوجيه!
المفارقة هنا أن رئيس مجلس الوزراء نفسه كان عضوا في هذه المجموعة على مدى سنوات، ولم يغادرها إلا بعد ترشيحه لهذا المنصب.

وقد دخلت هيئة الإعلام والاتصالات «المستقلة» في لعبة التخادم هذه، عبر تطوع رئيسها التنفيذي شخصيا، في اليوم التالي، بتقديم شكوى إلى «لجنة الاستماع» في الهيئة ضد تلك المجموعة بأنها «غير مرخصة»! مع أن الحديث هنا عن مجموعة على تطبيق «واتس أب» لا تتطلب، ولا تخضع لقانون الهيئة الذي وضعه الأمريكيون عام 2004 ! وفي الكتاب تدليس واضح على القانون قام به الرئيس التنفيذي للهيئة، فقد أشار إلى أن شكواه هذه تأتي إنفاذا لمادة وردت في قانون الموازنة العامة الاتحادية لعام 2023، لكن بالعودة إلى هذه المادة فهي تنص على أن الهيئة تقوم بتسجيل «جميع الوكالات والمواقع الإلكترونية للجهات الإعلامية مقابل رسوم تحددها الهيئة وفق لائحة تنظيمية يقرها مجلس المفوضين في الهيئة» سيبدو واضحا أنها لا تنطبق مطلقا على المجموعات على تطبيق «الواتس أب».

ولم يكتف المدير التنفيذي للهيئة بهذا التدليس الصريح، بل عمد إلى إصدار كتاب يمنع فيه شخصا بعينه ورد اسمه في كتاب رئيس المحكمة الاتحادية، وهو أحد أعضاء مجموعة «الواتس أب» تلك، من الظهور في كافة وسائل الإعلام المسجلة في الهيئة، بناء على «توجيه» رئيس المحكمة الاتحادية، وعطفا على كتاب رئيس الجمهورية كما جاء في قرار المنع! ولم يخبرنا الرئيس التنفيذي للهيئة (الشاب الذي وصل إلى منصبه بفضل علاقته القرابية بالسيد عمار الحكيم، والذي لا تنطبق عليه شروط المدير التنفيذي الواردة في القسم 4/ 2/ ب مطلقا) كيف يمكن له أن يستند إلى كتب غير موجهة إليه من الأصل لإصدار هكذا قرار، وكيف يمكن له أن يعد كتاب رئيس المحكمة الاتحادية الشخصي «توجيها» واجب التنفيذ، والأهم كيف انحرف الموضوع من الحديث عن مجموعة «واتس أب» إلى المنع من الظهور في وسائل الإعلام؟
فتبعا لقانون الهيئة هناك لجنة استماع مختصة بالحالات التي «تنطوي على خرق خطير وفادح لمدونات الممارسة المهنية والسلوك الأخلاقي» وهي وحدها من تملك اتخاذ هكذا قرارات، فيما يتعلق بالبث الإعلامي وليس فيما يتعلق بحوارات في مجموعة واتساب مغلقة.

وتستمر مهزلة القفز على الصلاحيات، والتخادم على حساب القوانين، حين أرسل المدير التنفيذي للهيئة «المستقلة» كتابا إلى رئيس المحكمة الاتحادية العليا «المستقلة» بعنوان «إجراءات» يعلمه فيها بأنه «بناء على كتاب سيادتكم… نعلم سيادتكم بموقف وإجراءات هيئتنا».

لا يمكن استعادة «جمهورية الخوف» من دون هكذا تخادم، ومن دون انتهاك صريح للدستور والقانون والمنطق والأخلاق، لفرض «الإذعان» على الجميع، وإنهاء أي مظهر من مظاهر المعارضة أو الاحتجاج أو النقد لممارسات الطبقة الكليبتوقراطية/ الأوليغارشية وتعريتها، حتى لو كان ذلك في مجموعة واتس أب مغلقة. ولا يمكن عزل غزوة الواتس أب هذه عن غزوات أخرى سابقة، وأخرى لاحقة، لضمان جمهورية الخوف التي يتوهمون أنهم قادرون على استعادتها ثانية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراقي العراق انتهاك الدستور سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس المحکمة الاتحادیة التنفیذی للهیئة رئیس الجمهوریة مجلس الوزراء الواتس أب رئیس مجلس

إقرأ أيضاً:

مشيرة خطاب: يحسب للسيسي أنه أول رئيس جمهورية يشدد العقوبة على زواج الأطفال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكدت السفيرة مشيرة خطاب، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان علي أن الحقوق الجنسية والإنجابية تعد من أهم الركائز التي تعزز الكرامة الإنسانية وصون حرمة الأفراد وحياتهم الخاصة، وتهدف هذه الحقوق إلى حماية صحة الأفراد وتمكينهم من اتخاذ قراراتهم بحرية ومسؤولية فيما يخص حياتهم الجنسية والإنجابية، مشيرة إلى أن يحسب للرئيس عبد الفتاح السيسي أنه أول رئيس جمهورية يشدد العقوبة على زواج الأطفال ومرتكبو جريمة الختان، وهو ما يؤكد مدى اهتمامه بحقوق المرأة ومكانتها فى المجتمع، وهو ما يعد شجاعة منه أن يتطرق لهذه القضايا الهامة فى المجتمع ويتصدى لها.

وأضافت خلال كلمتها باحتفالية "حماية وتعزيز الحقوق الإنجابية والجنسية في مصر"، أن تتجسد في مبدأ المساواة وعدم التمييز وحق الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماعية المرتبطة بها. ومع ذلك، فإن هذه الحقوق تواجه تحديات مستمرة، منها ما يتعلق بغياب الوعي المجتمعي، والموروثات الاجتماعية، والقصور في القوانين الوطنية، وعدم التوافق التام مع المعايير الدولية.

واستطردت قائلة إن الحق في الصحة حق أساسي من حقوق الإنسان يكفله الدستور المصري والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، حيث تنص المادة 18 من الدستور المصري على أنه لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل وتنص المادة 93 من الدستور على أن الاتفاقيات التي صدقت عليها مصر لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة، وفي ستينيات القرن الماضي صدقت مصر على العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويندرج الحق في الصحة تحت الأخير.

وأكدت أن الحق في الصحة حق أساسي من حقوق الإنسان يرتبط ارتباطا وثيقا بسائر حقوق الإنسان ، ولا غنى عنه لممارسة تلك الحقوق، فهو يرتبط بالحق في الكرامة والتعليم والعمل ، والحق في وهو الأصل الذي تنبثق عنه كافة حقوق الإنسان، ويرتبط بالحق فى الحياة وفى الغذاء، والمسكن،  وكلها حقوق ترتبط ارتباطا وثيقا بالحق في الصحة، ولا يقتصر الحق في الصحة على الخلو من المرض، أو العجز بل، يعني التمتع بأقصى قدر ممكن من الصحة البدنية والنفسية والحق في الحصول علي اعلي مستوي ممكن من الخدمات والرعاية الطبية ، والحق في مياه صالحة للشرب ، والصرف الصحي المناسب وظروف العمل الآمنة والصحية والبيئة الصحية وسائر حقوق الإنسان.

وأشارت إلى أن ظهر جليا التقدم الذي أحرزته مصر لضمان تمتع مواطنيها بالحق في الصحة والتعليم، وارتباط ذلك بحقوق الصحة الإنجابية، حيث كشف آخر تعداد سكاني عن انخفاض معدل الزيادة السكانية لأول مرة قدره 149 ألف نسمة الأمر الذي يعد مؤشرا على إحراز تقدم في توفير الخدمات الطبية والرعاية الأولية في المناطق الأكثر احتياجا وخدمات تنظيم الاسرة وخاصة في مجال الصحة الإنجابية ، ويرجع ذلك إلى ارتفاع أعداد الفتيات الملتحقات بالتعليم، واستمرارهن في التعليم، الأمر الذي عضد من مكانتهن في الأسرة ومنحهن القدرة على ممارسة الحق في اتخاذ القرارات المؤثرة على حياتهن داخل الأسرة ومنها قرار الانجاب، ومن المعروف أن المرأة المتعلمة تتخذ قرارات مستنيرة بشأن سن زواجها وتوقيت الانجاب والتباعد بين الولادات وتحرص على كفالة حق بناتها وابنائها في التعليم ، الأمر الذي ينعكس إيجابيا علي ممارسة الحقوق الإنجابية والحماية من التعذيب المتمثل في تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، أو الاستغلال الجنسي، او الاتجار في البشر متمثلا في زواج الأطفال.

وأشارت إلى أنه تأتي الدراسة التي أعدها المجلس القومي لحقوق الإنسان بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، لتعكس حرص المجلس على تعزيز الحقوق الجنسية والإنجابية في مصر بما يتماشى مع الالتزامات الوطنية والدولية. تأسس المجلس كهيئة وطنية مستقلة تهدف إلى حماية حقوق الإنسان في مصر، ويُعنى بتقديم الدعم والمشورة للدولة في تطوير السياسات والتشريعات اللازمة للنهوض بهذه الحقوق.

وأنهت كلمتها بأن يأمل المجلس القومي لحقوق الإنسان أن تسهم هذه الدراسة في تعزيز الحوار الوطني حول القضايا المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، وأن تكون مرجعا لصانعي السياسات والمشرعين والمجتمع المدني لتطوير استراتيجيات فعالة تسهم في تحسين جودة حياة الأفراد وتحقيق التنمية المستدامة.

والجدير بالذكر ، أن أطلق المجلس القومي لحقوق الإنسان منذ قليل احتفالية ختامية  بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وذلك بمناسبة انتهاء برنامج العمل المشترك لعام 2024، الذي يهدف إلى حماية وتعزيز الحقوق الإنجابية والجنسية في مصر ، وذلك بحضور عدد من الشخصيات بارزة، من بينهم: السفيرة مشيرة خطاب، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، إيف ساسينراث، الممثل المقيم لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إيريك شوناليه، السفير الفرنسي بالقاهرة، أمجد العضايلة، السفير الأردني بالقاهرة، الدكتورة سحر السنباطي رئيسة المجلس القومى للطفولة والأمومة، الدكتورة ايمان كريم، أمين عام المجلس القومي لذوي الإعاقة، السفير محمود كارم، أمين عام المجلس القومي لحقوق الإنسان، ود. وفاء بنيامين، أمين لجنة الحقوق الاجتماعية بالمجلس، بالإضافة إلى عدد من أعضاء المجلس القومي لحقوق وممثلين لوزارة الصحة والسكان، وأعضاء مجلس النواب والشيوخ وممثلين لمنظمات المجتمع المدني.

يشمل برنامج الاحتفالية عدة أنشطة، أبرزها استعراض الدراسة الشاملة عن الصحة الإنجابية في مصر، ومناقشة ورقة السياسات الخاصة بالتشريعات والقوانين الداعمة للحقوق الإنجابية والجنسية، بالإضافة إلى إعلان الفائزين في المسابقة الطلابية الخاصة بالصحة الإنجابية.

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي يستقبل اليوم رئيس جمهورية الصومال
  • اليوم.. السيسي يستقبل رئيس الصومال بقصر الاتحادية
  • نائب:تم تقديم طعن للمحكمة الاتحادية عن التصويت غير القانوني للقوانين الجدلية
  • رسميا .. المحكمة الاتحادية تتلقى أول طعن بدستورية جلسة اقرار القوانين الجدلية
  • نائب إطاري يتوعد بتقدم طعن أمام المحكمة الاتحادية بشأن التصويت على القوانين الجدلية
  • «المنفي» يُجري مباحثات مع رئيس جمهورية جنوب إفريقيا
  • جامعة الأقصر تطلق مبادرة تراثنا منارة لأجيالنا بالشراكة مع الهيئة القبطية الإنجيلية
  • رئيس جمهورية بنما يستنكر تصريحات ترامب ويلوّح باللجوء إلى القضاء "القناة لنا ولم تكن تنازلًا من أحد"
  • رئيس الجمهورية: ما يقارب 80% من الموازنة العامة للبلاد تذهب للرواتب
  • مشيرة خطاب: يحسب للسيسي أنه أول رئيس جمهورية يشدد العقوبة على زواج الأطفال