واشنطن- منذ وصول الرئيس جو بايدن للحكم، تعهدت إدارته بإعادة ضبط وتقويم مواقفها لتتناسق مع القانون الدولي، وهو أمر من شأنه أن يعزز المؤسسات الدولية ويدعم الحقوق الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، بما في ذلك اتفاقية الإبادة الجماعية واتفاقيات حقوق الإنسان.

 

 

وقد التزمت إدارة بايدن برصد ومنع عمليات الإبادة الجماعية، واتخذت موقفا في قضايا محكمة العدل الدولية الأخرى التي تنطوي على تدابير مؤقتة، بما في ذلك ما يتعلق بالصراع بين أوكرانيا وروسيا، مفاده أن أحكام المحكمة الدولية ملزمة قانونا ويجب الامتثال لها.

وعلى النقيض، تحاول إدارة بايدن جاهدة عدم الاعتراف بفظاعة ما يحدث في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولا ترى في وصول عدد القتلى الفلسطينيين إلى أكثر من 29 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، إلا مجرد ثمن مؤسف لا مفر منه لممارسة إسرائيل "حقها في الدفاع عن نفسها".

ويقول المسؤولون الأميركيون إنه ليس لديهم أي سبب لإجراء تقييم لما يشير إلى احتمال حدوث إبادة جماعية، رغم دق العديد من المقررين والوكالات الأممية والمنظمات الدولية والخبراء القانونيين ناقوس الخطر منذ أن بدأت إسرائيل قصفها لغزة. ومازالت إدارة بايدن تؤكد أن الدعاوى القانونية ضد إسرائيل "لا أساس لها".

ويكرر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي أن واشنطن "ما تزال تعتقد أن مزاعم الإبادة الجماعية لا أساس لها من الصحة وأن المحكمة لم تتوصل إلى نتيجة بشأن الإبادة الجماعية، ولم تدع إلى وقف إطلاق النار في حُكمها، وأن المحكمة دعت إلى الإفراج الفوري غير المشروط عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس".

ومن جانبه أكد أستاذ القانون الدولي جامعة إلينوي البروفيسور فرانسيس بويل، في حديثه للجزيرة نت، أن "البيت الأبيض يكرر مقولة ادعاء لا أساس له من الصحة، ويقولون ذلك لأنه بموجب المادة 3، الفقرة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية، فإن إدارة بايدن مذنبة بمساعدة وتحريض على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين".

ويضيف بويل "الإدارة الأميركية انتهكت أيضا بشكل صارخ قانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية الخاصة بالولايات المتحدة، لذلك بالطبع سيذهبون لتكرار ما يقولونه من عدم وجود أساس للدعوى".

آثار الدمار التي خلفها القصف الإسرائيلي على حي الرمال شمال شرق غزة (الجزيرة) صعوبة الإنكار

وفي حديث للجزيرة نت، قالت المعلقة السياسية والخبيرة بالشؤون الدولية آسال راد "إنه وبالنظر إلى الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي في غزة، والذي تجاوزت فيه إدارة بايدن الكونغرس مرتين منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي لإرسال المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل، فإن لموقف المحكمة أيضا تداعيات على تواطؤ الولايات المتحدة".

وأضافت أنه -مع محاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية- ستواجه إدارة بايدن صعوبة في إنكار الواقع على الأرض في غزة وتوفير الأسلحة لإسرائيل ومخالفة القانون المحلي والدولي. وعلى هذا النحو "سيكون لإجراءات الولايات المتحدة الآن تأثير أكبر على تدهور النظام الدولي القائم على القواعد إذا رفضت الامتثال لمؤسسات ذلك النظام".

في حين ذكرت هايدي ماثيوز أستاذة القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة يورك في كندا، والتي سبق لها العمل مع محكمة العدل الدولية بالمحكمة الخاصة لسيراليون، في حديث للجزيرة نت "إن قرار محكمة العدل ضمنيا يحذر الولايات المتحدة من أنه يجب عليها إعادة تنظيم سياستها تجاه إسرائيل ليس فقط لضمان عدم ارتكاب الإبادة الجماعية أو التحريض عليها، ولكن أيضا أن تتخذ واشنطن إجراءات إيجابية لمنع الإبادة الجماعية".

واعتبرت ماثيوز أنه "إذا لم يحدث ذلك، فإن الولايات المتحدة تعرض نفسها لمسؤولية الدولة عن عدم الامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، فضلا عن المسؤولية المحتملة عن التواطؤ في الإبادة الجماعية".

دفاع لا يتوقف

ومع اقتراب موعد تقديم إسرائيل تقريرا إلى محكمة العدل في 26 فبراير/شباط الجاري تشرح فيه ما تقوم به لتنفيذ إجراءات حماية المدنيين التي أمرت بها المحكمة عقب مداولاتها يومي 25 و26 من يناير/كانون الثاني الماضي، لا تترك إدارة الرئيس الأميركي فرصة لإظهار دعمها لإسرائيل إلا وتستغلها.

وِفي مشاركة لها خلال جلسة استماع أمام محكمة العدل أمس الأربعاء، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل، واعتبرت أن الرأي الاستشاري الصادر عن المحكمة العليا بالأمم المتحدة يمكن أن "يحبط جهود السلام إذا لم يأخذ في الحسبان احتياجات إسرائيل".

وقال ريتشارد فيسيك المستشار القانوني بالخارجية الأميركية -للمحكمة- إن "التحرك نحو انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة يتطلب النظر في احتياجات إسرائيل الأمنية الحقيقية جدا".

وجاءت هذه التصريحات في اليوم الثالث من جلسات الاستماع حول سيطرة إسرائيل على الضفة وغزة والقدس الشرقية. وفي الجلسات نفسها، انتقد ممثلون من جنوب أفريقيا ودول أخرى -إسرائيل- لإدارتها "دولة فصل عنصري" ودعوا إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية.

وفي الوقت الذي لا تزال الولايات المتحدة تواجه فيه ضغوطا متزايدة للدفع نحو تغيير سلوك إسرائيل في غزة، تتمسك إدارة بايدن بتقديم دعم قانوني كامل لإسرائيل في المحافل الدولية نتج عنه استخدام حق النقض (الفيتو) 3 مرات لمنع صدور قرارات ملزمة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار.

مظاهرة خارج محكمة العدل خلال جلسة صدر فيها حكم ضد إسرائيل (الأناضول) تحذير لإدارة بايدن

ويعتبر البروفيسور كريغ مارتن بكلية واشبورن للقانون جامعة ولاية كانساس أن موقف محكمة العدل -الذي ينظر إلى التصريحات التي أدلى بها كبار المسؤولين الإسرائيليين علنا على أنها تشجع على الإبادة الجماعية- قد يعني في أحد أبعاده توبيخا لتصريحات المسؤولين الأميركيين مثل وزير الخارجية أنتوني بلينكن وغيره ممن رفضوا وأدانوا القضية قبل الأوان.

وفي حديث للجزيرة نت، عبر البروفيسور مارتين عن أماله في أن "يتم دفع إدارة بايدن إلى إجراء تغيير جوهري في سياساتها، خاصة وأن الولايات المتحدة تعبر باستمرار عن دعمها لمحكمة العدل واحترامها لقراراتها" وأقر كذلك بأنه "من الصعب تقييم احتمال كيفية تأثير موقف المحكمة على سياسات إدارة بايدن وعملية صنع القرار داخلها في وقت قريب، رغم أنه قد يقوي موقف هؤلاء الذين يجادلون من أجل زيادة الضغط على إسرائيل داخل إدارته".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: اتفاقیة الإبادة الجماعیة الولایات المتحدة إدارة بایدن محکمة العدل للجزیرة نت فی غزة

إقرأ أيضاً:

الأردن يدعو “العدل الدولية” إلى وقف مساعي إسرائيل إنهاء عمل الأونروا

عمان – دعا الأردن في مرافعته أمام محكمة العدل الدولية، امس الأربعاء، إلى وقف مساعي إسرائيل لإنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

جاء ذلك وفق ما أورده تلفزيون “المملكة” (حكومي) على موقعه الإلكتروني.

وأشار التلفزيون إلى أن فريق قانوني من المحامين الدوليين قدم المرافعة الشفوية عن الأردن أمام محكمة العدل الدولية في قصر السلام في لاهاي.

وقال الفريق: “إن على إسرائيل وقف مسعاها لإزالة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

وأضاف أن الأونروا “تتمتع بحصانة كونها وكالة تابعة للأمم المتحدة، وأن الحصانة أمر أساسي لتمكينها من أداء مهامها بشكل مستقل”.

وأكد الفريق القانوني على أنه من الواجب “عدم الاعتداء على المرافق التابعة للوكالة، وتقديم ضمانة بأن المرافق يجب أن لا يتم اقتحامها”.

كما بيّن بأنه “يجب أن يتم السماح للأمم المتحدة بأن تسيطر على الأنشطة لإدارة هذه المرافق والمباني التابعة للأونروا، كما أن جميع مسؤولي الأونروا يتمتعون بحصانة وامتيازات”.

وأوضح الفريق أن “حصانة الأونروا من كل شكل من أشكال الأعمال السياسية وعدم اقتحام مبانيها ومرافقها هو أمر مطلق، و لا يمكن نقضها من جهة عسكرية أو أمن وطني”.

وأكد أن على “إسرائيل الالتزام المطلق لاحترام الحصانات والامتيازات الممنوحة للأمم المتحدة”.

والاثنين، بدأت محكمة العدل، الجهاز القضائي الرئيسي بالأمم المتحدة، جلسات استماع تستمر حتى الجمعة المقبل، بمشاركة 40 دولة، ليس بينها إسرائيل، و4 منظمات دولية وإقليمية.

وتستمع المحكمة لمرافعات هذه الدول والمنظمات تمهيدا لإصدار فتوى (رأي استشاري) طلبتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حول التزامات إسرائيل فيما يتعلق بوجود وأنشطة الأمم المتحدة ومنظمات أخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة.

وجاء هذا الطلب عقب مصادقة البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على قانون قاد إلى حظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، رغم اشتداد حاجة الفلسطينيين لخدماتها تحت وطأة الإبادة التي ترتكبها تل أبيب بحقهم.

 

الأناضول

مقالات مشابهة

  • الأردن يدعو “العدل الدولية” إلى وقف مساعي إسرائيل إنهاء عمل الأونروا
  • غزة بين فكي التجويع والحصار.. إسرائيل في قفص الاتهام بمحكمة العدل الدولية
  • لليوم الثالث - محكمة العدل الدولية تعقد جلساتها لمساءلة إسرائيل
  • أمام محكمة العدل الدولية جنوب أفريقيا: يجب محاسبة “إسرائيل” على جرائمها في قطاع غزة
  • مرافعة مصر أمام العدل الدولية: احتلال إسرائيل غير شرعي وحصار غزة كارثة إنسانية
  • العفو الدولية: إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية على الهواء مباشرة في غزة
  • «العدل الدولية» تنظر في منع إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة
  • لازاريني: أرحب بجلسات محكمة العدل الدولية وخدمات “الأونروا” يجب أن تستمر
  • «مصر» تطلق صرخة الحق أمام العدل الدولية: لماذا الصمت عن حقوق الشعب الفلسطيني؟
  • محكمة العدل الدولية تنظر في منع إسرائيل دخول المساعدات لغزة واستخدامها سلاح حرب