(يا أعمى) لعماد أبو صالح الكتابة من مسافة صفر
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
منذ عشرين عاما أعرف عماد أبو صالح كونه اسما شعريا بارزا، أتابعه بحماسة وأتتبع أخباره الشخصية القليلة المتاحة من أصدقائه، هو سيد الاختفاءات، رأيته مرة في إحدى دورات معرض القاهرة الدولي للكتاب.
مع عماد على طاولة واحدة محاطا بضجيج الدخان والمثقفين تشعر أنك تجلس مع الشعر الصافي، حتى في حياته الشخصية بسيط ومتقشف ولا يريد أكثر من وقت هادئ للكتابة، لا مسافة مع عماد الإنسان، مفتوح وطبيعي وقابل للضحك والسخط، تماما كما نصه الطبيعي الذي لا تعكره معكرات الحياة، لا أتخيل عماد يقرأ شعرا أمام جمهور، أظنه لم يفعلها أبدا، هو لا يؤمن بهذه الطريقة في التواصل مع جمهوره، يكفيكم قصائدي ما الذي تريدونه من صوتي وشكلي وابتساماتي وتوقيعي؟ هكذا أتخيل رده، لا أتخيله في استوديو يناقش مع مقدم برامج ثقافية تطور القصيدة العربية، ولا أتخيله يقف على منصة يستلم جائزة أدبية، ولا أستطيع أن أصدق أن عمادا أرسل يوما كتابا له في مظروف إلى لجنة تحكيم جائزة أفضل كتاب شعري، والجوائز التي حصل عليها، كانت تأتيه حتى بيته، لتطلب منه جائزتها.
في حوار بموقع الكتابة الثقافي يكتب الروائي حسن عبد الموجود:
(لم يبد الأمر سهلا بالنسبة لعماد، حينما وصله إيميل بفوزه من أمانة الجائزة كان مترددا، ولم يرد على الفور. كان حائرا بين الحفاظ على عزلته، وبين كسر الصورة الشائعة التي تؤرشفه في خانة «المعتزل» أو «المتكبر»، خاصة أن أمانة الجائزة تختار الفائزين بها دون تقدُّم ولا ترشيحات، بطريقة راقية تليق بمفهومه للشعر، إذ يرى أنه لا يصح أن ينافس في مسابقة أو يزاحم في طابور. سيطرت عليه الحيرة، فلجأ إلى صديقه الشاعر أحمد شافعى: «أعزّ الناس على روحي، لم أستشر أحدا سواه. سألته عن رأيه، فقال لي جملة كانت حاسمة: لا يصح أن تظل- طوال الوقت- تحارب اسمك)».
أجمل ما في عماد هو كونه كذلك، خائفا من الزحمة ومترددا في عبور شارع عام، أجمل ما في قرائه هو حبهم له على هذه الحالة الطبيعية. التي تشبه حياة في البراري الحرة والآمنة، بلا ضجيج مؤسسات ودور نشر وسيارات ومصانع، واتحادات وسجون وفضائيات، نحب عماد في هذه المنطقة، نحتاجه في حيز خاص، هامسا ومشيرا لنا من بعيد، حيز يشتغل فيه بمهارة قاطع أشجار عالية في الجيل القريب، وصياد غيوم، ونسّاج ظلال ومستودع لأسرار الغزلان والأنهار البعيدة والوحوش.
شاعر شاب وشاعر كبير
(الأول يدرس الثاني ليتخطاه، الثاني يفتش في الأول عن دم جديد، لأشعاره، شحنة ديناميت، مع أقل حكة ستنفجر).
في كتاب (يا أعمى) الصادر 2023 عن دار أثر السعودية، لا يكتب عماد شعرا، أنه يكتب كل شيء، السخرية والخوف والأصدقاء والشعراء والحب والجنون والبلاد والشعر، يقول لي عماد عن هذا الكتاب: (أرهقني هذا الكتاب فهو تصفية لحساباتي مع الشعر ومع نفسي والزمن والشعراء)، من مسافة صفر يكتب عماد ناره وكهوفه، لا يحسب حسابا لأي شيء، وهذه العبارة ليست في قاموسه (مغامرة غير مضمونة العواقب)، يسخر من أدباء شبان يصرخون في وجهه: أنت الماضي ونحن المستقبل، ويتخيل أنه يهنئ محمود درويش بعد تحرير فلسطين كاملة، ويرى نفسه ضمن جمهور أمسية للوركا وعاملا كساقي في إحدى حانات قونية، قرب جلال الدين الرومي، وقابل هيدجر في بيته الريفي وتأمل السعادة في وجهه، ولمح كفافيس جالسا على شاطئ البحر، اقترب منه وسأله: ماذا تفعل هنا وسط البرد والمطر؟ وحلم أنه قشة في نهر، وحاول إنقاذ تسيلان قبل أن يغرق، وعلى مشارف الخمسين اعتذر للفراهيدي، ويدعو الناس إلى عدم تضييع الوقت في البحث عن قبر لوركا، فهو هناك بين جناحي أمه.
اللغة في الكتاب حادة وهشة في آن، والإيقاع الخارجي ليس مهما، المهم هو إيقاع الفكرة، وشجاعتها وحزنها.
(الشاعر أكثر الكائنات عرضة للكسر، لأنه قارورة جمال).
(لابد أنك كنت الطفل المدلل في العائلة
قصائدك تنقصها صفعة أبوية
تنقصها نار الشعر التي تندلع بين اليد والخد)
معلم كتابة هو عماد، النص مشدود بخيط محسوب سمكه غير مرئي، لا شحم، لا تجاعيد لغوية، اللغة بسيطة ولكنها غير بسيطة تقترن بسياق وفكرة مجنونة وعميقة، ومتماسك مثل تفاحة، بعد تسع كتب شعرية، يقف في الصف الأول ممن يبحث عنهم القراء، يخيب عماد أمل الملهوفين، للقاء شخصي وتوقيع وصورة حتى في تخييبه لرغبة هؤلاء هو شاعر، فهو لا تركهم يعودون دون تعويض، والتعويض هو ديوان جديد، ينهمرون عليه فيسامحونه، في العالم يقرأون عماد بعيون واسعة، فنصوصه تتسع لكثير من الـتأويلات، والقصص والإحالات. يمد شعر عماد يده بآلاف القطع من الحلوى، فيمد يده طفل من آخر العالم هذه هي طريقة الشعراء الكونيين.
ا(لكون كله بيت الشاعر، وحده يمكنه مد يده بقطعة حلوى لطفل، يتيم يقيم في الطرف الآخر من العالم، وتصل، ليأكلها).
على أطراف الكتابة الروائية القصصية والمسرح والسينما والرقص والشعر يقيم عماد، كم يحيرنا،!. في كتابه ( يا أعمى)، هو يبدو على وشك أن يكون قاصا، ولكنه ليس قاصا، ويبدو وكأنه مخرج سينمائي، وهو ليس كذلك، ويبدو راقص كلمات ومغنيا وهو ليس براقص ولا مغن، ويبدو مؤلفا مسرحيا، وهو ليس كذلك، يبدو شاعرا وهو كذلك تماما.
فنان الأجناس الأدبية وملك التجوال المدروس في مساحاتها، تجوال لا يتخطى فيه درجة غير ضرورية، يغادر عماد كل نوع أدبي يدخله، يغادره شاكرا، تلحقه الأنواع على الدرج، وتدعوه لإقامة دائمة، يعتذر عماد، يخرج بهدوء إلى بيته الريفي في براري الإحساس: بيت الشعر.
(يا رب
أنت الذي خلقتني شاعرا.
تعرف أني أردت أن أكون خبازا أو نجارا.
لن يلعنني فم ممتلئ بلقمة من رغيفي.
لن يكرهني جسد يرتاح على سرير صنعته بنفسي
أنا لا أعترض على مشيئتك،
لكن لا تجعل كلماتي فريسة للناس والزمن.
امنحني سكينة أن أعيش بلا مدائح أو شتائم.
ارزقني بنعمة أن أشيخ بوقار).
طلبت من عماد أن يرسل لي سيرته فضحك طويلا وكتب: من مواليد المنصورة يعيش في القاهرة، من عام 1991 ويعمل في صحيفة الوفد.
حتى في تقشف مفردات سيرته شاعر، لا يريد من الحياة سوى كتاب وكوب شاي كما قال في حواره مع موقع الكتابة. شاعر مثل عماد يعيش في العتمة الخفيفة، عتمة الشعراء الكونيين لا يمكن أن يغضب منه أحد.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نجوى كرم تغني لأول مرة "عتوقيت قلبي" باستعراض عالمي| صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قدمت اللبنانية نجوى كرم لأول مرة أغنيتها الجديدة "عتوقيت قلبي" وسط عرض استثنائي عالمي، في ختام برنامج "أراب جوت تالنت".
وتجدد نجوى كرم تعاونها في جديدها "عتوقيت قلبي" مع الملحن عماد شمس الدين، والموزع الموسيقي هادي شرارة، فيما تولى عملية الميكس والماستر إيلي بربر، وذلك بعد أن صاغ الكلمات الشاعر مازن ضاهر.
وتقول كلمات الأغنية:
عتوقيت قلبي .. الساعة هلّق عشق ونُصّ
وانتَ قاعد جنبي
بدّي تضلّ بقُربي .. بدل السّاعة سّاعة ونُصّ
ما بيشبع منّك قلبي
ما بدّي إلّا عيونك تيشوفوني حلوة
حتّى القمر من دونك مش عم شوفو مضوي
الله بلاني بالحبّ وشو حلوة هالبلوة..".
وفيديو أغنية "عتوقيت قلبي" من إخراج المخرج اللبناني عماد عبود، وتضمن مشاهد استعراضية مبهرة تفاعل معها الجمهور في ختام حلقات الموسم السابع من البرنامج الشهير "أراب جوت تالنت".