فتاوى لفضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد مفتي عام سلطنة عُمان
تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT
شابٌ يعمل في أحد المطاعم التي تم مقاطعتها يقول: حاليًا أبحث عن عمل في مكان آخر؛ لأنه لا يريد أن يكون داعمًا لهذه المطاعم بالعمل فيها، ولكن توجد لديه التزامات مادية ومديونية ولم يجد عمًلا آخر في موقع آخر فما نصيحتكم له؟
نصيحتي له أن يجتهد في السعي والبحث والتماس عمل آخر، والحقيقة أن هذه المسألة أيضا من المسائل التي كشفت عنها هذه الأحداث فإن هذه الشركات المؤيدة للعدوان والظلم والطغيان وللكيان الغاصب لم يسأل وكلاؤها الذين أخذوا هذه الوكالات وفتحوا لهم فروعًا في بلاد المسلمين -ابتداءً- عن الحكم الشرعي في أن تكون لهم مثل هذه الوكالات التي يفتحون بها هذه المحلات؛ لأن هذه التوجهات لدى هذه الشركات لم تكن خفية، وما كانت مقتصرة في إظهار عدائها للإسلام وأهله وفي مناصرة الظلم والطغيان وفي كون بعضها أصلا شركات تابعة للصهاينة البغاة المعتدين الظالمين، لم يكن هناك خفاء في أمرها، ولكن الناس وخصوصًا هؤلاء الذين يتسابقون إلى الحصول على توكيلات وفتح فروع لا يفكرون إلا في تجميع الثروات، لا يلتفتون إلى الحكم الشرعي وإلا فإن الذي تطمئن إليه نفسي أن أخذ وكالات لهذه الشركات المعادية للإسلام والمسلمين والتي عرفت من مواقفها السابقة أنها مؤيدة للظلم مؤيدة للطغيان والعدوان مؤيدة للفجور في أبشع صوره ومستهزئة بالدين أنه لا يصح أصلا أن تفتح لها فروع في بلاد المسلمين.
وليس شيء منها مما لا بديل له أصلا حتى يقال إن الضرورة تلجئ وإن للضرورة أحكامها، لا. هذا غير صحيح، فالحقيقة أن في ذات وجودها إشكالا شرعيا -ابتداء- أما وقد كشفت اليوم هذه الأحداث ما يجب أن يصار إليه من موقف شرعي إزاءها، فالحقيقة هي أنه يجب أن يكون للمسلمين سواء كان ربا لعمل أوكان من العمال أن يلتمس الرزق الحلال الطيب، وألا يكون سببا لظلم إخوانه وأن يكون سببًا لتطهير المسلمين من مثل هذه الرذائل ومثل هذا الدنس، إضافة إلى أنها ليست صحية في الحقيقة فهي مدمرة للصحة.
في قوله تعالى: «وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا» السؤال ما هي الطريقة الصحيحة التي نطبّق بها الآية الكريمة حيث نجد اليوم البعض يجهر بالصلاة السرية وغيرهم لا نسمع منه سوى تكبيرة الإحرام وهكذا؟
أولًا ينبغي لنا أن نفهم معنى الآية الكريمة، فإن الآية نزلت في توجيه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في الفترة المكية، ومن المفسرين من يرى بأن المقصود هوالدعاء وأن الصلاة هنا يقصد بها الدعاء؛ لأن الآية الكريمة ورد قبلها « قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا» لكن هذا القول هو قول الأقل منهم، وأكثر قول السلف والمفسرين المقصود هو الصلاة المعهودة.
وقيل بأن المقصود القرآن في الصلاة «ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها» أي بقراءة القرآن ولا أرى أن هذين القولين متعارضان؛ إذ المقصود هو الجهر بالقرآن في الصلاة؛ فإن فعل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما كان يجهر فإن ذلك كان يثير المشركين فيدفعهم إلى أن يسبوا كتاب الله عز وجل ومن أنزله، وأن يسبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهي عن هذا القدر من المجاهرة التي تدفع إلى مثل هذا الفعل الشنيع والعياذ بالله، ونهي عن المسارة ولا تخافت بها، والخفت أوالمخافتة يقصد بها المبالغة في الإسرار، ووجّه إلى أن يسلك مسلكا وسطا بحيث لا تثور حفيظة المشركين لكن من شاء السماع من المؤمنين معه أو ممن كان يسترق السمع من المشركين فإن ذلك يتاح له ولذلك قال ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا فالمقصود بابتغاء السبيل بين الجهر والإخفات.
والإخفات هو أن يكون قصدًا لا هو بالجهر الذي يثير حفيظة المشركين ويعلمهم بأحواله فيتعرض بسبب ذلك للقرآن الكريم سبا وشتما ولله تبارك وتعالى ولرسوله والمؤمنين ولا بالمسارة بالإخفات الذي يمكن أن يمنع الراغبين في الانتفاع من سماع القرآن الكريم وسماع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلـم- وهو يتلوه في صلاته، أما فيما يتعلق بالشطر الثاني الذي هو بنى عليه السؤال فإن الصلاة السرية المطلوب من المصلي فيها هو أن يحرك لسانه وشفتيه بما يسمع نفسه فقط بما يسمع أذنيه، ورخّص بعض الفقهاء نظرا لصعوبة أن يتمكن من إسماع نفسه دون أن يسمع من كان ملاصقا له فرخص في هذا القدر، مع ذلك ليحرص على أن يكون إسماعه لنفسه في الصلاة السرية أما في الصلاة الجهرية فبقدر ما يسمع المصلين مع المصلين خلفه وذلك يعتمد على أحوال المسجد والجماعة والله تعالى أعلم.
في قوله تعالى في سورة الحق «وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ» لماذا خصّ الله تعالى الشاعر بكلمة تؤمنون وخص الكاهن بكلمة تذكرون؟
لأن كون القرآن أبعد ما يكون عن الشعر لا يخفى على أحد، فالشعر له طابعه وله خصائصه وصفاته وهؤلاء يعلمون يقينا أنه ليس من الشعر، فلم يدعهم إلى نسبته إلى الشعر إلا كذبهم وجحودهم وكفرانهم، ولذلك قال وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، وكان يمكن لهم أن يعرفوا أنه ليس بقول كاهن، ولذلك ناسب هذا الوصف ما يتعلق بنسبة القرآن إلى الكهانة، كما ناسب هناك الكفر والجحود والتكذيب في حق نسبة القرآن إلى الشعر أن يقال لهم قليلا ما تؤمنون.
كيف الخلاص من الأموال التي بقيت في الذمة عندما ينساها الإنسان؟على سبيل المثال الشراء من شخص ولم يدفع له؟
نعم في ذمته، والمسألة واضحة ولها أحوال فإذا كان يعرف الشخص الذي اشترى منه فإن عليه وجوبا أن يؤدي إليه ذلك الحق وأن يسعى قدر استطاعته إلى الوصول إليه، وإن كان الله تعالى قد اختاره فليؤد ذلك الحق إلى ورثته هذا إن كان يعلم صاحب الحق الذي اشترى منه.
وإن كان لا يعلم صاحب الحق واجتهد قدر استطاعته في التعرف عليه وفي تذكره ولكن لم يصل إليه، فإن عليه في هذه الحال أن يدفع ذلك المال إلى فقراء المسلمين بنية التخلص. وإن أمكن له إذا كان يظن أنه يمكن الوصول إلى صاحب الحق بطريقة أوبأخرى
فليوثق ذلك في وصيته ليوصي بذلك فإن يأس وغلب على ذلك، فإنه يتعذر الوصول إلى صاحب المال فحينئذ يدفعه كما تقدم إلى الفقراء والمساكين والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله الله تعالى رسول الله فی الصلاة أن یکون
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: القرآن أولى عناية كبرى بما يحقق مصالح الناس
عبر الدكتور نظير محمد عيّاد- مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في بداية كلمته خلال مسابقة بورسعيد الدولية للقرآن الكريم عن خالص تحيَّته وتقديره لمن كان سببًا في هذا اللقاء المبارك ومع هذا الجمع المبارك والحدث المبارك، وخصَّ بالذكر بشكل عام أسرة محافظة بورسعيد بشكل عام، وبشكل خاص اللواء محب حبشي -محافظ بورسعيد- .
وأشار إلى أن الله تعالى أيد رسله بالمعجزات الباهرات والآيات البينات التي تدل على صدق نبوتهم ورسالتهم، وكانت معجزة كل نبي من جنس ما اشتهر به قومه، فلما جاءت رسالة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وخاتم النبيين كانت رسالة عامة وخاتمة فكانت معجزتها خالدة باقية بخلود وبقاء رسالته صلى الله عليه وسلم ألا وهي القرآن الكريم.
وقال : لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم معجزات حسية عديدة كغيره من إخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومع ذلك كان لا بد لهذه الرسالة من معجزة تلائم طبيعتهم، فتتعدد وجوه إعجازها لتقيم الحجة على الخلق كافة وتستمر وتتجدد على مر الأيام لتظل شاهدة على الأجيال المتلاحقة بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وربانية رسالته.
وأكد المفتي أن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى الدائمة للمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكن معجزة حسية كمعجزات غيره من الأنبياء من قبله؛ لأن المعجزة المادية لا تؤدي هذا الدور ولا تصلح لهذه المهمة، وإنما كانت معجزته معنوية خالدة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء من نبي، إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".
وبين اختصاص القرآن الكريم وتفرده بأمور عديدة دون غيره من المعجزات، ومن هذه الأمور أنه معجزة عقلية جاءت موافقة لطور الكمال البشري ونضوج الإدراك العقلي والعلمي الذي وافق عصر النبوة وما تلاه، كما أنه حجة على كل من بلغته آیات هذا القرآن ووعى ما جاء فيه من دعوة إلى الله، فهو رسول في الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما اختص بتعهد الله تعالى بحفظه وصيانته من التحريف والتغيير والتبديل قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].. ثم هو بعد كل ذلك مهيمن ومتضمن لما في الكتب السابقة من دون أن تتصادم حقائقه مع عقل صحيح ولا علم ثابت بيقين.
ثم انتقل إلى بيان أن القرآن الكريم قد أولى عناية كبرى بكل ما من شأنه تحقيق مصالح البشر؛ فسن ما يحفظ على البرية كلياتها الخمس: نفسها، ودينها، وعقلها، وعرضها، ومالها، كما جاء بأمهات الفضائل وجوامع الأخلاق والآداب، وقرر المسؤولية الفردية ومسؤولية المجتمع كذلك، ومع أن القرآن قد أقر سنة التعدد والاختلاف بين الناس لكنه دعاهم للتعارف والتعاون فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: ١٣].
وأشار المفتي إلى أن القرآن الكريم قد حرر المرأة، وأعاد لها ما صادرته عليها أنظمة المجتمعات في ذلكم الوقت من حقوق لا يتسع المقام لتعدادها وبيانها، وجاء بفلسفة جديدة تقوم على العدل والمساواة والشورى والاحترام، كما وجه العباد إلى كل خير، فأمرهم بأحسن الأخلاق، وأرشدهم إلى أقوم القيم، وأفضل المبادئ.
وأكد استحسانه لما فعلته محافظة بورسعيد عندما حرصت على إقامة مسابقة للقرآن الكريم تذكيرًا بفضله، وتأكيدًا على واجب الأمة نحوه، وتنبيها على خطورة هجره، وقبح الإعراض عنه، الأمر الذي يؤكد على أهمية التنافس في حفظه، والتسابق في القيام بأمره، والعمل بما فيه.