عن مؤسسة فلسطين للثقافة صدر للأسير المحرر وليد الهودلى رواية «ليل غزة الفسفورى» تصف أحداث العدوان على غزة أواخر 2008 مطلع 2009، وقد كتبها داخل السجن, وجميع أحداث الرواية تجرى فى مكان واحد - قطاع غزة-، والزمان قصير مركز لا يتجاوز الشهر.
وفى عام 1917 قدم الكاتب يسرى الغول روايته «غزة 78» التى تصف المدينة القديمة بمكوناتها وأهلها الرائعين، طيبتهم، حبهم وعطائهم، ويشرح «الغول» دون خجل كيف اغتصبت غزة كما اغتصبت أمها فلسطين، وكيف قضت إسرائيل وجيشها الغاشم على أحلام الشباب الباحثين عن الخبز والماء، كما قدم المخيم الرائع وجلسات البحر بكل رومانسية وقدم الطفولة المقتولة فى الصدور قبل العقول، والجمال بمكوناته على الشاطئ والبحر.
والروايتان أخذتا الوقت المناسب لتخرجا بهذه الروعة التى لا ينكرها أحد, فما بالنا برواية عن نفس الأحداث -التى تكرر نفسها- كتبت وخرجت إلى النور فى ثلاثة شهور فقط, إنها راوية «حائط بلا مبكى» للأديبة فكرية أحمد, وربما دفعتها الأحداث دفعا للكتابة كتفاعل طبيعى فهى -على حد قولها- لم تغمض لها عين طوال وقوع المجازر البشعة, ولم تنعم بطعام أو شراب, وكانت لا تستحل المياه الساخنة وأهالى غزة يفتقدون المياه النظيفة أصلا، وفى الرواية تغوص كعادتها بقلمها بكل جرأة داخل نسيج مجتمع الرواية لتسبر هذه المرة أغوار الجرح الفلسطينى بكل صدق، وتنبش تراب النكبة القديمة، وترصد بمنظار دقيق محاولة الاحتلال صناعة نكبة أخرى جديدة بحرب إبادة تواصل تنفيذها ضد المدنيين فى غزة.
تعيش الأحداث الدامية لحظة بلحظة مع قلم فكرية التى قررت المغامرة والمقامرة وكتابة راوية فى هذا الوقت المستحيل والذى لم يمنعها من السرد الشيق والقصص الإنسانية, والوصف الدقيق للحياة البائسة للشعب الفلسطينى, ولعل قصة الأسيرة «فريحه» مثالا صارخا على أعمال التعذيب الوحشى الذى يلاقيه الأسرى والأسيرات داخل سجون المحتل فالحارسات تنهال عليها ركلاً، ويقمن بـ«شبحها» على مقعد من الحديد، ويقيدن يديها وقدميها فى أطراف المقعد لقتل الجنين، ويبصق عليها الطبيب الإسرائيلى ويدفع إبرة حادة داخل أحشائها وهو يصرخ: أخرجى طفلك الإرهابى من أحشائك أيها الإرهابية.
وهذه المراهقة ندى تطلق صرخاتها فلا ينقذها أحد، والجندى الصهيونى ذو الرائحة النتنة يمزق ملابسها، يعرى جسدها، ويعاونه آخر فى اغتصابها بوحشية داخل معسكر سرى، وإذا بالمحكمة الإسرائيلية تغلق ملف البلاغ وتقول أن المغتصب مجهول؟
وهذا «جهاد» ابن السنوات الخمس يتشبث بصدر أمه، بينما النيران التى أشعلها المستوطنون تلتهم دارهم، تشوه جسد والده، وتقضى على أمه، وتترك ندبة على وجهه لا تمحيها الأيام.
و تختصر الرواية الواقع الذى يبحث عن مستقبل، وكأنها تنتظر أن يتم تحرير فلسطين وإنقاذ الأقصى، وتطهير حائط البراق من بكائيات اليهود ليتم إغلاق فصول الرواية بمشهد بطل الرواية خالد الزينى يحمل طفلاً مصاباً هو الناجى الوحيد من عائلة «الجوراني» فى حى الزيتون وقد بترت ذراعه، يجرى خالد بالطفل بحثاً عن مكان آمن فى غزة ليداوى به جرح الصغير على أمل أن يشفى ويفى بوعده له فيدربه على حمل السلاح والانتقام لعائلته التى قتلها الاحتلال، ولكنه يواصل الجرى حاملاً الطفل بجرحه النازف بحثا عن الملاذ، حيث لا مكان آمن، ولا مجال للعلاج، وتنتهى الرواية وهو لا يزال يجري.
الرواية صادرة عن دار النخبة العربية للنشر والطباعة برئاسة أسامة إبراهيم، وجاءت فى 300 صفحة من القطع المتوسط، وزيلت بفصل كامل لصور المذابح التى ترتكبها إسرائيل فى حق أصحاب الأرض الفلسطينيين كتوثيق وشهادة للتاريخ الذى قامت إسرائيل بتشويهه وحذف حقائقه من المناهج الدراسية فى فلسطين.
الكاتبة أهدت روايتها للشعب الفلسطينى ونحن بدورنا نهديها إلى شبابنا, فهى وجبة دسمة لمعرفة القضية الفلسطينية بصورة صحيحة وبسيطة بعيدا عن مهاترات وسائل التواصل الإجتماعى.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صلاح صيام ندى مؤسسة فلسطين رواية أحداث العدوان
إقرأ أيضاً:
“كمين عيترون”: الرواية الكاملة للكمين القاتل على لسان جندي صهيوني مشارك
يمانيون – متابعات
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية النقاب عن تفاصيل مثيرة حول معركة قرية “عيترون” اللبنانية الجنوبية، التي وقعت قبل ثلاثة أسابيع. كانت هذه المعركة بمثابة تصدٍ شرسٍ من مقاتلي حزب الله ضد محاولة اقتحام قامت بها قوة من “جيش” العدو الإسرائيلي، حيث تحصّنت هذه القوة في مبنى مدمر داخل القرية. وقد أسفرت المعركة عن حصار طويل واشتباكات عنيفة استمرت لما يقارب 14 ساعة.
وقبل الخوض في تفاصيل الكمين وفق شهادة الجندي المصاب، نشير الى أن العدو الإسرائيلي كان قد أعلن في 1 أكتوبر الماضي بدء عملية عسكرية برية ضد لبنان شملت غارات جوية وقصفا مدفعياً واغتيالات، لكن جيش العدو لم يتمكن حتى الآن من التمركز في أي قرية أو بلدة دخل إليها بسبب المقاومة التي يواجهها من قبل مجاهدو حزب الله، وهي الحقيقة التي تناقض ادعاءات العدو وتقزّم كل إنجازاته الميدانية، لا سيما مع حجم الخسائر المهولة التي يتكبّدها في المواجهات، وتكرّس واقع الفشل الكبير الذي يُمنى به العدو يومياً في مواجهاته مع المقاومة الإسلامية في لبنان.
وقد بلغت الحصيلة التراكمية لخسائر جيش العدو منذ بدء ما سماه “المناورة البرية في جنوب لبنان وحتى قبل أسبوع ،وفقاًُ لبيانات المقاومة، ، أكثر من 100 قتيل و1000 جريح من ضباطه وجنوده، كما تم تدمير 43 دبابة ميركافا، و8 جرافات عسكرية، وآليتي هامر، ومُدرعتين، وناقلتي جنود، وتم إسقاط 4 مُسيرات من طراز “هرميس 450″، ومسيرتين من طراز “هرميس 900”
كواليس الكمين المرعب والأكبر:
وفقًا للمراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية يوآف زيتون، الذي أجرى لقاءً مع أحد جنود العدو الإسرائيلي الذي شارك في اشتباك عيترون وكمينها الشهير وأصيب خلاله، فإن المعركة تعتبر الأطول والأكثر دموية التي خاضها جيش العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان، حيث أدت إلى مقتل 6 جنود صهاينة وإصابة 14 آخرين بجروح متفاوتة. (الحصيلة متوافقة مع العدد المعلن عنه رسمياً من قبل جيش العدو، مع الإشارة إلى فرض العدو سياسة الحظر الإعلامي).
تجسدت اللحظة الدرامية التي ستظل عالقة في أذهان المشاركين، من خلال مشهد إنقاذ أحد جنود العدو المصابين، وهو “إيتاي فوكس”، البالغ من العمر 24 عامًا. حيث حاول المقاومة من خلال رفع قبضته أثناء عملية إنقاذه، في محاولة لتقليل آثار الهزيمة والخسائر التي تكبدها الجيش العدو الإسرائيلي في هذه المعركة المؤلمة.
كمين عيترون
خلال هذه المعركة، لقي 6 جنود صهاينة من لواء “ناحال الشمالي ألون 228” مصرعهم، واستمرت الاشتباكات مع تبادل إطلاق النار وإلقاء القنابل اليدوية، بالإضافة إلى عمليات التفتيش المعقدة لإنقاذ القتلى والجرحى تحت جنح الظلام. دخلت القوة الإسرائيلية إلى المبنى المدمر جراء غارة جوية، حيث كان هناك عنصران من حزب الله قد كمنا لهم، وعند دخول القوة، أطلق مجاهدو حزب الله النار بشكل مفاجئ، مما أسفر عن وقوع إصابات فادحة.
لاحقاً أدى تبادل إطلاق النار إلى اشتعال النيران بشكل كبير في المبنى، كما تعرضت قوة دعم إسرائيلية لإطلاق نار مكثف، مما أوقع العديد من الضحايا في صفوف القوة المساندة.
الفوضى تسود إثر انهيار الصف القيادي:
خلال مجريات المعركة، فقدت قوات العدو الإسرائيلي القدرة على التواصل الفعّال بين “الجنود والضباط،” الأمر الذي دفع “الفرقة 91” إلى الاعتقاد بأن “الجنود” قد وقعوا في الأسر. وصف أحد الجنود الصهاينة المشاركين في المعركة المشهد بأنه كان مليئًا بالفوضى والصراخ، مما زاد من حدة التوتر في تلك اللحظات الصعبة والحرجة.
بعد التعرّض لحدث معقّد وصعب، أصيب جنود الاحتياط من اللواء الصهيوني ذاته تحت قيادة “يانيف مالكا” بجروح خطيرة، وتعرض العديد من جنود العدو للقتل. وظلت القوة الصهيونية محاصرة في المبنى المدمر لساعات، ومع استقدام مزيد من القوات تمكنت “وحدات النخبة” من تحديد موقعهم وإنقاذهم بصعوبة بالغة، وبعيداً عن شهادة “الجندي” الصهيوني الجريح لا يستبعد أنّ هذه القوة النخبوية تعرّضت هي الأخرى لخسائر في صفوفها، وإن تحفظ العدو عن ذكر خسائره هنا في سياق الغموض والملابسات التي تغطي سردية الإنكار كاملة عن خسائره في الكمين.
تعتبر هذه المعركة، بحسب تسلسل الأحداث التي استعرضتها الصحيفة العبرية، آخر نشاط عملياتي لكتيبة الاحتياط في “عيترون” وهذا له دلالته. حيث أصر القادة العسكريون على التسلل إلى القرية لمهاجمة وتدمير البنية التحتية المسلحة لوحدة الرضوان التابعة لحزب الله.
كما أوضح “اللواء” في احتياط العدو “يوفال داغان” في حديثه للصحيفة العبرية: “كنا نعلم بوجود عدد أكبر من المسلحين في القرية، بعد أن عثرنا على آلاف الأسلحة ودمرناها، إضافة إلى اكتشاف مقر تحت الأرض لحزب الله، وشاحنات صغيرة مزودة بقاذفات صواريخ متعددة الفوهات. وقد قمنا بتكثيف العملية عبر الخداع للوصول إلى مبنى البلدية الذي كان يُعتقد أنه المقر المركزي لحزب الله”.
ووفقاً لـ”داغان”، فقد شنت القوات الإسرائيلية “هجومًا استمر ليوم كامل، حيث قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف بعض المباني المشبوهة لتسهيل تقدم القوات”، لكن الواقع كان معقداً، حيث أن المسلحين كانوا يختبئون بين الأنقاض.
كمين عيترون
معركة شرسة ومواجهات ضارية:
قال اللواء في احتياط ” جيش” العدو إنه في” الساعة 14:31 تلقى أول اتصال عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي يفيد بوقوع حدث صعب، حيث كان من الصعب الحصول على معلومات دقيقة حول الوضع الميداني بسبب إصابة العديد من الضباط. وتظهر التحقيقات الأولية للجيش الإسرائيلي أن القوة الأولى التي دخلت المبنى “لتطهيره” من المسلحين، والتي كانت تضم 6 جنود، تعرضت لإطلاق نار شديد من مسافة قريبة من قبل مسلحَين إثنين من حزب الله مختبئين بين الركام”.
كما ألقى مجاهدو حزب الله قنابل يدوية، مما أدى إلى اشتعال حريق كبير في المبنى، وأضاف” اعتقد باقي جنود السرية الذين هرعوا إلى موقع الحادث لإنقاذ رفاقهم المصابين، بسبب الدخان الكثيف، أن هناك مسلحًا واحدًا فقط. لكن في الواقع، كان هناك مسلح آخر مختبئ تحت الأنقاض، ينتظر الفرصة المناسبة لإطلاق النار”.
وصف الجندي الصهيوني ” إيتاي فوكس” تجربته بقوله: “كنت ضمن قوة إسناد ورأيت أربعة أو خمسة جنود مصابين في باحة المبنى، بعضهم لم يكن يتحرك ولا يستجيب. كنت أعلم أنه وفقًا للإجراءات، يجب أولاً القضاء على التهديد وقتل المسلحين، ومن ثم إنقاذ الجرحى وتخليص القتلى”.
وأضاف: “أطلقت نيرانًا على نقاط مشبوهة ثم أنزلت بندقيتي الرشاشة لأستطيع إنقاذ جندي جريح آخر وسحبه إلى الخلف. في تلك اللحظة، كانت الأجواء هادئة نسبيًا، لكنني أصبت برصاصة دخلت بجوار الأرداف وخرجت من الفخذ”.
بأس المقاومة يفرض على العدو تغيير خططه:
ومن الواضح أن العدو الإسرائيلي تفاجأ بشدة المقاومة في تصديها أثناء التوغل البري رغم حشده الهائل للفرق العسكرية والنخبوية من قواته، وكذلك رغم اغتياله عدد كبير من القادة العسكريين على المستويين الأول والثاني، لكن جيش العدو وأمام استبسال المقاومين اضطر لدفع خطته إلى تعديل إستراتيجي والتحول إلى تكتيك جديد يعتمد على الدخول إلى المناطق وتفخيخ المباني ثم تفجيرها، والانسحاب السريع لتفادي المزيد من الخسائر البشرية، خاصة بعد نجاح المقاومة في نصب الكمائن.
——————————————–
موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي