لا تهدف للاستجمام والاسترخاء.. ماذا تعرف عن السياحة المظلمة؟
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
عندما نتحدث عن الإجازة فربما يكون الاسترخاء على شاطئ البحر، أو زيارة المتاحف والمواقع الأثرية الشهيرة، أو حتى تأمل جمال الطبيعة في الصحراء، أول ما يتبادر إلى الذهن. لكن هناك من يفضلون نوعا آخر من السياحة، فبدلا من الاسترخاء أو تأمل جمال الطبيعة، يذهبون لزيارة السجون ومواقع الكوارث ومقابر الموتى، محدقين في قسوة الموت عن قرب.
لا تندهش، فقد ازدادت شعبية هذه المواقع المرتبطة بالموت والدمار في الآونة الأخيرة كوجهات سياحية، فيما يعرف بـ "السياحة السوداء" أو "السياحة المظلمة".
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4السياحة الشتوية في لبنان.. رومانسية وثلج ودفء ونشاطاتlist 2 of 4“الخيمة العجيبة”.. ابتكار قد يسهم في إنعاش السياحة بالجزائرlist 3 of 4الأزمات المعيشية في سوريا تعيد الحياة إلى حمامات دمشق الشعبيةlist 4 of 4لماذا يفضل العرب والأجانب ألمانيا كوجهة للسياحة العلاجية؟end of list ما "السياحة المظلمة"؟ظهر مصطلح "السياحة المظلمة" للمرة الأولى في تسعينيات القرن الماضي على يد جون لينون ومالكولم فولاي، وكلاهما من أعضاء هيئة التدريس في جامعة غلاسكو كاليدونيان في أسكتلندا. ويستخدم للإشارة إلى الاهتمام بزيارة الأماكن المرتبطة تاريخيا بالموت والدمار والكوارث.
وعلى الرغم من حداثة المصطلح، فإن الظاهرة بحد ذاتها ليست حديثة، فلطالما انجذب البشر لتأمل ما هو مرتبط بالموت والمعاناة عن قرب، وهو ما نجد له جذورا تاريخية في ازدحامهم حول حلبات المصارعة في روما القديمة، أو تجمعهم في الميادين كي يشهدوا عمليات الإعدام العلنية.
في مسلسل وثائقي بعنوان "السائح المظلم" (The Dark Tourist) عرض على "نتفليكس"، استعرض الصحفي ديفيد فيرير عددا من أشهر مواقع السياحة المظلمة الشهيرة، والتي يقسمها الخبراء إلى عدة أنواع ما بين المتاحف المتخصصة في عرض رموز الموت، أو التعذيب مثل متحف أدوات التعذيب في براغ، أو المواقع التي شهدت كوارث إنسانية، مثل مواقع الكوارث النووية ومواقع الإبادة الجماعية، وهو النوع الأكثر شيوعا، وكذلك النصب التذكارية الخاصة بضحايا الكوارث.
في يوليو/تموز الماضي، كشف استطلاع رأي شمل أكثر من 900 شخص، أن 82% من المسافرين الأميركيين زاروا جهة سياحة مظلمة واحدة على الأقل في حياتهم، وتتزايد النسبة في مواليد الجيل "زد" عن الأجيال السابقة.
ربما تتساءل عن سر ازدياد شعبية هذا النوع من السياحة، فما الذي يدفع المرء لقضاء إجازته بقرب مواقع الموت والدمار بدلا من الاستمتاع بوقته والاسترخاء؟
قد يساعدنا فهم الأثر النفسي لمثل هذه الزيارات على الإجابة، طبقا لدراسة نشرت عام 2021، بعنوان السياحة المظلمة: دوافع ونوايا زيارة السياح، توفر زيارة مثل هذه الأماكن تواصلا آمنا مع الموت، يشعر الزائر بنوع من الامتنان لعدم تعرضه لمثل هذه المآسي.
كما تمثل نوعا من التطهير النفسي، يمارسه كي يخرج من منطقة الراحة المعتادة، ويتمكن من مواجهة قسوة العالم. فمع تصاعد قسوة الاضطرابات السياسية، قد يصبح الاستلقاء على الشاطئ أمرا غير مجدٍ بالنسبة لبعضهم، وقد يشعر الآخرون بنوع من الذنب.
بالإضافة للرغبة في التعلم وهي الدافع الرئيسي، حيث يساعد التعرف على هذه الأماكن عن قرب على إلقاء نظرة أكثر عمقا على التاريخ.
أشهر وجهات السياحة المظلمةتتنوع وجهات السياحة المظلمة أو السياحة السوداء حول العالم، وإن كان بعضها يحظى بشهرة أكبر من غيره، ومن أشهرها:
تشيرنوبل في أوكرانيا: حيث وقعت واحدة من أسوأ الكوارث النووية عام 1986. افتتح الموقع أمام الزوار في عام 2010، وازدادت شعبيته بدرجة ملحوظة منذ عام 2019 مع عرض مسلسل "تشيرنوبل".ورغم عدم شيوعها في العالم العربي فإن المنطقة تضم عددا من الوجهات المهمة التي يمكن تصنيفها كوجهات سياحية مظلمة.
في مصر، على سبيل المثال، يمكن للسائحين زيارة قلعة صلاح الدين التي شهدت مذبحة القلعة، ويقع داخلها أيضا سجن القلعة الذي شهد عددا لا يحصى من المساجين منذ العهد المملوكي وقد افتتح كمتحف للزيارة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
جدل حول "السياحة المظلمة"على الرغم من ذلك فالأمر لا يخلو من جوانب سلبية، حيث يعتبر بعضهم هذا النوع من السياحة غير أخلاقي، وشكلا من أشكال استغلال المآسي والمعاناة الإنسانية. خاصة مع تعامل بعض السائحين مع هذه المواقع باستخفاف، حيث يقفون لالتقاط صور "السيلفي" الضاحكة في مواقع شهدت مآسيا شديدة القسوة.
من ناحية أخرى يتشكك آخرون في كون بعض المواقع تستخدم لتمييع الحقائق وتبييض التاريخ طبقا لتحيزات الحكومات الحالية.
وإلى جانب الشق الأخلاقي، هناك شق آخر يتعلق بخطورة بعض مواقع السياحة المظلمة، في بعض الأحيان تدفع روح المغامرة السائحين لتجاوز الخطوط الحمراء، والمساحات المفتوحة للزيارة بحثا عن مغامراتهم الخاصة.
على سبيل المثال، هناك من يتجاوزون المناطق المسموح بزيارتها في موقع فوكوشيما النووي وهو ما قد يعرضهم لخطر الإشعاع في النقاط التي لا تزال محتفظة بمستويات خطرة من النشاط الإشعاعي.
ويمكن رؤية مثال آخر لهذا النوع من المغامرة في سراديب الموتى بفرنسا، وهي شبكة من الأنفاق التي تمتد بطول أكثر 250 كيلومترا تحت شوارع العاصمة الفرنسية، وتضم رفات أكثر من 6 ملايين شخص. وبينما لا يسمح للسائحين سوى بزيارة حوالي كيلو ونصف متر مربع من مساحتها الإجمالية، فبعضهم يغامرون باستكشاف ما وراء الحدود، وقد يضلون الطريق ويتعرضون للخطر وهو ما حدث بالفعل لاثنين من المراهقين فُقِدا 3 أيام في عام 2017.
من ناحية أخرى يندفع بعض السياح لزيارة مناطق الحروب النشطة كسائحين، بدلا من محاولة تقديم المساعدة كعاملين في المساعدات الإنسانية أو صحفيين. وهو سلوك لا يتسم بالمسؤولية.
لذلك إذا أردت أن تحصل على تجربة سياحة مظلمة مميزة فاحرص على أن تخطط لها بعناية، اقرأ عن الموقع الذي ترغب في زيارته، واستعن بمرشد محلي متخصص، كي تحصل على تجربة مؤثرة لا تنسى، تقدم لك جرعة رائعة من الوعي والمعرفة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
مصر تحاصر مخطط الشرق الأوسط ضدها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في خطوة مهمة للغاية، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي في يناير 2025 قرارًا جمهوريًا رقم 35 لسنة 2025، يقضي بتخصيص مساحة 52.5 فدانًا من الأراضي المملوكة للدولة في جنوب سيناء لصالح الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر، بهدف إقامة ميناء طابا البحري.
هذا القرار جاء ردًا على المقترحات الأمريكية والإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة، بما في ذلك فكرة توطين سكان قطاع غزة في سيناء، وتحويل قطاع غزة إلى مركز لوجستي يخدم المصالح الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، سعت إسرائيل إلى إنشاء ممر بحري بديل لقناة السويس، يُعرف باسم "قناة بن جوريون"، يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة. يُعتبر تطوير ميناء طابا ردًا عمليًا من مصر على هذه المخططات، حيث يعزز من سيادتها على الممرات البحرية ويحول دون تحقيق أي مخططات تهدف إلى تقليل دورها الاستراتيجي في المنطقة.
وفي إطار تعزيز البنية التحتية اللوجستية، تعمل مصر على تطوير شبكة طرق وموانئ لوجستية، بالإضافة إلى مشروعات أخرى في أفريقيا مثل مشروع "النسر" الذي يربط ليبيا وتشاد بمصر. تهدف هذه المشروعات إلى مواجهة محاولات عزل مصر عن عمقها العربي والأفريقي، خاصة بعد محاولات إثيوبيا للتواصل عبر ميناء بربرة في الصومال. تُعتبر هذه الخطوات استباقية لحماية الأمن القومي المصري ومواجهة أي محاولات لتغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة.
ولذا تُعتبر هذه التحركات جزءًا من صراع أكبر بين مصر ومخطط الشرق الأوسط الجديد، حيث تُركز الاستراتيجيات على تطوير مشاريع بنية تحتية لوجستية لتعزيز النفوذ الإقليمي. في هذا السياق، يُعتبر مشروع ميناء طابا خطوة استراتيجية لتعزيز موقع مصر كمركز لوجستي عالمي، ومواجهة التحديات والمخططات التي قد تهدف إلى تقليل دورها في التجارة العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر ميناء طابا جزءًا من استراتيجية مصرية أوسع لتعزيز الربط اللوجستي مع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي تهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر شبكة من الموانئ والطرق التجارية. من خلال تطوير ميناء طابا، تسعى مصر إلى تعزيز موقعها كمحور رئيسي في هذه المبادرة، مما يساهم في جذب الاستثمارات وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين. ومن خلال هذا المشروع، تُظهر مصر التزامها بتطوير بنيتها التحتية وحماية مصالحها الوطنية، مما يعزز من مكانتها الإقليمية والدولية.