د.عبدالله الحراصي :مجلة نزوى منارة عربية ثقافية على مدى 30 سنة -

سيف الرحبي :نتأمل تجربة مكثفة بالزمن والمعرفة بتجلياتها المختلفة -

احتفلت وزارة الإعلام في أول أيام معرض مسقط الدولي للكتاب للدورة الثامنة والعشرين بالذكرى الثلاثين على إصدار مجلة نزوى، وذلك اليوم من خلال إقامة ندوة موسّعة تستمر إلى الغد، بمشاركة نخبة من أدباء الخليج والوطن العربي.

وقد افتتحت الندوة بكلمة معالي وزير الإعلام الدكتور عبدالله الحراصي، مشيرًا إلى أنه، علاوة عن كونه وزيرًا للإعلام، إلا أنه في كلمته يميل إلى وصفه أحد كتّاب مجلة نزوى، حيث شارك في أعدادها الأولى كاتبًا ومترجمًا من الأدب الإنجليزي مباشرة، أو من الأدب الفرنسي عبر الترجمة الإنجليزية ومنها إلى العربية، مهنئًا رئيس تحريرها سعادة سيف الرحبي وجميع العاملين بها على مسيرة الإنجاز الثقافية الكبيرة التي تحسب لمجلة نزوى.

كما أشار معاليه إلى أبرز التحديات التي تواجهها المجلات الثقافية على وجه العموم، بما فيها مجلة نزوى، ذاكرًا على سبيل المثال التكنولوجيات الحديثة وتأثيرها على الأدب والإنتاج الأدبي، ومن ذلك الذكاء الاصطناعي الذي يفتح أفق التساؤلات غير معروفة النهايات، منها هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في الإبداع الأدبي، قائلا: «سألت الذكاء الاصطناعي ما إذا كان بإمكانه كتابة قصيدة أفضل وأكثر إبداعا مما كتبه البشر، فأجاب: بنعم؛ لأني أعرف كل القصائد وأعرف أكثرها إعجابا لدى المجتمع، وهذا مثال على التحديات الحديثة التي تواجهها المجلات الثقافية».

وتطرق معاليه إلى الدور الريادي الذي لعبته مجلة نزوى في البناء الثقافي على مدى 30 سنة، إذ قال: «مجلة نزوى قامت بالبناء الثقافي على مدى 30 سنة ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى العربي، حيث جمعت المثقفين العرب بين دفتيها، ولذلك أثر قوي، فأصبحت منارة عربية ثقافية».

واسترسل معاليه: «كما قامت المجلة بدور طليعي من مجالات الثقافة والفكر والأدب والفن، ومن ذلك مبادرة كتاب نزوى، هذه المباردة التي كنتُ أحد المستفيدين منها وطُبِع لي كتاب من خلالها، كما دخلت المجلة قبل أيام بمجال جديد وهو الإنتاج المرئي الضخم، حيث دشنت مؤخرا الجزء الأول من سلسلة أفلام (بيت العجائب) مع الشركة العالمية (دي ماكس) يستعرض الحضور العماني في شرق إفريقيا، فالمجلة ذات أفق واسع وعميق».

أهل الثقافة والفكر

و كان لرئيس تحرير مجلة نزوى سعادة سيف الرحبي كلمة، مما جاء فيها: «ثلاثون عاما مضت ونحن الآن مع نفر من طليعي أهل الثقافة والفكر، مع الأصدقاء الذين شرفونا من أنحاء مختلفة من العالم ومن عُمان، لنتأمل جوانب من هذه التجربة المكثفة بالزمن والمعرفة بتجلياتها المختلفة، ونصغي ونسمع منهم ليضيئوا بعض ما خفي من سؤال معرفي وثقافي الذي طرحته المجلة منذ بداياتها مشتبكا مع أسئلة المعرفة بشمولها..».

وفي حديثه رفع إلى المقام السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق –حفظه الله ورعاه- جل شكره على اهتمامه ورعايته الخاصين بالثقافة والفنون منذ كان وزيرا للتراث والثقافة مراهنا على قمة هرم الدولة والبلاد، كما وجه شكره لسعادة محمد البلوشي وكيل وزارة الإعلام ومنظمي الندوة والعاملين في المجلة والكتاب الذين يشاركون في الندوة وساهموا منذ الأعداد الأولى بالكتابة في المجلة، واصفًا إياهم أنهم المساهمون في المجلة إسهاما حقيقيا.

مكتبات باريس

وعاد الأكاديمي والناقد والمترجم السعودي الدكتور معجب الزهراني -خلال كلمة له- بالذاكرة إلى الوراء في الثمانينيات، مستذكرا الوضع الذي كان عليه حينما تعرف على سيف الرحبي، قائلا: «كنت أحسد سيف الرحبي الذي كان يتجول في شوارع باريس دون ارتباط بدراسة أو وظيفة أو عمل، كنا أمام مسؤوليات وارتباطات كثيرة بينما هو يحدثنا عن أدب (مولير)، وحينا مرت الأيام وعاد إلى وطنه عُمان سمعت أن هناك إصدارا لمجلة ثقافية يكون رئيس تحريرها سيف، فقلت في نفسي إن هناك نقلة نوعية سوف تحدث، وهذا ما حفزني على الكتابة فيها من الأعداد الأولى».

وأشاد الزهراني بالدور الذي قامت به المجلة سواء من استقطاب مختلف القوالب الأدبية، من مختلف الوطن العربي، وخاصة الأدب المغاربي والمغربي، وكذلك بتصدير الأدب العماني إلى الخارج بعدما ذاع صيت المجلة على مستوى العالم العربي، لافتًا الانتباه إلى أن مجلة نزوى ما زالت حاضرة في الكثير من مكتبات باريس، بل في واجهتها الأمامية.

مختتما حديثه بالإشارة إلى أن الناس تخلط بين الثقافة العابرة وبين الثقافة التي تصنع الفكر، ويرى أن مجلة نزوى هي مجلة ثقافية تصنع الفكر لذلك يجب الحفاظ عليها ومن الضروري أن تُصدر لها أخوات كثر.

3 أجيال

أما الدكتور محسن الكندي فقد كانت له كلمة، مشيدا بالدور الكبير الذي حققته المجلة خلال السنوات الماضية، حيث أصبحت نبراسا على مستوى الوطن العربي، كما أثنى على ما قامت به المجلة من نشر الثقافة العمانية والأعلام العمانيين الذين ظلمهم النقاد العرب أمثال أبي مسلم البهلاني، وقسّم الكندي تاريخ المجلة إلى 3 أجيال، الأول في السنوات العشر الأولى وأسماها «جيل الجامعة»، حيث ساهم الطلبة الجامعيون والباحثون والدارسون في الكتابة فيها، ومنحتهم المجلة فرصة لصقل مهاراتهم والنشر فيها، والجيل الثاني الممتد من 2004 إلى 2014 أسماه «جيل التشكيل» الذي تجلّى خلالها نتاج التلاحق الفكري للثقافة العربية، وأخيرا «جيل التبلور» حيث الانفتاح والتكامل.

مرارة البدايات

كان لمديرة تحرير مجلة نزوى هدى حمد كلمة في حفل انطلاق الندوة، إذ قالت: «(كلُ ما هو عظيمٌ ومُلهم.. صنعهُ إنسانٌ عمِل بِحرِّية)، هذا ما قاله أينشتاين، ورأيناه ماثلًا في سماتِ المجلةِ التي تتوسلُ منذُ أعداِدها الأولى الانفتاحَ على حقولٍ شاسعةٍ من الدراساتِ والآدابِ والفنون، متمتعةً برؤيةٍ ثاقبةٍ من رئيسِ تحريرِها الذي خاضَ المغامرةَ في غمرةِ ظروفٍ لم تكن مُواتية، لكن رياحَ التغييرِ كانت تدقُ نَواقيسَها في منتصف التسعينيات، لتستوعبَ تنوُّعَ الأصواتِ في الداخلِ، وتأتي بأنهارٍ من المعارفِ من الخارج، لكن، لا يمكنُ لعملٍ من هذا النوعِ أن يصمُدَ دون مؤازرةٍ حقيقيةٍ من أسرةِ التحريرِ الصغيرةِ، التي رافقت تَخَلُّقَ المشروعِ الصلبِ والرصين.

وتأتي هذه الالتفاتة، كمحاولةٍ صغيرةٍ لتقديمِ الشكرِ الذي يليقُ بأسرةِ التحريرِ التي سبَقَتنا ومهَّدتِ الطريقَ لنا وكابدتْ مرارةَ البداياتِ ومشقَّتَها، وكذلك للجنودِ المخفيين الذين بَقَوا في الظلِّ، وخلفَ كواليسِ المجلةِ لسنواتٍ مديدة، يعملون في الخفاءِ في سبيلِ أن ينموَ حقلُها المعرفيُّ، وتُكتَبَ قصَّتُها الآسِرة».

وفي أثناء انطلاق الندوة تم تدشين الطابع البريدي الخاص بالذكرى الثلاثين على تأسيس مجلة نزوى، التي وصلت إلى عددها الـ 117 منذ انطلاقها جامعًا ما يربو على 6400 مادة ثقافية رصينة.

الجلسة الأولى

وانطلقت الجلسة الأولى بتقديم 5 أوراق عمل، كانت الورقة الأولى بمعية الدكتور أحمد المديني الباحث والناقد المغربي بعنوان «تحديث الأصيل.. وتأصيل الحديث» التي تناول فيها التصور العام عن المشروع الفكري النقدي الإبداعي للمجلة، من حيث المفاهيم والأنساق والأدوات، إلى جانب التبلورات التدريجية التي حصلت على مدى ثلاثة عقود، وذلك في إطار المرجعيات الثابتة لسلطنة عُمان، وطموح نخبها للتجديد في المجال الثقافي ضمن الفضاء الثقافي العربي الشامل.

والورقة الثانية قدمتها الدكتورة فاطمة الشيدية بعنوان «الشعر العماني في مجلة نزوى الملامح والثيمات.. قراءة أسلوبية»، تناولت فيها النص الشعري في المجلة من ناحية الكم والكيف، مشيرة إلى أننا أمام منطقة تجمع الكم والكيف معًا، ولاستقراء النص الشعري العماني الجديد في ثلاثين عامًا من عمر مجلة نزوى، يُلاحظ أن المجلة كانت ولا تزال الحاضنة الأهم للنص الشعري الجديد في عُمان، مهد اللغة الكلاسيكية والفكر والتراث، ومع ذلك استطاعت مجلة نزوى كسر طوق تلك العزلة الثقافية الراسخة والعميقة وفتح الأبواب مشرعة للنص الشعري العماني الجديد بكل تحرره وثورته.

فيما قدم الدكتور أحمد برقاوي الفيلسوف الفلسطيني ورقة بعنوان «فلسفة الأنا والآخر»، واصفا مجلة نزوى أنها أرشيف العقل العربي في صوره المختلفة، الأدبية والنقدية والفكرية والفلسفية. والأرشيف هو ذاك الذي يمنح تاريخ العقل ملامحه، ولما كنا بصدد حضور الفلسفة في نزوى فإنها انطوت على فلسفة الأنا والآخر، الفلسفة العربية الوسيطة والمعاصرة وفلسفة الآخر (الغربي)، وهذا يعني أنها عبرت عن نمطين من الوعي: الوعي الذاتي والوعي الذاتي بالآخر.

وأخيرا قدم عبدالرحمن المسكري ورقة بعنوان «مقاربات التراث العربي في مجلة نزوى.. الشعر أنموذجًا» تناول فيها مقاربات النص العربي التراثي -بالمجلة بوصفها جزءًا أصيلًا في متنها العام- مع مقاربات النص الحديث: منتظمة في نسيج مشروع ثقافي متعدّد الاتجاهات والمنابع وفق رؤية عميقة، ونسق ناظم، وموقف أبستمولوجي إزاء موروث الأسلاف وإنجازهم الفكري والحضاري.

كما تطرق إلى انشغالات المجلة بالحفر في أخاديد التراث العربي، إذ هو في صميم مشروعها الثقافي؛ بغية التعريف به، والكشف عن المضيء فيه، وترسيخ رؤية نقدية إزاءه رؤية تتميز بانفتاحها على قراءات متعددة، وطرائق تأويلية متحرّكة في إطار واسع من المعارف النظرية والمنهجية، متطرقًا إلى مجمل أعداد مجلة نزوى البالغة 117 عددًا منذ صدور عددها الأول في 1994 ومعرفا بأهم الدراسات التي تناولت التراث الأدبي العربي في مسالكه الفكرية وطرائقه التعبيرية.

حركة اليوم الأول

شهد صباحُ أول يومٍ هدوءًا في المعرض، قصَّ شريط افتتاحها طلاب المدارس الذكور من مختلف المحافظات، أسرابٌ سعيدةٌ ترفرف بين الأروقة والرفوف، يستوقفهم مجسم مدينة السلطان هيثم بدهشة، حيث أنوار المدينة المتلألئة ومساحاتها المترامية، وأسئلة المستقبل اللامتناهية.

بدا أن الأغلبية من طلاب المدارس صباح هذا اليوم يتراكضون في البهو الخارجي للمعرض أكثر من المشي بين أركان الكتب، حاملين صناديق البيتزا وصحون رقائق البطاطا، يذكرون بعضهم البعض بنفاد وقت الرحلة المدرسية إلى معرض الكتاب، ولأنه اليوم الأول للمعرض يؤكد الذين التقيتُ بهم أنهم جاؤوا بلا خطة شرائية وبلا قائمة كتب.

نجحت وزارة الصحة في اجتذاب هؤلاء تحديدًا، فالكل يحمل أكياس برنامج «سلامتك» الذي أعادت الوزارة إحياءه عبر المسلسل الذي لم يلحق عليه أبناء هذا الجيل، كيس بداخله كتيب عن الصحة والنظافة الشخصية وهدايا رمزية، فالناشئة والأطفال من طلاب المدارس هنا يقولون إنهم ما داموا قد حصلوا عليه مجانا، فلا داعي لأن يقتنوا كتبا، وأكياس الكتب التي كانت بحوزتهم كانت تضم علب طعام، ولأن وزارة الشؤون الإسلامية السعودية كانت توزع المصاحف والأجزاء هدايا، كان ذلك ركنا يتوقف عنده الطلبة باستمرار.

دفاتر التلوين في أيدي الجميع، يقول أحد الطلاب: إنها أفضل ما يمكن شراؤه، فيما يعتبر آخر أن قطع التركيب هي الأفضل، ويقول ثالث: إن أفضل ما فعله اليوم أنه ابتاع لأمه وأخته بعض الكتب ونسي نفسه، لكن بعضهم لم ينس هوسه بالرياضة وبالأرجنتيني «ميسي» فثمة كتاب لمحته من بعيد يحمل صورة ميسي في موضع تسديد الكرة، كان من أبرز اهتمامات الطلاب.

وشهد اليوم الأول لمعرض مسقط للكتاب مجموعة من الفعاليات المتنوعة، كانت أبرزها فقد أقام ضيف شرف المعرض -محافظة الظاهرة- جلسة حوارية بعنوان «الظاهرة ثغر من ثغور عمان» قدمها الدكتور خالد الخروصي وحاوره أحمد الكلباني. فيما قدمت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء جلسة نقدية عن الشعر والرواية شارك فيها كل من الدكتور عمر السراي، والدكتور علي بن متعب والدكتور غنام محمد، إلى جانب أمسية شعرية شارك فيها الشعراء: آمنة محمود والشاعرة غرام الربيعي والشاعر منذر عبد الحر والشاعر حازم إبراهيم والشاعر فوزي أكرم، وأدارت الأمسية الدكتورة سعيدة خاطر.

وأقامت مؤسسة إشراق للصحافة والنشر جلسة حوارية بعنوان «التحولات الثقافية: تأثير الذكاء الاصطناعي على الثقافة والإبداع. شارك فيها المكرمة الدكتورة عائشة الدرمكية والأستاذ مهنا الزهيمي والدكتور حميد بن مسلم السعيدي. فيما نفذ النادي الثقافي محاضرة سلطت الضوء على النتاج الفني للفنان موسى عمر والفنان محمد نظام.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی المجلة على مدى شارک فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

الوجوه المتعددة لآبي أحمد.. صديق للجميع غير مخلص لأحد

سلطت مجلة "فورين بوليسي" الضوء على رحلة صعود رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى سدة الحكم، وملامح شخصيته التي رسمت له الطريق في السابق، وتشكل السياسة في البلاد حاليا.

وتقرير المجلة، الذي استندت فيه إلى كتاب "مشروع آبي: الله والسلطة والحرب في إثيوبيا الجديدة"، ذكر أنه لآبي أحمد وجوه متعددة، إذ أن زعيم إثيوبيا مسيحاني وميكافيلي في الوقت نفسه، وشوهت حرب تيغراي الوحشية سمعته كصانع سلام حائز على جائزة نوبل للسلام.

وتحدثت المجلة عن بداية آبي أحمد، قائلة إنه عندما كان ضابطا شابا من الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد، والتي كانت ممثلة تاريخيًا بشكل أقل في الحكومة، نجح من خلال إجادته للغة الإنجليزية  في التقرب من أحد كبار القادة العسكريين آنذاك، وهو جنرال تكليبرهان وولديريغاي، الذي كان رئيس قسم المعلومات التكنولوجية في الاستخبارات العسكرية، والذي كان من التيغراي، المجموعة العرقية التي سيطرت لفترة طويلة على المراتب العليا في الدولة الإثيوبية.

وذكرت المجلة أن آبي أحمد، الذي أُرسل مع خمسة زملاء لدراسة التشفير في جنوب أفريقيا لمدة ستة أشهر بين عامي 2002 و2003، ترأس قسم ضمان أمن المعلومات في وكالة أمن شبكات المعلومات الاستخباراتية.

وخلال السنوات الأربع الأولى من عمله في المعهد الوطني للأمن الإلكتروني، كانت المهمة الأساسية لآبي أحمد هي المساعدة في حماية الحكومة والوكالات العسكرية من القرصنة الإلكترونية.

ووفقا للمجلة، كان آبي أحمد من بين مجموعة صغيرة من الأورومو في قيادة كانت، مثل قيادة الجيش، لا تزال تهيمن عليها بوضوح قبائل التيغراي وحزبهم، جبهة تحرير شعب تيغراي، التي شكلت العنصر الأكثر نفوذاً في الجبهة الثورية للشعب الإثيوبي. وأوضح أحد رؤسائه من التيغراي أن "آبي أحمد كان سريع التواصل، وباعتباره شابًا وأوروموًا تم اختياره لهذا المنصب. وكانت موهبته الرئيسية هي التواصل مع الناس".

كما جعله العمل، بحسب المجلة، على اتصال أوثق بالمسؤولين الأميركيين، ما سمح له بقضاء بعض الوقت في برامج التدريب الأميركية وزراعة بعض الروابط الأجنبية القيمة في السنوات التي سبقت توليه منصب رئيس الوزراء. "كنت الشخص الذي يرسل معلومات استخباراتية من هذا الجزء من العالم إلى وكالة الأمن القومي، حول السودان واليمن والصومال"، كما تفاخر لاحقًا لمجلة "نيويوركر". وأضاف: "وكالة الأمن القومي تعرفني. سأقاتل وأموت من أجل أميركا".

وبالفعل، بعد خمسة عشر عامًا، أصبح أآي أحمد قائدًا للبلاد، بحسب المجلة.

وذكرت الصحيفة أنه بداخل آبي أحمد العديد من الشخصيات المتناقضة. وأحدهم إمبراطور طموح يتوق إلى الماضي المجيد، حيث أنه في عام 2022، كان يبني قصرًا لنفسه في التلال فوق العاصمة، وكان فخمًا لدرجة أنه قيل إنه تكلف ما لا يقل عن 10 مليارات دولار، دفعت الإمارات جزءًا منه، ويغطي مساحة أكبر من وندسور والبيت الأبيض والكرملين.

أما الشخصية الأخرى بداخل آبي أحمد، بحسب المجلة، هي أنه محدث يتطلع إلى المستقبل. وفي عام 2022، كان ينهي أيضًا أول متحف علمي على الإطلاق في إثيوبيا، والذي يقدم رؤية حديثة للغاية للتقدم الوطني مبنية على الاكتشاف العلمي والذكاء الاصطناعي. وترى المجلة أنه هذه هي إثيوبيا الجديدة التي سعى آبي إلى بنائها، وهي دولة "المدن الذكية"، ورجال الشرطة الآليين، وبطاقات الهوية البيومترية، ومحاكاة الواقع الافتراضي، والمراقبة المتطورة. وأوضحت أنه شبهه البعض برجل التكنولوجيا في وادي السيليكون.

وأشارت إلى أن آبي أحمد يجمع بين هاتين الشخصيتين المتناقضتين، فهو مسيحي متحمس، لكنه في الوقت نفسه قادر على التحلي بالبراغماتية. وفي بعض الأحيان يبدو وكأنه عبقري ميكافيلي، يقضي بلا رحمة على أعدائه ويتفوق على منافسيه. وقد اعترف أحد زملائه في وقت لاحق بأن "كل شيء بالنسبة لآبي أحمد مؤامرة". وقال آخر: "لا أعتقد أن أي شخص في إثيوبيا يتمتع بمهارة لعب الشطرنج مثله. لكنه أيضاً مقامر، يرى أن الفوضى فرصة يمكن تحويلها إلى نعمة".

وفي عالم التاريخ الإثيوبي، أوضحت المجلة أن آبي أحمد يعتبر شخصية مألوفة للغاية وجديدة تماماً في الوقت نفسه. فهو قومي مسيحي على غرار الإمبراطور تيودروس الثاني في القرن التاسع عشر، لكن المختلف أنه يعتبر مثل الرئيس التنفيذي لشركة ويستخدم التفكير الإيجابي والمصطلحات الخاصة بمساعدة الذات لتعزيز إنتاجية موظفيه.

وفي وقت الاضطرابات الدولية، ومع ظهور عالم دونالد ترامب، وشي جين بينغ، وفلاديمير بوتن، ذكرت المجلة أن آبي أحمد يطبق تقنيات القرن الحادي والعشرين للدعاية عبر الإنترنت والتضليل، تماما كما يحيي السياسة البلاطية لإثيوبيا الإمبراطورية. ومع انقسام النظام العالمي وتفكك التحالفات التقليدية، يريد آبي أحمد أن يكون "صديقا للجميع لكنه غير مخلص لأحد،" حسب المجلة.

وأشارت إلى أن صقل نهجه في السياسة مرتبط ارتباطا وثيقا بسنوات عمله داخل أجهزة الاستخبارات في إثيوبيا، حيث أنه من خلال الصعود السريع عبر صفوف وكالة الاستخبارات الوطنية الإثيوبية، بنى آبي أحمد الشبكات الاجتماعية التي سهلت مسيرته السياسية واكتسب الأصدقاء الذين أصبحوا حلفاءه الأكثر ثقة من كبار الجنرالات والسياسيين ورجال الأعمال من بين المقربين منه.

ونقلت المجلة عن بعض المقربين من آبي أحمد، قولهم إنه استخدم منصبه في الاستخبارات الوطنية لبناء قاعدة سياسية وتعزيز مصالحه الخاصة، رغم أنه اكتسب سمعة سيئة في التنصت على المكالمات الهاتفية الخاصة. وتذكر البعض أنه لكسب ولاء زملائه، كان معروفًا بتقديم وعود سخية، بما في ذلك، من بين أمور أخرى، الوظائف والامتيازات في المستقبل.

وتولى آبي أحمد قيادة معهد البحوث الوطنية الإثيوبية في عام 2019 بدلا من مديره تكليبرهان الذي سافر لدراسة الماجيستير في بريطانيا. وزرع هذا العام بذور معارضة جبهة تحرير شعب تيغراي لرئاسته للوزراء، وساهم في نهاية المطاف في التداعيات الكارثية بين آبي والحزب المهيمن سابقًا والتي أدت إلى الحرب، وفقا للمجلة.

وكان جوهر الأمر، بحسب المجلة، هو طموح آبي أحمد السياسي القوي ومحاولاته الواضحة بشكل متزايد للاستفادة من منصبه في معهد البحوث الوطنية الإثيوبية لتحقيق ميزة مهنية.

وقال أحد الأصدقاء في معهد البحوث الوطنية الإثيوبية للمجلة: "لقد أصبح مشهورًا للغاية وجعل طموحه إلى السلطة علنيًا للغاية. وفي تقليد الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، كان هذا من المحرمات. لكن آبي أخبر الجميع أنه سيكون رئيسًا للوزراء، وأن الرب أخبره بذلك".

وفي عام 2010، عاد تكليبرهان من المملكة المتحدة وطرد آبي أحمد من معهد البحوث الوطنية الإثيوبية بعد اكتشافه ما حدث أثناء غيابه، بما في ذلك سوء إدارة المشاريع والفساد المزعوم. وعند رحيله، حذر آبي أحمد رئيس الوزراء المستقبلي زملاءه من أنه سيعود يومًا ما كرئيس لهم.

وبعد ثماني سنوات فقط، ذكرت المجلة أنه أثبت أنه على حق. بعد توليه منصبه على خلفية الاحتجاجات الجماهيرية في منطقته الأصلية، أوروميا، صور آبي أحمد نفسه على أنه صليبي شعبوي ضد الاستبداد والفساد والإحباط الاقتصادي. وبالفعل نجح في التفوق السياسي على زملائه من تيغراي داخل الائتلاف الحاكم، جبهة تحرير شعب تيغراي.

ووسط هتافات العديد من الإثيوبيين في الداخل والخارج، شرع رئيس الوزراء الجديد، آبي أحمد، بسرعة في العمل على تقليص وجودهم عبر مساحات واسعة من الدولة الإثيوبية. ولفترة من الوقت، أشاد الغرب بآبي باعتباره مصلحًا ليبراليًا.

وفي عام 2019، بعد عام من إبرامه اتفاق سلام تاريخي مع إريتريا، جارة إثيوبيا الأصغر التي انفصلت في عام 1993، حصل على جائزة نوبل للسلام.

لكن بحلول نوفمبر 2020، بعد عقد واحد فقط من رحيله المهين عن الجيش الوطني الإثيوبي، وبسبب عجرفته وخطابه الشعبوي، دخل آبي أحمد وجبهة تحرير تيغراي في حرب دموية تستمر آثارها حتى الآن.

مقالات مشابهة

  • السوداني يؤكد على أهمية إنجاز المشاريع التي تعمل فيها الشركة في العراق
  • وزير التموين: يتم تطوير شكل معارض أهلا مدارس بما يفيد أولياء الأمور والطلبة والمدرسين
  • "الوطنية للتمويل" تستضيف وكلاء السيارات في فرعي نزوى وصور
  • خبير آثار يطالب بحذف اسم مصطفى وزيري من البرديات التي كشفتها بعثته الأثرية
  • التعادل السلبي يحسم لقاء نزوى وبدية بدوري الشباب
  • الوجوه المتعددة لآبي أحمد.. صديق للجميع غير مخلص لأحد
  • مسلمو هاريدوار بشمال الهند يحلمون بالعودة إلى منازلهم بعد التهجير
  • حقيقة صور إيمان خليف على غلاف مجلة أمريكية شهيرة .. صور
  • الاصدار الورقي الاول.. صدور العدد الجديد من مجلة سومر السينمائي
  • ساعدني لأسمع تسهم في تركيب سماعات طبية لــ113 طالبا وطالبة