الأزمات الاقتصادية.. الترحيل أم المواجهة؟
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
لعل المتتبع لأداء معظم مؤسساتنا العامة والحكومية يدرك بدون عناء سوء التخطيط، وعدم وجود استراتيجية لمواجهة الأزمات وإدارتها، والعمل بفردية بعيدًا عن روح الفريق الواحد.. وربما تكون سياسة ترحيل الأزمات والتحديات وتأجيل البت فيها ودفعها للأمام مع الوقت أسوأ عادة إدارية لمتخذي القرار في جميع القطاعات والمؤسسات، والسبب في ذلك أن الأزمات والتحديات ككرة الثلج كلما تدحرجت تفاقمت وأصبح من الصعب حلها أو حتى فتح ملفاتها.
إن المسئول الذي يرحل المشكلات والملفات المهمة، يساهم في توريط من يأتي بعده بهذه المشكلات، أو بالأحرى يعني ذلك أنه خان شرف الأمانة ولم يقم بواجباته الوظيفية.. ولعل معظم المسئولين يلجأون إلى مثل هذه السياسة لكسب الشعبية الرخيصة والآنية على حساب الوطن ومصلحة المواطن، وهو الأمر الذي يؤدي إلى فقدان الثقة بين المسئول والمواطن، وزيادة الأعباء المالية والاحتقانات.
الذي يحصل اليوم هو ترحيل الأزمات واعتماد أسلوب المسكنات، بينما نحن بأمس الحاجة إلى جراحة متكاملة لمعالجة المرض الذي ترعرع في معظم مؤسساتنا ومراكز قرارنا سواء عن قصد أم بدونه.
كما أننا بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة الأسس والمبادئ المتبعة لانتقاء المديرين والمسئولين وأصحاب القرار في كافة المؤسسات العامة والحكومية، فالعمل المؤسساتي يتطلب العمل الجماعي وعدم رفض الآخر، وترسيخ ثقافة الشعور بالخطر وضرورة إدارة الأزمة، ووجود منهج متكامل في إدارة الأزمات، والبُعد عن ثقافة الاستسهال أو الفهلوة في إدارة الأزمات والتي تعني بذل أقل مجهود ممكن للحصول على أكبر فائدة ممكنة، وهو نهج لا يتماشى مع الإدارة العلمية للأزمات، التي تتطلب التنبؤ والاستعداد والتدريب والتعلم من الخبرات السابقة.
والحقيقة التي لا جدال فيها، أننا نعيش أزمة نهج إدارة اقتصادية وإدارة ثروات محلية وبشرية لاقتصادنا الوطني، ونفتقد لهوية اقتصادية في البلاد، بسبب غياب الرؤية والتخطيط للمستقبل وعدم إتباع المنهج العلمي في الإدارة واتخاذ القرارات.
ورغم كل ذلك، الإصلاح ما زال متاحًا.. وجسر العبور إلى الضفة الأخرى لا يحتاج سوى للنية الصادقة والعمل الدؤوب والتخطيط السليم، فهل ندركها قبل فوات الأوان؟ وهل نعيد النظر في أساليب مواجهة أزماتنا وتحدياتنا؟ وهل نتبع سياسة مواجهة المشاكل بدلًا من ترحيلها أو تأجيلها؟ وهل نعطي الفرصة لمن لديهم رؤية لحل أزماتنا؟.. نحن بحاجة إلى الإجابة على كل هذه التساؤلات وغيرها، وأتمنى أن تكون الإجابة بـ «نعم»، حتى نستطيع إيجاد حلول جذرية لكثير من مشاكلنا الاقتصادية ذات الأبعاد الاجتماعية الخطيرة، والتي لم يعد تأجيلها ذا جدوى، خصوصًا وأن التأجيل غالبًا ما يخلق مشاكل أخرى تزيد من تعقيد وصعوبة وحتى تكلفة «العلاج المؤجل».
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
بين عاميّ 2024 ـ 2025
قبل أن يودّع العالم عام 2024، بشهرين، حدثت مجموعة من المتغيّرات، تمسّ معادلة ميزان القوى، في المواجهة العسكرية والسياسية الدائرة، بين جبهة المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، ومحور المقاومة عموماً من جهة، وبين جبهة الكيان الصهيوني وأمريكا وحلفائهما، من جهة ثانية.
وحمل كل متغيّر أكثر من تقدير للموقف، من حيث تأثيره في ميزان القوى الذي ساد طوال ثلاثة عشر شهراً من 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى نهاية العام 2024. الأمر الذي ولّد تقديرين متباعدين في قراءة ميزان القوى الراهن، وما ينتظر العام 2025، من انعكاسات على موازين القوى والوضع العام.
يمكن اتخاذ متغيّرين أساسيين من بين تلك المجموعة من المتغيّرات، كمتغبرين عموماً في تقدير الموقف، من حيث التأثير في ميزان القوى، وهما: موقف المقاومة في لبنان، بعد اتفاق وقف إطلاق النار. والثاني خروج سورية من محور المقاومة.
ينطلق التقدير الأول باعتبار هذين المتغيّرين، حسما المواجهة التي اندلعت مع عملية طوفان الأقصى في مصلحة الكيان الصهيوني وأمريكا. وذلك وصولاً إلى الدخول في العصر الأمريكي، وتغيير خريطة الشرق الأوسط.
أما التقدير الثاني، فيبدأ من واقع عياني قائم، وصارخ بوضوحه، وهو استمرار المقاومة في الحرب البريّة في قطاع غزة، بإنزال الضربات القاسية في الجيش الصهيوني، حتى بأقوى من السابق، أو قل كما لو أنها بدأت المقاومة الآن.
فمن يتابع مثلاً المعارك في جباليا خلال الشهرين الماضيين، يعتبر أن القول بأن المواجهة حُسمت في مصلحة نتنياهو، ضربٌ من العبث.
والدليل السياسي بعد العسكري هنا، هو ما يجري من مفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة، وما يواجهه نتنياهو من مأزق، سواء أُفشِلت واستمرّ القتال، أم أُنجزت، ليسجل انتصار للمقاومة يناقض ذلك التقدير. وما ذهب إلى ما أسموه العصر الأمريكي القادم، في تصفية القضية الفلسطينية، وتغيير خرائط الشرق الأوسط.
إلى هنا كان الاحتكام إلى الواقع القائم في المواجهة في غزة. وفيه القول الفصل. أما بالنسبة إلى المُتَغيّرين، ولنبدأ بالمتغيّر السوري، حيث خسر محور المقاومة سورية، حقيقة لا جدال فيها. ولكنها لا تعتبر إضافة تلقائية لقوّة الكيان الصهيوني وأمريكا. فمن ناحية مصير سورية، أو إلى ما ستؤول إليه سورية، فمن المبكر جداً الحكم عليه.
أما بالنسبة للمتغير الثاني، المتعلق بوضع المقاومة الإسلامية في لبنان، في ميزان القوى بعد وقف إطلاق النار، فمن العبث أكثر، اعتباره خروجاً من خط المقاومة، الذي هو أساس حزب الله وجوهره.
فكوْن حزب الله قد وافق على اتفاق لوقف إطلاق النار. وكوْنه تحوّل إلى وقف إطلاق نار من جانب واحد (حزب الله)، واستمر العدوان الصهيوني، بارتكاب اختراقات وصلت إلى المئات، لا يعنيان أن ميزان القوى الراهن، مال في مصلحة الكيان الصهيوني.
قبل أن يودّع العالم عام 2024، بشهرين، حدثت مجموعة من المتغيّرات، تمسّ معادلة ميزان القوى، في المواجهة العسكرية والسياسية الدائرة، بين جبهة المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، ومحور المقاومة عموماً من جهة، وبين جبهة الكيان الصهيوني وأمريكا وحلفائهما، من جهة ثانية.ويكفي أن يلاحظ استمرار حزب الله، بتعزيز قدرته عسكرياً وسياسياً، كما إعطاء مهلة محدّدة للاختراقات. مما يؤدي إلى العودة الأقوى للمواجهة، إذا ما اقتضى الأمر ذلك.
من هنا فإن التشكيك في اعتبار الوضع الراهن في لبنان، إخلالاً في قوّة محور المقاومة، ضربٌ من الخطأ والوهم. والأهم أنه يخدم الحرب النفسية التي تُشنّ على المقاومة في قطاع غزة، بأنها تُركت وحيدة، فيما هي ليست بوحيدة، وإنما منذ انطلاقتها، كانت ولم تزل محتضنة من الشعب الفلسطيني، ومحور المقاومة، والشعوب العربية والإسلامية، وأحرار العالم.
والدليل العملي والواقعي هو التجربة الفعلية، خلال الشهرين الماضيين في قطاع غزة، حيث استمرت الإنجازات العسكرية في كل المعارك الصفرية، بل تصاعدت أكثر. بل يمكن القول، كأن اتفاقًا لم يحدث في لبنان، أو أي متغيّر آخر في المنطقة.
الأمر الذي يوجب، بالاستناد إلى هذا الواقع القتالي والسياسي، بالنسبة إلى غزة، بأن تقرأ موازين القوى، بطريقة مختلفة عن حسابات تعداد العوامل السلبية والإيجابية (منهج سوات SWOT)، إلى حساب ما يجري على أرض الواقع، ومنه الانطلاق إلى قراءة موازين القوى.
إن منهج قراءة الواقع الفعلي، للقوى التي شكلت محور المقاومة ودعمًا للمقاومة، في تجربة العام 2024 وقبلها، سيجدها على حالها في أغلبها، من طهران إلى بيروت إلى غزة.
كما إن منهج قراءة الواقع الفعلي، لنتنياهو والكيان الصهيوني والجيش الصهيوني. وما يتوقع أن يحمله من تفجّر تناقضات في وجه ترامب، ليشير إلى أن عام 2025، يحمل في طياته ما يدعو للتفاؤل والأمل، وليس إلى وهم تشكل العصر الأمريكي، وتغيير خرائط الشرق الأوسط.