تشهد تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي فى الآونة الأخيرة تطورات متلاحقة ومتسارعة، بدأت تؤثر بشكل كبير وواضح على العديد من القطاعات المدنية والعسكرية على حد سواء. فى المجال الحربى تحديدا بات جليا الدور الفاعل للذكاء الاصطناعي كشق رئيسي بل وأحد أهم العوامل المساهمة في مضاعفة القوة العسكرية للدول، لاسيما وأنه قادر على جمع ومعالجة كميات هائلة من البيانات بشكل أسرع وأكثر فاعلية من أي إنسان وبالتالي ترجمتها إلى أهداف قابلة للتنفيذ.

وأتوقع أن تشهد التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي قفزة نوعية خلال السنوات المقبلة، حيث ستكون الجيوش في حاجة ماسة إلى توظيف هذه التكنولوجيا في الحروب من أجل تقليص عدد الضحايا في صفوفها من جهة، ولتكبيد العدو خسائر مادية وبشرية فادحة من جهة أخرى، خاصة في ظل هذه المرحلة التاريخية التي يشهد فيها العالم تحولات جيوسياسية كبرى ستؤدي -لا محالة - إلى ميلاد نظام دولي جديد قائم على التعددية القطبية.

يتجلى تدخل الذكاء الاصطناعي في الحروب بشكل واضح من خلال ما يحدث من تطورات على جبهات القتال في غزة، حيث يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بهدف الحصول على فاعلية أكبر في ضرب المواقع ومن أجل المساعدة ميدانيا فى تحديد الأهداف واتخاذ القرارات. لقد أصبحت الحرب الدائرة فى قطاع غزة، مسرحا لتجربة أسلحة فتاكة جديدة، تعتمد على الذكاء الاصطناعي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلى ليتسبب فى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. تستخدم قوات الاحتلال الإسرائيلية تقنيات مختلفه تغطي مجموعة واسعة من المجالات، بدءا من المحادثات مع الأشخاص في الميدان وحتى الإشارات الواردة من الهواتف المحمولة وأجهزة الراديو وصور الأقمار الصناعية وغيرها كثير، ما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي في القلب من الحرب على قطاع غزة. 

إن الحرب اليوم على غزة قد تشكّل منعطفاً خطيراً في سير عمليات الحروب كونها المرّة الأولى التي يتم فيها استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع خلال عملية عسكرية واحدة، إذ تقوم إسرائيل بنشر التكنولوجيا لصد الهجمات الصاروخية وتحديد الأهداف،  هذا وتعتمد إسرائيل على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد مسارات الصواريخ بناء على معلومات الرادار وبالتالي اعتراضها، حيث تمّ تصميم نظام القبة الحديدية بحيث يترك الصواريخ التي يستنتج بأنها سوف تسقط في مناطق مفتوحة لا تشكّل أهمية أو ضرر للإسرائيليين، وذلك لأن تكلفة كل صاروخ إعتراضي تقدّر بأكثر من 50,000 دولار أمريكي، لذا فإنّ التوقّف عن عمليات الاعتراض التي لا طائل من ورائها يساعد في خفض التكاليف.

إن الجيش الإسرائيلي يستخدم التكنولوجيا الحديثه لشن حرب شاملة في قطاع غزة يمكن وصفها بأنها "حرب الذكاء الاصطناعي" الأولى ويخطو جيش الاحتلال الإسرائيلي خطوات كبيرة ومتسارعة في دمج الذكاء الاصطناعي عسكرياً واستخباراتياً وعملياتياً في أنشطته الدفاعية والهجومية ، لاستغلال ما يقدمه من قدرات لا تستطيع القدرات البشرية توفيرها لتعزيز إمكانياته، ولا سيما في مجال الاستخبارات العسكرية وتحديد الأهداف. 

ولعل أبرز وأحدث أنظمة الـذكاء الإصطناعى التي تستخدمها إسرائيل في حربها على غزة هو نظام حبسورا  (Habsora)، والإسم يعني الإنجيل في العبرية. لقد كان مستغرباً قول الجيش الإسرائيلي بعد حوالى شهر من شنّه عدوانه الهمجي على شعب غزة، أنه دمر أكثر 15 ألف هدف! وفعلياً، لا يُعقل وجود هذا الكم الهائل من الأهداف في منطقة تبلغ مساحتها الجغرافيّة 365 كيلومتراً مربعاً. ثم كيف لحركة حماس أن تستطيع بناء ذلك كله؟ فعلاً، كان أمراً غريباً. لكن موقع قوات الاحتلال الإلكتروني، أشار إلى استخدامها نظام ذكاء اصطناعي يُدعى «حبسورا». وقبل مدة وجيزة من الحرب الحالية، تحدّث قائد الجيش الإسرائيلي السابق أنّه في عام 2019، أنشأت قوات الاحتلال "القسم الإداري للأهداف"، وهي وحدة تتألف من مئات الضباط والجنود المخصّصين لإستخدام قدرات الذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف لتدميرها. 

كما أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، على نجاح الفرقة في عملية "حارس الجدران" ضد غزة عام 2021، متحدثاً عن "آلة تحلّل كميات هائلة من البيانات بشكل أكثر فعالية من أي إنسان، وتترجمها إلى أهداف للهجوم". وأضاف قائلاً  "إنه بمجرد تفعيلنا هذه الآلة، أنتجت 100 هدف يومياً" رغم أننا كنا نُنتج في الماضي 50 هدفاً فقط في غزة سنوياً. والآن تنتج هذه الآلة 100 هدف في اليوم الواحد، وتتمّ مهاجمة 50% منها. إن استخدام هذه الحلول التكنولوجية يفسر كيف تمكن الجيش الإسرائيلي من قصف قطاع غزة بهذه الوتيرة المحمومة.

لقد عرفت هذه الحرب استخدام إسرائيل لأحدث الأسلحة فائقة التطور باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، الذى يعمل على جمع وتحديد الأهداف بشكل دقيق ليتم استهدافها على أيدى الجنود الإسرائيلين، ولعل من أبرز هذه الأدوات نجد برنامج ذكاء اصطناعي يدعى "غوسبيل" 
(The Gospel) ، والذى تتم تغذيته بالبيانات، ليقوم باختيار "الأهداف" التي يراد قصفها في قطاع غزة، والتي تشمل عناصر حركه حماس وقادتها. يعتمد نظام "غوسبيل" على معلومات وصور من الطائرات المسيّرة وكذلك المعلومات القادمة من اعتراض الاتصالات، كما يستخدم بيانات أبراج المراقبة لرصد تحركات الأفراد المستهدفين، ثم يعطي إرشادات لأهداف يجب مهاجمتها، مع بيان حول عدد الأشخاص المحتمل قتلهم في القصف. ويتم استخدام نموذجين لبناء مجموعة بيانات تعتمد على خوارزميات بشأن تحديد الأهداف للطائرات المقاتلة والطائرات من دون طيار، ولحساب الذخيرة المطلوبة، وتحديد أولويات الاستهداف، وكذلك اقتراح جدول زمني للغارات.  فالهدف من إحدى هذه الخوارزميات هو اقتراح الأهداف الأكثر صلة بالهجوم، داخل محيط معين، بينما أخرى تستخدم لتحسين خطط الهجوم للطائرات والمسيّرات اعتمادا على طبيعة الأهداف المختارة. 

هذا وتخضع تلك الأنظمة لمُشغِّل بشري يتولى فحص الأهداف وخطط الغارات الجوية والموافقة عليها، ما يعني أن هذه الأنظمة لن تتخذ قرارا مباشرا بإطلاق النار بشكل تلقائى، بل تتركه لقائد الوحدة الذي يضغط  زر التدمير بعد أن تصله قائمة الأهداف ومن ثم الموافقه عليها. وهذا يعنى أن صواريخ جيش الأحتلال التي تطلق على غزة ليست عشوائية، بل إنها تطلق على أهداف تم تحديدها سلفا من قبل الذكاء الاصطناعي والموافقة على تنفيذها من قبل القادة فعندما يُقتل الأطفال والنساء في منزل بغزة، فذلك لأن فرداً بالجيش الإسرائيلي قرر أن موتهم ليس "مهما"  فإسرائيل لا تتوانى عن استهداف شخص حددته، رغم علمها بأنه دخل إلى منشآت مدنية مثل المؤسسات الرسمية أو المستشفيات أو الصيدليات، وأن هناك مدنيين حوله، وهو ما يفسر قتل وإستشهاد عائلات بكامل أفرادها نتيجة قذف منازلهم بمنتهى الوحشية. لقد فقد العديد من الأشخاص أرواحهم نتيجة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي لم يتم استخدامها من قبل في حروب العصر الحديث.

إسرائيل تعمل على تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يوما بعد يوم ورأت أن الفلسطينيين يعيشون في مختبر بشري كبير يسمح باختبار هذه التكنولوجيا. ولابد من الإشاره هنا إلى أن العديد من الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي تستفيد من هذه الخدمة المقدمة لهم (حرب إسرائيل على غزة) لتطوير هذه التكنولوجيا المرعبة. هذا وتلجأ إسرائيل إلى الخوارزميات والنمذجة الثلاثية الأبعاد (3D) لتنسيق الهجمات على غزة حيث يتم تحليل كميات هائلة من البيانات التي يتم جمعها من الاستخبارات البشرية والمعلومات الجغرافية وبالاعتماد على صور الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار وغيرها من المصادر ما يمكّن جيش الاحتلال من الحصول على معلومات جغرافية ثلاثية الأبعاد (3D) عن غزة، وتحديد مواقع منصات الصواريخ، كما يستطيع الذكاء الاصطناعي تقديم مقترحات عن أنواع الأسلحة التي تستخدم في الهجمات وعلى تحديد طرق أكثر أمانا للقوات البرية بالقرب من الخطوط الأمامية.

وبالرغم من كل هذا فقد عرفت فلسطين وأبناؤها الأبطال وشعبها المرابط  الجسور طريقه  فى معركة كانت الأولى من نوعها في تاريخ النزاع القائم مع الكيان الصهيوني الغاصب تجلت في معركة " طوفان الأقصى" التي قلبت موازين القوى وصنعت المستحيل، بل وأعطت دروسا لن تُنسى عن القوة والشجاعة وروح المواطنة والإنتماء وزعزعت أكثر الجيوش تطورا في العالم، ولازالت الحرب قائمة حتى الآن يشن فيها الجيش الإسرائيلي حربا شرسة وإبادة جماعية على الفلسطينيين ولكن تبقى إرادة الله فوق كل شيء وأن الله مع المؤمنين. 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی الجیش الإسرائیلی تحدید الأهداف قطاع غزة على غزة

إقرأ أيضاً:

سباق نحو الذكاء العام.. اختبار جديد يتحدى أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي

أطلقت مؤسسة Arc Prize، وهي منظمة شارك في تأسيسها الباحث البارز في الذكاء الاصطناعي فرانسوا شوليه، عن اختباراً جديداً وصعباً لقياس الذكاء العام الاصطناعي (AGI). بحسب موقع techcrunch

الاختبار الجديد، المسمى "ARC-AGI-2"،  صُمم لاختبار قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي على التكيف مع مشكلات لم تواجهها من قبل. حيث يُجبر هذا الاختبار الذكاء الاصطناعي على التفكير المجرد والتعلم الفوري، بدلاً من الاعتماد على الحفظ أو الحسابات المكثفة.
اختبار يعجز عنه الذكاء الاصطناعي
الاختبار الجديد، المسمى ARC-AGI-2، أثبت حتى الآن أنه عقبة صعبة لمعظم نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة. إذ لم تتجاوز النماذج المتقدمة في "الاستدلال"، مثل o1-pro من OpenAI و R1 من DeepSeek، نسبة 1.3% في الأداء، بينما حصلت النماذج القوية غير المعتمدة على الاستدلال، مثل GPT-4.5 و Claude 3.7 Sonnet و Gemini 2.0 Flash، على 1% فقط.

 كيف يعمل الاختبار؟
يتكون اختبار ARC-AGI من ألغاز بصرية حيث يتعين على الذكاء الاصطناعي التعرف على أنماط معينة داخل شبكة من المربعات الملونة وإنتاج الإجابة الصحيحة. هذه التحديات مصممة لإجبار الذكاء الاصطناعي على التكيف مع مشكلات جديدة لم يسبق له رؤيتها.

لمعرفة مدى تعقيد الاختبار، قامت المؤسسة بتجربته على 400 شخص، وحقق المشاركون متوسط أداء بلغ 60%، وهو أفضل بكثير من أي نموذج ذكاء اصطناعي حتى الآن.
ما الجديد في ARC-AGI-2؟
وفقًا لـ شوليه، فإن الإصدار الجديد من الاختبار أكثر دقة في قياس الذكاء العام الاصطناعي مقارنة بالإصدار الأول ARC-AGI-1، حيث يمنع النماذج من الاعتماد على القوة الحسابية لإيجاد الحلول.

قدم ARC-AGI-2 مقياسًا جديداً حيث يتطلب من النماذج فهم الأنماط الفورية بدلاً من الاعتماد على الحفظ.

أخبار ذات صلة الأردن تطوع أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة التغير المناخي «سند» روبوتات ذكية لصيانة محركات الطائرات بدقة عالية

وأكد غريغ كامرادت، الشريك المؤسس لمؤسسة Arc Prize، أن الذكاء لا يُقاس فقط بالقدرة على حل المشكلات، بل بالكفاءة في اكتساب هذه القدرات وتطبيقها. والسؤال الأساسي ليس فقط: هل يمكن للذكاء الاصطناعي اكتساب المهارة لحل المهمة؟ ولكن أيضاً: بأي كفاءة أو تكلفة؟".

 هل اقتربنا من الذكاء العام الاصطناعي؟
استمر اختبار ARC-AGI-1 من دون أن يُهزم لمدة خمس سنوات حتى ديسمبر 2024، عندما أطلقت OpenAI نموذجها المتقدم للاستدلال o3، الذي تجاوز جميع النماذج الأخرى وحقق أداءً مماثلًا للبشر. لكن عندما تم اختبار الإصدار الأول من النموذج على ARC-AGI-2، حصل فقط على 4% رغم استهلاكه 200 دولار لكل مهمة حسابية.

 تحدي Arc Prize 2025: سباق نحو الذكاء العام
مع إطلاق المعيار الجديد، أعلنت مؤسسة Arc Prize عن مسابقة Arc Prize 2025، حيث يتحدى المطورين للوصول إلى 85% دقة في اختبار ARC-AGI-2، مع إنفاق 0.42 دولار فقط لكل مهمة.

وعلى مدى العقود الماضية، تطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة، مما دفع الباحثين إلى التساؤل: هل يمكن أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى الذكاء البشري العام؟..و يُعرف هذا المفهوم باسم الذكاء العام الاصطناعي (AGI)، أي قدرة الآلة على التفكير والتعلم وحل المشكلات الجديدة كما يفعل الإنسان، من دون الاعتماد على بيانات محددة مسبقًا.

لمياء الصديق (أبوظبي)

 

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يعلن عدد الأهداف التي قصفها في غزة وسوريا ولبنان
  • الجيش الإسرائيلي يجري تدريبات على شن غارات جوية في الضفة
  • ماذا لو أقنعنا الذكاء الاصطناعي بأنَّه يشعر ويحس؟!
  • الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل: بين القلق والفرص الجديدة
  • أمريكا تكشف عن سلاح جديد خطير في حربها ضد أنصار الله باليمن
  • الجيش الإسرائيلي يكشف عدد الأهداف التي ضربها في غزة
  • 5 مخاطر تسببها تقنيات الذكاء الاصطناعي.. احذر
  • سباق نحو الذكاء العام.. اختبار جديد يتحدى أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي
  • أدنوك تطور مهارات 40 ألف من كوادرها في أساسيات الذكاء الاصطناعي بنهاية 2025
  • من يُلام في خطأ طبي يرتكبه الذكاء الاصطناعي؟