يقول البروفيسور أكمل إحسان أوغلو فى مقدمة كتابه الأتراك فى مصر وتراثهم الثقافى: «قد نرى بين عالم يدرس فى القاهرة، وشاعر أو مؤلف لكتاب فى إسطنبول ظهور خط متصل يتجاوز الزمن والمكان، وهذا الخط قد ربط برباط وثيق بين الشعبين، وكشف أيضاً عن أهمية كبيرة فى حاضر العلاقة بين المجتمعين».
نعم وصلت العلاقة الخاصة إلى مستوى المصاهرة العائلية فهذا التأثير المتبادل كان له عظيم الأثر على العلوم الشرعية والفنون والعمارة والموسيقى والترجمة ولغة الإدارة العسكرية.
لذا تعد زيارة أردوغان للقاهرة استثنائية، فهى الأولى كرئيس للجمهورية وقد أعرب عن سعادته بوجوده فى القاهرة بعد ما لمسه من حفاوة الاستقبال الدافئ الذى أذاب جليد قطيعة دامت 12 سنة، وذكر أن مصر وتركيا لديهما تاريخ ثقافى مشترك يعود لأكثر من ألف عام، مؤكدا أنهم يسعون لرفع العلاقات إلى المستوى الذى تستحقه، وقد دعا السيسى لزيارة أنقرة.
هذه الزيارة التاريخية تتويجاً لجهود دبلوماسية بُذلت لتصحيح مسار العلاقات المضطربة بعد حقبة طويلة من التجاذبات السياسية نتيجة أحداث الربيع العربى التى عصفت بأنظمة عتيدة وتحالفات إقليمية مستقرة وأغرت مشاريع ايديولوجية قديمة للخروج من القمقم مما جعل الارتباك الجيوسياسى هو سيد الموقف الذى انعكس على تعقيد الملفات الحساسة فى منطقة تعيش على صفيح ساخن.
لاشك أن التنافس المحموم بين القطبين على قيادة العالم السنى قديم جديد، فتاريخ تأزم العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مر بعقبات مختلفة دائمآ ما يتكرر الماضى ولكن بأشخاص مختلفة ومسميات مختلفة، فعقب ثورة يوليو وجه السفير خلوصى طوغاى صهر العائلة المالكة الفاظاً نابية إلى عبدالناصر الذى رد الصاع صاعين وتم طرده خلال 24 ساعة وتفتيشه داخل المطار بطريقة مهينة ووصل التوتر ذروته عندما أرسل الجيش بعض قواته للدفاع عن الحدود السورية من الغزو التركى وكاد شبح المواجهة العسكرية يتكرر لكن هذه المرة على الأراضى الليبية بعدما رسم السيسى الخط الأحمر الشهير ومع كل مرة تتأزم الأمور وتزداد حدة التراشق الإعلامى وتصل إلى حافة الهاوية تتغلب الحكمة الفرعونية العثمانية بنزع فتيل الأزمة والحفاظ على شعرة معاوية وتتجلى البراجماتية فى الحرص استمرار التبادل الاقتصادى الذى وصل إلى 10 مليارات دولار بالرغم من العداء الشديد.
كان الموقف المصرى من عودة العلاقات الكاملة متحفظاً للغاية حتى تقترن الأقوال بالأفعال، خاصة فى التزام أنقرة بعدم التدخل فى الشئون الداخلية وقطع الحبل السرى عن جماعة الإخوان.
مبدأ مصر فى إدارة علاقاتها مع دولة محورية مثل تركيا هو الرشادة السياسية بضبط مؤشر العلاقات للخروج من شرنقة الشخصنة الايديولوجية إلى آفاق العلاقة المؤسسية بين دولتين ونظامى حكم على قاعدة احترام المصالح الوطنية وهو ما سمح بتطور العلاقات من التهدئة والتسكين إلى بناء نموذج شراكة اقتصادية حتى وصلنا إلى مرحلة التأسيس الاستراتيجى.
لا يجب أن يسود منطق الأهواء العاطفية للحكم على العلاقات الدولية فليس هناك عدوات دائمة ولا صداقات دائمة وإنما هناك مصالح دائمة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البروفيسور إسطنبول العلاقة الخاصة دبلوماسية العلاقات المضطربة
إقرأ أيضاً:
كأسك يا وطن
لست بخير كالعادة منذ سنوات.. نشرات الأخبار العربية الحزينة باتت بالنسبة لى مكمن المرض اللعين الذى نخر فى أعصابى وتفكيرى.. ولم يعد يفلح فيها مسكنات الأمل وأدوية المستقبل المشرق وحبوب الوحدة العربية.. فلن تكفى أدوية العالم الشحيحة من العدل والرحمة ان تعالج حالات الخذلان المتكرر التى تنتابنى حالياً بشكل يومى.
فى فترة الثمانينيات من القرن الماضى كنت طالبة بجامعة القاهرة وكانت مسرحية «كأسك ياوطن» للكاتب السورى الكبير «محمد الماغوط» تكتسح مسابقات الفرق المسرحية المتنافسة على مستوى الجامعات المصرية، لا أتذكر بالضبط كم مرة شاهدتها أو شاهدت عدد البروفات التى كانت تقام على مسرح كلية تجارة أو مسرح كلية حقوق.. فى كل مرة مع انتهاء العرض لا بد أن تدمع عيناك باللاشعور، حتى أن أحد النقاد قال ممازحاً ما معناه أنَّ الماغوط يقدم لك صحن البصل المقشر طازجاً مع كل سطر تقرأه.
أو كما تحدث الكاتب خضر الماغوط أبن عمه قائلاً: «عندما تقرأ محمد الماغوط تدمعُ عيناك لأنك ستضحك أولا وأنت تقرأ السخرية من الوضع القائم من حولك، ثم سرعان ما ستبكى عندما تكتشف أنك أنت المعنى شخصياً فى كتاباته، أنت الإنسان المهزوم دائماً الذى يتراقص من حولك الأقزام الذين هزموك سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً حضارياً، إلى كلّ مجالات الانهزام».
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد ؟ لا أدرى كيف تكون إجابة هذا السؤال وتركيا مسيطرة وروسيا متداخلة وإسرائيل اللعينة نصبت الشرك على الحدود!!
فعلى الرغم من بصيص النور الذى انفتح على سجن «صدنايا» المرعب فخرج على أثره آلاف المسجونين ليروا السماء ولسيستنشقوا الهواء لأول مرة منذ سنوات بعيدة كانوا فيها رهائن قبورهم وزنازينهم تحت الأرض، تجسدت حجم الخسائر الروحية فى تلك الشابة السورية التى دخلت المسلخ البشرى «صدنايا» فى عمر التاسعة عشرة وخرجت وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها وفى يدها ثلاثة أطفال لا تعرف من والدهم من كثرة تعرضها للاغتصاب.
أتذكر ما كتبه الشاعر الكبير «محمد الماغوط» فى نص «سياف الزهور»: آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة.
والشوارع المقفرة
والستائر المسدلة
والنوافذ المطفأة
أما من حل وسط بين الكلمة والسيف
بين بلاط الشارع وبلاط السجن
سوى بلاط القبر؟
أيتها الأمة الكذوبة
أين اجدادى الصناديد الكماة
وما الذى يؤخرهم؟
أشارات المرور؟
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ يطمئننى التاريخ بحكاياته ويؤكد لنا دوماً ان الطغاة يرحلون وتبقى الشعوب تقاوم الظلم والقهر وتنتصر فى النهاية، فهناك فى ريف دمشق وحماة واللاذقية وحمص وحلب أغنية للحرية بين الدروب وعلى شرفات المنازل المزينة بزهور الياسمين، أو كما يصدر الشاعر السورى الكبير «نزار قبانى» القدرة على الصمود فى قصيدته الشهيرة «آخر عصفور يخرج من غرناطة»:
أعجوبةٌ أن يكتب الشعراء فى هذا الزمان.
أعجوبةٌ أن القصيدة لا تزال
تمر من بين الحرائق والدخان
تنط من فوق الحواجز، والمخافر، والهزائم،
كالحصان
أعجوبةٌ.. أن الكتابة لا تزال..
برغم شمشمة الكلاب..
ورغم أقبية المباحث،
مصدراً للعنفوان...