(إنّ الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
(اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله).
هذا أمر السّماء لمؤمنى أهل الأرض كافة، لكن هذا الأمر لم يكن يتضمّن ذكر أهل البيت، فلِمَ نصلى على النبى وعلى آله معه، مع أن الآية لم تذكر صراحة لا الآل ولا الأصحاب.
الحرفيون الذين لم يتعمقوا النصوص الدينيّة توقّفوا فقط عند الصلاة على النبى ولم يكملوا صلاتهم على الآل، مع أن ذكر الآل رحمة وبركة، فرضٌ بالنّص القرآنى، بمعنى أوصل الله لكم رحمته وبركاته أهل البيت، والبركة : الزيادة والنمو، فضلاً عن دعوة النبى لهم أن يكونوا رحمة للأمة؛ فكم لاقى سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، ومعه آل البيت من عذاب سجله التاريخ فى سبيل الدعوة : نشرها ومجدها وقوة وجودها مستمرة على البقاء اللازم ضد كل طغيان واستبداد.
لم تكن فرحة تكتمل بغير تنغيص من الأغيار ممّن يحيطون بالدنيا وتحيط بهم الدنيا فيلهثون وراءها ليّاً بألسنتهم وطعناً فى الدين.
خضم الأحداث السياسية إبّان ظهور الإسلام مروراً بالصدر الأول وعروجاً على عصر الخلفاء الراشدين وما بعده حتى حادثة كربلاء، يعطيك الصورة القائمة بين مطالب الدين ومطالب الدنيا، أو مطالب الحق وسعار الباطل، والظلم الذى حدث لآل البيت والغصّة التى جفت منها حلوقهم، ووصايا رسول الله لأمته من بعده فيهم، والدّعاء لهم كونهم أمانَ الأمة ورحمة لها، كل هذا كله يجعل الصلاة عليهم مقرونة بالصلاة على سيدنا محمد خلافة باطنة لا تخلو الأرض منها إلى أن تقوم الساعة، فقد حُرموا حق الولاية الظاهرة، وليس هو فى الحقيقة بحرمان، لكن مع ذلك كله ظلت لهم الولاية الباطنة الباقية، ولاية الروح والمعنى والدين والقيم الباقية؛ فلا علمَ على الحقيقة، ولا دينَ على الحقيقة، ولا معرفة على الحقيقة، ولا ولاية على الحقيقة ممّا بقى فى الأمة نور وفتح وهدى، إلا ومصدرها سيدنا محمد وآل بيت سيدنا محمد.
كانوا طلاب نور ومعنى وغيرهم كانوا طلاب ظلمة وحجاب، لأن هؤلاء الأغيار طلبوا العاجلة واستبدّوا بها كما استبدت بهم، أمّا أهل البيت فدام لهم البقاء من طريق المحبّة فى قلوب المؤمنين، حجبهم الله عن العاجلة ليؤثرهم عنده بمجالى الأنوار وبحقائق المعانى، وبدوام البقاء على الهدى والنور والاستنارة الدائمة، ولو شاءوا الدنيا وطلبوها لما أعجزهم نيلها والأخذ منها بأوفر نصيب.
ولم يكن صدفة عابرة أن يدعو رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ليقول : (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)، وذلك لأن نعمة التقلل من الدنيا أكبر من نعمة الإكثار منها لأنها طريق الأنبياء والأصفياء، ولولا أن التقلل أفضل مثوبة وأكثر أجراً ما قال صلى الله عليه وسلم وآله : (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)، والقوت : هو الذى لا يفضل منه شيئاً عن الغداء والعشاء، فشيء أختاره صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأهل بيته، هو شيء ليس أكمل منه.
وقد كانت السيدة البتول فاطمة الزهراء مع كونها سرّ أبيها، بضعة منه يريبه ما يريبها ويؤذيه ما يؤذيها، وفى الجامع الصغير : (فاطمة بضعة منى يقبضنى ما يقبضها، ويبسطنى ما يبسطها) وقد سميت بالبتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً ونسباً، والبتل فى اللغة، القطع. كانت رضى الله عنها مع كونها فى تلك المنزلة الرفيعة من التبتل، فى غايةٍ من ضيق العيش، تنبيهاً للغافلين على أن الدنيا ليست مطمح نظر الكاملين.
أمّا والله هم الآل، هم الأحق بكنز الصلاة والتسليم عليهم إذ كانوا بدعاء النبى عليه السلام مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأمة، ورثوا من نورانية النبى سرمدية البقاء للهداية وصدر عنهم نور الوجود ولا يزال يصدر من طريق المحبّة إلى من والاهم وآمن بهديهم وهو هدى الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه، ثم أمن غائلة مفارقتهم، ومفارقة نهجهم الأمثل فى التقوى والتبتل، وهم الآل من لزم محبتهم لم يضام، وهم مصدر قربة ومعرفة وولاية وتحقيق.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الس ماء الصلاة على النبي الأحداث السياسية على الحقیقة سیدنا محمد
إقرأ أيضاً:
اليوم النبوي.. برنامج اليوم الكامل في حياة النبي
كثيرة هي الكتب التي كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبخاصة من المعاصرين، واختلفت كتاباتهم بحسب توجه الكاتب واهتمامه الفكري، وهناك شريحة قليلة من الكتاب أصدروا أكثر من كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء عن سيرته أو سنته، فرأينا خالد محمد خالد رحمه الله يكتب أكثر من كتاب، فقد كتب: (إنسانيات محمد) و(عشرة أيام في حياة الرسول) و(لقاء مع الرسول) و(كما تحدث الرسول)، وكتب الشيخ محمد الغزالي كذلك: (فقه السيرة) و(فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء) وغيرها، كما كتب شيخنا القرضاوي أكثر من كتاب، فكتب (الرسول والعلم) و(السنة النبوية مصدرا للمعرفة والحضارة) و(محمد رحمة الله للعالمين).
لكن هناك عالما معاصرا ولا يزال حيا، بارك الله في جهوده، كتب عدة كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم، تناول عدة زوايا مهمة، في كتب مختلفة، تتسم بالجدة والقوة، وبالعاطفة الأدبية، وهو العالم الجليل الدكتور عبد الوهاب الطريري، فكتب هذه الكتب: قصص نبوية، الحياة النبوية، أماكن نبوية، كأنك معه، القبر المقدس، واليوم النبوي.
كتاب اليوم النبوي، يشكل مقطعا أفقيا للحياة النبوية العريضة، ليتجلى من خلاله عدة أمور مهمة، أشار الشيخ الطريري إلى كثير منها، لكنا نجمل بعضا منها، ونترك البقية للقارئ الكريم الذي ندعوه لقراءة الكتاب، لما يمثله من أهمية، من حيث المعلومات، ومن حيث العرض، ومن حيث الأثر.وأتناول في مقال اليوم كتابه: (اليوم النبوي.. برنامج اليوم الكامل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم)، وهو كتاب نفيس غاية النفاسة في مادته، وفي إحاطته بالموضوع، وفي زاوية النظر، وكنا قد قرأنا كتاب: (عشرة أيام في حياة الرسول) لخالد محمد خالد، وهو لا يقصد باليوم بالمعنى الزمني، ولكنه بالمعنى التاريخي، فقد يكون يوما بمعنى حادثة، كيوم أحد مثلا، وقرأنا لعبد الوهاب حمودة كتابه: (ساعات حرجة في حياة الرسول).
فكرة كتاب (اليوم النبوي):
ويأتي كتاب الطريري في هذه الشريحة من هذا التناول، فهي تعيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ساعات يومه، منذ الاستيقاظ، وحتى النوم، ولم يكتف بذكر اليوم التفصيلي لحياته، بل مر باليوم السنوي، واليوم الشهري، بما كان يفعله في أيام ثابتة في الأسبوع، كيوم الجمعة، وأيام ثابتة في الشهر، وفي السنة، كأيام العيد، فهو أشبه بأخذ مشهد أفقي متكامل لبرنامج النبي صلى الله عليه وسلم اليومي، حيث إن كثيرا من كتب السيرة يعرضها حسب المسار التاريخي، فتقدم كتاريخ حياة، لكن الطريري تناولها من حيث ممارسة الحياة، والحاجة ماسة للمنهجين بلا شك، ولكن التنوع يفيد ويزيد الإيمان إيمانا برسوله، ومعرفة بحياته.
فقد تناول الطريري اليوم النبوي، إذ غاص في بطون كتب السنة والسيرة، ليجمع صورة متكاملة عن يومه، منذ الاسيتقاظ، وكيف يكون نومه، واستيقاظه، ثم صلاته لكل فروض اليوم، ومجلسه في بيته وبين الناس كيف كان، وكيف ضحاه وقيلولته، ومشيه في بساتين المدينة، وكيف يمضي وقته في الليل، سواء على مستوى أمسياته الليلية، أو قيامه الليل مناجيا ربه، وكيف كان يمضي إغفاء السحر.
أما عن أيام الأسبوع، فتناول هديه يوم الجمعة، منذ الاستعداد لصلاتها، وحتى انتهاء خطبتها، ويومي الاثنين والخميس، وكيف كان يتعامل معهما، والاثنين يوم ولد فيه صلى الله عليه وسلم، ثم أيام العام، كيوم العيد، وعاشوراء، وعرفة، وشهر رمضان وأيامه ولياليه، وكيف كان يحيي ليال خاصة من العام؟
وأشد يوم عاشه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يوما ثقيلا، وكيف مرت عليه هذه الأيام، كيوم حصار الشعب، أو يوم عام الحزن، ويوم الأحزاب. وعن أسعد يوم عاشه كذلك، وفي أشد يوم وأسعد يوم، فهو النبي العابد الراضي بقضاء ربه، المسلم به، وفي فرحه فهو فرح في إطار الشكر للوهاب سبحانه وتعالى.
وقفات مع اليوم النبوي:
كتاب اليوم النبوي، يشكل مقطعا أفقيا للحياة النبوية العريضة، ليتجلى من خلاله عدة أمور مهمة، أشار الشيخ الطريري إلى كثير منها، لكنا نجمل بعضا منها، ونترك البقية للقارئ الكريم الذي ندعوه لقراءة الكتاب، لما يمثله من أهمية، من حيث المعلومات، ومن حيث العرض، ومن حيث الأثر.
فلم يعرف التاريخ إنجازا تحقق على يد بشر كالإنجاز الذي تحقق على يد هذا الرسول الكريم، ولذا سنجد يومه حافلا بالعمل، وحافلا بالعطاء، ومتنوعا وشاملا، فهو لا يقف عند العمل العبادي، بل يتنوع بين العبادة والعمل، بين النبوي والإنساني، وعند الاطلاع على اليوم النبوي سيكتشف الإنسان أنه يعرف عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف عن أبيه وجده وعائلته.
يلفت نظرك في اليوم النبوي، من حيث عبادته، كيف استطاع أن يمارس كل هذا الكم من الأذكار، من الصباح إلى المساء، والسنن الرواتب قبل وبعد الصلاة، فضلا عن أداء الفرائض، وهو الذي غفر له من ذنبه ما تقدم وما تأخر، ومع ذلك فهو أكثر الناس استغفارا، وأكثر الناس مداومة على حقوق إخوانه، من العيادة والزيارة والمعاونة والدعاء لهم، والعمل على حل مشكلاتهم، في توازن عجيب، يعطي صورة ملهمة ومهمة عن التوازن في حياة المسلم كيف تكون، بالنظر إلى يوم النبي صلى الله عليه وسلم.
لم يعرف التاريخ إنجازا تحقق على يد بشر كالإنجاز الذي تحقق على يد هذا الرسول الكريم، ولذا سنجد يومه حافلا بالعمل، وحافلا بالعطاء، ومتنوعا وشاملا، فهو لا يقف عند العمل العبادي، بل يتنوع بين العبادة والعمل، بين النبوي والإنساني، وعند الاطلاع على اليوم النبوي سيكتشف الإنسان أنه يعرف عن نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف عن أبيه وجده وعائلته.قد تشعر بأن يوم النبي متكرر، فأذكار الصباح والصلوات كما هي، مكررة كل يوم، في الصباح والمساء، ولكنك لا تشعر بذلك حينما تقرأ عنها في حياة ويوم النبي صلى الله عليه وسلم، بل تشعر بأنها رغم أنها مزدحمة بالأعمال، ولكنها ليست متوترة ولا مرتبكة، فلا تجد اضطرابا ولا توترا، ولا تجد رتابة تورث الملل، بل هي تجدد دائم في العلاقة بالله، والعلاقة بالناس، فهي تجمع بين التنظيم الدقيق، والتجدد المستمر، رغم ديمومة ما يقام من أعمال، لكنك تشعر دوما بالتنوع.
اليوم النبوي بكل أعماله ذو دلالة بينة وواضحة على نبوته، فإن وقائع حياته حين تتأملها مشهدا مشهدا، لا يمكن أن يراها أحد إلا علم أن هذا حال نبي مرسل من الله، يتنزل عليه وحيه، ليس بمتقول في دعواه، ولا طالب حظ لنفسه، وهذا ما أدركه القدامى والمعاصرين، من أهل الإنصاف، لأنها تقدم صورة صادقة لهذا النبي الكريم في يومه، بكل ما يحمله يومه من آلام وآمال، ومن حزن وفرح، ومن كل ما ينشد الإنسان معرفته بتفاصيل دقيقة لا مجاملة فيها، ولا تصنع، فصلى الله على رسولنا الكريم في يومه، وفي كل يوم عاشه، وفي كل يوم كان وسيكون قدوة للعالمين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
[email protected]